خالد محمد مندور - الاتصال وهذا الزمان!

مباراة فى كرة القدم يعاملها زعيط ومعيط ونطاط الحيط وكأنها تحرير لفلسطين ، كأنها نهاية التاريخ ، وهى ليست مبارة نهائية فى الدورى أو الكأس ، ويمكن تعويض نتيجتها مهما كان الفائز ، والجميع يسترزقون منها ، خصوصا الصحافة والإعلام الرياضيين وقدامى اللاعبين ، ومئات الالوف من الجنيهات تنهال على رؤوسهم ، والعديد من مواقع التواصل الاجتماعى تقتات على هذه المنافسة المرضية ، والملاحظ كذلك انتشار العديد من المواقع على اليوتيوب ذات المحتوى الثقافى والتاريخى والاقتصادى والسياسى بمستويات مختلفة من النضج أو بمواقف مختلفة .
ويبدو الأمر مثيرا للدهشة حين لا يدرك البعض أن هذا زمان جديد بوسائل تواصل مختلفة عن زمان ما قبل النت ، وأن المشاهد أو المهتم أو المتابع يفضل أن يسمع عن أن يقرأ ، الأمر الذى لا ينفي أهمية الكتابة ولكن يضعها فقط فى سياق مختلف ، سياق التأثير على صناع الرأي العام بديلا عن التأثير المباشر فية ، لذلك تبدو شكاوى بعض ممثلى القوى السياسية والفكرية والثقافية من العزلة وعدم توافر المناخ المناسب للاتصال بالجماهير مثيرا للدهشة ، فعليها أولا استخدام وسائل هذا الزمان ومراعاة مزاج المشاهدين وعندها فقط يمكن الحديث عدم توفر المناخ المناسب سواء أكان هذا نتيجة لتوجهات الادارة ام لاسباب فنية .
والغريب توفر مواقع الكترونية جادة يقوم عليها أفراد وفريق عمل محدود وتلقى رواجا جماهيريا كبيرا ، منها ما هو اقتصادي أو تاريخى أو سياسى أو حتى رياضى ، هذا بالطبع غير مواقع الديماجوجية السياسية التى تقف خلفها قوى سياسية معادية للتقدم والإنسانية ، الأمر الذي يقودك للشك في أدراك ، من يشتكى من العزلة ، حقيقة هذا الزمان ، أو أنة يتخفى خلف الشكوى من العزلة تبريرا عن عدم قدرته أو رغبته فى التعبير عن نفسه باستخدام وسائل تواصل هذا الزمان وباحترام مزاج الجماهير.
لذلك فإن أهمية الكتابة لا تتناقص بل تتزايد ، رغم ما يبدو على السطح من سيادة التواصل المباشر بالكلام ، فأهمية الكتابة تزايدت وسرعة ملاحقاتها للتغييرات ازدادت أهميتها لأنها أصبحت موجهة لصناع الرأي العام ، وتزداد أهميتها عند إدراك أن التواصل باستخدام الوسائل الحديثة لن ينتظر أحدا ، وعلى من يشتكى من العزلة أن يدرك أن عزلته تتزايد و لن يستمع إليه أحد فى شكواة من العزلة إلا زملاء نفس العزلة !!.
ولو توقفنا قليلا أمام خبرات تاريخنا ، الذى ليس بعيدا بالمعنى التاريخي ، خبرات مخاطبة الجماهير التي قدمها عبد الله النديم فى جرائده ، التنكيت والتبكيت والطائف ثم ألاستاذ .
فالتنكيت والتبكيت تصدر بالعامية سنة 1881، في أثناء تصاعد الثورة ، كى يمكنها الوصول مباشرة للجماهير ، وعندما تتولى قوى الثورة السلطة ، تتحول التنكيت والتبكيت الى الطائف وتصدر بالعربية الفصحى وبالعامية أيضا ، حيث اتسع مجال التأثير والمؤيدين بحيث أصبح نقل الآراء المقدمة بالعربية الفصحى الى العامة أيسر منالا.
وعندما يعود النديم من منفاه سنة 1892، يصدر جريدة الأستاذ ، ولكنها بالفصحى فقط ، متوجها الى صناع الرأي العام في زمن خفوت الحركة الجماهيرية ، الى بدايات زمن مصطفى كامل وزملائه .
فهل نستطيع الاستفادة من دروس التاريخ ، وهل نستطيع إدراك حقائق زماننا هذا ، وهل نستطيع التعلم مما يجرى تحت أنوفنا ونراه ونستمع إليه ، وهل نستطيع احترام المزاج الجماهيري.



1674211914490.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى