د. محمد عباس محمد عرابي - الدنيا من وجهة نظر الشعراء

الدنيا فانية زائلة، وهي دار ممر لا دار مقر، لا يجب الركون إليها، وهي متقلبة لم تصف لأحد، لذا يجب جعلها في أيدينا لا قلوبنا، ونستفيد منها من خلال عمل الصالحات، والنظر إليها باعتبار كونها مزرعة للآخرة، وقد تحدث الشعراء عن الدنيا، وبينوا حقيقتها وطبيعتها ومن هؤلاء الشافعي، وأبو العتاهية، والببغاء ، و زين العابدين علي بن الحسين ،والإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وفيما يلي عرض لما قاله الشعراء في ذلك:

يقول الشافعي عن الدنيا مبينا أن الإنسان في الدنيا، والله يغفر ويرحم من يتوب إليه

وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي

جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما

تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ

بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما

فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل

تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما

فَلَولاكَ لَم يَصمُد لِإِبليسَ عابِدٌ

فَكَيفَ وَقَد أَغوى صَفِيَّكَ آدَما

فَلِلَّهِ دَرُّ العارِفِ النَدبِ إِنَّهُ

تَفيضُ لِفَرطِ الوَجدِ أَجفانُهُ دَما

يُقيمُ إِذا ما اللَيلُ مَدَّ ظَلامَهُ

عَلى نَفسِهِ مَن شِدَّةِ الخَوفِ مَأتَما

فَصيحاً إِذا ما كانَ في ذِكرِ رَبِّهِ

وَفي ما سِواهُ في الوَرى كانَ أَعجَما

وَيَذكُرُ أَيّاماً مَضَت مِن شَبابِهِ

وَما كانَ فيها بِالجَهالَةِ أَجرَما

فَصارَ قَرينَ الهَمِّ طولَ نَهارِهِ

أَخا الشُهدِ وَالنَجوى إِذا اللَيلُ أَظلَما

يَقولُ حَبيبي أَنتَ سُؤلي وَبُغيَتي

كَفى بِكَ لِلراجينَ سُؤلاً وَمَغنَما

أَلَستَ الَّذي غَذَّيتَني وَهَدَيتَني

وَلا زِلتَ مَنّاناً عَلَيَّ وَمُنعِما

عَسى مَن لَهُ الإِحسانُ يَغفِرُ زَلَّتي



زين العابدين علي بن الحسين يحذرنا من الغرور من الدنيا فيقول : *وها هو

فلا تغرنك الدنيا وزينتها **وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن

وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها** هل راح منها بغير الزاد والكفن

خذ القناعة من دنياك وأرضى بها **لو لم يكن لك إلا راحة البدن

يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلا جميلا لعل الله يرحمكي



*ويقول أبو العتاهية عن الدنيا؛ حيث يرى أن كل الناس في الدنيا متساوون ومتشابهون فالكل جاء إلى الدنيا، والكل سيغادرها ،وبعمل كل امرئ سيكون المصير المحتوم إلى جنة أو إلى نار :

- نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية

طفلُ الملوكِ كطفل الحاشية

- ونغادر الدنيا ونحن كما ترى

متشابهون على قبور حافية

- أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا

وحسابُنا بالحق يوم الغاشية

- حور، وأنهار، قصور عالية

وجهنمٌ تُصلى، ونارٌ حامية

- فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي

ما دام يومُك والليالي باقية

- وغداً مصيرك لا تراجع بعده

إما جنان الخلد وإما الهاوية



ويقول أبو العتاهية أيضًا:

نَسيتُ مَنيّتي، وَخدعتُ نَفسي، ** وَطالَ عَليّ تَعمِيري، وغَرْسِي

وكُلُّ ثمينة ٍ أصبحـتُ أغلِـي = بها ستُباعُ من بعـدي بِوكْـسِ

وَما أدري، وإنْ أمّلتُ عُمـراً، = لعَلّي حينَ أُصْبحُ لَستُ أُمْسِـي

وَساعَة ُ مِتَتي، لا بُـدّ مِنهـا، = تُعَجّلُ نُقلَتي، وتُطيـلُ حَبسِـي

أموتُ ويكرهُ الأحبابُ قُربِـي = وتَحضَرُ وَحشتي، ويَغيبُ أُنسِي

ألا يا ساكنَ البيـتِ الموشَّـى = ستُسكِنُكَ المَنِيّة ُ بَطنَ رَمـسِ

رَأيْتُكَ تَذْكُـرُ الدّنْيـا كَثيـراً، = وَكَثرَة ُ ذِكْرِها للقَلْـبِ تُقْسِـي

كأنّكَ لا تَرَى بالخَلْـقِ نَقْصـاً = وأنتَ تراهُ كُلَّ شروقِ شمـسِ

وطالِبِ حاجَة ٍ أعْيَـا وَأكْـدَى = ومُدركِ حاجة ٍ في لينِ لمـسِ

ألا وَلَقَـلّ مـا تَلْقَـى شَجِيّـاً = يُسيـغُ شَجَـاهُ إلاّ بالتّـأسّـي



*ويقول الشاعر الببغاء وهو شاعر عباسي محذرا من الدنيا:

هِيَ الدُنيا تَقولُ بِمِلءِ فيها

حَذارِ حَذارِ مِن بَطشي وَفَتكي

وَلا يَغرُركُم حُسنُ اِبتِسامي

فَقَولي مُضحِكٌ وَالفِعلُ مُبكي



ويقول الشاعر مبينا فناء الدنيا وحري بالمرء أن يسعى بعدها نحو الجنان:

هي الدنيا ورب البيت تفنى

فهبوا للجنان مشمرين

احبتنا شممنا المسك فيهم

ونور الوجه لم يبدو حزينا

و يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه):

النفـس تبكـي على الدنيـا و قد علمـت

أن السـعادة فيـها ترك ما فيـــها

لا دار للـمرء بعــد المـوت يسكنـها

إلا التي كان قبل المـوت بانيـــها

فإن بنـاها بخـير طـاب مسـكـنه

وإن بنـاهـا بشــــر خـــاب بانيـــــها

أمــوالنـا لــذوي المـيراث نجــمعها

ودورنـا لخــراب الــدهر نبنيــها

أين المـــلوك التــي كانــت مســلطنــة

حتى ســقاها بكـأس المـوت ساقـيـها

فـــكم مـــدائن فــي الآفـــاق قد بنيت

أمست خــرابا وأفنــى المــوت أهليــها

لا تــركـنن الـى الــدنيـا و مـــا فيــها

فالـمــوت لاشــــك يفـنيـنا و يفـنيـــها

كــــل نفــس و إن كــانــت علـى وجـل

مــن الـمـنـية آمـــــال تقـــويــــها

الــمرء يبـسطها والــدهر يقبضـــها

والنفـس تنشرهــا والمـوت يطويـها

إن المـــكارم أخــلاق مطــهــرة

الديـــن أولــــهـــــا والعــقــــل ثانيـــــها

والعـــلم ثـــالثـــها والحلم رابعها

والجود خامسها والفــضل سادسـها

و البــر ســـــابـعهـا و الشـكـر ثامنها

و الصبر تاسعــهـا و الليــن باقيـــها

و النــفــس تعـلــــم أنـي لا أصـادقــها

و لسـت أرشــد إلا حين أعصيــــــها

واعمــل لـــــدار غد رضــــوان خازنها

والجار أحمــد و الرحمن ناشيــها

قصــورها ذهــب و المسك طيــنتـها

والزعفــران ربيـــــــع نابــت فيـــــها

أنــــهارها لبــن محض و من عـســـل

والخمر يجري رحيقــا في مجاريها

والـــطيـر تجــري على الأغصان عاكـــفة

تسبــح الله جهراً في مغـــانيهـــا

مـن يشـتري الدار في الفــردوس يعمرها

بــركعة في ظــلام الليــل يحييهــــا

فقال الرجل لعلي: اكتب أنني والله قد نذرتها لله ورسوله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى