مولاي الحسن البويحياوي الإدريسي - الفضاء في شعر الملحون

[HR][/HR]
توطئة :
أصبح مصطلح الفضاء يحتل حيزا واسعا في الدراسات والأبحاث النقدية المعاصرة حيث غدت هذه الدراسات تنصب على تحليل أبعاده ودلالاته وتكشف عن تقاطباته وعلاقاته وتعيد تجميعه بعد توزيعه وفق تقنيات خاصة. ويتميز الفضاء بهذه العناصر نظرا لخصوصية استعماله وتقنية توظيفه داخل العمل الأدبي اعتمادا على العنصر اللغوي الأداة الحيوية التي تنقل المكان المرجعي إلى علامات لغوية تطفح بشتى الدلالات والمشاعر والتصورات، علامات تعبر عن العلاقات الفضائية (المكان الفني) والحقائق الفضائية (المكان المرجعي) حيث تستخدم الأولى بوصفها رموزا واستعارات للثانية بركوب الانزياحات والاستعارات والتصوير... وإضفاء سمات الفضاء على الأشياء Spatialisé وبالتالي تتحقق "أفعال المعنى" على حد تعبير جيرار جينت(). بفعل هذا الاشتغال اللغوي صار المكان جمالية داخل نظرية الأدب ومحورا أساسيا مثل جمالية التلقي، التناص، ظاهرة الجسد... وليس الفضاء حكرا على الثقافة العالمة كالشعر الفصيح (قديما مع ابن جابر الغساني§ وابن عبدون© ... وحديثا مع عبد السلام الزيتون وعلال الحجام وبنسالم الدمناتي) والمقامة (مع محمد غريط المتوفى 1945م في المقامة المكناسية) والرواية (مع حميد لحميداني وميلودي شغموم ومحمد أمنصور) والقصة (عبد النبي كوارة) والمقالة وغيرها من الأجناس النثرية الأخرى ... وإنما ينسحب على الثقافة الشعبية بما تتوفر عليه من أجناس إبداعية منها شعر الملحون، ومن هنا ينبني اختيارنا لنظرية الفضاء أو جمالية المكان ومحاولة تطبيقها في شعر الملحون ومعالجته انطلاقا من زاوية خاصة هي زاوية التصنيف، حيث يستطيع القارئ تجميع الأمكنة الموزعة داخل نص ما ويعيد تصنيفها حسب مجالات وانتماءات نوعية خاصة، وسنحاول في هذا المقال مقاربة أنواع الأمكنة في الفضاء المكناسي من خلال قصيدتين في شعر الملحون هما المكناسيتان للشاعرين عبد العزيز العبدلاوي ومحمد لعناية
مكناس في شعر الملحون عامة :
تفاعل شعر الملحون مع الفضاء المكناسي وحاول مقاربته من جميع جوانبه وأنتج الشعراء في ذلك لوحات فنية غنية بمعطياتها الجمالية وأبعادها الاستعارية وتتكامل لها الأدوات التعبيرية التي تشف عن عبقرية وأصالة، فقد " انعكست جمالية الحضارة على شعر الملحون الذي تربى في أحضانها ورفدته بمقومات الوجود، فتنافس الشعراء في وصف معالمها، وتسابقوا إلى الإشادة بتاريخها الحافل والرافل في حلل قشيبة من المجد والتفوق"().
والمتأمل في هذا الشعر يلمس من حيث الانتشار الكاليغرافي (الخطي) أنه ينقسم إلى قسمين:
- فهناك بعض القصائد التي ورد فيها ذكر مكناسة عرضا كما هو الأمر في مرسول الجيلالي متيرد، وقصائد الذكر العيساوي خاصة عند الغرابلي والحاج ادريس بن علي السيناني الحنش، والمسفيوي...
- وهناك قصائد تستقل بموضوع مكناس وتروم الخوض فيه منفردا، حيث الفضاء المكناسي يهجس ذاكرة القصيدة ويغدو شغلها الشاغل، كما هو الشأن في قصائد سيدي سعيد المنداسي، وجمهور الأولياء لسيدي قدور العلمي، وجمهور الأولياء لبنعيسى الحداد، والخاتم لحمود بن إدريس، ومكناسيتي العبدلاوي ولعناية.
- ومن أمثلة النوع الأول نذكر نموذجا للجيلالي متيرد. ففي قصيدته "الورشان"() نراه يوجه خطابه لهذا المرسول الطائر الذي بعثه من مراكش إلى مدينة فاس قائلا:
واسبح وقطع "بهت" لحبيب واطلع "عقبة لبقر" بجواهر ؤعقياني
"عين عرمة" لعزيبها عزك واعلاه
ؤ"دار أم السلطان" دوزها وتبشر بالفرح والسرور ؤسلواني
يظهر لك " مكناس" لفريج مظنونك فيه وفاه
دوز للضراغم " سيدي سعيد" والماجد "بنعيسى" اقطاب سرا وعلاني
وادخل من "باب الجديد" راه قلب الزاير احياه
اصدر على الأوليا وطوف واسعى بحضور جوارحك واللب الهاني
بهم تسعى رب لورى وغيرو لاتستعطاه ()
فالنص كما يتضح يقدم جردا لبعض المواقع الجغرافية (وادي بهت، عقبة لبقر، عين عرمة، دار أم السلطان) وجردا لبعض الأعلام المقدسة (سيدي سعيد، بنعيسى الشيخ الكامل) مما يدل على أن الشاعر وإن كان مراكشيا فهو على بينة وإطلاع بالمكونات التي يتألف منها النسيج العمراني لمكناس.
ومن أمثلة النوع الثاني نذكر قصيدة أبي عثمان سعيد بن عبد الله المنداسي التلمساني التي يمدح فيها مكناس على عهد السلطان المولى اسماعيل مشيدا بالمدينة التي أحدثها السلطان المذكور بالقرب من مكناسة القديمة وهي مدينة "وجه عروس"، ومثنيا على بستان المشتهى"() ومفتخرا بطيب هوائها وعذوبة مائها. يقول المنداسي:
خليني فغربنا من كل عروس *** "وجه عروس" زكى لعرايس واشهاها
واتركني مما شتهات كل نفوس *** العين من "المشتهى" الحسن دعاها
تحساب الراحه على مكناس حبوس *** ما ينزل ضيق لحواضر مغناها
حكمتها ف كوثر ماها وهواها ().
ومما لاشك فيه أن قصيدة العبدلاوي وقصيدة محمد لعناية في مدينة مكناس تجسدان النموذج الحقيقي للقصائد المكناسية لأنهما نابعتان من وعي ناضج للشاعرين بخصوبة المكان وخصوصيته وتمثلان مجالا للمنافسة والقدرة على احتواء المكان وبلورته للملتقى في صورة إبداعية وهذا ما يروم الفصل الثاني مقاربته والاشتغال عليه..
*/ نوعية الأمكنة في المكناسيتين :
يشتغل المكان – بوصفه فضاء – بصور متعددة في نطاق مكناسيتي العبدلاوي ولعناية. إذ لكل منهما منظوره الخاص اتجاه فضاءات مكناس، حيث أن المرجعية المكانية تؤول إلى أصول طبيعية وعمرانية، ذات أبعاد ثقافية ونفسية وسوسيولوجية وانطروبولوجية، وبالتالي يمكن قراءتها ومن ثمة تأويلها من عدة وجوه. فالقصيدتان معا رحلة طويلة في الأمكنة وتأمل فاحص لتقسيمها وظلالها وإيحاءاتها وهكذا نجد الفضاء المفتوح والمغلق، الفسيح والضيق، الأخروي والدنيوي، السماوي والأرضي، كما نجد أمكنة مقدسة وأخرى جغرافية، وثالثة سياسية سلطوية ... فمن خلال هذه الفضاءات يتغنى الشاعر بمكناس ويحتفلان بهما بطريقة إبداعية.
تتسم الأمكنة بديناميتها، لأنها تتميز بالتنوع، فهي ليست أحادية الجانب بقدر ما هي متعددة ومركبة ومتفرعة إلى مجالات يمكن مقاربتها كما يلي :
1.الفضاء الطبيعي
سمي بالطبيعي لأن الإنسان لم يتدخل في تشكيله بالبناء والتعمير، وإنما بقي على حاله كما خلقه الله تعالى. وغالبا ما يمثل الفضاء الطبيعي الإطار الخارجي المحيط بالمدينة أوأشرطة خضراء تفصل بين المدينة القديمة والمدينة الحديثة. والجدير بالذكر أن هذا الفضاء يشمل الماء والتراب والنبات والحيوانات؛ وعلى هدا الأساس تكثر فيه أسماء الأودية وأسماء الطيور وبعض الأشكال التضاريسية.
لقد راهن الشاعر على عنصر الهواء والماء والبطائح الخضراء التي تزيد المجال فتنة وسحرا، كقول مولاي عبد العبدلاوي :
الهوا والما وبطايح اخضارك
وأشجار كعرايس ترقص بنسايم الهوى وتود بخيرات
من در نفيس معادن ترابك
بالكنز والذخاير والفلاحه مع لكسيبة نايل صولات
وحدايق من نوار مبهى لك
وجبال عاليه زهوة للنظرة، جمالها بسهول ؤربوات
ففي هذا الشاهد نلمس طموح الشاعر إلى إبراز العناصر الاستطيقية التي تخص الفضاء المكناسي باعتباره مكانا نفيسا، يتسم بطابع الفرادة والخصوصية، فمكناسة باعتبارها مجالا جغرافيا منحها الله تربة كريمة تختزن نفيس المعادن، تنبت مختلف أنواع الأشجار وتجود بأطيب المحاصيل والثمار، وتنعم بهواء صحي وماء سلسبيل، وتحيط بها الجبال والسهول والربوات من كل جانب. وعن هذا الاعتزاز بجمالية المكان وخصوبته يحدثنا الشاعر محمد لعناية بقوله مخاطبا المتلقي :
أجـي يا من لا زار بهجة مكناس، أجي تشوف زيد تمتع لبصار
ف حقايل وصفوف د الشجــــــــــر ـومياه دافقة يمينه ويسارو
متع عينيك فالسياج اللول باشجار باسقة وربيع ؤنوار
ف الحرجات() تمتع النظر بانواع مصنفه، زرابي يذكارو
ؤصحح نظرك فالسياج الثاني بعيون نابعه وعراصي واشجار
وجنانات تهيج لفكر بتفاكه ناعمة، اختلاف اشجارو
فالهاجس الذي يشغل النص يتمثل في المتعة المتحققة في غنى وثراء الفضاء الأخضر الذي ترتاح له العين وتنبسط له النفس. إنه استجلاء تصويري لمنظر طبيعي فاتن وموضب يضم ما هو نباتي (حقايل – الشجر – ربيع – نوار – الحرجات – عراصي – جنانا) وما هو مائي (مياه – عيون). والعلاقة بين الطرفين علاقة علية الماء فيها سبب وجود النبات.
وبعد هذا المدخل الذي ينحو فيه الشاعران منحى العموم ينتقلان بنا إلى تخصيص هذه الأمكنة وتحديدها، فبطريقة أو نوماستيكية() يرصد الشاعر أن أسماء البساتين والحقول والمزارع والعيون والأودية المحيطة بمدينة مكناس. حيث نجد مولاي عبد العزيز يقول :
وبساتن فيها ما على بالك
في تاوره مع ورزيغة شلا يصيف واصف دهري بنعات
وبني موسى بالزين ف قبالك
وكذلك عين حربل()، الراديا()، وزيد بويسحاق() ف لعنات
تانوت()، وباب كبيش() فشمالك
وزيد عين معزه، راحمرية مبهجة بتحاف الحرجات
فأسماء الأماكن تسيطر بشكل مطلق على النسيج المعجمي للنص. الأمر الذي فرض على الشاعر أن يكثر من واو العطف التي تعمل على تناسل الجمل، إذ في كل بيت تبرز أماكن جديدة لها أهميتها ودلالتها في ذاكرة المتلقي المكناسي أنها تحيل وظيفيا على مجالات المتعة والتسلية أيام النزه والتملي بجمال الطبيعة في فصل الربيع بينما الجيل الجديد يرى في سرد هذه الأمكنة نفسا توثيقا يسجل لزمن الأمكنة الذهبي. والأمر نفسه ينهجه الشاعر لعناية في تعامله مع أسماء البساتين والوديان حيث يقول :
ها بو يسحاق، هاعيون الحربل، هاواد لعويجة بقعة لخضار
هابو فكران سقاه ينهمر عين المعزة حداه تبعت أثارو
هاكيتان، هااليازيدية، هاقلب تاورة فيها ما يذكر
ببساتن مبنية على النمر حاطت بها اشجار زهو لنظارو
وبني موسى مجاورة ورزيغة، ولي دوزات من نزايه شلا يذكر
لبقا لدايم لكبر ولي غر سوه جدود، باقي أثارو
فهو يستعرض هذه الأمكنة بصورة مكثفة تتأرجخ بين المجاري المائية (بويسحاق – عيون الحربل – واد لعويجة – بوفكران – عين المعزه ) والبساتين والحقول التي كانت فضاء للتنزه (كيتان – اليازيديا – تاوره – بني موسى - ورزيغة ...).
ولعناية في استعراضه يتوقف ليعطي لبعض الأمكنة نوعا من الشرح والإضاءة حتى يوقف جريان الوصف السريع ومن ثمة نجد "لعويجة بقعة لخضار"، "بوفكران سقاه ينهمر"، و"تاورة فيها ما يذكر" ... فجمالية الفضاء تكتسب قيمتها من اللون (اللون الأخضر)، وتنوع المنظر البصري (بساتن - أشجار – أرض – أنهار – عيون)، الوظيفة (النزهة والتفسح)، والتاريخ (ما غرسه الأجداد لازال على حاله).


***

2.الفضاء السلطاني
ونقصد به الفضاء الذي كانت تصدر منه القرارات السياسية، سيما وأن مكناس كانت عاصمة للدولة العلوية انطلاقا من عهد السلطان المولى اسماعيل، وكانت قصورها الملكية مكانا لاستقبال السفراء الأجانب، ومنها كانت تنطلق الحركات للقضاء على التحرشات القبلية... إضافة إلى أنها توفرت على جميع المرافق الضرورية كالمسجد والمكتبة ودور الوضوء وقاعة استقبال السفراء (قاعة الخياطين)، والسجن (حبس قارة)، والأبواب (باب الرايس)، والأبراج (برج ابن القاري)، والقصور لإيواء الحريم والعائلة الملكية (الدار الكبيرة – قصر المحنشة...) والمشور، ورباط الخيل، وهري خزن الحبوب، والحدائق الملكية (البحراوية – الأترنجية)
وبطبيعة الحال فإن القصيدتين لاتستعرضان هذه التفاصيل وإنما تشير إليها على وجه الإجمال كقول لعناية :
ها دار الملك باقية بالهيبة بقصور عالية ومنازه وديار
والعسا في باب لقصر من داز وشافهم هيبة فسيارو
وقول العبدلاوي متحدثا عن هذا الفضاء وما يحدثه من هيبة ورعب في نفس الزائر لفخامة بنيابه وعلو ارتفاعه :
وتيقظ وزيد حضر اذهانك
وشوف هيبة لقصر ؤتشيادو ؤصولتو فرسانو تنعات
فالأمر هنا يتعلق بالتلقي / الزائر، إذ عليه، لكي يفهم هذا الفضاء أن يكون متيقظا حاضر البديهة، مدققا للنظر، وإلا فإن الدهشة تفوت عليه فرصة الفهم والاستيعاب.
3.الفضاء المقدس
يشمل الفضاء المقدس الأمكنة التي تحاط بالخشوع والتقدير من طرف الشرائح الاجتماعية، وتشكل مجالا لممارسة العبادة والطقوس والشعائر، كالمساجد والأضرحة والزوايا والمزارات المقدسة، ومن المتعارف عليه أن مدينة مكناس تعج بأوليائها (سيدي عبد الله الجزار – سيدي قدور العلمي – الشيخ الكامل...) وبمساجدها (المسجد الأعظم – مسجد النجارين – مسجد الروى...) وزواياها (الناصرية – الدرقاوية – التيجانية...)
ويتنوع المقدس في المكناسيتين ليشمل المقدس العمراني الديني المتمثل في المساجد والمآذن، كقوله لعناية :
" والصماعي كتبان تخبر باثروا "
وقوله :
" وزيد شوف باب المنصور وساحة الهديم وجامع لنوار"()
وقوله عن المسجد الأعظم :
وشوف ذيك الصابا مولات ساريا والجامع لكبير كيصول مخلد آثار
بتلامذ وعلوم مشتهر والعلما من كل أرض زاروا منبارو
ويتنوع أيضا المقدس الصلاحي الولائي الذي يضم أضرحة الأولياء. كقول العبدلاوي متحدثا عن الولي الصالح شاعر الملحون سيدي قدور العلمي :
وعرف بين راك فارض الأوليا الصالحين ودبات ؤسادات
منهم الفيلسوف من تايك
صوفي أديب، شاعر، والي، معروف ما خفى علمي ينعات
ويخصص محمد لعناية للاولياء حيزا أكبر، فيحفز متلقيه على زيارتهم والتماس البركة منهم:
ؤ زور دوك الصلاح لي مضاوا حسنوا بفعالهم كانوا للمجد انصار
ثم يشير إلى الأولياء المشهورين بمكناس كسيدي قدور العلمي
وزور الليث الشامخ لقدر العلمي ما اخفى مورخ ف اشعارو
وكمولاي عبد الله بن أحمد الشهير بالمكاوي، والهادي بنعيسى :
وفباب الثلث فحول، قابل الردايا وزيد لضريح تجدد لمزار
د المكاوي ليث لحضر الهادي عيسى حداه يكرم من زارو
ويجسد المقدس السياسي النوع الثالث، ويتمثل في ضريح السلطان مولاي اسماعيل، هذه الشخصية السلطوية التي جمعت في تصور الرأي العام بين السياسة والولاية، وقد أشار إلى هذا الضريح العبدلاوي قائلا :
اخضع وتواضع زيد تتبارك
سلطان غربنا مولاي اسماعيل ابن علي، وادعي بالرحمات
وأشاد بضريحه لعناية بقوله :
وزيد تشوف ضريح السلطان لي بناه، خلا مجدو أثار
بالشهامة والعز يفخر **** سبحان لي نشاه، عزو، واختارو
فالتجربة الشعرية تروم احتواء الفضاء بالمقدس لما له من حضور أكيد في الحياة الاجتماعية، ولأنه يعيش في ذهن الجماهير الشعبية ويحظى بالتجلي ويحاط بالخشوع والاحترام.
4.الفضاء الثقافي الإستيطيقي :
يتكون الفضاء الثقافي والاستيطيقي عند محمد لعناية من العناصر التالية :
-المسجد الأعظم : الذي يحمل وظيفة مزدوجة : القداسة / الثقافة. فبالإضافة إلى أنه مجال لممارسة العبادة فإنه كذلك مجال لممارسة التعليم، وهو في حقيقة الأمر الجامعة العلمية لمكناس التي حجت إليها الوفود من كل حدب وصوب للاستفادة من شيوخها، ولهذا فقد قرنه لعناية بالنشاط الثقافي حيث قال :
بتلامذ وعلوم مشتهر والعلما من كل أرض زاروا منبارو
-متحف رياض الجامعي : يستوعب هذا المتحف التحف النفسية التي تعود إلى أصول قديمة وتعبر عن الجماليات العربية والإسلامية. كما يضاف إلى هذا المتحف باب المنصور العلج الذي ينتصب في شموخ في ساحة الهديم بزخارفه ومنمنماته. وكذا السقايات المكناسية المؤثثة لفضاء المدينة وتجاور الأضرحة والمساجد وتعلوها النقوش والزخارف كسقاية سبع لويات وسقاية الهديم وسقاية التوتة:
وزيد شوف باب المنصور وساحة لهديم وجامع لنوار
والسقاقي بمياه تنهمر ورياض الجامعي متحف بثارو
• روى مزيل: كان هذا الفضاء يضم الروى الذي يحتفظ بالهدايا التي كان يتوصل بها السلطان مولاي اسماعيل من قبل الملوك والشخصيات المرموقة، وكان هذا الروى بالحي المعروف الآن بروامزين، وينسب إلى القيم على هذا الروى محمد مزيل الفاسي.
شارع روى مزيل لي بناه ماهر ولبيب، وحسبو الثالث مع سبع اسوار
سور على سور يفخر ولا لاعودا الجيش خيم فاسوارو
- الفضاء الجماهيري:
وهو الفضاء الذي يؤمه الناس يستخدمونه بكثرة كالشوارع والمنتزهات والساحات العمومية ...... وقد استهدفت القصيدتان هذا الفضاء واخترقتاه شعريا، إلا أنهما ركزتا على بعض المعالم فقط ولم تقدما مسحا لكل الفضاءات الجماهيرية.
الشوارع: يركز العبدلاوي على شارع دار السمن وروى مزيل
"دار السمن اللوصال"،
و"روى مولاي الزين سلسالو".
بينما يركز لعناية على حمرية المدينة الجديدة
"ورفع عينيك ها علو حمرية تنبا ملكوها لحرار"
الحدائق العمومية: ذكر منها لعناية حديقة الحبول الشهيرة:
وادخل على الحبول تشوف ساحتو البهيجة باشجار باسقة ومحصن باسوار بالشليات، ؤورد، والزهر وريام العز فكل يوم تعزم لمزاور
الساحات العمومية: استأثرت ساحة الهديم باهتمام الشاعرين أكثر من غيرها لما لهذه الساحة من مكانة في نفوس المكناسيين خاصة والمغاربة عامة، لأنها تذكرهم بانتفاضاتهم المجيدة ضد الاحتلال الفرنسي في معركة ماء بوفكران الشهيرة.
يقول محمد لعناية:
" وزيد شوف باب المنصور وساحة لهديم وجامع لنوار"
ويقول العبدلاوي موسطا ساحة لهديم في ملفوظ يعكس توسطها الموقعي:
دار السمن اللوصال ساحة لهديم كمال فيها باب المنصور بكمالو
6- الفضاء الدفاعي:
يعد الفضاء الدفاعي ملمحا بارزا في النسيج العمراني للعاصمة الإسماعيلية، ويشمل الأسوار، الأبواب، الحصون، القلاع، الأبراج، القصبات... من ذلك باب البرادعيين، باب الخميس، باب كبيش، برج الشافية، برج الماء، برج دردورة، برج مولاي عمر، البرج المشقوق، قصبة جناح الأمان، قصبة تيزمي، قصبة سيدس سعيد،....
وقد شكل هذا الفضاء هاجسا لذاكرة القصيدتين حيث عمل الشاعران على تقدسمنه في صورة تشع بالعظمة والشموخ، وفي هذا الشأن يقول لعناية عن الأبراج:
وانظر للسياج الثالث ببروج عاليا وشرارف واسوار
وطباق العسا على النمر للي جا يخون تمحي آثارو
ويقول عن الأبواب بصفة عامة:
" وشوف فوسط لبلاد بعينيك ابواب عالية ومنازل وديار"
ويقول عن باب البرادعيين:
"وفباب البرادعيين شوف ذاك المنظر "
ويقول عن باب الحجر :
" ها راس آغيل وباب لحجر"
ويقول عن الأسوار :
" سور على سور يفخر "
ويحظى باب المنصور بعناية فائقة من قبل العبدلاوي فيبرز جمالية نقوشه وتاريخ تجديده كما تحيل على ذلك كلمة "دمشق" (1144هـ)
دار السمن اللوصال ساحة لهديم كمال فيها باب المنصور بكمالو
بحسن النظر وجمال ينبا لك
رسام راسمو فلاسفي، دهري، البيب، ذوقي ، ماهر ينعات
وكتب تاريخ عليه يعطى لك
يا فاهم اللغا "دمشق" فابجد ما خفى لدهاة القراة
ألف وميا ونزيد يا سالك
نهج لحساب ربعين مع الربعة باش تم عدادو فنعات
وبصفة عامة فإن التجربة تنشد في مقاربتها للمكان استجلاء المظاهر الجغرافية. يقول مولاي عبد العزيز :
" بطايح خضارك"،
"وجبال عالية زهوة للنظرة جمالها بسهول ؤربوات"،
"مكناس وطا وجبال"،
ويقول لعناية :
" اجعل مكناس فوق بطحا خضرا بجبال عالية وبادي وقرار"،
وتنشد استجلاء العطاء النباتي كقول لعناية :
" فحقايل وصفوف د الشجر "
وقول العبدلاوي :
" وحدايق من نوار مبهى لك "،
واستجلاء الشكبة الهيدروغرافية (نهر بويسحاق، لعويجة، عين معزة...)، وكذا المكونات العمرانية (أبراج – أسوار – مساجد، سقايات – أبواب – ساحات...)
تلك كانت أهم الأمكنة في الفضاء المكناسي التي حملتها تجربتا العبدلاوي ولعناية، أمكنة شكلت جمال مكناس وجعلتها عروسا وصنعت إرثها الحضاري المتنوع، امكنة نمر بها يوميا مرور اللامبالاة كأننا غرباء عنها وهي التي قال عنها العبدلاوي :
"بهجة مكناس وقول بلسانك"
اللي ما شافها نحكيه غريب في حياتو مالو جولات
فهلا تحركت الأيدي المسؤولة بالعناية بهذه التراث الخالد لإنقاذه من الضياع./.















تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
ديوان الملحون والزجل والشعر العامي - ملف
المشاهدات
889
آخر تحديث
أعلى