د. خالد محمد عبدالغني - تأملات في ذكرياتي مع العلامة الجليل أ. د. أحمد خيري حافظ

عندما صدر كتاب أزمة منتصف العمر للعلامة اد. أحمد خيري حافظ استاذ علم النفس بكلية الاداب جامعة عين شمس - وهو القسم الذي ترك اثارا لا تمحى في تكويني العلمي - عن مؤسسة أخبار اليوم كنت مشغولا بمتابعة كل ما يصدر عن علماء النفس وهو حدث أظنه لم يتكرر إذ تنشر مؤسسة صحفية كتاب علمي لأحد أساتذة علم النفس ، فصحيح أن هناك سلسلة كتاب إخبار اليوم الطبي ولكن نحن هنا نتكلم عن علم النفس وليس الطب النفسي كنا يومذاك في بداية العقد الأخير من القرن العشرين وكان الكتاب من تأليف العلامة أد.أحمد خيري حافظ الذي التقيته للمرة الأولى على أبواب المكتبة المركزية بجامعة عين شمس وكان سيادته قد نشر كتابه المتفرد والذي لم يلحقه ولم يسبقه في هذا الباب أي مؤلف بهذا القدر وهذه القيمة إنه كتاب " أزمة منتصف العمر " ، وهنأت سيادته بالكتاب وللحق كان مستغربا من هذا الموقف فلم أكن قد درست بعد في جامعة عين شمس ولم أكن من بين تلاميذ سيادته ولكني عرفت نفسي له بأني خريج آداب بنها وذكرت له أستاذي د.عادل كمال خضر فذكره بخير وأخبرني أنه يعرفه ويسلم عليه ، وبعد هذا اللقاء بأقل من عام جلست بجواره في محاضرة للعلامة أد.حسين عبدالقادر ، والعلامة أد. فرج طه بمعرض القاهرة للكتاب يناير 1995 عن الراحل مصطفى زيور وكانت مصادفة عجيبة وغريبة في آن إذ ارتبطت بعلاقة مميزة مع ثلاثتهم فيما هو قادم من أيام عمري .
وتابعت بعد ذلك مسيرتي في علم النفس وطالعت تقريبا كل بحوث العلامة حافظ وللحظ كانت منشورة بمجلة علم النفس وطبعات أخرى وجدتها عند أصدقاء وأساتذة وتوقفت كثيرا أمام بحوثه في العلاج النفسي تلك التي شملت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين من اهتماماته العلمية ، وأما "أزمة منتصف العمر" فقد عدت إليه كمرجع رئيسي وأساسي في دراستي عن أزمة منتصف العمر والانحراف الجنسي لدى أحمد ودنيا في رواية عتبات البهجة لإبراهيم عبد المجيد ، ، وأما بحثه الأنا والآخر قراءة في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ فكانت المرجع الأساسي أيضا لدراستي عن سعيد مهران والأسطورة الأوديبية في رواية اللص والكلاب أيضا ، ومن خلال بحثه عن الوضع الاقتصادي الاجتماعي في بحوث علم النفس، فقد أعاد بوصلة تفكيري واتجاهي حول وضع وقيمة وتبدل المستوى الاجتماعي الاقتصادي في مصر بعد فترة الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات وبداية عصر مبارك وتبنيت فكرته ورأيه عن ضرورة تغيير نظرتنا لبعد المستوى الاقتصادي والاجتماعي في بحوثنا النفسية إذ تغيرت الأوضاع في مصر فلم يعد صاحب المستوى الاقتصادي المرتفع بالضرورة صاحب مستوى اجتماعي مرتفع وضرب سيادته الأمثلة الموضحة والدالة على ذلك وهذا مما شكل بعدا مهما في فهمي للظاهرة النفسية عند وضع البعد الاقتصادي والاجتماعي في الاعتبار طوال فترة اهتمامي البحثي في علم النفس وعلى هذا النحو وجهت كل من طلب المساعدة في تصميم منهجه أو عند اختيار عينة بحثه. وفي مثل هذه الأجواء من التألق العلمي له كان سفره للعمل خارج الذي كسب منه المجتمع العربي أكثر مما كسب منه المجتمع المصري فيما أظنه إذ مكث في الغربة تلك ما يزيد عن العشر سنوات ، ثم كانت العودة وبداية مرحلة التأمل في واقع علم النفس فرأينا مقالته العديدة والمنتظمة في مجلة علم النفس تناقش واقع علم النفس ومصيره ودوره في خدمة المجتمع وما يزال يؤدي فيها دوره وجهده المبارك .
وها هو المؤتمر الإقليمي الثاني لعلم النفس في مصر - ميريدان القاهرة . 2010 وعند افتتاح المؤتمر وجدت سيادته ممن يشرفون المؤتمر بالحضور فكان مني السلام والتحية والسؤال عن صحته وأعماله وحدثت سيادته عن عملي بمجلة الرواية آنذاك ولو تفضل وكتب للمجلة بعض المناقشات والقراءات النفسية للأدب ولكني تركت العمل بالمجلة وتوقفت عن الصدور بعد ذلك بقليل ولم يكن تواصلنا ممكنا بعدها لسنوات أيضا ،،، .
ويختصني العلامة أد.حسين عبدالقادر بمناقشة ديوان الشاعر والصديق رضا ياسين - غرف سرية للبكاء - في ندوة بالجمعية المصرية للتحليل النفسي وأري من ضمن الحضور سيادته – فارتبكت كثيرا وحاولت أن أبدو رابط الجأش متماسك وأنا من داخلي وفي عمق أعماقي متوتر بل شديد التوتر فكيف لمثلي أن يتحدث في وجوده وكان هناك ثلة أيضا مهمة ممن يربكون أي محاضر مهما كان فقد كانت المرة الأولى التي أتحدث فيها أمام العلامة أد.حسين عبدالقادر وأنا الذي صحبته لأكثر من خمسة وعشرين عاما مستمعا مستمتعا أيضا – المهم أن الله سلم ومرت الدقائق دهرا ، وقد أخذ الكلمة وأثنى على المناقشين واعتبرني من ناقد للأدب ، فأسررتها في نفسي ولم أُبْدِهَا له ، فما أحب إلي نفسي من أكون منتميا لعلم النفس الذي منحته عن رضا حياتي وما ملكت .
وبعد الندوة كان النقاش الجميل الهادئ الوقور ، فلسيادته جرس صوتي هادئ منمق سهل يسير، فهو حاضر البديهة تسعفه المفردات والصور ، وتمضي شهور، وتقرر الجمعية المصرية للتحليل النفسي الحفاوة بذكرى رحيل الأديبة والناقدة رضوى عاشور وقررت عرض دراستي النفسي لروايتها "خديجة وسوسن " – وكان التوتر هذه المرة قد قلَّ ولكنه موجود أيضا ،، ولعل ابتسامة ندت عن ثغره ولمعة من عينيه قد أراحتاني كثيرا وطمأنتاني وكأنه يريد أن يقول على بركة الله سر ونحن من خلفك ندعمك وندفعك للأمام ،، ولكن الخوف وما أدراك ما الخوف من الحديث أمام الشوامخ من الأعلام وما العلامة خيري حافظ إلا أحدهم وإن كانوا بالطبع في كل فرع من فروع العلم ثلة نادرة ، وفي هذه الليلة أسر لنا - نحن الحضور جميعا – بما لم نكن نعرفه عن رضوى عاشور وذكرياته معها وقال أد. أحمد خيري حافظ :" أنه تعرف على عالمها الروائي عام 1970 في مؤتمر للأدباء الشبان. ويرى أنها تميزت بتمردها، واهتمامها بالعمل العام ومشاركتها في مجموعة مارس لاستقلال الجامعة ، وفسر تعدد وجودوها في شخصيات الرواية بمدى العمق في تكوينها الشخصي. وأنها شخصية مهمة في التاريخ المعاصر للمرأة المصرية."
وقبل هاتين الندوتين استمتعت بحضور ندوته أو محاضرته الأشهر عن العلاج النفسي في مصر وأزمته وقد انتقد فيها الوضع الحالي للعلاج النفسي وعدد سلبياته ومشكلاته ، والتي ألقاها بالجمعية المصرية للتحليل النفسي ،، صحيح أن لقاءاتنا يا سيدي كانت قليلة ولكنك موضع حفاوة وتقدير من طالب تتلمذ على مؤلفاتكم القيمة وسيرتكم العطرة ،، فلكم ما تستحقون من الإجلال والتقدير ولنا أن نظل في محبتكم سابحين .
ويستعرض محمود المصري ملخصا لحياة عالمنا الجليل فيقول فيه :
تغلب عليه الطبيعة الريفية، ليصبح المعالج النفسي الأول في أقاليم الصعيد، ويفتح عيادته بالقاهرة، ثابر عندما كان تلميذا بالمدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية الأم التي يتبعها محل سكن عائلته “آل غزالي”، في نزالي الحرجات التابعة لقرية عرب العطيات البحرية بمدينة أبنوب في أسيوط.
مولده وتعليمه
وُلد الدكتور أحمد خيري، في 1 من يناير عام 1942، من أسرة كريمة تهتم بتعليم أبنائها بقرية نزالي الحراجات مركز أبنوب، لحق في المرحلة الإبتدائية بمدرسة ابتدائية تبعد عن محل سكنه بنحو 5 كيلو مترات، كان يأخذها سيرا على الأقدام، مع والده الذي كان يعمل بها كمعلم لغة عربية.
وعن المرحلة الإعدادية، انتقل مع والده إلى محافظة المنيا، حيث نقل للعمل كمعلم لغة عربية، في مدرسة المنيا الإعدادية آن ذاك، وفي المرحلة الثانوية عاد إلى أسيوط وأكمل التعليم الثانوي في مدارس مدينة أسيوط، حيث أن القرية لم يكن بها مدرسة للثانوي العام.
طموحه العلمي
كان الدكتور أحمد خيري حافظ، يطمح في الوصول لأعلى الدرجات العلمية في التعليم الجامعي، وهو ما جعله يتقدم للتعليم الجامعي مرتان، الأولى عندما حصل على ليسانس كلية الخدمة الاجتماعية في القاهرة في الأعوام “1959 – 1963″، وعندما أنهى الدراسة وعلم أن الكلية ليس لها دراسات عليا، قرر الدخول من جديد لكلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1968، وتخرج منها عام 1972.
شكل طموحه وحبة للتعليم واستكمال الدراسات العليا شخصيته، وهو ما أثر عليه في دراسته بشكل إيجابي جعله من الطلاب الأوائل على دفعته، وهو ما أهله للعمل كمعيد بالكلية، وحصل على درجة الماجستير في علم النفس عام 1976 ودرجة الدكتوراه عام 1980.
تميز في أبحاثه العلمية، وكانت رسالته في الدكتوراه أول رسالة في جامعات مصر تتعرض لمشكلة الاغتراب النفسي لدى الشباب والأزمات النفسية التي يمرون بها، له أكثر من عشرين دراسة وبحثًا منشورًا بالمجلات العلمية تدور حول العلاج النفسي والقلق والمخاوف.
حياته العلمية
أشرف الدكتور خيري، على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بجامعات مصر والجامعات العربية، وأستاذا زائرا لعدد من الجامعات العربية، يمارس العلاج النفسي ويقوم بتدريب المعالجين النفسيين منذ أكثر من عشرين عامًا، مستشارا علميا لمجلة دراسات نفسية، يدرس العلاج النفسي والأمراض النفسية بكليات الآداب والتربية والطب بالجامعات المصرية والعربية.
أنشا خيري، أول عيادة للعلاج النفسي في القاهرة عام 1986، بترخيص من وزارة الصحة، كأخصائي إكلينيكي، شارك في العديد من المؤتمرات المهتمة بالجانب النفسي سواء داخل مصر أو خارجها.
الاعتزاز بالأصل
رغم كل هذه النجاحات وإقامته في القاهرة، إلا أن الدكتور أحمد خيري لم ينسى قط مسقط رأسه في أبنوب، وهو ما يدل على اعتزازة وانتمائه لأصله.
وسلك الدكتور أحمد، مسلكا حسنا يبقي لذكراه طيلة العمر، وهو أنه عمل على تنظيم لقاءات كل عام لتكريم الطلاب المتفوقين من عائلته “آل غزالي”، ولأبناء القرية بشكل عام، حيث قال عن ذلك: “هذا التقليد سيجعل هناك تنافس بين الطلاب، للخروج من أزمة الجهل في القري، ويكون هناك تسامح بين العائلات عندما يجد كل منهم ابنه يكرم لتفوقه، ويزيد ترابط قطبي البلد مسلمين وأقباط، فالتكريم يشمل جميع أبنائنا المتميزين ويزيح مساحات المشاكل بين الكل”.
وهذا ثبت ببعض أعماله

أ. د. أحمد خيري حافظ
استاذ علم النفس بجامعة عين شمس
معالج نفسي ومقيد بجدول المعالجين لنفسيين بوزارة الصحة .
رسالته للماجستير تناولت إدارك الزمن لدى الفصاميين .
رسالته للدكتوراه أول رسالة في جامعات مصر تتعرض لمشكلة الاغتراب النفسي لدى الشباب والأزمات النفسية التي يمرون بها.
له أكثر من عشرين دراسة وبحثاً منشوراً بالمجلات العلمية تدور حول العلاج النفسي والقلق والمخاوف .
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بجامعات مصر والجامعات العربية .
استاذ زائر لعدد من الجامعات العربية .
يمارس العلاج النفسي ويقوم بتدريب المعالجين النفسيين منذ أكثر من عشرين عاماً .
المستشار العلمي لمجلة دراسات نفسية .
يقوم بتدريس العلاج النفسي والأمراض النفسية بكليات الآداب والتربية والطب بالجامعات المصرية والعربية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى