أمل الكردفاني- بعد عقود سيدخل الناس فقاعاتهم

عندما فُرضت علينا أكذوبة كورونا -قبل أن ينقشع غبارها ويضيع داخله من اعترضوا عليها بدءً من رئيس تنازينا وانتهاءً بترامب- عندما فرضت علينا تلك القوقعة والعزلة، تذكرت قصة قديمة كنت قد كتبتها منذ عقد من الزمان، عن نهاية التطور الإنساني في عزلة، فبانتصار الفردانية والرأسمالية، ومع التكنولوجيا، سيعيش الأفراد في فقاعات صناعية، كل فرد في فقاعته، وفي هذه الفقاعة لا يوجد مرض ولا موت لأنه داخل هذه الفقاعة سيجد الإنسان الفرد كل شيء كالأجواء المعقمة والطعام والجنس والتسلية..الخ. ويبدو أن التكنولوجيا تزحف بنا نحو تلك النهاية.
فاليوم يستطيع كل إنسان أن ينتج موسيقاه التي تخطر برأسه، عن طريق تطبيقات وبرمجيات متنوعة، ويستطيع أن ينتج أفلامه، وينشر كتبه، ويؤدي عمله، ويستلم نقوده، يبيع ويشتري، كل ذلك من خلال هاتفه، يستطيع أن يتعلم في أرقى الجامعات، ويحصل على شهادته ويذهب إلى حفل التخرج دون أن يتحرك من مكانه، من خلال هاتفه، ومن خلال التكنولوجيا الواعدة أو ما يسمى بالميتافيرس metaverse. بدأتِ الآن تكنولوجيا انتاج اللحوم الصناعية والأجبان الصناعية والبيض الصناعي والفواكه الصناعية ألخ. هناك انتاج الماء من الهواء، بدون نهر أو غمام أو مطر، بدون سدود. يتحرك العالم نحو نقل الطاقة عبر الهواء بدلاً عن الأسلاك، وفي لحظة مفصلية سيكتشف رجل ما داخل كوخه طريقة انتاج كهرباء من الجو، لا ماء ولا سدود ولا مراوح رياح.. الخ.
كل تلك التكنولوجيا وأكثر من ذلك، ستتجمع في الفقاعة، وسنعتاد على فقاعاتنا لأنها تمنحنا السلام الذي نبحث عنه، والبعد عن العنف والصراع والموت والمرض والجهل والجدل.
بعد؛ ربما مائتي عام، تزيد أو تنقص، سنحيا داخل تلك الفقاعات. كل بمفرده، وربما سننجب بمفردنا أو لا نحتاج للانجاب عندما نحصل على الخلود والأمن، أو يتم وضع الأجنة في فقاعاتهم الخاصة ليكبروا فيها، بدلا عن مجرد صناعة مستقبلهم كما ذهب إلى ذلك ألدوس هيكسلي في رائعته عالم جديد وشجاع.
وإذا كنا الآن قد نشعر بالكآبة من ذلك التصور، فإن من سيعيشون في ذلك العصر سيشعرون بالتقزز من واقعنا الحالي، حيث الاختلاط الجسدي، والأمراض، والصراع. لقد نقلت ذلك إلى مسرحية من مسرحياتي "الشجرة الثانية" حيث سيتمرد بطلا المسرحية على عالم الفقاعات الفردي ليعودا ويشكلا أول أسرة بعد قرون من العزلة والفردية، ولكنهما سينهزمان في نهاية الأمر ويعودان إلى عالم الفقاعات بعد أن يأكلا من الشجرة.. وفي ذلك بالتأكيد استعارة لشجرة الخلد التوراتية.
إننا قد نرى ذلك مجرد خيال اليوم، ولكننا بالفعل نتجه نحوه بخطى حثيثة. وتقودنا القوى الليبرالية العالمية نحوه. يبدو أنه لم تكن الشيوعية وباقي العقائد والآيدولوجيات وحدها التي تبحث عن جنة الله في الأرض، ولكن الفرق هو أن القوى الليبرالية عملت بجد من أجل رسالة ذات أدوات واقعية أكثر من غيرها، عازفة على ألحان الحرية الفردية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى