فنون بصرية خيرة جليل - انسجام معزوفتي الخط والكتلة بأعمال الفنان التشكيلي السعودي عبد الرحمان السليمان

التشكيل ومن بين مكوناته الرسم وهو أحد الفنون الجميلة التي تشعر الإنسان بكينونته البشرية كنوع من أنواع التعبير التي تطورت مع تطوره المستمر كما تخلصه من الضغوطات النفسية الشديدة ، فما هي خصائص التشكيل لدى الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان؟ وكيف لخص تجربته الحافلة باعماله الفنية الأخيرة ؟
الفنان هو من الإحساء و من قيدومي الرسم بالمملكة العربية السعودية ولن نعود الى مساره الفني لأنه غني عن التعريف وما يهمنا من مساره هو البصمة التشكيلية المتفردة التي استطاع بصمها في زمن إختلط فيها الحابل بالنابل.
الفنان له خبرة تقنية و بصرية طويلة ويمتلك احترافية واضحة من خلال طول مدة الممارسة؛ مما جعله يعتمد الخطوط الافقية كأرضية أو قاعدة لكل ماهو فوقها حتى نستشعر استقرار أفكاره على أرضية أعماله . في معظم أعماله الفنية من بنايات وجدران نرى خطاً أفقياً ترتكز عليه الرأسيات
للخطوط الأفقية في التكوين بشكل مباشر او بشكل ضمني ومبطن حيث توحي للمشاهد بالراحة والهدوء والسكون والثبات والاستقرار؛ لا سيما إذا كانت واقعة في الجزء الأسفل من التصميم ، فالخطوط الأفقية لدى الفنان ترتبط بإدراكه لأرضه وأرضيته كمجال للتحرك والابداع والابتكار الجمالي المتطوروالانزياح الفني . وكلها رمزيات متوافقة مع معاني الجانب الروحي والدين لديه ؛ مما يوحي بالراحة والاسترخاء وتقبل تقلبات الحياة وحتمية الموت وذلك من رسوخ ايمانه وقوة عقيدته وتباثها. في بعض الاحيان زاد من حجم وسمك الخطوط الأفقية بأعماله لزيادة الاحساس بالعرض والاتساع الأفقي واستغلالها في تصميم الأثاث و زخارف الجدران فاصبحت حركة العين من اليمين الى اليسار لا تتوقف لتعطيك احساساً بالإتساع؛ وهذا في حد ذاته نوع من الأمل وتقبل الاختلافات مهما تعددت وتشعبت باعتبار عقيدته الإسلامية ترسخ التسامح والتماسك والتآزر والتضامن؛ فكل أشكاله الفنية مهما تنوعت واختلفت في مكوناتها ظاهريا ازدادت انسجاما وتماسكا جماليا. فقام بوضع الخطوط الأفقية في التصميم أو التكوين ليكون وسيلة لتقدير مدى بعد الأشكال أو قربها عن عين المشاهد اما استعماله للخطوط الرأسية او العمودية فهي ترمز في اعماله الفنية إلى القوى وذلك مبعثه الإحساس بالنمو كما اعتمد لتوضيح العلاقات المتعددة بواسطة الخطوط المتجاورة سواء اتفقت أو إختلفت في استقامتها أو إنحنائها أو تعرجها و سمكها و درجة لونها فاتح أو غامق مما يبرز خبرة الفنان العميقة والتحكم في دور الخط في بناء اللوحة الفنية بإعتباره أحد العناصر التشكيلية في رسم النوذج الإنساني ، ليبرز أن الخط وسيلة ناجعة ومعبرة عن خيالنا وأفكارنا وهو الهيكل البنائي للصورة و" وعدد استعمالات الخط كعنصر تشكيلي ، كما استخدم أشكالا عديدة حسب غايته وطبيعة الموضوع ليبرز ان الخط يلعب دوراً كبيراً في التعبير عن الحدود التي ترسم الشكل أو ترسم الكتلة؛ ليوضح وبشكل صريح ان للخط مفردات تعبيرية عندما يكون قاسياً أو مرناً ، هادئاً أو فاعلا أو خشناً أو ناعماً وهنا نرى حبكة الفنان في جعل الخط يحقق ادواراً في التناغم والتطابق والتوازن ويحدث أو ينشئ الحركة عندما يسخرها للتعبير عن حدود وموضوع الصورة بحيث تنبثق منه إحاءات شكلية مع التدفق اللوني واشكالا بشرية أو جزءا منها مع انحناءاته وانعراجته ليعبر بشكل ضمني عن الجسد او الكائن البشري دون اللجوء الى التجسيد الصريح المحرم .
لقد جعل من الخطوط عناصر تشكيلية محورية في اللوحة ، وجعل لها تأثير مباشر على عين المشاهد . لأنها عناصر بنائية ترسم حدود الأشكال بخطوط أساسية وثانوية ترتبط بعلاقات تشكيلية متعددة في حركتها واتجاهها ، ومن خلال هذه العلاقات الترابطية بين الخطوط تظهر الهيئة العامة للأشكال ضمن التكوين الفني الموحد ،مما يعطي انطباعا وإحساسا بالراحة النفسية للمشاهد وذلك ناتج تسخير الفنان لمجموعة أشكال وخطوط وعلاقاتها المترابطة و تنوع الاداة المستخدمة في رسمها ،ليطوعها الفنان بشكل سلس ومرن لإرادته حى ينقل أفكاره للمتلقي البسيط ويقحم المتخصص او المحترف في المساءلة الفنية الهادفة من خلال تلك العلاقات المتشابكة في عمله الفني ، فتصبح الخطوط هي الدليل الفني الذي يقود عين المتلقي إلى مركز الاهتمام في المنجز الفني باحترافية ، بل هي تحمل رسالة أو فكرة يرغب الفنان بنقلها للمتلقي تكون محملة بالمعاني والأحاسيس وتمرير أفكار تحقق انزياح فني مجدد بالمنجز الابداعي ككل. والرسم لدى فنانا هو تشكيل مفاهيمي ولوني حيث يتخذ عنده أنواعا كثيرة جدا منها رسومات الطبيعة الصامتة ، بحيث يجسدها برسومات للنبات أو الجماد لكن في غير البيئة الطبيعية الخاصة بها .
وتختلف رسوماته للطبيعة الصامتة هذه عن رسوماته للطبيعة الحية في أن رسومات الطبيعة الحية لديه تحتوي على كل ما يجعل الرسم ينبض بالحياة ، مثل الإضاءة المناسبة والظل ورسم كل الظروف. بينما رسوماته للطبيعة الثامنة تأتي على شكل فسيفساء متعددة القطع الفنية ومتناغمة ومنسجمة ومتكاملة ومتفردة وهي منهجية في الرسم يصعب التحكم فيها لانها تدخل خانة السهل الممتنع للتوليف والجمع بالمنظر المراد رسمه. عموما الفنان ينطلق من أساسيات الرسم البسيطة باعتماده تقنيات ووسائل وأسندة متنوعة لينطلق من الشكل البسيط الى الشكل المركب بواسطة النقط والخطوط وتوزيع الكتل اللونية والتي في الغالب يطغى عليها اللون الاخضر والاصفر والازرق الفاتح، وهي كلها ألوان مستوحاة من الطبيعة بمكوناتها الربيعية؛ ودائما أشكاله مبنية على خطوط توحي بالاستقرار والتباث والطمأنينة في حين أن لوحات اخرى اعتمد نفس التقنية لكن بشكل دائري السند وبألوان ترابية تتخللها لطخات بالاسود او الابيض برمزية عميقة في بعدها الفني والدلالي والاستيتيكي المحض؛ وهذا يحيلنا على دائرة محيطه الذي يشعر فيه بالاستقرار واتباث الذات في إطار الذاكرة الجماعية والموروث التاريخي المحلي لدائرة محيطه مع تفاعل داخلي متعدد الابعاد الأفقية والعمودية للانتماء الجماعي لدائرة محيطه العام.....

خيرة جليل
  • Like
التفاعلات: خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى