محمد القصبي الأديب المبدع، ومحمد القصبي الكاتب الصحفي وجهان لعملة واحدة تضمنتها دفتي كتاب اصدرته دار ليفانت للدراسات الثقافية والنشر عام 2022 اكتسى في ثوب رواية " آخر" ، يتصدره غلاف يغلب عليه اللون الرمادي بدرجاته الغامق والفاتح ويكشف عن صورة تنتصف الغلاف لشاب يجلس في انكسار اكتئابي يختفي وجهه في كفيه المضمومين، وبجواره وجه امرأة يشي باللمعان والذكاء. عدد صفحات الكتاب (130) من القطع المتوسط ينتهى ببضعة صفحات تعكس سيرة الكاتب الذاتية وفيها انه حضر من قرية المعصرة ببلقاس دقهلية ليلتحق بكلية الاعلام جامعة القاهرة عام 1975 ثم يصبح عضوا بنقابتي الصحفيين واتحاد الكتاب، وسكرتيرا لنادي القصة. ينعكس كل ذلك خلال مساره في العمل الصحفي وانشطته ومقالاته وتحقيقاته السياسية والثقافية والاجتماعية ومشاركته في تطوير المؤسسة التي كان يعمل بها، وكذلك اصداراته الابداعية (خمس روايات وأربعة مجموعات قصصية) بالاضافة الى كتابين "مثقفون وجواسيس عام 2016 عن مؤسسة دار أخبار اليوم، وكتاب "رسائلي الى الأنثى الحلم، هذيان عاشق في دقائقه الخمس الأخيرة عام 2021 عن الدار السودانية المصرية الاماراتية. نحن اذن بصدد شخصية دؤبة، مثابرة تعرف ما الذي تريده وما الذي يجب عليها ان تفعله. ان عنوان الرواية "آخر" ليس مجرد بوابة للنص بانفراجها تتكشف مداخله ودهاليزه فحسب، بل معنى فلسفي شديد التعقيد ربما مستلهم من رائعة الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر حينما كتب مسرحيته الشهيرة الأبواب المغلقة والتي تردد خلالها العبارة الشهيرة "الجحيم هو الآخرون". وفيها أشار الى ان الجحيم ليس النار والحطب والحرق، بل يمكن ان تجد الجحيم في الآخرين الذين يعيشون رحلتك في الحياة. هكذا أيضا يسقط الرواي العليم وبطل نص "آخر" في مأزق الحجيم السارتري من خلال فكرة الرجل الأصلع الذي اعتلى زوجته وضاجعها لدرجة ان لسانها زل باسم هذا الأصلع بديلا عن اسمه في لحظة انتشائها الحميمية العميقة بينهما. ظلت هذه الفكرة كامنة داخل الزوج أو الراوي العليم مدة ربع قرن من الزمان قبل ان تنبجس فجأة ذات صباح في وعيه وتهيمن على مقدراته بصورة مدهشة. تبدو المسألة اذا تناولناها باختزال مخل باعتبار ان مجرد اقتحام أو غزو فكرة " خيانة" Infidelity زوجته "ايمان" لرأسه قبل خمسة وعشرون عاما ومضاجعتها لرجل أصلع (تعرفا عليه ذات مرة ولم يكن مقربنا أو صديقا) فكرة وسواسية. ثم انه نذر نفسه على مدار النص في البحث عن أدلة تؤكد هذه الفكرة، ثم البحث عن مساعدة علاجية ودوائية لدى الطبيب النفسي ولم يفلح، أو الفضفضة لازاحة التوتر الزائد مع شقيقة الأصغر الموثوق به والنابه ولم يجد، أو لجوئه الى الشيخ في المسجد عقب رحلة شرود في الشوارع رغبة في طمأنية داخلية ولم يحدث، أو بحثه عن علاج ناجع لدى الشيخ المغربي العابر فتعمق ارتباكه وتعمقت شكوكه. تطورت معتقداته ورسوخت أكثر بضرورة اعتراف زوجته (قصريا) بفعل الخيانة لأن هذا الأمر سوف يريحه ويقرر لاحقا مصيرها معه، لكنها ترفض بالطبع، بل ولاتتذكر متى حدثت تلك الهفوة اللسانية من جانبها. ثم نكتشف لاحقا ان الزوج الحائر العائش في جحيم فكرة خيانة زوجته له قبل ربع قرن لديه تاريخا ايجابيا مع مرض الاكتئاب المزعج لكن لم يلحظ أحد ذلك، واستمرت مسيرته في الدراسة والعمل حتى تزوج من ايمان، احبها وعشقته، انجب منها ابنهما ياسين الذي أصبح شابا جميلا. ونستخلص من رحلة الراوي البائس
اولا: ان فكرة الخيانة المرجأة (لمدة خمسة وعشرون عاما) التي سيطرت علي رأسه وحياته في صورتها الوسواسية انما هي انعكاس مفرط لخوفه من التهديد المتخيل بالطبع الذي تمثله له زوجته التي لم تستطيع ان تنجب له سوى ولد واحد ذكر وفشل جميع محاولاتهما للانجاب مرة أخرى.
ثانيا: ان الزوجة أو "الآخر" التي اضحت رمزا مهددا متحديا على الرغم من مرور زمن على علاقتهما لاتزال جميلة وانيقة وعاشقة للحياة ولزوجها وتسعى الى استرضائه بكل السبل (انعكاسا لنشأتها الريفية الهادئة والقنوعة) ربما تكون المعادل الموضوعي لحب الحياة وعشقها والرغبة في الاستمرار فيها ويأتي ذلك عكس الاكتئاب العدمي الذي التبسه منذ ميلاده، وظل يخبئ انيابه وارجأ ظهوره بتلك الشراسة حتى حانت فرصة الانقضاض والظهور ليعلن صراحة عن نفسه ومخاصمته للحياة وزهده فيها وتدمير كل ما يتعلق بها من حياة زوجية هادئة وشاب جميل (ابنه ياسين) وعمل واصدقاء بعد ان باتت الشكوك تسيطر على رأسه وتقود حياته.
ثالثا: ان الكاتب أو الراوي أو الزوج البائس يظهر شغفا ملحوظا بعلم النفس والطب النفسي يعادل نفس الشغف بالحصول على المعلومات عن طريق الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي وبعثرتها على مدار النص بصورة بدت مفرطة في بعض الأحيان، وخلفت بعض الترهلات في بعض جوانب النص، بالاضافة الى المبالغة الى حد ما في استخدام لغة "التحقيق الصحفي" في استعراض بعض الأحداث أو القصص كما في مسألة ثقافة تعدد الزوجات، وحوادث الخيانات الزوجية.كما تم حشد الكثير المفرط من المعلومات في السياق الذي يخص المؤيدين لفكرة تعدد الزوجات المنافية للمنطق وحتى الشرع، لكن يؤكد من دون خلاف على قوة الغريزة الجنسية لدى الرجال، واستفهامات بخصوص كيفية ادارتها بحكمة!. ربما يكون ذلك مبررا لاسهاب الكاتب في هذه المسألة.
رابعا: استخدم الكاتب في سياق لغته السردية البسيطة والسلسة والجذابة وجهي العملة معا، لغة الأديب الحكاء ولغة الكاتب الصحفي الذي يسعى الى الحصول على المعلومة، ويسرد أفكاره ببساطة ووضوح واقتصاد كبير في السرد. نجح الكاتب في اللعب بالعملة على مدار النص الروائي، امتك مهارة الدفع بالصحفي وقتما يحتاج الى الصحفي، وبالاديب المتمكن من ادوات الحكي والوصف بلغته السردية المتميزة وقتما يحتاج الى لغة الاديب الحكاء، وفي هذا نجاح يحسب للكاتب وتمكنة من ادواته بكفاءة كبيرة.
اولا: ان فكرة الخيانة المرجأة (لمدة خمسة وعشرون عاما) التي سيطرت علي رأسه وحياته في صورتها الوسواسية انما هي انعكاس مفرط لخوفه من التهديد المتخيل بالطبع الذي تمثله له زوجته التي لم تستطيع ان تنجب له سوى ولد واحد ذكر وفشل جميع محاولاتهما للانجاب مرة أخرى.
ثانيا: ان الزوجة أو "الآخر" التي اضحت رمزا مهددا متحديا على الرغم من مرور زمن على علاقتهما لاتزال جميلة وانيقة وعاشقة للحياة ولزوجها وتسعى الى استرضائه بكل السبل (انعكاسا لنشأتها الريفية الهادئة والقنوعة) ربما تكون المعادل الموضوعي لحب الحياة وعشقها والرغبة في الاستمرار فيها ويأتي ذلك عكس الاكتئاب العدمي الذي التبسه منذ ميلاده، وظل يخبئ انيابه وارجأ ظهوره بتلك الشراسة حتى حانت فرصة الانقضاض والظهور ليعلن صراحة عن نفسه ومخاصمته للحياة وزهده فيها وتدمير كل ما يتعلق بها من حياة زوجية هادئة وشاب جميل (ابنه ياسين) وعمل واصدقاء بعد ان باتت الشكوك تسيطر على رأسه وتقود حياته.
ثالثا: ان الكاتب أو الراوي أو الزوج البائس يظهر شغفا ملحوظا بعلم النفس والطب النفسي يعادل نفس الشغف بالحصول على المعلومات عن طريق الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي وبعثرتها على مدار النص بصورة بدت مفرطة في بعض الأحيان، وخلفت بعض الترهلات في بعض جوانب النص، بالاضافة الى المبالغة الى حد ما في استخدام لغة "التحقيق الصحفي" في استعراض بعض الأحداث أو القصص كما في مسألة ثقافة تعدد الزوجات، وحوادث الخيانات الزوجية.كما تم حشد الكثير المفرط من المعلومات في السياق الذي يخص المؤيدين لفكرة تعدد الزوجات المنافية للمنطق وحتى الشرع، لكن يؤكد من دون خلاف على قوة الغريزة الجنسية لدى الرجال، واستفهامات بخصوص كيفية ادارتها بحكمة!. ربما يكون ذلك مبررا لاسهاب الكاتب في هذه المسألة.
رابعا: استخدم الكاتب في سياق لغته السردية البسيطة والسلسة والجذابة وجهي العملة معا، لغة الأديب الحكاء ولغة الكاتب الصحفي الذي يسعى الى الحصول على المعلومة، ويسرد أفكاره ببساطة ووضوح واقتصاد كبير في السرد. نجح الكاتب في اللعب بالعملة على مدار النص الروائي، امتك مهارة الدفع بالصحفي وقتما يحتاج الى الصحفي، وبالاديب المتمكن من ادوات الحكي والوصف بلغته السردية المتميزة وقتما يحتاج الى لغة الاديب الحكاء، وفي هذا نجاح يحسب للكاتب وتمكنة من ادواته بكفاءة كبيرة.