دعونا نكتشف الأمور برمّتها ان استطعنا ، إن كان في وسعنا أن نكون في مصاف التّائهين في وعيها وواقعيّتها ، طبعا ، يتطلب هذا الإجراء جواز سفرٍ هو الأكثر حسماً ، إنّ القراءة مثل مطيّة وعلى الإنسان أن يغرسَ نفسه فيها ، أتصوّر أنه لي عيناً واحدة ، ترى الرّواية كلّها ، وأثناء رحلتي في كشف معالمها ، لم أتجرأ للتساؤل ولو لمرّة واحدة عن إحداثيات فصولها وعددها ، رغم أنه كان بوسعي فعل ذلك ! كُتِبت ورُسِمت وتشّكلت بعطر المانوليا ، ولشراستي في مراوغتها ، وصل بي المطاف قائلة " لوحدي سأفهمكِ ..ولن أتأخر في معرفتِك !
منحتُها أول رباط ، ذاك الذي يعكس الشعور عند رؤية لوحة الفنان الياباني "أوتاغو كونيوشي" المسماة ب" وكأنك تقرأ المجلد الثاني Feeling Like Reading the Next Volume " إشارة إلى المتعة البصرية والتصويرية التي قدّمتها الرّواية للشّخصيات والأمكنة وحتى النفسيات والسّلوكيّات ، فالجمال لا يقتصر على عنصر واحد كيفما كانت طبيعته ، بل يتجاوزه إلى عوالم أخرى ، وممارسة تطبيقية متجددة في الصياغة تشكيلا وتصويرا وسبكاً وما إلى ذلك من فنون التقديم المرئية والمكتوبة .
أتصور الفقر الروحي في بلوغ سّر أيّ عمل في البداية ، وبعد القراءة ، أستهّل هذه الخطوة الطريدة بمقتطف من حوار لفيلم سينمائي " حوار بين الكاتب هرمان ميلفيل والبحّار نيكرسون في فيلم " in the heart of the sea"
- ما هي أسرارك ؟ ( نيكرسون )
- إني لست بكاتب عظيم ..إني لست هاوثورن .. منذ أن سمعت هذا لأول مرّة ..هذه القصّة استحوذَت عليّ ، أرهقتني ..أشعر إذا لم أكتبها ..فلا يجب أن أكتب مجددا ( هرمان ) .
بسبب هذا الحوار الذي لازمني طوال قراءتي لرواية " عقد المانوليا " ستجد نفسك أيها السالك دروبها ومحطّاتها ما يشبهك في تفصيل أو قرابة أو صلة او موقف وشِعاب حياة بطولها وعرضها ، كإنسان عاش أطوار حدث مَا ، قد مرّ بك ، بمعنى ، لن تكون الحلقة الأقوى والإستثناء ، إطمئن ، لا بد أن تنخرط في لحظة ما وتشارك في مصير شخصياتها وحياتهم التي امتدت وأينعت بفضل ذكاء الكاتبة والروائية " نعيمة السي أعراب " في تصوير كل شخصية على حدة ، ومنحتْها الوقت والإهتمام ، ستجد عيناً ثالثة تسحبك بهدوء من شخصية إلى أخرى، ليست هناك مساحة فاصلة بينهم ، الكلّ في الكلّ يساهم في بلورة حادث أو أحداث متعاقبة وإحاطة البطلة من كل جوانبها نفسيا وإجتماعيا وإنسانيا ، برأيي لم تكن هناك فراغات نصيّة وروحيّة لشخصيات الرّواية فهي تمثل " المصير المشترك " وإن حدث توقّف لدى القارئ ، فعليه إدراكه وملؤه بسلالة، فهو معني في جميع الحالات ، متفاعلاً وطرفاً مهمّاً في خلق رؤية جديدة .
رواية " عقد المانوليا " مثال حيّ للإبداع اللّغوي والذي تفوّقت فيه الرّوائية بشكل بديع ، حيث جعلتْ منه بوّابة منفتحة على عدة فنون وبشكل تراتبي في العمق " كالموسيقى والفن التشكيلي والغناء ..ومجالات حيّة كالطب والفلسفة والسياسة والإقتصاد .." من هنا اتضحت الفكرة بقوة اللغة المستعملة وتبيّنت العلاقة بين الدال والمدلول ، وأجزم أن هذه الرّواية يمكنها أن تكون مثالا وبحثاً للدراسات السيميائية وعلم الإجتماع ، لأن بها وَفْرة في المعطيات والسلوكيات ، وليس ببعيد ، للفن التشكيلي حضور جليّ ، تمّ استقطاب نظم القيم الجمالية واهتمام بطلة الرواية باللوحات والرسم ، إذ سنجد في الصفحات التالية ما يشير إلى ذلك ( 17 _ 25 _ 50 _ 54 _ 73 _ 76 _ 95 ) هذه المحطات هي في الأساس فطرة وفطنة مهّدت بشكل كبير في بلورة الفن التشكيلي وإلى التشكيل اللغوي ، تمثلت في الخطاب البصري وتقنية السرد ، بفضلها تمكّنت الكاتبة وبفاعلية متقنة في نسج المواقف الفردية والثنائية والجماعية ، إنها النفس التّوّاقة لجمال الصورة والتصوير عبر الفن التشكيلي، على المستوى الإنساني والطبيعة والمكونات الدقيقة والرئيسية لأبطال الرواية ، هنا نستشعر وجه العدالة الأجتماعية ، إذ أنصفته وشكلته الكاتبة ببراعة ، وبملء إرادة وتقدير من ذاتيتها وليس نسجا لخيوط التبعيّة لأي كان .
لعل البطلة التي اختارات لها من الأسماء أجملها " عايدة " خير مثال ، فهي تصنع نفسها بنفسها ولا تقدم شخصيتها على أنها شيء وحيد طوال أحداث الرواية ، بل تعيد عجلة الملامح العامة للوعي والخطاب المباشر ، تتبنى الخطاب الحيوي ولا تخشى الغلبة والإخفاق ، فإدراكها لا ينتج شخصية معقدة ، بل منفتحة على الحوار والنقاش مع الآخر وحتى مع نفسها ، في كل مرة تكتشف شخصيتها ، وقد تبدي تفاعلها المستمر مع ضغوطات الحياة ، حتى الصراعات الداخلية لا تمنحها كل الود والتعايش معها بشكل مفرط ووفق قوانينها الوضعية، بل إن تيمة واحدة فرضت سلطتها ، وهي أن تحديد المصير بقدر ما هو مشترك إلا أنه من حين إلى آخر ليس بذلك التعطش إلى حب الإمتلاك ونزوة التفاوض على الأقوى في المنظومة البشرية ، المحيط الذي خلقته الكاتبة ليس بالجنة أو السجن وإنما هو الواقع الضارب في الحق والمساواة ، لذلك يحق أن نصف بطلة الرواية "بالشخصية النامية" بسيطة لكنها على قدر من الجمال والثقافة والعلم ، وساقت أفكارها بحرية ، دون اللجوء إلى واسطة وحتى الجانب العاطفي ليس بذاك الضعف والسخف والتضييق ، احتفظت بروحها لا بأشيائها ، وما لها من فاعلية التأثير الإيجابي في الشق الإجتماعي والكوني ، وإلا ما نجحت في الجمع بين إشكالية الحوادث والعقليات وأهواء النفس وغرائبيتها .
لقد قلت لكم ، أو في خضمّ هذه المتعة التي أفرزتها وشكّلتها الروائية " نعيمة السي اعراب " أنها أرهقت حوّاسي وأحييت بداخلي تفصيلات أخرى ، هزمتني بفعل جدّيّتها في البوح والتسطير والتنظير ، وأعود إليكِ بمثل اصطفاف " عقد المانوليا " طفلة صغيرة شقية مبللة من جديد بإرادة العيش ، لسنا أسوياء في انتزاع الداخل ونشره بالمقربة من الآخر عنوة ، لا نحتاج إلى فوضى عارمة كي نحصل على ملاجئ من لحم وعظم ، لو كنت متواجدة أثناء تدوين هذه الرواية ، لهززت رأسي موافقة عليها ، وبين الفينة والأخرى سأجد " عايدة " تمنحني المزيد من الوقت ، قد لا تكون بدربي بنفس التفاصيل لكنّنّي كلما سألتقي بها في دروب الحياة ، سأكرر نفس الجملة التي سكنتني منذ زمن بعيد " قولي إنها هي ..قولي إنها تشبهنا حين نصحو ذات صباح ...فنجد من يمنحنا " عقد المانوليا " .
حفيظة مسلك
منحتُها أول رباط ، ذاك الذي يعكس الشعور عند رؤية لوحة الفنان الياباني "أوتاغو كونيوشي" المسماة ب" وكأنك تقرأ المجلد الثاني Feeling Like Reading the Next Volume " إشارة إلى المتعة البصرية والتصويرية التي قدّمتها الرّواية للشّخصيات والأمكنة وحتى النفسيات والسّلوكيّات ، فالجمال لا يقتصر على عنصر واحد كيفما كانت طبيعته ، بل يتجاوزه إلى عوالم أخرى ، وممارسة تطبيقية متجددة في الصياغة تشكيلا وتصويرا وسبكاً وما إلى ذلك من فنون التقديم المرئية والمكتوبة .
أتصور الفقر الروحي في بلوغ سّر أيّ عمل في البداية ، وبعد القراءة ، أستهّل هذه الخطوة الطريدة بمقتطف من حوار لفيلم سينمائي " حوار بين الكاتب هرمان ميلفيل والبحّار نيكرسون في فيلم " in the heart of the sea"
- ما هي أسرارك ؟ ( نيكرسون )
- إني لست بكاتب عظيم ..إني لست هاوثورن .. منذ أن سمعت هذا لأول مرّة ..هذه القصّة استحوذَت عليّ ، أرهقتني ..أشعر إذا لم أكتبها ..فلا يجب أن أكتب مجددا ( هرمان ) .
بسبب هذا الحوار الذي لازمني طوال قراءتي لرواية " عقد المانوليا " ستجد نفسك أيها السالك دروبها ومحطّاتها ما يشبهك في تفصيل أو قرابة أو صلة او موقف وشِعاب حياة بطولها وعرضها ، كإنسان عاش أطوار حدث مَا ، قد مرّ بك ، بمعنى ، لن تكون الحلقة الأقوى والإستثناء ، إطمئن ، لا بد أن تنخرط في لحظة ما وتشارك في مصير شخصياتها وحياتهم التي امتدت وأينعت بفضل ذكاء الكاتبة والروائية " نعيمة السي أعراب " في تصوير كل شخصية على حدة ، ومنحتْها الوقت والإهتمام ، ستجد عيناً ثالثة تسحبك بهدوء من شخصية إلى أخرى، ليست هناك مساحة فاصلة بينهم ، الكلّ في الكلّ يساهم في بلورة حادث أو أحداث متعاقبة وإحاطة البطلة من كل جوانبها نفسيا وإجتماعيا وإنسانيا ، برأيي لم تكن هناك فراغات نصيّة وروحيّة لشخصيات الرّواية فهي تمثل " المصير المشترك " وإن حدث توقّف لدى القارئ ، فعليه إدراكه وملؤه بسلالة، فهو معني في جميع الحالات ، متفاعلاً وطرفاً مهمّاً في خلق رؤية جديدة .
رواية " عقد المانوليا " مثال حيّ للإبداع اللّغوي والذي تفوّقت فيه الرّوائية بشكل بديع ، حيث جعلتْ منه بوّابة منفتحة على عدة فنون وبشكل تراتبي في العمق " كالموسيقى والفن التشكيلي والغناء ..ومجالات حيّة كالطب والفلسفة والسياسة والإقتصاد .." من هنا اتضحت الفكرة بقوة اللغة المستعملة وتبيّنت العلاقة بين الدال والمدلول ، وأجزم أن هذه الرّواية يمكنها أن تكون مثالا وبحثاً للدراسات السيميائية وعلم الإجتماع ، لأن بها وَفْرة في المعطيات والسلوكيات ، وليس ببعيد ، للفن التشكيلي حضور جليّ ، تمّ استقطاب نظم القيم الجمالية واهتمام بطلة الرواية باللوحات والرسم ، إذ سنجد في الصفحات التالية ما يشير إلى ذلك ( 17 _ 25 _ 50 _ 54 _ 73 _ 76 _ 95 ) هذه المحطات هي في الأساس فطرة وفطنة مهّدت بشكل كبير في بلورة الفن التشكيلي وإلى التشكيل اللغوي ، تمثلت في الخطاب البصري وتقنية السرد ، بفضلها تمكّنت الكاتبة وبفاعلية متقنة في نسج المواقف الفردية والثنائية والجماعية ، إنها النفس التّوّاقة لجمال الصورة والتصوير عبر الفن التشكيلي، على المستوى الإنساني والطبيعة والمكونات الدقيقة والرئيسية لأبطال الرواية ، هنا نستشعر وجه العدالة الأجتماعية ، إذ أنصفته وشكلته الكاتبة ببراعة ، وبملء إرادة وتقدير من ذاتيتها وليس نسجا لخيوط التبعيّة لأي كان .
لعل البطلة التي اختارات لها من الأسماء أجملها " عايدة " خير مثال ، فهي تصنع نفسها بنفسها ولا تقدم شخصيتها على أنها شيء وحيد طوال أحداث الرواية ، بل تعيد عجلة الملامح العامة للوعي والخطاب المباشر ، تتبنى الخطاب الحيوي ولا تخشى الغلبة والإخفاق ، فإدراكها لا ينتج شخصية معقدة ، بل منفتحة على الحوار والنقاش مع الآخر وحتى مع نفسها ، في كل مرة تكتشف شخصيتها ، وقد تبدي تفاعلها المستمر مع ضغوطات الحياة ، حتى الصراعات الداخلية لا تمنحها كل الود والتعايش معها بشكل مفرط ووفق قوانينها الوضعية، بل إن تيمة واحدة فرضت سلطتها ، وهي أن تحديد المصير بقدر ما هو مشترك إلا أنه من حين إلى آخر ليس بذلك التعطش إلى حب الإمتلاك ونزوة التفاوض على الأقوى في المنظومة البشرية ، المحيط الذي خلقته الكاتبة ليس بالجنة أو السجن وإنما هو الواقع الضارب في الحق والمساواة ، لذلك يحق أن نصف بطلة الرواية "بالشخصية النامية" بسيطة لكنها على قدر من الجمال والثقافة والعلم ، وساقت أفكارها بحرية ، دون اللجوء إلى واسطة وحتى الجانب العاطفي ليس بذاك الضعف والسخف والتضييق ، احتفظت بروحها لا بأشيائها ، وما لها من فاعلية التأثير الإيجابي في الشق الإجتماعي والكوني ، وإلا ما نجحت في الجمع بين إشكالية الحوادث والعقليات وأهواء النفس وغرائبيتها .
لقد قلت لكم ، أو في خضمّ هذه المتعة التي أفرزتها وشكّلتها الروائية " نعيمة السي اعراب " أنها أرهقت حوّاسي وأحييت بداخلي تفصيلات أخرى ، هزمتني بفعل جدّيّتها في البوح والتسطير والتنظير ، وأعود إليكِ بمثل اصطفاف " عقد المانوليا " طفلة صغيرة شقية مبللة من جديد بإرادة العيش ، لسنا أسوياء في انتزاع الداخل ونشره بالمقربة من الآخر عنوة ، لا نحتاج إلى فوضى عارمة كي نحصل على ملاجئ من لحم وعظم ، لو كنت متواجدة أثناء تدوين هذه الرواية ، لهززت رأسي موافقة عليها ، وبين الفينة والأخرى سأجد " عايدة " تمنحني المزيد من الوقت ، قد لا تكون بدربي بنفس التفاصيل لكنّنّي كلما سألتقي بها في دروب الحياة ، سأكرر نفس الجملة التي سكنتني منذ زمن بعيد " قولي إنها هي ..قولي إنها تشبهنا حين نصحو ذات صباح ...فنجد من يمنحنا " عقد المانوليا " .
حفيظة مسلك