محمود شاهين - الزلازل من وجهة نظر مذهب وحدة الوجود الحديث !

إهداء إلى كل من فقد أحد ذويه في زلزالي تركيا وسوريا .

مقدمة في المذهب لمن لا يعرفه:

مذهب وحدة الوجود بشكل عام :

مذهب ديني يرى أن الوجود واحد وليس وجودين : خالق ومخلوق . فليس في الوجود إلا الخالق وتجلياته حسب معظم المفاهيم . غير أن الفهم الحديث لا يتفق مع هذا الفهم إلا من حيث المبدأ بوحدة الوجود . أما من حيث الكيفية فهو مختلف تماماً .

مفهوم الخالق في المذهب الحديث:

1- الخالق طاقة عقلانية متطورة غير طقمادية تتصف بالوعي والحكمة ، تسري في الكون والكائنات وتتجسد فيهما . لم ينزل تشريعات ولم يرسل أنبياء ولا يحاسب ولا يعاقب . فهو خير مطلق وعدل مطلق ومحبة مطلقة وجمال مطلق . ولا جنة لديه سوى وجوده أي كونه أينما كان.

" غير الطقمادية . أي لا تنطبق عليها مواصفات المادة والطاقة حسب ما عرفها العلم . أي أنها ليست القوى الأربع الناظمة لعملية الخلق والوجود الكوني : القوتين النوويتين والجاذبية والكهرومغناطيسية "

2- الغاية من الخلق: هي أن يرى الخالق نفسه مجسّداً في أجمل وجود ممكن ، لا لكي يعرف فحسب ، بل ليقوم هذا الخلق ( مجازاً) بمساعدته في عملية الخلق والتجسد ببناء حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال. فالخالق لا يشق طرقاً ولا يقيم جسوراً ولا يبني مدناً وبالتالي لا يقيم حضاره ، وهذه هي مهمة الخلق المتجسد ( مجازا ) ويأتي في مقدمتها الإنسان. المؤسف أن الإنسان لم يع الغاية من وجوده حتى يومنا ، كما لم يع ماهية الخالق على وجهها الأكمل .ويمكن القول أننا أمام خالق يخلق نفسه بنفسه لنفسه .

3- الخالق رغم عظمته التي لا تتساوى معها أي عظمه مهما كانت فائقة ، إلا أن قدرته غير مطلقة. لذلك استغرقت عملية الخلق أربعة عشر مليار عام بعد الانفجار الكبير ولم تكتمل بعد . هذا عدا مليارات الأعوام السابقة على الانفجار التي أمضاها الخالق كامنا في ما يشبه العدم ضمن جسيم دون ذري، مفكراً في خلق وجود من ذاته ! لذلك قلنا إن عملية الخلق ما تزال تحبو في بداياتها. ويكفي أن يعرف الانسان أنه لم يوجد كإنسان شبه عاقل إلا من بضعة آلاف من السنين ، ليعرف كم كانت عملية الخلق شاقة حتى تمكن الخالق من خلقة ، بعد ما يقرب من نصف مليار سنة من خلق الخلية الحية ، وأربعة عشر مليار سنة على الانفجار الكوني وعشرات المليارت من كمون الخالق . أما الانسان الكامل بالمطلق فلم يوجد بعد ، والأمر نفسه ينطبق على الحضارة الأقرب إلى الكمال. فهذه لن توجد ربما قبل مليار عام .

4- عملية الخلق عند الخالق في مذهب وحدة الوجود الحديث عملية متطورة حسب قوانين ومعادلات غاية في التعقيد والاعجاز، فالخالق لا يخلق بأمر كوني كما ترى بعض المعتقدات " ليكن أو كن فيكون " للأسف هذا أمر غيرممكن على الاطلاق .. فالقوانين والمعادلات هي التي تعمل في الوجود . والخالق هو الطاقة العقلانية الواعية التي وضعت هذه القوانين وتسيّرها وتطورها..

*******

على ضوء هذه المقدمة يمكن أن يعرف القارئ لماذا تحدث الزلازل والبراكين والعواصف لتودي بحياة ملايين البشر. فالطبيعة تبني نفسها حسب قوانين موضوعة فيها، والكائنات تخلق نفسها بنفسها بفعل القوانين الكامنة فيها والطاقة الناجمة عنها وتفاعلها مع الطاقة الخالقة السارية في الكون والكائنات . ولا قدرة للخالق على الوقوف في وجه هذه التحولات والتفاعلات الطبيعية . ولنفترض أن الخالق استطاع أن يؤثر في عمل القوانين التي وضعها وغير مسار الضغط الباطني في الأرض ، نتيجة صدامات أو تصدعات صخرية وكل ما يخل بتوازن الباطن وينجم عنه ضغط هائل ، سيجد الخالق نفسه بعد فترة مضطرا للتدخل دون التخلص من الضغط الهائل ، إلى أن يجد الخالق نفسه في زمن ما ، أمام ضغط هائل في باطن الأرض ـ يؤدي تفجيرة أو انبعاثه ، إلى تدمير كوكب الأرض برمته ، وإذا كان كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد في مليارات مليارات الكواكب في الكون الذي بلغ هذه الحضارة ، فإن الخالق في هذه الحالة قد يعود للبدء من الصفر الأرضي لبناء حضارة نسبية كالتي كانت قبل الانفجار.. لذلك لا يجد الخالق مفراً من التضحية والفداء بجزء من وجوده الكوني حتى لا يفقد جزءاً أكبر من وجوده ممثلا في كوكب الأرض كله .

ومثلما نتألم نحن ونبكي على الضحايا يتألم الخالق ويحزن على فقدان جزء من حياة هو مجسد فيها .. ما يخفف العبء على الخالق أن وجوده الكوني هو فوق أي تصور ، فما دمر بالنسبة إليه لا يشكل أكثر من نقطة ماء في محيطات كونية . فالخالق لا يزول ولا يفنى ولا ينقص مهما حدث . فهو باق إلى الأبد لنبقى به وفيه ومعه.

والأهم يا قرائي الأعزاء ويا صديقاتي ويا أصدقائي، لا تظنوا أن الخالق يغفل عمن قتلوا . فهؤلاء جميعاً والأطفال بالدرجة الأولى تنضم الطاقة الخالقة، طاقة الحياة، الخارجة من أجسادهم إلى طاقة الخالق الكونية العظيمة ليكونوا خالقين مع الخالق . ويتمتعوا بكل ما يتمتع به الخالق في الوجود. وإن شئتم أن أعبر بلغة مفهومة لكم أكثر سأقول : إن الروح الخارجة من أجساد أطفالكم وذويكم ، هي الآن مع روح الله ، روح الخالق، الروح القدس ، وأن مادة أجسادهم الآن خضراء تحت التراب تمنح الرزق والغذاء لتراب الأرض ، لتبقى الحياة وتستمر.

آمل أن تخفف رؤيتي هذه من مصابكم ، مصابنا ، مصاب الخالق ، وتريح نفوسكم ، لتنعموا بالحياة .

محمود شاهين

27-3-2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى