محمود شاهين - بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثون لوثيقة الاستقلال الفلسطيني . الفلسطينيون مازالوا يملكون أوراق القوه في مواجهة الباطل

٣٤ عاما مرّت على اعتلاء الزعيم الراحل ياسر عرفات منصة اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ19 بالجزائر، وإعلانه بحماسة "وثيقة استقلال دولة فلسطين". ورغم اعتراف العشرات من دول العالم بحق الفلسطينيين في هذا الاستقلال، فإن تطبيقه على الأرض ما زال حلما.

ومنطق التاريخ الحديث، لم يصمد أي احتلال لشعب آخر. فقد قضى الاستعمار نحبه. وكل من يسيطر على الشعب الفلسطيني سيختفي ومصير فلسطين المستقلة قد اقترب ومصير الاحتلال سيكون مشابها لمصير احتلال الجزائر أو فيتنام.

فقوة إرادة الشعوب تفوق في نهاية المطاف كل قوة عسكرية ولن يرهبنا نجاح اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو على مقاليد السلطة في (إسرائيل)، ولن تخيفنا الشعارات المتطرفة التي يرفعها ويدعو لها قادة التحالف اليميني الذي فاز في انتخابات الكنيست الصـهـيوني الأخيرة، تلك الشعارات التي تترد على لسان ابن غفير وسموتريتش، الداعية إلى ضم الضفة الغربية وطرد العرب وإقامة الهيكل ونجاح اليمين الذي صادف ذكرى الاستقلال لن يزيدنا سوى اصرار وتصميم على استمرار النضال والكفاح الفلسطيني حتى تحقيق مطلبنا في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، أعلن عرفات "قيام دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس"، وهو الإعلان الثاني من نوعه، فقد أعلنت حكومة "عموم فلسطين" الوثيقة الأولى للاستقلال في أكتوبر/تشرين الأول 1948، وتشكّلت على إثرها حكومة في غزة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي.

الفلسطينيين يحيون سنويا ذكرى إعلان وثيقة 1988 التي كتب نصها الشاعر الراحل محمود درويش، والتي استندت -كما جاء في إعلانها- إلى "الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في وطنه، وقرارات القمم العربية، وقوة الشرعية الدولية، وممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه".

وجاء في الوثيقة: رغم التزييف التاريخي بمحاولة تعميم مقولة "إن فلسطين أرض بلا شعب"، فإن المجتمع الدولي في ميثاق عصبة الأمم لعام 1919، وفي معاهدة لوزان لعام 1923، اعترف بأن الشعب الفلسطيني -شأنه شأن الشعوب العربية التي انسلخت عن الدولة العثمانية- هو شعب حر مستقل.

واستندت الوثيقة إلى الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في الأراضي المحتلة قبل عام من هذا الإعلان، وقالت إن الفلسطينيين بهذا "التراكم الثوري النضالي" يؤكدون على حقوقهم الثابتة وممارستها فوق أرضهم.

لكن الرسالة السياسية التي أرادتها القيادة الفلسطينية حينها تتلخص في توجهها نصا إلى "الأمم المتحدة لتتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني"، وإلى دول العالم "أن تعينها في تحقيق أهدافها بوضع حد لمأساة الفلسطينيين وتوفير الأمن لهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم".

ورغم تحديد الوثيقة أراضي الدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم "181" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ونص على أن تكون 42% منها للفلسطينيين، فإن منظمة التحرير وقعت بعد 5 أعوام اتفاق أوسلو (1993) واعترفت بموجبه بإسرائيل، وطالبت بدولة على حدود الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.

هل كان هذا نكوصا عن وثيقة الاستقلال؟ هو ليس كذلك ، فاتفاق أوسلو كان يتضمن مرحلة انتقالية تنسحب فيها إسرائيل من أراضي الضفة وغزة لتنشأ السلطة الفلسطينية عليها، تليها مفاوضات الحل النهائي التي تحدد شكل دولة فلسطين وحدودها وعاصمتها وحقوقها، وهو ما لم يصل إليه الفلسطينيون حتى الآن". بسبب التعنت والتعسف الصهيوني

فشل خيار المفاوضات باعتراف المفاوضين أنفسهم، وحاولت السلطة تبني الخيار الدبلوماسي كإستراتيجية في عملها السياسي، وفي عام 2012 نجحت في الحصول على اعتراف أممي بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وفي عام 2015 حصلت على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، ثم رُفع العلم الفلسطيني بين الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، إلا أن هذا كله لم يسمح بتكريس الاستقلال على الأرض أيضا.

والحقيقة إن موازين القوى الدولية ما زالت ليست في صالح الفلسطينيين ، فالعالم الذي يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين لم يستطع فرض اعترافه بدولة فلسطين واقعا على الأرض، إلى جانب دعم الولايات المتحدة السياسي والعسكري لإسرائيل وسيطرتها على النفط، الشريان الرئيس لاقتصاد المنطقة العربية وأنظمتها، مما عرقل تطبيق الحلم الفلسطيني.

ان "إسرائيل وظفت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب واستفادت من عمليات التطبيع العربية في تعزيز هيمنتها وترسيخ احتلالها ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع لمشروعها الاستيطاني

منذ ذلك التاريخ حتى هذا اليوم، يؤكد الواقع القائم أن تحقيق «دولة فلسطينية مستقلة» خلال فترة قريبة أصبح حلماً لا يمكن أن يتحوّل لواقع، فكافة المؤشرات الفلسطينية والعربية والدولية تدلّل على أن القضية الفلسطينية لم تصبح أولوية، بل باتت عبئاً ثقيلاً يريد الجميع أن يتخلّص منها بأي طريقة، ومهما كان حجم التنازل أمام أي مشروع للتسوية فلن تنجح إسرائيل من تمرير مخططها ولن تتمكن من تحقيق مشروعها التوسعي ، وإن كان هناك محاباة دائمة للجانب الإسرائيلي إلا أنه يبقى محكومًا بمعادلة التوازن العربية الإسرائيلية في المنطقة التي تحافظ عليها الإدارة الأمريكية منذ عام 67 تقريبًا.


يجب على العالم أن يدرك وأن لا يسقط من حساباته صمود الشعب الفلسطيني وتصديه للاحتلال، هذا الصمود والتصدي الذي واجه الاستيطان الصـهـيوني منذ وعد بلفور 1917 حتى هذه اللحظة ومنع بوضوح إكمال تنفيذ المخططات الصـهـيونية المدعومة غربيًا في فلسطين، ولولا هذا الصمود وهذا التصدي لتحولت فلسطين منذ الانتداب البريطاني إلى وطن قومي خالص لليهود.

ان اليمين الصـهـيوني رغم تشدده الظاهر فإنه كان دائمًا الفريق الذي يتخذ الخطوات الحاسمة باتجاه التنازل والميل للتسوية مع العرب والفلسطينيين، "فمناحيم بيغن" هو الذي عقد اتفاقية السلام مع السادات وتخلى بموجبها عن كامل سيناء التي احتلها الجيش الصـهيوني في عام 67، وشارون كان هو الزعيم الصـهـيوني الذي تجرأ على الانسحاب من غزة، وبدأ الانسحاب من الضفة لولا أنَّ القدر لم يمهله لتنفيذ خطة الانسحاب، تلك الظاهرة التي تدل على أن تنازل الصقور أسهل بكثير من تنازل الحمائم رغم شراسة الصقور الظاهرة ووداعة الحمائم المدعاة.

المشروع الصـهـيوني في فلسطين، وهو في أوج قوته وفي أكثر مراحل التاريخ المواتية للحركة الصـهـيونية، لم يستطِع أن يحقق كامل أهداف الحركة الصـهـيونية، وتباطأت عوامل الدافعية لديه إلى أن استقرت عند الحال القائمة الآن بوجود نحو مليون وسبعمائة ألف عربي داخل فلسطين بحدود 1948، ونحو خمسة ملايين وثلاثمائة وستون ألف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة حسب مركز الإحصاء الفلسطيني، وهو عدد يتجاوز عدد اليهود المقيمين في فلسطين التاريخية، هذه المعادلة الديموغرافية لا يمكن بحال من الأحوال وبعد مرور ما يزيد على مئة عام على المشروع الصـهـيوني أن تغيرها أي قوة على وجه الأرض، ناهيك بأن الشعب الفلسطيني يمتلك من وسائل القوة ما لم يكن يمتلكه قبل مئة عام، وهو ما مكّن المشروع الصـهـيوني من تحقيق أهدافه جزئيًّا.

في الذكرى ال 34 تغيرت موازين القوى ولم تعد في صالح الكيان الصهيوني وأن الشعب الفلسطيني بات يملك من عوامل القوه والأوراق التي تمكنه من خلط الأوراق والقدره على مواجهة التطرف الصهيوني لان الشعب الفلسطيني يملك قوة الحق في مواجهة الباطل الصهيوني وادعاءاته وأن الخيارات باتت مفتوحة أمام الفلسطينيين الذين بمقدورهم تغيير قواعد أللعبه العربية والاقليميه والدولية


في الذكرى ال 34 نذكر العالم أجمع إن «وثيقة الاستقلال» نصّت على «مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال، وترسيخ السيادة والاستقلال»، وفي الواقع إن نضال شعبنا الفلسطيني ضد إسرائيل لم يتوقف منذ احتلالها لفلسطين ، فقدم شعبنا الشهداء والجرحى والأسرى دفاعا عن ارض فلسطين ، وما زال نضال شعبنا الفلسطيني مستمر في مواجهة الاحتلال والتصدي لمخططات اليمين الفاشي الذي لن ترهبه تهديداته وسيواصل نضاله حتى تحقيق الاستقلال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى