د. أحمد الحطاب - الإنسان واللاإنسان

الإنسان مُستعمل هنا كمصطلح مرادف ل"بني آدم" وضدٌّ ل"حيوان" و"بهيمة". الإنسان هو الآخر حيوان لكنه حيوان عاقل، أي له عقلٌ (ذكاء) يميز به بين الحق والباطل وبين الشر والخير وبين الطيب والخبيث وبين المُنْكَرِ والمعروف وبين... وقد يصبح الإنسانُ حيوانا محضا أو بهيمةً عندما يترك العقلَ جانبا ويتصرف بغريزته أو تحت تأثير أهوائه.

وهذا التوضيح يقودنا إلى وَضْع فرقٍ أو تمييزٍ بين "كائن حي" بالمعنى المُطلق وكائن حي مفكِّرٍ الذي هو الإنسان. وإذا تميَّز الإنسان عن الحيوان بالعقل، فإنه يتميز عن اللاإنسان بحُسنِ الخُلُقِ، أي بالصفات التي تجعل من البشر بشرا ينفعُ نفسَه وينفع مجتمعَه و وطنَه. أما اللاإنسان، فإنه نقيض الإنسان، بمعنى إذا كان هذا الأخير ميَّالاً للخير، فالأول ميَّالٌ للشر وإذا كان الأول ميَّالاً للباطل، فالآخر ميالٌ للحق، الخ.

وما يؤسفُ له أنه، في أيامنا هذه، هو أن اللاإنسان أصبح أكثر عدداً، وبفرق شاسع، من الإنسان. وهو الشيء الذي كان ولا يزال له وقع واضح على سير وسيرورة وتسيير الحياة اليومية. لماذا؟ لأن اللاإنسانَ، إذا ملك المالَ والسلطةَ والجاهَ، فإنه لا يملكُ الأخلاقَ. ولذلك نراه يعثو في الأرض فساداً مُستسلِما لغريزة الجشع والطّمع والسّيطرة على الآخرين...

بالنسبة لللاإنسان، كل الطرق تؤدي إلى روما. وأحسن طريق برِعَ فيه هذا الأخير وعبَّده بلاإنسيانيته هو السياسة. السياسة التي أفرغها من مضمونها الإنساني والأخلاقي وسخَّرها لأغراضه الدنيئة. وقد تصير هذه الأغراض من الخطورة بمكان حين يصل اللاإنسان إلى مركز القرار. وهذا شيء سهل بالنسبة له ما دام يملك المال والجاهَ. أما دِروة الخطورة كل الخطورة، فتكْمُنُ في وصول اللاإنسان الأمي و الجاهل إلى مركز القرار. حينها، حدِّثْ ولا حرج! لا مكان للأخلاق ولا للقيم السامية. وهذا شيء نلاحظه من حولنا. وحتى لو أردنا أن لا نبالي بهذا الشيء، فإنه يستفزُّنا ويهزُّ مشاعرَنا بحُكم فظاعته وتجاوزه لمتطلبات التعايش والتساكن وحسن الخُلُق.

هذا هو اللاإنسان الذي لن يتغيَّرْ سواء قبل، أثناء أو بعد وباء فيروس كورونا أو أي وباءٍ آخر. هذا هو اللاإنسان الذي اتخذ غطاءً لأعماله الفاحشة الأحزابَ السياسيةَ والديمقراطيةَ والبرلمانَ والجماعاتِ الترابيةَ و...

هذا هو اللاإنسان الذي هو، في الحقيقة، أخطر بكثير من أي وباءكيفنا كانت حِدَّتُه. لماذا؟ لأن الوباءَ مصيرُه الاختفاء بينما اللاإنسان لصيق بالإنسان الذي قد يُصبح في خبر كان.

هذا هو اللاإنسان الذي غزا المعمورَ وطنيا و عالميا. اللاإنسان هو الذي بستعمل المال لشراء الذِّمَمِ و الوصول إلى السلطة ليصول و يجول. والذي يستغل أميةَ و جهلَ أندادِه لتحقيق أغراضه الشنيعة. وهو الذي يُنْشيء الحزبَ السياسي للوصول إلى السلطة واستغلالها استغلالا دنيئا. هو الذي يستعمل المجتمع المدني كمطية لحاجة في نفس يعقوب. وهو الذي يُتاجِر في الدين و يستغلُّه للوصول إلى السلطة. وهو الذي يستحْمرُ الناسَ بنفاقه على جميع الأصعدة، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية... والائحة طويلة.

اللاإنسان، وخصوصا ذلك الذي اعتنق سوءَ الأخلاق كدِينٍ ومِلَّةٍ، يهتم فقط بمصالحه الشخصية وبجشعِه وبملءِ جيوبه. بل لا يهتم بطريقة الملء إن كانت مشروعة أو غير مشروعة. ما يشدُّ اهتمامَه هو الملءُ والمَلءُ فقط. أن تكونَ لأفعالِه مساوئ إنسانية، اجتماعية واقتصادية، فهذا شيءٌ لا يدخل في انشغالاته. لماذا؟

لأن اللاإنسان، إضافةً إلى اعتناقه سوءَ الأخلاق كدين ومِلة، شِعارُه في الحياة : "ومن بعدي الطوفان". أن يموتَ الناسُ فقرا أو جوعا أو بؤسا أو مرضا…، أن يتغيَّرَ المناخ، أن ترتفعَ الأسعارُ، أن يحلَّ الجفافُ، أن تنتشرَ البطالة…، فهذه أمور لا تهمُّه ولا تشغل بالَه على الإطلاق. أن يتشرَ الفسادُ، فهذا هو الشيء الذي يجد فيه ضالَّتَه الكبرى التي تتماشى مع اعتناقِه لسوء الأخلاق كدين ومِلة!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى