علي بنساعود - د. مسلك ميمون يُشَرِّح "اللغة" في القصة القصيرة جدا

صدر، أخيرا، للأستاذ الدكتور مسلك ميمون كتاب قيم تحت عنوان "اللّغة القَصصيّة: دراسة لغوية تحليلية لقصص جمال الدّين الخضيري"، وهو يقع في زهاء 250 من الحجم المتوسط، ويتوزع إلى "استهلال" و"مدخل إلى لغة القصة القصيرة جدا" وأربعة فصول...

في الفصل الأول تناول الباحث "خصائص اللّغة القصصية في مجموعة "فقاقيع" للقاص المغربي جمال الدين الخضيري، وفي الثاني قارب "لغة الحوار" في المجموعة نفسها، أما في الفصل الثالث فدرس "النص الموازي في مجموعة "وثابة كالبراغيت" للقاص نفسه، بعدها انكب على "اللغة القصصية" في المجموعة عينها، وانتهى بتناول "اللغة القصصية في نطاقها السيميائي".

ومما تضمنه استهلال هذا الكتاب:

"القصة القصيرة جداً، هي أولا وقبل كل شيء قصة، وليست إشارة، ولا ومضة... إلا في نسقها الشكلي. فإذا لم نستوعب مفهوم قصة، سنمضي في اجترار الغثاء، وتحبير الإنشاء، والكلام الزئبقي المنفلت، والتركيب النّمطي السّاذج، بعيدا عن روح القصّة وما تتطلبه من تحبيك ومقصدية حكائية.
إنّ من أسباب الرَّداءة الثقافية، أن أصبحت الأمور تسمى بغير أسمائها الحقيقية، وبغير خصائصها الذّاتية، وأصبح التّمييز مغيباً معطلا، والتَّفكير جامداً متبلداً. وعلى العيون غشاوة: نرى ولا نرى، نسمع ونردد ما سمعنا كالببغاوات ولا نعي، ولا نفقه شيئاً...

إنَّ كتابة قصة قصيرة جداً، لا ينبغي أن يكون مرتكزها الحجم، واعتباره الأساس، إنّه مجرّد خاصية وميزة لهذا الجنس ضمن مجموعة من الخصائص والمميزات التي لا يجدر بنا الاستئناس بدورها ووظائفها، فهي مجتمعة، أو متفرقة، أو بعضها دون البعض الآخر... مما تتطلبه ظروف الكتابة، وفكرة النّص... كالحرفي أمامه أدواته كلّها، ولا يَستعمل منها إلا ما يتوقف عليه.

فالقصّة القصيرة جداً، قصة بحدث وتأزيمه، وشخصيات وتفاعلها، وزمن وتفضيء، وبداية، وخرجة، ومقومات فنّية أساسها الاختزال والّتلميح، بعيداً عن كلّ تقرير وتصريح... لكن البعض، عن غير وعي، أمعن في الاختزال والحذف... فأتى بنص في بضع كلمات، وفي صيغة نمطية مكرورة، أساسها الجملة الفعلية. والبعض اعتمد التّلغيز فأغرق نصه في معميات، لا قاموس يفكّ طلاسمها، ولا أظنّه يعي ما يَكتب، أو يعبر عما في ذهنه، بل هي هلوسة وهذيان ليس إلا، والبَعض، على غير ذلك، يلجأ إلى الوضوح، والجمل البسيطة، والاستغناء عن الرّمز، ويحتفي بالحدث، ويصرّ على تبليغه... والبعض الآخر يُلامس في كلّ ما يكتب روح الطرفة، ولسعة السّخرية، ولعبة الكناية... فمن جهة، جميل هذا التّنوع والاختلاف برغم ما له وما عليه، لكن الأجمل أن تكون الانطلاقة على أسٍّ من الفهم والوضوح... فإذا علمنا مُسبقا أنّ الغرفة المعتمة بداخلها خطر ما، سنحتاط، إلى أن نجده فنتخلص منه، ونرتاح في غرفتنا، نبدع فيها كما نشاء بأمن وأمان. ولكن، إذا وقع العكس، لا شك أن الأمر سينتهي بنا إلى أسوأ العواقب..."

أكيد أن الكتاب إضافة نوعية للخزانة العربية عموما وللقصة القصيرة جدا على الخصوص... نتمنى للأستاذ مسلك ميمون الصحة والعافية والمزيد من العطاء المتميز.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى