غالبا ما نتحدث عن الأحلام كأننا نعرف طبيعتها وماهيتها ومصدرها ،كيف نشأت وتطورت وتجسدت أو انكسرت ثم اضمحلت .
والحقيقة ،أن ما من شيء أغرب وأعجب من الأحلام، إذ لا يمكن الحسم لا في طبيعتها الربانية ولا الإنسانية ، فمن علماء النفس من يرى أنها منبع الجنون، ومنهم من يعتقد أنها إحدى أسرار العبقرية وشق آخر ذهب ألى كونها لغة النزوات النابعة من اللاوعي ، والبعض الآخر من أنها شبكة معقدة من الرموز المعبرة عن إنسانيتنا.
لكن ما الحلم ؟
هو صورة نتخيلها قد تقطع مع الزمان والمكان وتكون نابعة من رغبة تسكننا .
من الوهلة الاولى ، يمكن القول ،أن لا علاقة تربط الحلم بالواقع باعتباره صورة متخيلة ، لكن ، إذا أمعنا التفكير والنظر ، استطعنا أن نستنتج أنه النواة الاولى لجل انجازاتنا وأن عالمنا الخارجي، كان في الأصل مجموعة من الأحلام، كتب لها أن تتحقق .
إن الأحلام حتى إن كانت نابعة منا، إلا أنها غريبة التشكيلة ، لا تشبه ما ندركه وما نعلمه في شيء ، لأنها مخالفة لسنن وقوانين العالم ، إذ قد تنشأ من الفوضى أحيانا وأحيانا أخرى قد تكون خاضعة لنظام خاص بها .
أحلامنا هذه ، ليست مادية لخلوها من الأجساد قبل أن تتحقق ، ولا هي عدمية لأنها قد تلازمنا لفترات زمنية طويلة فتجعلنا نعيش من أجلها ،نرى العالم من خلال صورها ، قد تكون ذات طبيعة نفسية ،فتزورنا تارة في اليقظة وطورا في النوم .
غالبا ما تكون عزيزة علينا جدا ، بفقدانها ، ينسحب منا رويدا وريدا عالم الطفولة ببراءته وسحره وثرائه واتساعه وجماله.
هي الزهر الذي لم يوجد بعد ، والطيور التي تحدثنا عن أسفارها والسماء التي تفتح لنا أبوابها وأسرارها ، هي الشجرة التي أنبتت لنا من الثمار ما لم نذقه قط ومن الأزهار ما لم نره بعد، وهي الأرض الخضراء الممتدة في كل الفصول والأمكنة ، الأغاني التي لم نسمع لها مثيل ، الأشخاص الذين لم نقابلهم قط، رغم شعورنا بأننا نعرفهم حق المعرفة.
فالأحلام عالم موازي ذو مراتب متعددة : مرتبة أعماق النفس و المرتبة التي تتجاوزها، مرتبة ما يتصل بالروح ، مرتبة ما يتصل بالغيب ، مرتبة مرتبطة بالواقع ، وأخرى منقطعة عنه، لها صلة باللامعقول، مرتبة بلوغ الجمال والانسجام ، مرتبة قريبة من الالهية برفع الحجب والاستكشاف .
هي أحلام خاضعة أيضا لزمنية خاصة بها ، إذ منها ما هو بريء لا يعرف لا الخير ولا الشر يظهر في مرحلة الصبا الاولى ،و أخرى هي أحلام الشباب تدور في مجملها حول اكتساب القدرة والقوة والمتعة والسلطة والسعادة ومنها أحلام الهروب من الواقع ، ومنها أحلام الأبدية والتنكر لسنة التحول وحقيقة العدم ، منها أحلام الخلق تلك المسكونة بهوس الإبداع من قصائد وروايات وأشعار وموسيقى ونحت ومسرح وسينما ومنها أحلام اكتشاف بعض القواعد والانظمة التابعة للمجال العلمي.
إذا ما أردنا أن نتقصى حقيقة العالم، فعلينا أن نتبين الاحلام الظاهرة والباطنة ، الاحلام الغابرة والفانية ، الاحلام التي تحققت وتلك المنكسرة ، أحلام الغيب الحبلى بالمستقبل ، والاحلام الهامشية وتلك المستحيلة التي لن تكتب في أي دفتر،
حتى يبرز لنا ذلك الخليط العجيب الذي يمزج بين الممكن واللاممكن في ما نحيا وفي ما نفعل ، في ما ندرك ولا ندرك وفي ما نرى ولا نرى ،
فمنا من لم يلامس جفنه مدة أعوام طويلة ولو حلم ضئيل واحد حتى ولو كان محوره ابتسامة عابرة أو صبح بعيد يملؤه الود والورد ، ومنا من خسر في لحظة وبضربة قاضية كل أحلام العمر فتهشمت أمامه مثل سقوط قصور الزجاج في لمحة ،حتى انهار معها ولم يستفق لا من سقوطها ولا من انهياره ، ومنا من يبحث عن قبر أحلامه دون أن يعثر عليه أو يتذكر عنوانه أو يجد حرف واحد لوصفها أو ذكرها ومنا من تملكته أحلامه وسكنته وتمكنت منه فلم تغادره وحين فشل في تحقيقها نسى نفسه وماضيه وحاضره فلم يتذكر غيرها، ومنا من تخلص من أحلامه سواء تلك التي كانت تزوره في النوم أم في اليقظة الحلم تلو الحلم ، آملا في أن يتحرر من وهمها .
أحلامنا هذه، هي وجوه لحياة أخرى ممكنة كنا نود أن نعيشها، أو ربما أخيلة وصور نبتكرها لنبعث من العالم المحيط بنا عالما آخر أكثر ألفة وأنسا.
أما كيف تتحول أحلامنا التي تحققت إلى واقع، فتلك مسألة أخرى، لا تقل أهمية ولا تعقيدا ، فبيوتنا في الأصل كانت أحلاما وكذلك حدائقنا وممتلكاتنا وسياراتنا وآلاتنا وأدواتنا وشاشاتنا وهواتفنا وحواسبنا وسفننا وبواخرنا وطائراتنا خزائننا ومعادننا ومجوهراتنا ، بعد أن تحولت إلى إنجازات ومبتكرات ومباني ومكتسبات تؤثث العالم وتتحكم في أنظمته حتى باتت تناهض الأحلام الخفية التي لم يكتب لها لا البروز ولا الانجاز.
كيف كتب علينا من دون جميع المخلوقات، أن نحلم بما لم يوجد بعد وأن نسعى إلى تحقيقه فنفلح تارة ونفشل أخرى ؟
أليس الحلم تلك الفجوة بين ما هو موجود وما هو غير موجود، بين رغبتنا وما هو متاح لنا، أليس هو الخيال في صوره المتعددة الممكنة منها والمستحيلة ؟
إنه الوجه الآخر للحياة، باعتبارها إمكانيات خلق لا تنتهي.
كاهنة عباس .
والحقيقة ،أن ما من شيء أغرب وأعجب من الأحلام، إذ لا يمكن الحسم لا في طبيعتها الربانية ولا الإنسانية ، فمن علماء النفس من يرى أنها منبع الجنون، ومنهم من يعتقد أنها إحدى أسرار العبقرية وشق آخر ذهب ألى كونها لغة النزوات النابعة من اللاوعي ، والبعض الآخر من أنها شبكة معقدة من الرموز المعبرة عن إنسانيتنا.
لكن ما الحلم ؟
هو صورة نتخيلها قد تقطع مع الزمان والمكان وتكون نابعة من رغبة تسكننا .
من الوهلة الاولى ، يمكن القول ،أن لا علاقة تربط الحلم بالواقع باعتباره صورة متخيلة ، لكن ، إذا أمعنا التفكير والنظر ، استطعنا أن نستنتج أنه النواة الاولى لجل انجازاتنا وأن عالمنا الخارجي، كان في الأصل مجموعة من الأحلام، كتب لها أن تتحقق .
إن الأحلام حتى إن كانت نابعة منا، إلا أنها غريبة التشكيلة ، لا تشبه ما ندركه وما نعلمه في شيء ، لأنها مخالفة لسنن وقوانين العالم ، إذ قد تنشأ من الفوضى أحيانا وأحيانا أخرى قد تكون خاضعة لنظام خاص بها .
أحلامنا هذه ، ليست مادية لخلوها من الأجساد قبل أن تتحقق ، ولا هي عدمية لأنها قد تلازمنا لفترات زمنية طويلة فتجعلنا نعيش من أجلها ،نرى العالم من خلال صورها ، قد تكون ذات طبيعة نفسية ،فتزورنا تارة في اليقظة وطورا في النوم .
غالبا ما تكون عزيزة علينا جدا ، بفقدانها ، ينسحب منا رويدا وريدا عالم الطفولة ببراءته وسحره وثرائه واتساعه وجماله.
هي الزهر الذي لم يوجد بعد ، والطيور التي تحدثنا عن أسفارها والسماء التي تفتح لنا أبوابها وأسرارها ، هي الشجرة التي أنبتت لنا من الثمار ما لم نذقه قط ومن الأزهار ما لم نره بعد، وهي الأرض الخضراء الممتدة في كل الفصول والأمكنة ، الأغاني التي لم نسمع لها مثيل ، الأشخاص الذين لم نقابلهم قط، رغم شعورنا بأننا نعرفهم حق المعرفة.
فالأحلام عالم موازي ذو مراتب متعددة : مرتبة أعماق النفس و المرتبة التي تتجاوزها، مرتبة ما يتصل بالروح ، مرتبة ما يتصل بالغيب ، مرتبة مرتبطة بالواقع ، وأخرى منقطعة عنه، لها صلة باللامعقول، مرتبة بلوغ الجمال والانسجام ، مرتبة قريبة من الالهية برفع الحجب والاستكشاف .
هي أحلام خاضعة أيضا لزمنية خاصة بها ، إذ منها ما هو بريء لا يعرف لا الخير ولا الشر يظهر في مرحلة الصبا الاولى ،و أخرى هي أحلام الشباب تدور في مجملها حول اكتساب القدرة والقوة والمتعة والسلطة والسعادة ومنها أحلام الهروب من الواقع ، ومنها أحلام الأبدية والتنكر لسنة التحول وحقيقة العدم ، منها أحلام الخلق تلك المسكونة بهوس الإبداع من قصائد وروايات وأشعار وموسيقى ونحت ومسرح وسينما ومنها أحلام اكتشاف بعض القواعد والانظمة التابعة للمجال العلمي.
إذا ما أردنا أن نتقصى حقيقة العالم، فعلينا أن نتبين الاحلام الظاهرة والباطنة ، الاحلام الغابرة والفانية ، الاحلام التي تحققت وتلك المنكسرة ، أحلام الغيب الحبلى بالمستقبل ، والاحلام الهامشية وتلك المستحيلة التي لن تكتب في أي دفتر،
حتى يبرز لنا ذلك الخليط العجيب الذي يمزج بين الممكن واللاممكن في ما نحيا وفي ما نفعل ، في ما ندرك ولا ندرك وفي ما نرى ولا نرى ،
فمنا من لم يلامس جفنه مدة أعوام طويلة ولو حلم ضئيل واحد حتى ولو كان محوره ابتسامة عابرة أو صبح بعيد يملؤه الود والورد ، ومنا من خسر في لحظة وبضربة قاضية كل أحلام العمر فتهشمت أمامه مثل سقوط قصور الزجاج في لمحة ،حتى انهار معها ولم يستفق لا من سقوطها ولا من انهياره ، ومنا من يبحث عن قبر أحلامه دون أن يعثر عليه أو يتذكر عنوانه أو يجد حرف واحد لوصفها أو ذكرها ومنا من تملكته أحلامه وسكنته وتمكنت منه فلم تغادره وحين فشل في تحقيقها نسى نفسه وماضيه وحاضره فلم يتذكر غيرها، ومنا من تخلص من أحلامه سواء تلك التي كانت تزوره في النوم أم في اليقظة الحلم تلو الحلم ، آملا في أن يتحرر من وهمها .
أحلامنا هذه، هي وجوه لحياة أخرى ممكنة كنا نود أن نعيشها، أو ربما أخيلة وصور نبتكرها لنبعث من العالم المحيط بنا عالما آخر أكثر ألفة وأنسا.
أما كيف تتحول أحلامنا التي تحققت إلى واقع، فتلك مسألة أخرى، لا تقل أهمية ولا تعقيدا ، فبيوتنا في الأصل كانت أحلاما وكذلك حدائقنا وممتلكاتنا وسياراتنا وآلاتنا وأدواتنا وشاشاتنا وهواتفنا وحواسبنا وسفننا وبواخرنا وطائراتنا خزائننا ومعادننا ومجوهراتنا ، بعد أن تحولت إلى إنجازات ومبتكرات ومباني ومكتسبات تؤثث العالم وتتحكم في أنظمته حتى باتت تناهض الأحلام الخفية التي لم يكتب لها لا البروز ولا الانجاز.
كيف كتب علينا من دون جميع المخلوقات، أن نحلم بما لم يوجد بعد وأن نسعى إلى تحقيقه فنفلح تارة ونفشل أخرى ؟
أليس الحلم تلك الفجوة بين ما هو موجود وما هو غير موجود، بين رغبتنا وما هو متاح لنا، أليس هو الخيال في صوره المتعددة الممكنة منها والمستحيلة ؟
إنه الوجه الآخر للحياة، باعتبارها إمكانيات خلق لا تنتهي.
كاهنة عباس .