كثير من الافلام المصرية ، والمسلسلات العربية ، التي تركت معضلات المجتمع المستعصية من جرائم وبطالة وفقر مدقع وتجارة السموم القاتلة، وعكفت على موضوع واحد دون سواه، موضوع يستند على الصدمة الصاعقة الماحقة حين يكتشف المرء أنه ليس إبن أمه وأبيه ، ثم وعلى الصدفة الفانتازية السحرية ، حين يعثر على ذويه، وسط مائة مليون مصري، يفرحون جميعا لهذا الحدث الاعظم ، في تأريخ الأمم!!
كان فيلم فريد شوقي المعنون (قطار العمر) مثالا صارخا لهذه الاعمال ، فالبطل (الممثل شوقي) هو أكبر جراح في مصر ، يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة لندن في تخصص دقيق بجراحة القلوب،
والماجستير في علاج سرطان الحواجب ، والدكتوراه الفخرية في علاج داء الثعلب والواوي !!
تسير حياة هذا الطبيب بيسر تام ، إذ يقصده القاصي والداني ويزحف اليه المرضى من كل حدب وصوب ، فلا يمكن وصف سعادته وهناءه في دنياه وتطلعه لمزيد من النجاح والعظمة والحبور ، حتى تزوره مريضة تدعى دليلة الجليلة وابنتها نرجس العليلة ، وهنا وما ان يلمح وحش الشاشة الشابة نرجس حتى ينبعث من عينيه شعاع كالليزر نحو عينيها ، وترد اليه عينا الشابة الشعاع بنور مثل ضوء الترافك، ليكتشف خلال لحظة انها ابنته التي فارقها منذ عشرين عاما، فتعوج ساقاه كالعاده في جميع أفلامه، ويصبح كسيحا، ويرتجف فمه مثل طفل رضيع ، ويعجز عن المسير ويستلقي عند اقرب كرسي وهو يصرخ مرتعشا : بنتي حبيبتي .. كنتي فين غايبة عني؟؟
غير ان دليلة سرعان ما تنكر عليه الامر كله ، وتهرب بالبنت بعيدا، ليتحول هذا الطبيب العملاق في غمضة عين الى زبال، وقد تبخرت الثروة والمستشفى والشهادات الجامعية مرة واحدة ، ويبقى طوال الفيلم حاملا مكنسته باكيا دون هوادة، وهو يجوب كطفل تائه في الطرقات ، ثم يقع مغشيا عليه في النهاية بباب المسجد، فتلهث نحوه ابنته نرجس ، والسيدة دليلة التي تحتضنه بشدة ليموتا معا، هي بالسكتة القلبية، وهو بسبب وزن دليلة ، الأثقل من فيلة .
ولعل من أشهر الافلام التي حملت هذا المضمون، هو فيلم (الخطايا) لعبد الحليم حافظ وحسن يوسف، ووالدهما عماد حمدي، الذي يميز في التعامل بين ولديه دون سبب مقنع ، فيطبع على جبين ولده الصغير كل يوم مائة قبلة، في حين ينظر الى ولده العندليب نظرة احتقار واحتقان، ويرميه دوما بأقرب سندان، دون ان يفقه العندليب شيئا مما يحدث وما كان !!
وتستمر احداث الفيلم بالتصاعد ، ويبلغ العداء بين الاب والابن حد منعه من الزواج من حبيبته والاصرار على ان يتزوج بها الابن المدلل الاصغر (!!)
وهنا.. يثور عبد الحليم ويقرر التمرد على هذا الوضع الظالم ، فيتسلل ليلا ويكسر مكتب أبيه كي يأخذ ما يكفيه من المال ليتمم زواجه، غير ان الاب يباغته بالدخول ويصرخ بوجهه :
-انت بتعمل ايه يا ولد؟
-يعني واحد ديكسر المكتب وبيده فلوس، قابل ديلعب طاولي؟
-انت بتسرقني يا كلب؟
-لا جاي ابيع لبلبي.
-امشي اخرج بره بيتي يا ولد، مش عاوز اشوف وشك هنا.
-بس ده بيتي انا، بيت بابا وماما وأخويه.
-انا مش ابوك، ودي مش مامتك، وده مش اخوك.
-اگوللك، هن كلهن عشرين جنيه اللي سرقتهم صرت مو ابنك، لعد لو سارق الف جنيه شنو اصير؟ جاي من مذنب هالي، هالي وعمي!
- وكمان تحشش.. انت مجهول الاب، انت لقيط لقيط..
-وانت ظالم ولازم اخبر عنك بتهمة المضمون الهابط وتنسجن ويه سعلوة وابو سعيدة وحسن مگراضه ووردة البغدادية .
وهنا يقوم عماد حمدي بصفعه صفعة مدوية يخرج عبد الحليم على اثرها هائما على وجهه في الطرقات وهو يغني يا شارع الضباب ، لتستمر احداث الفيلم ويكتشف بعد رحلة عذاب مضنية أنه نصف إبن لهذه العائلة وليس ابنا تاما ، كون الام هي أمه الحقيقية، أما الاب فليس بأبيه، لكن مشاعر الأبوة سرعان ما تنغرس كسرعة الضوء فيه !! .
مثل هذه الأفلام التي تقوم على المصادفة والفقدان والضياع والنهاية السعيدة انتشرت كثيرا حتى اليوم رغم تفاهة المضمون وعدم أهميته وندرته التي تقترب من الصفر، غير انها حدثت وتحدث دوما عندنا ، حتى باتت أشبه بظواهر لا تعرف التفسير .
فيمكن لك وانت تراجع دائرة حكومية أن يلقى القبض عليك وتكتشف أنك محكوم بالاعدام شنقا حتى الموت في جناية لم ترتكبها ومدينة لم تزرها، وتكتشف ان اسم جدك الجديد هو زنجيل رغم ان اسمه الحقيقي هو حمادة، وأن اسم الام هو خزنة وليست بدور، وأن اللقب غير اللقب والعنوان ليس بالعنوان ، لكن هذا كله ليس مهما ، فهنالك تشابه اسمك واسم ابيك مع مطلوب للعدالة، ويجب ان تنفذ ثم تناقش، فيتم اعدامك أولا، ثم تعترض على الحكم وتقدم مظلوميتك لملائكة السماء!!
ويمكن لك ان تراجع مركز الشرطة لتجد نفسك مقتولا، وحين تعترض في اليوم التالي تجد نفسك قاتلا، ثم تقف أمام المرآة ليمتد منها حبل يلتف حول عنقك كي تدفع ثمن عراقيتك.
بل والأدهى من ذلك كله، أن تدخل دارك الذي غبت عنه مدة من الزمن، لتكتشف انه ليس بدارك، وان زعيم حزب (الإستكان الشامخ) قد سطا عليه وهو يدعي انه قد اشتراه من زعيم كتلة( الشفل المزنجر) ، علما ان الاثنين كانا اشد فقرا من دودة الارض، وحين تبرز له أوراق الدار التي تثبت حقك فيه، ينبري لك أفراد حمايته الأشبه بجند هولاكو ركلا ورفسا وطعنا ، ولربما تذهب شهيد الدار قبل ان تفقه ما يجري، أهو حلم ام انه جزء من الكاميرا الخفية، عندئذ تخاطب الجدران مثل الذي يقف على الاطلال، فتجيبك :
انا مش دارك يبني، انا دار جيرانك يغالي ، اخرج بره بيتك يا غاتي ، قابل نكذب كل ذول الحيتان، وَنصدگ واحد مثلك وجعان وتعبان..
كان فيلم فريد شوقي المعنون (قطار العمر) مثالا صارخا لهذه الاعمال ، فالبطل (الممثل شوقي) هو أكبر جراح في مصر ، يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة لندن في تخصص دقيق بجراحة القلوب،
والماجستير في علاج سرطان الحواجب ، والدكتوراه الفخرية في علاج داء الثعلب والواوي !!
تسير حياة هذا الطبيب بيسر تام ، إذ يقصده القاصي والداني ويزحف اليه المرضى من كل حدب وصوب ، فلا يمكن وصف سعادته وهناءه في دنياه وتطلعه لمزيد من النجاح والعظمة والحبور ، حتى تزوره مريضة تدعى دليلة الجليلة وابنتها نرجس العليلة ، وهنا وما ان يلمح وحش الشاشة الشابة نرجس حتى ينبعث من عينيه شعاع كالليزر نحو عينيها ، وترد اليه عينا الشابة الشعاع بنور مثل ضوء الترافك، ليكتشف خلال لحظة انها ابنته التي فارقها منذ عشرين عاما، فتعوج ساقاه كالعاده في جميع أفلامه، ويصبح كسيحا، ويرتجف فمه مثل طفل رضيع ، ويعجز عن المسير ويستلقي عند اقرب كرسي وهو يصرخ مرتعشا : بنتي حبيبتي .. كنتي فين غايبة عني؟؟
غير ان دليلة سرعان ما تنكر عليه الامر كله ، وتهرب بالبنت بعيدا، ليتحول هذا الطبيب العملاق في غمضة عين الى زبال، وقد تبخرت الثروة والمستشفى والشهادات الجامعية مرة واحدة ، ويبقى طوال الفيلم حاملا مكنسته باكيا دون هوادة، وهو يجوب كطفل تائه في الطرقات ، ثم يقع مغشيا عليه في النهاية بباب المسجد، فتلهث نحوه ابنته نرجس ، والسيدة دليلة التي تحتضنه بشدة ليموتا معا، هي بالسكتة القلبية، وهو بسبب وزن دليلة ، الأثقل من فيلة .
ولعل من أشهر الافلام التي حملت هذا المضمون، هو فيلم (الخطايا) لعبد الحليم حافظ وحسن يوسف، ووالدهما عماد حمدي، الذي يميز في التعامل بين ولديه دون سبب مقنع ، فيطبع على جبين ولده الصغير كل يوم مائة قبلة، في حين ينظر الى ولده العندليب نظرة احتقار واحتقان، ويرميه دوما بأقرب سندان، دون ان يفقه العندليب شيئا مما يحدث وما كان !!
وتستمر احداث الفيلم بالتصاعد ، ويبلغ العداء بين الاب والابن حد منعه من الزواج من حبيبته والاصرار على ان يتزوج بها الابن المدلل الاصغر (!!)
وهنا.. يثور عبد الحليم ويقرر التمرد على هذا الوضع الظالم ، فيتسلل ليلا ويكسر مكتب أبيه كي يأخذ ما يكفيه من المال ليتمم زواجه، غير ان الاب يباغته بالدخول ويصرخ بوجهه :
-انت بتعمل ايه يا ولد؟
-يعني واحد ديكسر المكتب وبيده فلوس، قابل ديلعب طاولي؟
-انت بتسرقني يا كلب؟
-لا جاي ابيع لبلبي.
-امشي اخرج بره بيتي يا ولد، مش عاوز اشوف وشك هنا.
-بس ده بيتي انا، بيت بابا وماما وأخويه.
-انا مش ابوك، ودي مش مامتك، وده مش اخوك.
-اگوللك، هن كلهن عشرين جنيه اللي سرقتهم صرت مو ابنك، لعد لو سارق الف جنيه شنو اصير؟ جاي من مذنب هالي، هالي وعمي!
- وكمان تحشش.. انت مجهول الاب، انت لقيط لقيط..
-وانت ظالم ولازم اخبر عنك بتهمة المضمون الهابط وتنسجن ويه سعلوة وابو سعيدة وحسن مگراضه ووردة البغدادية .
وهنا يقوم عماد حمدي بصفعه صفعة مدوية يخرج عبد الحليم على اثرها هائما على وجهه في الطرقات وهو يغني يا شارع الضباب ، لتستمر احداث الفيلم ويكتشف بعد رحلة عذاب مضنية أنه نصف إبن لهذه العائلة وليس ابنا تاما ، كون الام هي أمه الحقيقية، أما الاب فليس بأبيه، لكن مشاعر الأبوة سرعان ما تنغرس كسرعة الضوء فيه !! .
مثل هذه الأفلام التي تقوم على المصادفة والفقدان والضياع والنهاية السعيدة انتشرت كثيرا حتى اليوم رغم تفاهة المضمون وعدم أهميته وندرته التي تقترب من الصفر، غير انها حدثت وتحدث دوما عندنا ، حتى باتت أشبه بظواهر لا تعرف التفسير .
فيمكن لك وانت تراجع دائرة حكومية أن يلقى القبض عليك وتكتشف أنك محكوم بالاعدام شنقا حتى الموت في جناية لم ترتكبها ومدينة لم تزرها، وتكتشف ان اسم جدك الجديد هو زنجيل رغم ان اسمه الحقيقي هو حمادة، وأن اسم الام هو خزنة وليست بدور، وأن اللقب غير اللقب والعنوان ليس بالعنوان ، لكن هذا كله ليس مهما ، فهنالك تشابه اسمك واسم ابيك مع مطلوب للعدالة، ويجب ان تنفذ ثم تناقش، فيتم اعدامك أولا، ثم تعترض على الحكم وتقدم مظلوميتك لملائكة السماء!!
ويمكن لك ان تراجع مركز الشرطة لتجد نفسك مقتولا، وحين تعترض في اليوم التالي تجد نفسك قاتلا، ثم تقف أمام المرآة ليمتد منها حبل يلتف حول عنقك كي تدفع ثمن عراقيتك.
بل والأدهى من ذلك كله، أن تدخل دارك الذي غبت عنه مدة من الزمن، لتكتشف انه ليس بدارك، وان زعيم حزب (الإستكان الشامخ) قد سطا عليه وهو يدعي انه قد اشتراه من زعيم كتلة( الشفل المزنجر) ، علما ان الاثنين كانا اشد فقرا من دودة الارض، وحين تبرز له أوراق الدار التي تثبت حقك فيه، ينبري لك أفراد حمايته الأشبه بجند هولاكو ركلا ورفسا وطعنا ، ولربما تذهب شهيد الدار قبل ان تفقه ما يجري، أهو حلم ام انه جزء من الكاميرا الخفية، عندئذ تخاطب الجدران مثل الذي يقف على الاطلال، فتجيبك :
انا مش دارك يبني، انا دار جيرانك يغالي ، اخرج بره بيتك يا غاتي ، قابل نكذب كل ذول الحيتان، وَنصدگ واحد مثلك وجعان وتعبان..