لعل خيال المخرج المصري لم يستطع ان يصل الى الفهم الصحيح لدوستويفسكي فحول القصة إلى فيلم اكشن منخفض المستوى، والغريب أن المخرج الروسي للحرب الروسية الاوكرانية واخوة الأوكراني لم يستطيعا فهم ابن جلدتهم دوستويفسكي في صراعهم الحالي من أجل تعديلات حدودية كبيرة، فحولوا الحرب إلى فيلم منخفض المستوى.
فحقيقة هذه الحرب ليست خلافات حدودية أو دفاعا عن أقليات روسية او حتى منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الأطلنطي، فدول البلطيق الثلاث الصغيرة، استونيا ولاتفيا و وليتوانيا انضمت الى حلف الأطلنطي دون فعل عملي اعتراضي من روسيا، ودول اوروبا الشرقية انضمت إليه برغم التعهدات اللفظية للغرب، ولا أعتقد أن السبب هو حماقة الاخ الأوكراني في معاملة إخوته الروس الأوكرانيين.
أن السبب الحقيقي لهذه الحرب هي صراع دولي من اجل الوصول الى المياه الدافئة ، فالغرب يريد تطويع الاخ الروسي للاستجابة لضغوطه والاكتفاء بدوره المحدود داخل البلدان المحيطة به دون التناقض مع المصالح الغربية ، والاندماج في الكتلة الغربية طبقا لشروطها ، فيملأ الدنيا صياحا حول الاستقلال الوطني ومصالح الشعوب، والاخ الأوكراني المتطرف يثير النوازع القومية للبقاء في السلطة و يستجيب للأهداف الغربية كي يتلقى الدعم اللازم منها ، والاخ الروسي يدرك أهدافه ولكنه يتصايح ايضا حول النزعة النازية والحقوق القومية للأقليات الروسية وبرغم ذلك فان سلوكه الفعلي في ميدان القتال هو بالضبط القتال من أجل الاستمرار في الوصول الى المياه الدافئة ، الأمر الذي أسفر عن الحط من قيمة وقامة دوستويفسكي بتحويل قصته ، قصة الصراع بين الاخوة ، الى فيلم سلافي هابط المستوى.
لقد تحولت هذه الحرب الى حرب حدودية بليدة، مثلها مثل كل الحروب الحدودية التي لا تنتهي بغالب ومغلوب، غالب يستطيع أن يملى أرادته ويصل بالحرب الى اللا حرب بتوقيع اتفاقات تنهيها وتعكس موازين القوى الفعلية، وقد كشفت كذلك حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية للأطراف المتصارعة سواء كانت تساهم بشكل مباشر أم غير مباشر.
فروسيا التي خرجت من أزمة اجتماعيه عميقة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وبرغم استعادة جزء كبير من طاقتها الاقتصادية والسياسية، فإنها لم تستطع بعد الوصول الى القدرة الاقتصادية لإنتاج الأسلحة المتقدمة، التي نجحت فعليا في إنتاج نماذجها الأولية، مثل طائرات القتال الأكثر تقدما والخفية من الجيل الخامس، السوخوى 57 والميج 41، أو دبابات القتال الرئيسية 14 T، أو حتى طائرات القتال المتعددة المهام من الجيل الرابع والنصف السوخوى 35 والدبابات T90 الأقل تطورا من ال T14 ، كما لم تتطور طاقتها الاقتصادية الى الحد الذى يسمح لها بخوض معارك ممتدة الزمان أمام خصوم يتملكون طاقات اقتصادية اعلى كثيرا ، وقدرات أعلى في إنتاج الأسلحة الأكثر تقدما.
كما كشفت عن هشاشة النظام الاجتماعي الأوكراني وعدم قدرته على الوصول الى المستويات الاجتماعية الاوروبية وتخلف بنيته الإنتاجية وسيطرة الاتجاهات المتطرفة على الحكم، في معظم الفترات التي أعقبت الاستقلال عن الإمبراطورية السوفيتية، وما صاحب ذلك من تخلف إمكانياته الدفاعية، الأمر الذي جعله رهينة للقوى الغربية.
لقد كشفت هذه الحرب كذلك ان الكتلة الاقتصادية الأوروبية، التي تقترب في حجمها وطاقتها من الكتلتين الأخيرتين، الصين والولايات المتحدة، تقف على أقدام سياسية ضعيفة مفتقدة للتوحد وتعانى من خلل هيكلي في مجال الطاقة يجعلها رهينة لتوجهات مصادر الإمداد، برغم التطور الملحوظ في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذى ترتب علية المزيد من الانعكاسات الاقتصادية السلبية وتصاعد النشاط الجماهيري المعترض.
ولقد كشفت كذلك عن حقيقة موازين القوى العالمية ومستوى تطور قوى الإنتاج على الصعيد العالمي، فما زالت الولايات المتحدة الامريكية القوى العالمية الأساسية ، ولم تنجح اى من القوى الأخرى العالمية في الاقتراب منها ، سواء أكانت الصين الشعبية أم روسيا الاتحادية ، ومازال الفارق يتسع مع القارة العجوز الأوروبية ، ومازالت البرازيل والهند ابعد عن التأثير في الموازين العالمية ، ومازال هناك الاحتياج الى مزيدا من الزمان الذى قد يمكن فيه تحقيق بعض التوازن ، أو حتى يمكن فيه تحقيق خلق تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة مثل البركسيت .
ولعل الأمل الوحيد للشعوب والدول ، الغير منخرطة في هذا الصراع الدامي ، للنجاة من الضغوط المتزايدة ومن التأثيرات الاقتصادية السلبية ، برغم نجاحها الى الان في ذلك ، رغم تزايد هذه التأثيرات الاقتصادية ، هو إدراك مختلف الأطراف سواء بين الاخوة الروس والاوكرانيين أم في من يتوارى خلفهم ويدعم استمرار الحرب ، أن هذه الحرب قد تمتد لمئة عام بصرف النظر عن نتائج الجولة الجارية ، فروسيا ستقاتل لضمان الوصول للمياه الدافئة وهو ما فعلته لقرنين من الزمان في صراعها مع الدولة العثمانية ، والاخ الأوكراني عليه إدراك أن الحل الوحيد أمامه هو ضمان وصول أخية الروسي الى المياه الدافئة وأنه لا يمكنه الاستمرار في السلطة إلا بإدراك حقائق الصراع الدائر والتخلي عن لعب دور التابع ، وعلى الغرب أدراك الدور الخطير الذي يقوم به وحدود هذا الدور مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية الداخلية وتراكم التأثيرات الاقتصادية الداخلية السلبية داخل بلدانها.
ولعل الموقف الوحيد الحكيم هو الذي اتخذته البلدان المنتجة للنفط والكثير من الدول النامية بالدفاع عن مصالحها وعدم الانجرار والاستجابة للضغوط الدولية لدعم أحد الأطراف، فهل تستطيع الصمود والاستمرار، نأمل ذلك.
فحقيقة هذه الحرب ليست خلافات حدودية أو دفاعا عن أقليات روسية او حتى منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الأطلنطي، فدول البلطيق الثلاث الصغيرة، استونيا ولاتفيا و وليتوانيا انضمت الى حلف الأطلنطي دون فعل عملي اعتراضي من روسيا، ودول اوروبا الشرقية انضمت إليه برغم التعهدات اللفظية للغرب، ولا أعتقد أن السبب هو حماقة الاخ الأوكراني في معاملة إخوته الروس الأوكرانيين.
أن السبب الحقيقي لهذه الحرب هي صراع دولي من اجل الوصول الى المياه الدافئة ، فالغرب يريد تطويع الاخ الروسي للاستجابة لضغوطه والاكتفاء بدوره المحدود داخل البلدان المحيطة به دون التناقض مع المصالح الغربية ، والاندماج في الكتلة الغربية طبقا لشروطها ، فيملأ الدنيا صياحا حول الاستقلال الوطني ومصالح الشعوب، والاخ الأوكراني المتطرف يثير النوازع القومية للبقاء في السلطة و يستجيب للأهداف الغربية كي يتلقى الدعم اللازم منها ، والاخ الروسي يدرك أهدافه ولكنه يتصايح ايضا حول النزعة النازية والحقوق القومية للأقليات الروسية وبرغم ذلك فان سلوكه الفعلي في ميدان القتال هو بالضبط القتال من أجل الاستمرار في الوصول الى المياه الدافئة ، الأمر الذي أسفر عن الحط من قيمة وقامة دوستويفسكي بتحويل قصته ، قصة الصراع بين الاخوة ، الى فيلم سلافي هابط المستوى.
لقد تحولت هذه الحرب الى حرب حدودية بليدة، مثلها مثل كل الحروب الحدودية التي لا تنتهي بغالب ومغلوب، غالب يستطيع أن يملى أرادته ويصل بالحرب الى اللا حرب بتوقيع اتفاقات تنهيها وتعكس موازين القوى الفعلية، وقد كشفت كذلك حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية للأطراف المتصارعة سواء كانت تساهم بشكل مباشر أم غير مباشر.
فروسيا التي خرجت من أزمة اجتماعيه عميقة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وبرغم استعادة جزء كبير من طاقتها الاقتصادية والسياسية، فإنها لم تستطع بعد الوصول الى القدرة الاقتصادية لإنتاج الأسلحة المتقدمة، التي نجحت فعليا في إنتاج نماذجها الأولية، مثل طائرات القتال الأكثر تقدما والخفية من الجيل الخامس، السوخوى 57 والميج 41، أو دبابات القتال الرئيسية 14 T، أو حتى طائرات القتال المتعددة المهام من الجيل الرابع والنصف السوخوى 35 والدبابات T90 الأقل تطورا من ال T14 ، كما لم تتطور طاقتها الاقتصادية الى الحد الذى يسمح لها بخوض معارك ممتدة الزمان أمام خصوم يتملكون طاقات اقتصادية اعلى كثيرا ، وقدرات أعلى في إنتاج الأسلحة الأكثر تقدما.
كما كشفت عن هشاشة النظام الاجتماعي الأوكراني وعدم قدرته على الوصول الى المستويات الاجتماعية الاوروبية وتخلف بنيته الإنتاجية وسيطرة الاتجاهات المتطرفة على الحكم، في معظم الفترات التي أعقبت الاستقلال عن الإمبراطورية السوفيتية، وما صاحب ذلك من تخلف إمكانياته الدفاعية، الأمر الذي جعله رهينة للقوى الغربية.
لقد كشفت هذه الحرب كذلك ان الكتلة الاقتصادية الأوروبية، التي تقترب في حجمها وطاقتها من الكتلتين الأخيرتين، الصين والولايات المتحدة، تقف على أقدام سياسية ضعيفة مفتقدة للتوحد وتعانى من خلل هيكلي في مجال الطاقة يجعلها رهينة لتوجهات مصادر الإمداد، برغم التطور الملحوظ في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذى ترتب علية المزيد من الانعكاسات الاقتصادية السلبية وتصاعد النشاط الجماهيري المعترض.
ولقد كشفت كذلك عن حقيقة موازين القوى العالمية ومستوى تطور قوى الإنتاج على الصعيد العالمي، فما زالت الولايات المتحدة الامريكية القوى العالمية الأساسية ، ولم تنجح اى من القوى الأخرى العالمية في الاقتراب منها ، سواء أكانت الصين الشعبية أم روسيا الاتحادية ، ومازال الفارق يتسع مع القارة العجوز الأوروبية ، ومازالت البرازيل والهند ابعد عن التأثير في الموازين العالمية ، ومازال هناك الاحتياج الى مزيدا من الزمان الذى قد يمكن فيه تحقيق بعض التوازن ، أو حتى يمكن فيه تحقيق خلق تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة مثل البركسيت .
ولعل الأمل الوحيد للشعوب والدول ، الغير منخرطة في هذا الصراع الدامي ، للنجاة من الضغوط المتزايدة ومن التأثيرات الاقتصادية السلبية ، برغم نجاحها الى الان في ذلك ، رغم تزايد هذه التأثيرات الاقتصادية ، هو إدراك مختلف الأطراف سواء بين الاخوة الروس والاوكرانيين أم في من يتوارى خلفهم ويدعم استمرار الحرب ، أن هذه الحرب قد تمتد لمئة عام بصرف النظر عن نتائج الجولة الجارية ، فروسيا ستقاتل لضمان الوصول للمياه الدافئة وهو ما فعلته لقرنين من الزمان في صراعها مع الدولة العثمانية ، والاخ الأوكراني عليه إدراك أن الحل الوحيد أمامه هو ضمان وصول أخية الروسي الى المياه الدافئة وأنه لا يمكنه الاستمرار في السلطة إلا بإدراك حقائق الصراع الدائر والتخلي عن لعب دور التابع ، وعلى الغرب أدراك الدور الخطير الذي يقوم به وحدود هذا الدور مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية الداخلية وتراكم التأثيرات الاقتصادية الداخلية السلبية داخل بلدانها.
ولعل الموقف الوحيد الحكيم هو الذي اتخذته البلدان المنتجة للنفط والكثير من الدول النامية بالدفاع عن مصالحها وعدم الانجرار والاستجابة للضغوط الدولية لدعم أحد الأطراف، فهل تستطيع الصمود والاستمرار، نأمل ذلك.