د. عبدالجبار العلمي - مظا هر الشعرية في ديوانِ شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم قراءة في كتاب في شعرية ديوان "روض الزيتون" للأستاذ أَحمد اليابوري

نظمتْ مؤسسةُ أبي بكر القادري للفكر والثقافة ندوة في موضوع " أحمد اليبوري والأدب المغربي ، وذلك يوم الخميس 10 نوفمبر 2022. بدأت أعمالها على الساعة الخامسة والربع مساء ، واستمرت إلى السابعة والنصف. تميزتْ بحضور جمهور وازن متميز . تناوبَ الأساتذة المشاركونَ في الندوة على المنصة ، وكانت كلماتهم تنصبُّ على ما اضطلع به الأستاذ أحمد اليبوري في مجال دراسة القصة والرواية ، وعلى ريادته الأكاديمية في مضمار السرد المغربي حيث كانت رسالته الجامعية التي تمت مناقشتها سنة 1967 بكلية الآداب بالرباط تحت إشراف العميد د.محمد عزيز الحبابي . وركز بعضُ الأساتذة على دوره في ازدهار جمعية اتحاد كتاب المغرب ، والحرص على استقلاليتها ، كما أشار البعض إلى مواقفه الشجاعة في دفاعه عن حرمة الجامعة أيام عمادته كلية آداب ظهر المهراز بفاس، ومساندته للقضية الفلسطينية ، ومشاركته الفعالة في المناظرة الوطنية حول التعليم في إيفران، وغير ذلك من المواقف الشجاعة محليا وعربيا . وقد تناول الأستاذ سعيد جبار الكتاب الذي أصدره أستاذنا اليبوري حول" شاعر الحمراء " بالدراسة والتحليل ، تطرق في عرضه إلى جوانب عديدة من شخصية الشاعر المراكشي محمد بن إبراهيم وإبداعه الشعري الغزير المتميز . أما كلمة الأستاذ إبراهيم السولامي زميل وصديق الأستاذ أحمد اليبوري ، فقد تلاها نيابة عنه الأستاذ شعيب حليفي لتعذر حضوره بسبب ظروف صحية. ولا ننسى كلمة مدير المؤسسة التي كانت خير افتتاح لهذا الاحتفاء الرفيع . فهنيئا لأستاذ الأجيال أحمد اليبوري هذا الاحتفاء المستحق ، بارك الله في عمره وزاده من فضله. وبهذه المناسبة، أنشرفيما يلي القسم الأول من دراستي كتابَه الجديد المنوه إليه أعلاه.
في المدخل العام للكتاب، ينصبُّ حديثُ المؤلف على عصر الشاعر وسيرته، فيرصدُ التحولاتِ السِّياسية والاجتماعية التي عرفَها المغرب في الفترة الزمنية التي عاشها الشاعر ما بين ( 1897 و1954 ) ، وتُمثل فترة ما قبل الحماية ، وحقبة الحِماية وما رافقها من الأحداث الكبرى داخلياً وخارجياً.
ثم ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الفضاءات التي عاش فيها الشاعر أو التي كان لها الفضلُ في إخراج ديوانه إلى النور، وتتمثل فيما يلي : فضاء التعليم ـ فضاء الكَلاوي ـ فضاء دار محمد بنبين ـ فضاء القصر الملكي.
يركز المؤلفُ في دراستِه ديوانَ "روض الزيتون" على مجموعة من القضايا والظواهر الفنية، وهي التي تتضمنها أبواب الكتاب السبعة.
الباب الأول : " روض الزيتون " في مرآة النقد
يرصد المؤلف نقد ديوان " روض الزيتون " من خلال أربعة مباحث مركزة هي :
1 ـ الشك في شعر ابن إبراهيم :
يوردُ الناقد في هذا المبحث آراءَ بعضِ الباحثين الذين أثاروا مسألة الشك في بعض شعر ابن إبراهيم واعتبروه منحولاً أو يكاد. ( ص: 25 ) . ومما لاحظَهُ المؤلف أن هؤلاء الباحثين، يتفاوتون في موقفهم منَ الشك في شعره ، فمنهم من يتبنَّى موقفَ الشَّك في بعضِ منجزه الشعري بسبب غزارة قصائد الديوان في حين أَنَّ ظروفَ حياتِه غير المستقرة ، لم تكن لتسمح له بكتابة هذا الكم الغزير من الشعر ، ومنهم من يقف موقفاً أكثر موضوعية واعتدالاً مستنداً إلى أن الديوان محقق تحقيقاً عِلْمياً من لدن محققهِ أحمد شوقي بنبين الذي عانَى في تنسيقهِ وضَبْطهِ والتَّحقُّقِ من نسبةِ شعره إلى صاحبه ما يجعل حِدَّةَ الشَّك تَخِفّ. ويرى المؤلفُ، بعد دراسة إحصائية للشعر المشكوك فيه، أن نسبته لا تتجاوز 2 % بالقياس إلى مجموع أبيات الديوان ( ص: 29 ) ، ويخلص إلى أن ابن إبراهيم ـ وهو الشاعر المقتدر الغزير الإنتاج ـ لم يكن بحاجة إلى انتحال شعرِ غَيْره، والمعروف أن بعضَ شعره تعرَّضَ للضياع ، نتيجة التفريط والنسيان كما يؤكد ذلك صديقُه الفقيه محمد بنبين ، بل كما يؤكد الشاعر نفسه بقوله : " إنه ديوان شعر كان يمكن أن يكون ضخماً جداً لو كان جميعه في حوزتي " ( ص : 29 ).
2 ـ شاعر الحمراء بين السجية والتثقيف: في هذا المبحث يقدم لنا الناقد آراء بعض الباحثين حول شعر ابن إبراهيم ويعلق عليها تعليقات موجزة، فعباس الجراري على سبيلِ المثال قَسَّم شعرَ ابن إبراهيم إلى ثلاثة أقسام : شعر يمسُّ بالمقدسات / شعر إصلاحي / شعر متضامن مع الحركة الوطنية. ويلاحظ الأستاذ الجراري أن شعرَ المسِّ بالمقدسات كان ناتجاً عن ظروف معينة كان يمرُّ بها الشاعر. ويرى المؤلِّفُ أَنَّ تقييمَ الجراري بالنظر إلى تماسُكه ودقته وإنصافه ، يَصْلُحُ أن يكون مدخلاً ملائما لقراءة الديوان. ( ص : 33 ). أما نقاد شاعر الحمراء (القباج ــ كَنون ـ أحمد الشرقاوي إقبال ـ عبد الكريم غلاب)، فيعرض مؤاخذاتهم التي تدور حول ( عدم عناية الشاعر بشعره ) و( عدم تنقيحه وتثقيفه ) و(خفة مضامينه إلى حد السذاجة ) مما يجعل قيمة ابن إبراهيم في ميزان الشعر" خفيفة في أحيان كثيرة " كما يرى أحمد الشرقاوي إقبال ( ص : 35 ) ، وهكذا يجد الباحث أن من مؤاخذات جل نقاد الشاعر تتمثل في أنه كان يَصدُرُ في كتابة شعره عن الطَّبع والسَّجية، ولم يكن من "عبيد الشعر"، بتعبير النقاد القدماء ( ص : 36 ) . يقول الشاعر في قصيدة "هم وأنا " ( الديوان ، ص : 17 )
وَإِنْ كَانَ لِي في الشِّعْرِ مُتْعَةُ خَاطِرٍ فَوِرْدُهُ لي عَذْبٌ وَرَبْعُهُ لي خِصْبُ
قَـريضِيَ تُوحِيــهِ إليَّ قَــرِيحَــــتي فأشْدُو بِه شَدْواً بِهِ يُخْلَبُ الُّلـــبُّ
مَعَانيهِ لي قَدْ أَسْفَرَتْ عَنْ لِثَامِـــها وَيَأْتِي ذَلُولاً مِنْهُ لي يَسْهُلُ الصَّعْبُ
3 ـ في ميزان نقد الشعر المصري : يرصد الناقد في هذا المبحث رحلة محمد بن إبراهيم إلى السعودية ثم إلى مصر التي أقام فيها خمسة عشر يوماً، وساجل بعضَ شعرائهما ، وقام فيهما بعدة أنشطة، أوردَها أحمد متفكر في كتابه " شاعر الحمراء في ألسنة الشعراء " من خلال قصاصات لجرائد مشرقية عثر عليها، تؤرِّخُ لهذه الرحلة المشرقية سنة 1937، وما لقيه من ترحاب وحفاوة وتقدير من لدن الكتاب والأدباء. وبعد أدائه مناسك الحج نظم قصيدةً مطولةً من ستة وثمانينَ بيتاً يُشيد فيها بالملك عبد العزيز آل سعود كان لها أثر طيب في نفسه.( ديوان شاعر الحمراء، ص 145، هامش:4 ، ط.1 )،
ويذكر الناقدُ أن هذه القصيدة لقيتْ استحساناً من لدن الأدباء في السعودية ومصر، تعرَّفوا من خلالها على موهبته وقدراته الشِّعرية، وَأُعْجِبوا بذكائه وثقافته ولَوْذَعِيَته( ص : 38 ). وأثناء إقامة الشَّاعر بالديار المصرية، أقيمت على شرفه المآدبُ والحفلات من لدن أدبائها وبعض المغاربة المقيمين بها، كما ألقى هو محاضرتين حول تاريخ الأندلس، والأدب الحديث في المغرب الأقصى، كان لهما الأثرُ الطيبُ في الوسط الثقافي المصري. وَقَدْ أتيحَ لهُ في هذه الرحلة الثقافية أن يلتقي بكبار الكُتَّابِ والأدباءِ والشعراء بمصر أمثال محمد حسين هيكل والعقاد والمازني وطه حسين وغيرهم من رجال الفكر والسياسة والفن.
( ص : 42 )
4 ـ التصنيف : يرى الباحث أننا لا يمكن أن نضع ديوان "روض الزيتون" في خانةٍ شعريةٍ واحدة ، فالشَّاعِر كلاسيكيٌّ في القصائد التكسُّبِـية ( مدح الكَلاوي)، يَنزعُ نزعةً رومانسيةً في الشِّعر الوجداني وشعر المعاناة ، يميل أحياناً إلى استخدام لغة شعرية قريبة إلى لغة الحياة اليومية كصنيع العقاد في ديوانه " عابر سبيل " ، هذا فضلاً عن معارضته العديدَ من الشُّعراء منهم المتنبي والإمام الشبْراوي وابن الفارض وبَيْرم التونسي. وقد توفقَ في معارضته لبعض النصوص. يقول الأستاذ أحمداليبوري :
" تمكن في معارضةِ (سائق الأظعان) لابن الفارض من إنجاز تحويلٍ صعب ، بمهارة لا تتحقَّقُ إلا لكبار الشُّعراء " ( ص : 43 ؛ الديوان ، ط.1، ص : 440)، كما أنه اعتمد في معارضته لقصيدة ( المجلس البلدي ) بقصيدة ( المطعم البلدي ) "على تلوينات سردية وحوارية لإعطاء قصيدتِه طابعاً متميزاً وحيويةً خاصة " (ص: 43وما بعدها ).
في هذا المبحث أيضاً، نجدُ أنَّ النَّاقِد يضعُ علاقة الشاعر بالكًلاوي في موضعها الصحيح باعتباره شاعراً موظفاً. والشاعر نفسُه كان مدركاً واقعَه الذي أعلن في مناسبات عديدة عن عدم رضاه عنه (ص: 44)، ويؤكد الدكتور إبراهيم السولامي هذا الموقفَ الموضوعيَّ من الشاعر بقوله: " ولا أريد أن أُبَرِّرَ المواقفَ المخزيةَ التي وقفها هذا الشاعر البائس، ولكني أحبُّ التأكيدَ على أن لحظاتٍ مشرقةً كان يعودُ فيها إلى وطنه، فيعانق قضيتَه. " ( )
الباب الثاني : التَّفاعُل ( )النَّصي
يقدم لنا المؤلفُ في هذا الباب صورةً عن التفاعل النصي من خلال بعض النماذج من شعر ابن إبراهيم وغيره من الشعراء قدماء ومحدثين.وتمثل هذه النماذج التناص في مستويين :
أ ـ مستوى ( الاحتذاء ) داخل نفس الغرض الشعري / ب ـ مستوى ( التحويل ) الذي يتم فيه التفاعل بين غرضين شعريين مختلفين.يقسم الباحث النماذج الشعرية مجال دراسته إلى قسمين :
أ ـ نماذج شعرية تقليدية، ويتناول فيها ثلاثة أشكال للتفاعل النصي: ـ التخميس ـ المعارضة ـ التناص.
ب ـ نماذج شعرية حديثة، ويتناول الكاتب في هذا المبحث التناص بين شاعر الحمراء ومدرسة الديوان.
ويورد أمثلة لكل شكل من أشكال التفاعل النصي المذكورة أعلاه، ويذكر الشعراء الذين تفاعل الشاعر مع نصوصهم: " الشمقمقية " لابن الونان ( ت.1187 ) ـ قصيدة "وحقك أنت المنى والطلب " للإمام عبدالله الشبراوي ( ت. 1758 ) ـ قصيدة "المجلس البلدي" لبيرم التونسي. ( ت.1961م. ) ، كما يجد الدارس أن ابن إبراهيم يتناص مع شاعرين هما : المتنبي وابن الفارض ، وذلكفي قصيدته " الرُّعاف " مع القصيدة التي يتحدثُ فيها المتنبي عن الحُمَّى ؛ وفي قصيدة يرثي فيها المهدي المَزْوَارِي مع قصيدة " سائق الأظعان " لابن الفارض، ومطلعها :
سَائِقَ الأَظْعانِ يَطْوي الْبِيدَ طَيّْ مُنْعِماً عَرِّجْ عَلى كُثبانِ طَيّْ ) (
أَمَّا فيما يتصل بتناص ابن إبراهيم مع نماذج شعرية حديثة، فيجد الباحث ذلك تحديداً، مع بعض قصائد العقاد، خاصة في ديوانه " عابر سبيل " الذي يرصد فيه مشاهد من الحياة اليومية بأسلوب يخلو من التكلف والصنعة واستخدام الأساليب البلاغية، ويقترب من لغة المعيش اليومي.
والجدير بالملاحظة أنه يحلل عناصر التفاعل النصي في كل أنواعه تحليلاً دقيقاً مركَّزاً، مقارناً بين نصوص ابن إبراهيم والنصوص التي تفاعل معها لشعراء قدامى ومحدثين، موجِّها نقدَه إلى الشَّاعر في بعض المواضع التي لم يوفق فيها، فقد " كان ابن إبراهيم في معارضته لقصيدةِ الإمام الشبراوي الغزلية ، أكثر إيغالاً في التقليد سواء على مستوى المعجم الشعري أو التركيب البلاغي" ( 58 وما بعدها )
والحقيقة أن من يقرأ قصيدة الإمام الشبراوي “ وَحَقِّكَ أَنْتَ المُنَى وَالطَّلَبْ” التي شَدَتْ بها أم كلثوم وغيرُها من كبار المطربين، يجدها أكثرَ حداثةً معجماً وتركيباً وماءً ورونقاً، والحال أن صاحبَها من مشايخ الأزهر عاش بين ( 1681 ـ 1758 م ) . للدراسة بقية


الهوامش :
1 ـ الشعر الوطني في عهد الحماية ، ط.1، دار الثقافة ، الدار البيضاء، 1974 ، ص : 174
ـ انظر تعريفه التناص في هامش ص : 45
3 ـ شرح ديوان ابن الفارض لسيدي عبدا لغني النابلسي، ج.1 ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، د. ت، ص: 19 وما بعدها.



1669148870991.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى