د. سيد شعبان - الكتابة على الماء!

مؤكد أننا جميعا مررنا بهذه التجربة؛ نسطر خواطرنا أو ندون نتفا من سيرتنا الذاتية؛ ننقد شاعرا أو نسرد مقالة؛ نرسل بأوراق ذات قلوب أصيبت بسهام الحب، كل هذا يذهب مع الريح تذروه، إنها نتف صغيرة في عمر الكتابة الأولى تمتاز بحلاوة البدايات الجميلة، لكنها سرعان ما تختفي بين طيات الزمن، قد يعثر أحدنا على مطوية منها بين صفحات كتاب أو في ركن من غرفته بين أشيائه؛ ساعتها يمسك بها في دهشة ويسأل نفسه: هل أنا كاتبها؟
أي طفل غض كنت؟
ليتني ما أضعت تلك الأحلام البريئة؛ أين تلك السعادة التي مرت كطيف النسبم؟
بالفعل هي الكتابة الأولى تسطر على صفحات الماء ولا يبقى منها شيء، تمضى تلك اللحظات ولا يبقى منها غير ومضات حلم.
بدايات القلم شعرا أو نثرا تغري بالاستمرار لو وجدت من يرعى الغرس ويتعهده؛ كلنا يحمل بذرة الإبداع، لو أحسن المربون رعاية النشء إذا لكان لدينا شوقي وحافظ والرافعي والعقاد والزيات وطه حسين وعلي مشرفة وأحمد زويل ومجدي يعقوب وبنت الشاطيء مئات إن لم تكن ألوفا تنهض بالعلم والأدب
نعاني ممن يتصدرون ميادين التربية إذ جعلوها باب ارتزاق لا أمانة تعهد وانتماء.
أشتهي العودة صغيرا؛ لأدون تلك الجمل التي امتنعت أن تزورني في منامي؛ العصفورة الجميلة التي كانت تقف على نافذتي وأتخيلها ستأخذ رسالتي إليها، ذلك الطيف منها أتبعه؛ كل إنسان محب وإن تدثر بغلالة سميكة، فالقلوب أوعية الجمال الذي نرفل فيه صباح مساء
دعك من هؤلاء الذين عاشوا في ظلمة النهار يمنعون الشمس أن تدخل الأقبية التي حشروا فيها؛ لو أنهم عقلوا لتخلوا عن تلك القيود ولأراحوا أنفسهم من ذلك العنت.
كنت واهما إذ اعتقدت أن الله يحب هؤلاء الذين يقبضون أيديهم عن معاني الجمال في كونه أو يمعنون في اعتزال النسائم مخافة أن يعانقوا البهاء في محفل ربيعه وزهره؛ فلما أدركت تلك الحقيقة زدت حبا لخالقي الذي أنعم وأبدع!
ثمة كتاب يعيشون في الظل لايهتم به أحد، فالصحف والمجلات لهؤلاء الذين يجيدون تزويق بضاعتهم المزجاة، مقالات عن هذه الميساء وآخر عن غيداء الشاشة.
يغفلون عن قضايا المجتمع ولايقدمون علاجا لقضاياه، بل يلقون باللائمة على القدر إذ غفل عن مواهبهم وتناسى عبقريتهم
ليكن الماء طيات ثلج بعضها فوق بعض حتى تثبت الحروف وتميس دلالا من وهج الفكرة وقوة تأثيرها. عياذا بالله أن تكون حرقة القلم بكاء عانس أو شكوى ضجر يائس، فما هي إلا قوت القلوب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى