الدكتور سيد شعبان جادو - أنا والطيب صالح

لا أعلم أديبا تربطني به آصرة غيره؛ على أية حال لست من أقربائه؛ وإن كانت سحنتي كما يراني الآخرون أشبه بسمرته، تلك القرابة جاءتني من سريان نصوصه بل شخصياته في سردي، أزعم أنني أسايره حتى لايعترضني جني ممن سكنوا كرمكول وأمدوه بحكاياته التي لايكاد يقربها إنسي، هو مبدع على طريقته من صوغ عباراته وانفساح أفقه في المعالجة، أراني أحد مجاذيبه، قد يسخر قاريء من هذا الذي ينتسب إلى عمنا الطيب صالح، للحقيقة لم أدع شبها به، غير أنني مفتون بسرده الذي سطره عبر قصصه ورواياته.
المسكوت عنه في موسم الهجرة إلى الشمال ينبيء عن صراع أدارته يد دفعت بمصطفى سعيد إلى ذلك المصير.
أحاول الفكاك من أسره فأعجز، منذ ما يقارب الخمسة وعشرين عاما كان أستاذي الطاهر مكي يدرس لنا القصة القصيرة، أول نص أطالعه للطيب كان “يوم مبارك على شاطيء أم باب” تملكني السحر، من كاتب يعيش أجواء الشيخ والمريد، لايعرف الدهشة من لم يجلس إلى الطاهر مكي!
يخايل بك في أودية الجن إذ يناغم بصوته، يحاور بلكنته، يضفي من مهارته، لعله تلبسه شيطان من كرمكول!
أفلح إذ وضع قلمي على أول السطر سردا، لم يتوان حتى ذهب بنا إلى اليمن حيث زياد مطيع دماج، وإيملي نصر الله وليلى العثمان، وغيرهم حتى إذا دل على البداية شرعت في تقصي أثر الطيب صالح في دومة ودحامد وضو البيت وموسم الهجرة إلى الشمال، انجذبت إلى عالمه، بدا لي السودان عالما من بكارة الحكي وغضارته، لم أكتف من الشرب من معينه، وجدتني هناك حيث جبل الأولياء وأم درمان ومروي وحكايات المهدي والتعايشي وعالم من نقاء الخلوة.
جاء الطيب صالح بسرد مغاير، تستطيع أن تصفه بأديب الجنوب مقابل أدباء الشمال، هذا نجيب محفوظ يحتل واجهة الثقافة تدور في مقاهي ونوادي القاهرة عجلة السرد والنقد يخرج علينا “رجاء النقاش” يوجه الأنظار إلى الجنوب حيث النيل يصرع الصخور يصدر كتابه”الطيب صالح عبقري الرواية العربية” شغل الناس ومايزال بسرده آية في التعبير ومقدرة في الغوص داخل كنه شخصياته.
بعض النقاد يربطون بينه وبين بطل موسم الهجرة إلى الشمال مصطفى سعيد؛ ذلك افتئات على الرجل وخروج عن السرد إلى ممرات الشخصية والزج بها في تأويلات بعيدة، فالطيب رجل منتمي لأمته ولغتها، تستطيع أن تلمس فيه تصوف أهل السودان وعنفوان تدينهم.
لغة الطيب صالح تمتاز بالعذوبة وتنفر من الغرابة لكنها تسري في الأدب العربي تيارا قويا، هذا أنا بما اختزنته من عالم الطيب صالح حيث دلني عليه أستاذي الطاهر أحمد مكي، يحلو السمر حين يتملح بتلك المفردات من بيئته، انظره وهو يقص علينا فحولة بنت مجذوب أو أنوثة حسنة بنت محمود، يصرع مصطفى سعيد جين موريس أو آن همند، تتخيله يقص عليك من عالم ألف ليلة وليلة، ينتقل بك إلى أجواء لندن وذلك الصراع الذي أداره دون رصاصة بل انتقام الفحولة من بنات بني الأصفر!
ومن يومها وتلك العلاقة تعالج بطرق شتى والأدب أحدها، غير أن موهبة الطيب صالح اختزلت كل هذا أقامت جسورا من التلاقي في لعبة الحكي الممزوج بالعجائبية.
هل جنت رواية موسم الهجرة إلى الشمال على الطيب صالح؟
ذلك رأي لايخلو من ظن، فتكاد تلك تلاحقه حتى إن بعضا من الدول العربية منعتها من المقررات، بل غمطت غيرها من مؤلفاته فبدت كشرك نصب له، وظني أن شهرة العمل الأدبي تحجب منجز المبدع. غير أن السودان حين أقام جائزة باسمه قد أعلى من ذكره وهيأ للباحثين والقراء التعرف على أعماله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى