الحبيب السائح - تريد أن تكون روائيا؟

هناك "كتبة" لم يقرأوا في حياتهم رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو مسرحية (ولا مشاهدتها)
ولم يكتبوا قصة قصيرة نشروها من قبل لتشهد لهم؛
فجأة يخرجون عليك بـ "رواية" يطبعونها على حسابهم في "دكان نشر"
ثم يروحون يروجون لها باللايكات التي يشترونها من مواقعها المعروفة.
ويعرضونها لتعاليق "الأصدقاء"، الذين هم في غالبيتهم لم يقرأوا رواية ولن يقرأوا "رواية" صديقهم نفسه.
ومن لحظتها ينصّبون أنفسهم "روائيين".
(اسألوا أو عودوا إلى أرشيف الروائيين المعروفين اليوم في الجزائر إن كانوا نصّبوا أنفسهم بأنفسهم روائيين عنوة!)
أما من أين جاءتِ "الكتبةَ" تلك "العبقريةُ" وأخرجتهم "الطفرة" إلى العلن فلم تعد الأمور اليوم خافية على أحد. ولكن لا أحد يهتم.
المئات من "الروايات" المطبوعة، اليوم، لو عرضت على دور نشر محترمة واحترافية لرُفضت.
والمئات من "الروايات" المسوّقة اليوم لا يستطيع أحد (لا الصحافة ولا النقد ولا المراجعة) أن يميز أصليتها من زيفيتها.
يمكن تصور ما يطبع وينشر اليوم باسم "رواية" شيئا شبيها بفيضان يخترق ساحة السرد العربي يتفرج على ضفتيه النقد من جهة والصحافة من جهة.
يجب الاعتراف بأن وسائط التواصل التكنولوجية لم تخرّب نظام القراءة فحسْب ولكنها رشت أيضا الضمائر و"أغرتها" بأن تعيث إفسادا في بيئة كانت محمية بسياج من الاستقامة والنبل والتواضع.
هناك أمران يلجأ إليهما أصحاب الحكم ينطبقان على الرواية اليوم، في حالنا:
الأول. إذا أردت أن يَبتذل قراء صحيفة ما ذات تأثير فاخلق لها مائة صحيفة تهتم بالمبتذل في الحياة.
الثاني. وإذا أردت أن تقلل من نفوذ حزب سياسي، في حال وسطى، فاخلق له سبعين حزبا؛ أو أن تفجره، في حال قصوى، فاحبك له "تصحيحية" من داخله.
إن الحديث، هنا، لا ينصرف، أبدا، إلى كتاب موهوبين هم في بدايات طريق الكتابة السردية؛ يقرأون بشغف ويكتبون بتواضع، برغم ما يعانونه من ضيق متعدد الأوجه، ويحلمون بأن يصبحوا يوما مثل الـ "أيقونات" الذين يقرأون لهم. وهذا ما يخلق منهم كتابا حقيقيين وأصليين. ذلك، لأن الكتابة الروائية مؤسسة دائما على ما يسبق. ولأن متعتها تكمن في الإضافة الأصلية. (إن الاستنساخ هو من أقذر الأفعال في الكتابة الأدبية).
ولكن ما أقل عددهم في الجزائر أو في خارجها! غير أنهم، على قلتهم، هم الذين سيواصلون، بلا انقطاع، المشروع الكبير الذي بدأ في الجزائر مع جيل المؤسسين (ستينيات- سبعينيات)، ومن بعدهم جيل (سبعينيات - ثمانينات) ثم جيل (ثمانينيات - تسعينيات).
كل ما هو إلكتروني لا يعول عليه، لأنه معرض، في أي لحظة، إلى الاضمحلال. اليوم أنت تستدفئ بمئات اللايكات وتبتهج. وغدا حين تراجع حساب "مبيعاتك" (سواء تلك التي قمت بها أنت، وهذا عيب، أم تلك التي وعدك بها "دكان النشر") يصدمك الواقع الصارم القاسي والشامت.
تريد أن تكون روائيا؟
ابدأ بتولستوي ودوستويفسكي وغوركي. وقف على هوغو ولا تنس فلوبير وغمّز لبروست. ومر على شتانبيك وهمنغواي وفوكنر. وعرج على ماركيز، فقط. وانزل عند نجيب محفوظ. وخذ حبلا من شراع حنا مينه. وتشمم أبخرة الطيب صالح. وادخل دار محمد ديب. واسمع ريح جنوب بن هدوقة. والعب اللاز مع وطار.
بعدها، ستكتشف عالم الرواية العجيب، عجب الدنيا، الواسع سعة الفضاء الذي بك الأرض تدور فيه.
أعلى