في قراءة لكتاب "معمارية النص الروائي (التعدد الدلالي وتكامل البنيات)" للكاتبين: د.محمد صابر عبيد، و د. سوسن البياتي؛ كان مما التفت إليه، مقطع من مقدمة الكتاب، جاء فيه:
"(الرواية أكثر الفنون الأدبية استجابةً لمنطق العملية النقدية وآلياتها وتقاناتها الحديثة، والأكثر رضوخًا لمتطلبات فكر القارئ/المتلقي في العصر الراهن الذي يعطي القراءة هذا الموقع المتميّز في النظرية النقدية الحديثة، وهو الجنس الأدبي (الأكثر تعبيرًا عن الثقافة، الفكر، الفلسفة، الحياة. وهو مازال كنتاج أدبي إبداعي متقدم على نظريات الأدب ومذاهب النقد الأدبي. ولذلك فغالباً ما تتم اكتشافات جديدة لمعاني بعض الأعمال الأدبية بعد زمن طويل من ولادتها، وبما ينقض ويتجاوز التقويمات النقدية الأولى والمبكرة)، إذ تعمل انفتاحات القراءة على طبقات النص وطيّاته الآن أكثر من أيّ وقت مضى، على طريق الكسف الأدبي والجمال النوعي في عملية الاستقراء والتأويل وإعادة الإنتاج".
ولكي نفهم فحوى المفهوم- معمارية النص- الذي ارتآه المؤلفان؛ فيمكن إيجاز ذلك ضمن كتابهما بالقول: (لكي يتحقَّق المسعى النَّقديُّ الجادُّ في عمليَّة القراءة النقديَّة، لا بدَّ –أوَّلًا- من فهم النَّصّ فهمًا دقيقًا وشاملًا، أفقيًّا وعموديًّا، بعيدًا عن اشتراطات المؤلف وتأويلاته ومواضعاته المسبقة، والتمكّن من آليات اشتغال العمليَّة النقديَّة ثانيًا وعدّتها القرائيَّة على صعيد الرؤية والمنهج والمصطلح والنَّشاط الأسلوبيِّ للكتابة النقديَّة نفسها، وهي شروط أساسيَّة من شروط النقد في مشروعه الحداثيِّ الجديد.
تسعى هذه الدِّراسة إلى الاقتراب من هذا المسعى النقديِّ بآفاقه ومنظوره العامّ، عبر الكشف عن المفاصل الأساسيَّة التي عملت على إرساء قانون النظام الروائيّ، وخلعه على نصوصه التي كُتبَت -تحت هذه التسمية- لروائيٍّ عُرِف عنه شغفه الحادُّ بالقصَّة القصيرة التي غادر أرضها الساحرة مؤّقَّتًا، ووجد في النَّصِّ الروائيِّ ما يسمح له بالحريَّة القصوى في التعبير عمّا يشاء....)
لا أخفي القارئ؛ أنني لا أستسيغ إطلاق "صيغة التفضيل" على أيّ مسمى أو حالة أو وصف لشيء ما، لأن معنى ذلك؛ حصر الأفضلية ونزعها عن غيرها كممارسة إنسانية فكرية، ولما كانت "إنسانية فكرية"، فإن ذلك يجعلنا ندخل ضمن إشكالية عدم ثبات الحكم ضمن منطق محدد وممارسة محددة أيضا، ولأنها فكرية؛ فإن اتفاق الألباب والأفهام عملية نادرة الحدوث بفعل اختلاف المدارك وطريقة تقييمها للطرح.
لقد تحدث المؤلفان عن حظوة الرواية الأكثر، كفن أدبي، يستجيب لمنطق العملية النقدية، ثم الأكثر رضوخا لمتطلبات فكر القارئ/المتلقي في العصر الراهن ....الخ.
وهنا يجب تثبيت نقطة محلها علامة استفهام؛ هل يتوجب على الناقد أن يؤصل لفن أدبي، أيّا كان، ويعطي له حكمًا راسخًا بصيغة التفضيل، ثم يسعفه التبرير بالقول "في العصر الراهن"، على أساس أن التقييم يكون متأرجحًا بين العصور!
ثم أكد المؤلفان على أنه الجنس الأدبي ( الأكثر تعبيرا عن الثقافة، الفلسفة، الحياة.)، وهنا موطئ اختلاف آخر، مع تثبيت الأداة الواحدة "صيغة التفضيل".
إن التنظير لفن أدبي ما، لا يكون بإغفال فنون أخرى - وإن كان العنوان يتحدث عنه – وتثبيت تحيز لممارسة قد تُرى على أنها المحدد الأساسي للتقييم "مجتمع القراءة"، ولعلمنا أن مجتمع القراءة متغير في ذاته، بفعل إرهاصات فكرية ومجتمعية وثقافية، تختلف من عصر إلى عصر، خاصة في تحوّل هذا المجتمع بفعل التكنولوجيا إلى إطلاق التقييمات وفق منظومة مشاع، لا تتفق على معيار للتقييم، وهذا يمكن الاستدلال به من خلال ما نراه من تهافت "مجتمع قرائي" وبحجم كبير على منتج أدبي، أقل ما يمكن أن يطلق عليه "منتج سطحي".
وكما يقول "رولان بارت" عن مفهوم النص أنه تفاعل المتلقّي مع النص؛ تفاعلًا واعيًا مؤثرا، يتصاعد إلى رؤى متعددة التأويل، مستنبطا القيمة الجماليّة له.
وخلال حوار قصير ضمن نافذة متاحة للفيس بوك؛ تعرضت لهذه النقطة سائلا عمّا أشرت إليه، فكان جوابه:
"بوصفها النوع السردي الأكثر تداولاً وتأثيراً في مجتمع القراءة، وبحكم سعة العمل الروائيّ من حيث استقباله لحيوات أكثر تعقيداً من بقية الفنون الأدبية الأخرى."، وقد جعلني ذلك إلى القول"
"هذا صحيح، لكن في وقت ما؛ كان الشعر مهيمنا على مجتمع القراءة، فهل كان ساعتها هو الأكثر استجابة لمنطق العملية النقدية وأكثر تعبيرا؟" فوافقني المؤلف على ذلك، وعليه قلت:
"إذن؛ الرواية ليست مستمرة في استجابتها لمنطق النقد، إذا كان المحدد "مجتمع القراءة"؟ فكان أن قال:
"لا يوجد شيء يستمرّ في الحياة مثلما هو دائماً.. لا في الفن ولا في غيره.".
من هذا الحوار القصير؛ أرى الإلزام بتأطير حكم وجعله مسارا يتجه لتفضيل فن أدبي عن آخر؛ هو منطق غير مكتمل الدلالة؛ ذلك لأن التقييمات الإنسانية الفكرية متغيرة المسار في التقويمات النقدية الفكرية، علاوة على أن المذاهب النقدية -في اعتقادي- هي اجتهادات معرفية في المنظور العقلي، وليست علوما ثابتة كما هي الحال في التوصيف النظري لمعنى "العلم".
يقول مارك ويغلي: "الرسم المعماري، تقليديًا، يشغل مساحةً بين الفكرة وتجسّدها، وهو، في واقع الأمر، نصف شيء ونصف فكرة؛ إذ إن الرسم المعماري هو خريطةٌ لتحقّق فكرة ما، وهو أيضًا مادةٌ لاختمارها".
وفي رأيي أن التبيان لمعنى الرسم المعماري هو نفسه المؤدي إلى معيارية النص، من خلال اتجاه النص نحو التصور الخارجي والداخلي لتفاعلات النص سواء-كما أشار المؤلفان_ "التعدد الدلالي وتكامل البنيات" أو الانفتاح النص على مساحات شاسعة من المتن الروائي وأفقه وما خلفت تشعبات العمل الروائي من إرهاصات ورسائل ودلالات فكرية تُنضج في قيمة العمل وما يتبين بالمناقشة والتبحر فيه.
وإن التعبير عن هذا لا يكون إلا بتقصد دراسة الجماليات الهندسية الروائية باختلاف مرئيتها أو استنباطها والكشف عنها.
وإنني أوافق الرأي؛ أن انفتاحات القراءة على طبقات النص...الكشف الأدبي والجمالي النوعي في عملية الاستقراء والتأويل وإعادة الإنتاج. لكنني هنا أوضح أن "انفتاحات القراءة" لا تكون للقارئ العادي، وإنما تكون للقارئ المعبأ فكريا في نظرته وتمكنا في الإلمام الحقيقي للمعنى والقصد، كي نحصل على "مجتمع القراءة" الذي من خلاله يمكن أن نجعله ركيزة من ركائز التقييم النقدي للأعمال الأدبية -محل الدراسة- وغيرها من الفنون، ليكوّن أفقا حقيقيا على صعيد المنهج والرؤية اللذين يعبران عن فعالية النشاط الفكري للعملية النقدية.
طلعت قديح
"(الرواية أكثر الفنون الأدبية استجابةً لمنطق العملية النقدية وآلياتها وتقاناتها الحديثة، والأكثر رضوخًا لمتطلبات فكر القارئ/المتلقي في العصر الراهن الذي يعطي القراءة هذا الموقع المتميّز في النظرية النقدية الحديثة، وهو الجنس الأدبي (الأكثر تعبيرًا عن الثقافة، الفكر، الفلسفة، الحياة. وهو مازال كنتاج أدبي إبداعي متقدم على نظريات الأدب ومذاهب النقد الأدبي. ولذلك فغالباً ما تتم اكتشافات جديدة لمعاني بعض الأعمال الأدبية بعد زمن طويل من ولادتها، وبما ينقض ويتجاوز التقويمات النقدية الأولى والمبكرة)، إذ تعمل انفتاحات القراءة على طبقات النص وطيّاته الآن أكثر من أيّ وقت مضى، على طريق الكسف الأدبي والجمال النوعي في عملية الاستقراء والتأويل وإعادة الإنتاج".
ولكي نفهم فحوى المفهوم- معمارية النص- الذي ارتآه المؤلفان؛ فيمكن إيجاز ذلك ضمن كتابهما بالقول: (لكي يتحقَّق المسعى النَّقديُّ الجادُّ في عمليَّة القراءة النقديَّة، لا بدَّ –أوَّلًا- من فهم النَّصّ فهمًا دقيقًا وشاملًا، أفقيًّا وعموديًّا، بعيدًا عن اشتراطات المؤلف وتأويلاته ومواضعاته المسبقة، والتمكّن من آليات اشتغال العمليَّة النقديَّة ثانيًا وعدّتها القرائيَّة على صعيد الرؤية والمنهج والمصطلح والنَّشاط الأسلوبيِّ للكتابة النقديَّة نفسها، وهي شروط أساسيَّة من شروط النقد في مشروعه الحداثيِّ الجديد.
تسعى هذه الدِّراسة إلى الاقتراب من هذا المسعى النقديِّ بآفاقه ومنظوره العامّ، عبر الكشف عن المفاصل الأساسيَّة التي عملت على إرساء قانون النظام الروائيّ، وخلعه على نصوصه التي كُتبَت -تحت هذه التسمية- لروائيٍّ عُرِف عنه شغفه الحادُّ بالقصَّة القصيرة التي غادر أرضها الساحرة مؤّقَّتًا، ووجد في النَّصِّ الروائيِّ ما يسمح له بالحريَّة القصوى في التعبير عمّا يشاء....)
لا أخفي القارئ؛ أنني لا أستسيغ إطلاق "صيغة التفضيل" على أيّ مسمى أو حالة أو وصف لشيء ما، لأن معنى ذلك؛ حصر الأفضلية ونزعها عن غيرها كممارسة إنسانية فكرية، ولما كانت "إنسانية فكرية"، فإن ذلك يجعلنا ندخل ضمن إشكالية عدم ثبات الحكم ضمن منطق محدد وممارسة محددة أيضا، ولأنها فكرية؛ فإن اتفاق الألباب والأفهام عملية نادرة الحدوث بفعل اختلاف المدارك وطريقة تقييمها للطرح.
لقد تحدث المؤلفان عن حظوة الرواية الأكثر، كفن أدبي، يستجيب لمنطق العملية النقدية، ثم الأكثر رضوخا لمتطلبات فكر القارئ/المتلقي في العصر الراهن ....الخ.
وهنا يجب تثبيت نقطة محلها علامة استفهام؛ هل يتوجب على الناقد أن يؤصل لفن أدبي، أيّا كان، ويعطي له حكمًا راسخًا بصيغة التفضيل، ثم يسعفه التبرير بالقول "في العصر الراهن"، على أساس أن التقييم يكون متأرجحًا بين العصور!
ثم أكد المؤلفان على أنه الجنس الأدبي ( الأكثر تعبيرا عن الثقافة، الفلسفة، الحياة.)، وهنا موطئ اختلاف آخر، مع تثبيت الأداة الواحدة "صيغة التفضيل".
إن التنظير لفن أدبي ما، لا يكون بإغفال فنون أخرى - وإن كان العنوان يتحدث عنه – وتثبيت تحيز لممارسة قد تُرى على أنها المحدد الأساسي للتقييم "مجتمع القراءة"، ولعلمنا أن مجتمع القراءة متغير في ذاته، بفعل إرهاصات فكرية ومجتمعية وثقافية، تختلف من عصر إلى عصر، خاصة في تحوّل هذا المجتمع بفعل التكنولوجيا إلى إطلاق التقييمات وفق منظومة مشاع، لا تتفق على معيار للتقييم، وهذا يمكن الاستدلال به من خلال ما نراه من تهافت "مجتمع قرائي" وبحجم كبير على منتج أدبي، أقل ما يمكن أن يطلق عليه "منتج سطحي".
وكما يقول "رولان بارت" عن مفهوم النص أنه تفاعل المتلقّي مع النص؛ تفاعلًا واعيًا مؤثرا، يتصاعد إلى رؤى متعددة التأويل، مستنبطا القيمة الجماليّة له.
وخلال حوار قصير ضمن نافذة متاحة للفيس بوك؛ تعرضت لهذه النقطة سائلا عمّا أشرت إليه، فكان جوابه:
"بوصفها النوع السردي الأكثر تداولاً وتأثيراً في مجتمع القراءة، وبحكم سعة العمل الروائيّ من حيث استقباله لحيوات أكثر تعقيداً من بقية الفنون الأدبية الأخرى."، وقد جعلني ذلك إلى القول"
"هذا صحيح، لكن في وقت ما؛ كان الشعر مهيمنا على مجتمع القراءة، فهل كان ساعتها هو الأكثر استجابة لمنطق العملية النقدية وأكثر تعبيرا؟" فوافقني المؤلف على ذلك، وعليه قلت:
"إذن؛ الرواية ليست مستمرة في استجابتها لمنطق النقد، إذا كان المحدد "مجتمع القراءة"؟ فكان أن قال:
"لا يوجد شيء يستمرّ في الحياة مثلما هو دائماً.. لا في الفن ولا في غيره.".
من هذا الحوار القصير؛ أرى الإلزام بتأطير حكم وجعله مسارا يتجه لتفضيل فن أدبي عن آخر؛ هو منطق غير مكتمل الدلالة؛ ذلك لأن التقييمات الإنسانية الفكرية متغيرة المسار في التقويمات النقدية الفكرية، علاوة على أن المذاهب النقدية -في اعتقادي- هي اجتهادات معرفية في المنظور العقلي، وليست علوما ثابتة كما هي الحال في التوصيف النظري لمعنى "العلم".
يقول مارك ويغلي: "الرسم المعماري، تقليديًا، يشغل مساحةً بين الفكرة وتجسّدها، وهو، في واقع الأمر، نصف شيء ونصف فكرة؛ إذ إن الرسم المعماري هو خريطةٌ لتحقّق فكرة ما، وهو أيضًا مادةٌ لاختمارها".
وفي رأيي أن التبيان لمعنى الرسم المعماري هو نفسه المؤدي إلى معيارية النص، من خلال اتجاه النص نحو التصور الخارجي والداخلي لتفاعلات النص سواء-كما أشار المؤلفان_ "التعدد الدلالي وتكامل البنيات" أو الانفتاح النص على مساحات شاسعة من المتن الروائي وأفقه وما خلفت تشعبات العمل الروائي من إرهاصات ورسائل ودلالات فكرية تُنضج في قيمة العمل وما يتبين بالمناقشة والتبحر فيه.
وإن التعبير عن هذا لا يكون إلا بتقصد دراسة الجماليات الهندسية الروائية باختلاف مرئيتها أو استنباطها والكشف عنها.
وإنني أوافق الرأي؛ أن انفتاحات القراءة على طبقات النص...الكشف الأدبي والجمالي النوعي في عملية الاستقراء والتأويل وإعادة الإنتاج. لكنني هنا أوضح أن "انفتاحات القراءة" لا تكون للقارئ العادي، وإنما تكون للقارئ المعبأ فكريا في نظرته وتمكنا في الإلمام الحقيقي للمعنى والقصد، كي نحصل على "مجتمع القراءة" الذي من خلاله يمكن أن نجعله ركيزة من ركائز التقييم النقدي للأعمال الأدبية -محل الدراسة- وغيرها من الفنون، ليكوّن أفقا حقيقيا على صعيد المنهج والرؤية اللذين يعبران عن فعالية النشاط الفكري للعملية النقدية.
طلعت قديح