أ. د. محمد حسن عبدالله - لؤلؤ منثور.. مباراة في الذكاء.. والدهاء!!

1- اللؤلؤة : مباراة في الذكاء .. والدهاء !!
" دخل عبيد الله بن ظبيان على عبد الملك بن مروان، بعد أن أتاه برأس "مصعب بن الزبير"، ومعه ناس من وجوه بكر بن وائل، فأراد أن يقعد معه على سريره، فقال له عبد الملك: ما بال الناس يزعمون أنك لا تشبه أباك؟
قال: والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل، والغراب بالغراب، والماء بالماء، ولكن إن شئت أنبأتك بمن لا يشبه أباه.
قال: ومن ذاك؟
قال: من لم يولد لتمام، ولم تنضجه الأرحام، ومن لم يشبه الأخوال والأعمام .
قال : ومن ذاك؟
قال: ابن عمي سويد بن منجوف.
قال عبد الملك: أو كذلك أنت يا سويد؟
قال: نعم .
فلما خرجا من عنده أقبل عليه سويد ، فقال: وريت بك زنادي! والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفا واحدا مما قلت له ، وأن لي حمر النّعم.
قال: وأنا والله ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم .
2- المحــارة :
- درست، وحفظت هذه النادرة الطريفة، بالغة الطرافة في دلالتها على الذكاء وسرعة الخاطر، وحسن التقدير في الموقف الصعب . درستها في الفرقة الثانية بكلية دار العلوم – في درس الأدب الأموي – على يد أستاذي الدكتور المرحوم "محمد عبد العزيز الكفراوي" فحفظتها لطرافتها، وما زلت .
- أتأمل في هذا الخبر النادر : الذكاء، واللماحية، وسرعة الجواب، وبداهة التقدير في كافة أطراف الحوار : "عبيدالله" بَكري معتز بنسبه ، وهو كذلك من جاء برأس "مصعب بن الزبير" عدو الخليفة الأموي، من ثم ينتفخ اعتزازاً بتاريخه وواقعه معاً ، حتى ليتقدم ويريد أن يتصدر المجلس إلى جوار الخليفة. من ثم : كانت عبارة "عبد الملك" التي تحقره، ويفترض أن تربكه .
- غير أن "عبيد الله" لم يرتبك ، فقدم ثلاثة تشبيهات متتالية، تؤكد صحة نسبه، ثم أتبعها بأن عرّض بشخص مجهول (لم يحدده) لا يشبه أباه .. وهكذا استفز الخليفة ليعقب بالسؤال عنه!! فما كان من "عبيد الله" إلا أن ذكر اسم ابن عمه "سويد" الحاضر في المجلس !! في حين أنه - في الحقيقة – ذكر ما ينسب إلى الخليفة"عبد الملك" نفسه !!
- هنا يتورط الخليفة في تفصيل السؤال، وفي هذه اللحظة الرهيفة يبادر "سويد" فيقر بصدق ابن عمه فيما وصفه به ، في حين أنه كان يعرف أن المقصود هو الخليفة نفسه !!
- هكذا تدل مأثورات الأدب العربي (التراثي) على حدة الذكاء، وسرعة الخاطر، ودقة التعبير، كما تدل على الوعي النفسي، وحسن التقدير !!
3- الهيــر :
- اللؤلؤة من : مقتنيات الذاكرة الخاصة ، ومصدرها : كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ – الجزء الأول .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى