أميناتا إيدارا - وحوش، نحن لا نرقص عبثا!*.. اختيار وترجمة: حاتم الأنصاري

"وحوش، نحن لا نرقص عبثا".. هذا هو عنوان أحدث استعراض قام بتصميمه الراقص ومصمم الاستعراضات الكونغولي دولاڤاليه بيديفونو...
ينطلق استعراض وحوش، نحن لا نرقص عبثا، بوصلة رقص منفردٍ تسيل رقراقة، إنه دولاڤاليه بيديفونو، والذي يظهر مرتديًا غلالة حمراء وبنطالا من الجينز الأزرق. بإيماءاتٍ تنضح بالدهاء، يتّكل على قدميه، وعلى ظهره كذلك، ملتمسًا الحفاظ على وتيرة إيقاعٍ داخلي. في خضم الصمت، ينضم إليه آخرون، واحدا تلو آخر. يبدأون في تنفيذ رقصة صيد، وقد بدا كل فردٍ منهم فيها وحيدا، باحثًا عن شيء ما. فيما بعد، وأثناء انغماسهم في القفزات المهيبة، يلمح الراقصون والراقصات بعضهم بعضا بعين التقدير، كما لو أن تزامن الحركات كان ثمرة الصدفة. ولكن سرعان ما تتجه قواهم المتآلفة نحو غاية واحدة، وتغدو الوحوش ترميزًا لمسيرة جماعية تدفعها الإيقاعات دفعا. "أرى أن وجود الباطري (الدرامز) ضروري قطعًا، إنها تمثل وسائل الإنذار، تلك التي تدوي في فترات الحروب أو المعارك. كما لو أننا حيال حائط مقاومة. لقد كنت بحاجة إلى وجود هذا الجيش ورائي." يقول دولاڤاليه بيديفونو. تكشف الأضواء شيئا فشيئًا عن أوركسترا تتخذ موقعها فوق خشبة المسرح. يمضي الاستعراض تاليًا عبر مجموعة من المقطوعات الموسيقية التي تم انتقاؤها بعناية مذهلة، وراوحت بين الخفة والجزالة (الجاز، مقطوعات موسيقية عالمية، الأوبرا، الروك، والفانك، وغيرها).
استعارة تمثل عملية بناء Baning’Art
"يعد الاستعراض الذي قدمناه بمثابة استعارة تمثل عملية بناء فضاء Baning’Art،" يقول مصمم الاستعراض، والذي كان استعراضه السابق - Au-delà- قد حظي بإشادة النقاد عندما قدمه عام 2013. "إننا أمام فضاء أنشأناه بأيدينا، بفضل عائدات الجولات الفنية، ودون أن نتلقى أي دعم. لقد أسهم في احتضان الفنانين، فليس لدينا في الكونغو مدرسة للرقص أو للمسرح أو "كونسرفتوار". لم تستثمر أي سياسة ثقافية في ذلك. وهكذا فقد كان من الضروري أن يكون لدينا فضاء للإبداع والتدريب والانتقال." يعد فضاء Baning’Art، والذي أسسه مصمم الاستعراضات المنحدر من بوانت نوار عام 2016، ويقع على بعد 17 كيلومترا من برازاڤيل، مكانًا "استراتيجيا". لقد ولد في منطقة كومبي، والتي أعيد بناؤها مؤخرا بعد أن تعرضت للسرقة والنهب خلال الحرب الأهلية التي شهدتها الكونغو برازافيل خلال تسعينيات القرن الماضي: "رجال، نساء، وأطفال، أعادوا بناء منازلهم من جديد، بدأوا حياة جديدة. وقد كان علي أن أكون معهم، في الطاقة، لكي أكتب تاريخ ميلاد فضائنا."
وهذا في الواقع هو الخلق والبناء الذي تتحدث عنه القطعة: فالراقصون يحملون المطارق، وأدوات من مختلف الأنواع، ويرتدون قفازات حمراء، ويلوحون بالمعاول ، ويمررون المواد، على غرار العمال، في حركة متموجة يشغل فيها التآزر نفس المكانة التي تشغلها الرغبة في الوجود: "نحن لا نرقص عبثا" تتدخل الفنانة ريبيكا شايلون، إحدى شخصيات العرض البارزة ومؤلفة جميع النصوص المتناثرة في الاستعراض. " إن "نحن" في نص ريبيكا تعود إلى الفنانين. أنا أفريقي، كونغولي، إلا أن هذا العرض لا يتحدث عن إفريقيا فقط. إنه قطعة عالمية. يحدثنا عما يجري في عالم اليوم. حقيقة أننا يجب أن نأخذ زمام المبادرة وأن نقاوم الأنظمة الديكتاتورية والإرهاب والسياسات المفروضة علينا. وهذا ما نقوم به من خلال الفن ".
أن تكون رقصة
إنه فنٌّ يدور حول فكرة أن تلاكم، تحت الأضواء، حتى توطن نفسك على ألا تتخلى أبدًا عن حذرك. أو أن تخلط الماء بالطحين بالجعة التماسا لخلق الأشكال وصناعة مستقبل لهذا المركز - وهذا العالم – الذي ولد من جهد قادم من الأسفل. جهد جماعي. مشروع استلزم في كل مراحله اتخاذ الحذر بشأن الصخور المتساقطة من السماء، تلك الضربات السلطوية التي تحوم، كأشباح، حول أي عمل تشتم فيه رائحة التمرد. في نهاية العرض، نصل إلى حالة نرتعد فيها من الأمل، مع مجموعة من الراقصين الذين تعاقدت وجوههم مع السماء، وقد امتدت أذرعتهم في الفراغ، لتتشبث بشيء غير مرئي. يبدو أنهم قادرون على الطيران. ثمة ملاك بجناحين من الفضة يقود تحول مجموعة الراقصين إلى وحوش: "عندما يأتون والقرون في رؤوسهم، فذلك لأنهم في طور التحول إلى أجساد محضة. إنها اللحظة التي يتبنون فيها وحشانيتهم الإيجابية. يصبحون ضربًا من نبض القلب، الذي لا يني يرقص حتى في الظلام، في الجبال، تحت الماء، في السماء، في أي وجهة كانت. يصبح هذا النبض إذن أشبه بضوء لا ينطفئ أبدا، نًفًس لا نهائي." وفي الختام، وتتويجًا لكل ما سبق، أطفأت Baning’Art شمعتها الأولى نهاية العام الماضي.


-----------------------
* مصدر المقال الأصلي: http://africultures.com/monstres-on-ne-danse-rien/
ملاحظة: أدناه، في التعليقات، مقطع من استعراض Monstres, on ne danse pas pour rien/وحوش، نحن لا نرقص عبثا..


(اختيار وترجمة: حاتم الانصاري - كاتب ومنرجم سوداني)


1673522303225.png
1673522338791.png 1673522361704.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الإفريقي - ملف
المشاهدات
625
آخر تحديث
أعلى