واللهِ ثم واللهِ وأعيدُ وأقول واللهِ، لو تمَّ تطبيق القانون تطبيقا صارما، منذ عشرات السنين الماضية، لأصبح هذأ البلدُ السعيد شبيهاً بالبلدان الاسكندينافية من حيث الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكرامة البشر. فما معنى تطبيق القانون تطبيقا صارما؟
معناه أن هذا التطبيق ليس فيه تسامحٌ ولا يأخذ بعين الاعتبار المحسوبية والزبونية و"باك صاحبي" والمكانة الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاعتبارية كيف ما كانت… طِبقا لما ينصُّ عليه الدستور الذي يُساوي بين المواطنين أمام القانون. ومَن الذي سيضمن هذا التَّطبيقَ الصارم؟
بالطبع، يضمنه الدستور ومن خلال الدستور، القضاء. وهذا يعني أن القضاءَ يجب أن يكونَ مستقلا عن السلطتين التَّشرعية والتنفيذية. قضاءُنا، على الورق، مستقل. لكن هل هو نزيه (لا أعمِّمُ، كل شيء فيه الخَيِّرُ والسيء)؟ وهذا هو السؤال الطويل والعريض أو هنا بيت القصيد.
الاستقلالية والنزاهة، هما الصفتان اللتان تمكِّنان القضاء من اجتثات الفساد، أو على الأقل، الحد من انعكاساته السلبية على حياة المواطنين. الفسادُ، وعلى رأسه، الفساد السياسي والرشوة… هم أعداء المجتمع المغربي ويشكِّلون عوائق للتنمية بجميع مظاهرها وهنا تُطرحُ هذه الأسئلة الطويلة والعريضة : "مَن له مصلحةٌ في بقاء الفساد مستشرياً في شرايين حياة المواطنين؟ وهل هذا الوضعُ المسيء للبلاد يعني أن الدستورَ لا قيمةَ له فيما يخصُّ مساواةَ المواطنين أمام القانون؟ وهل هذا الوضعُ المسيء للبلاد يعني أن محاربةَ الفساد من طرف البرلمانيين والحكومات، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، ليس إلا ذرُّ الر ماد على العيون؟
نعم، كل هذه التَّساؤلات مشروعة ومنطقية لأن ما يُصادفه المواطنون في حياتهم اليومية وما ينص عليه الدستور والقوانين المنبثقة عنه، عالمان متناقضان أو متضادان. عالمان يدفعان المواطنين إلى العيش في جحيمٍ لا يُطاقُ. بل قد يدفعان البعضَ من هؤلاء المواطنين إلى الانخراط في دوامة الفساد، وبالتالي، المساهمة في تفشِّيه واتِّساع دائرته! وهنا، حان الأوانُ للإجابة عن السؤال المطروح أعلاه ألاَ وهو : "مَن له مصلحةٌ في بقاء الفساد مستشرياً في شرايين حياة المواطنين؟
لن أتردَّدَ لاقول إن الأحزابَ السياسيةَ هي المسئول الرئيسي عن استشراء الفساد في البلاد. لماذا؟
لأن الأحزابَ السياسيةَ هي التي تتولَّى تدبيرَ الشأنين العام والمحلي عندما تنجح في الانتخابات وتصعد إلى البرلمان لتُشَرِّعَ وإلى الحكومة لتنفِّذَ ما اتفقت عليه الأغلبية الحزبية من برامج تحت رقابة هذه الأغلبية البرلمانية. وهنا، لا بدَّ من التَّذكير أن البرلمانات والحكومات، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، سنَّت تشريعات وقوانين من شأنها أن تكونَ قد قضت على الفساد أو، على الأقل، التَّخفيف من آثاره السلبية على التَّنمية الاجتماعية والاقتصادية. لكن الفسادَ لا يزال قائما ولا يزال واحداً من أهم عوامل نَخرِ المجتمع. لماذا؟
أولاً، لأن الإرادةَ السياسية للقضاء على الفساد موسِمية. وحتى عندما تكون موسمية، فإنها ترتبط بالمصالح الضيقة للأحزاب السياسية. ثانيا، لأن الهدفَ الوحيدَ الذي أصبحت "تُناضِلُ" من أجله الأحزاب السياسية هو الوصول إلى السلطة من أجل السلطة. ولو كانت هذه الإرادةُ السياسية صادقة، لماذا لم تُحالْ التَّقاريرُ التي يُصدرها سنويا المجلسُ الأعلى للحسابات على القضاء، وخصوصا تلك التي أثبثت تبدير أو اختلاسَ المال العام؟ ولهذا، فالأحزابُ السياسيةُ التي كانت موجودةً في البرلمانات والحكومات السابقة أو تلك التي تؤثِّثُ هاتين المؤسستين حاليا، مسئولة، حتى النُّخاع، على انتشار الفساد ونَخرِه لدواليب الدولة، إن لم نقل هي متواطئةٌ مع الفاسدين والمُفسدين، سياسيين كانوا أم غير سياسيين وما أكثرهم! فما بالُك، إن كانت الأحزابُ السياسيةُ نفسُها تضمُّ بين أحضانها فاسدين ومفسدين يختبئون وراء الديمقراطية، بل ويستعملونها كمعبرٍ لاحتلال المناصب والاستفادة من الريع ومن الجشع والتَّمكُّن من الاغتناء السريع…
أحزابٌ سياسيةٌ منافقة إلى أقصى حد. لماذا؟ لأنها مستعدَّة أن "تَقْلْبْ الفِيستة" بمجرَّد ما تنجح في الانتخابات ويكون لها مكانٌ في الأغلبية! بمعنى أن هذه الأحزاب، عندما تكون في المعارضة، لها خطابٌ يُعجِب السامعين. وعندما تصعد لأغلبية البرلمان وتُستوزَرُ نُخبتُها، يصبح لها خطابٌ متناقضٌ مع خطابها وهي في المعارضة. قمَّة النفاق! أليس هذا الوضعُ فسادٌ سياسي بامتياز؟ أليس هذا الوضعُ استهزاءٌ بالمواطنين وخيانةٌ للثقة التي وضعها المواطنون في هذه الأحزاب؟ هل هذا النوع من الأحزاب السياسية هو الذي يُعوَّلُ عليه في تخليق الحياة العامة؟ هل هذه الأحزاب السياسية هي التي ستحارب الفسادَ علما أن هذا الأخيرَ متغلغِلٌ في أحشائها؟
غير أن القضاءَ له هو الآخر دور في محاربة الفساد. كيف ذلك؟ بالضرب بيد من حديد على مَن تسوِّل لهم نفسُهم الخوضَ في مستنقع الفساد وذلك بتطبيق القانون تطبيقا صارما كما سبق الذكرّ. وهنا، أطرحُ سؤالا له أهمية كبيرة ما دام القضاءُ مستقلا عن السلطتين التَّشرعية والتَّنفيذية : "لماذا، في بعض البلدان الأوروبية، تتحرَّك النيابة العامة بمجرَّد ما ترى أنه من الضروري أن تتدخل؟". وهو الشيء الذي حدث في فرنسا بالنسبة لأشرف حكيمي علما أن الفتاة التي اتهمته بالاغتصاب لم تتقدم بشكوى ضده. فالنيابة العامة هي التي فتحت قضيةً ضد أشرف حكيمي. فلماذا لم تتحرك النيابة العامة عندما يتعلق الأمرُ بقضايا الفساد علماً أن هذه النيابة العامة تمثِّل المجتمع ومن واجبها أن تحميه من مصائب المجرمين بما فيهم الفاسدون والمفسِدون؟
وحينما أقول بأن النيابة العامة من واجبها أن تحمي المجتمع من الفاسدين والمفسدين، فلأن الفسادَ له كُلفة مالية لا تُستَغلُّ لتنمية هذا المجتمع. ولا داعيَ للقول أن الفساد له عواقب اجتماعية تتمثَّل أساسا في تدنِّي الثقة في مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة القضائية. والفساد، بصفة عامة، مرتبطٌ بالفساد السياسي. ولهذا، فالقضاء على الفساد السياسي من شأنه أن يُخلِّصَ المجتمعَ من الفساد بجميع مظاهره. وهذا هو دور القضاء شريطةَ أن لا يكونَ هذا الأخيرُ ضحيةً لنوعٍ من أنواع الفساد. ومن هنا تظهر أهمِّيةُ نزاهة القضاء، التي تضمن، هي الأخرى، استقرارَ المجتمعات وطُمأنينتَها. فلماذا يتسامح القضاء مع الفساد السياسي علما أن مصائبَه ظاهرة للعِيان؟ وقد يتساءل المرءُ هل غلاءُ الأسعار والمعيشة له علاقة بالفساد السياسي؟ وإلى متى سيظل المواطنون متعايشين مع الفساد السياسي؟ وهل هناك حزبُ سياسي واحدٌ ناضل ولا يزال يناضل من أجل التَّصدِّي للفساد؟ بل إن أحزابا سياسيةً تجاهلت هذا التَّصدِّي ما دام تجاهلُه يقود إلى السلطة. وأكثر من هذا وذاك، أن حزبا ذا مرجعيةٍ إسلاميةٍ ألقى ب"محاربة الفساد" في سلة المهملات حين قال رئيسُه، وآنذاك رئيس الحكومة، في إحدى اللقاءات الصحفية : "عفا اللهُ عما سلف"!
معناه أن هذا التطبيق ليس فيه تسامحٌ ولا يأخذ بعين الاعتبار المحسوبية والزبونية و"باك صاحبي" والمكانة الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاعتبارية كيف ما كانت… طِبقا لما ينصُّ عليه الدستور الذي يُساوي بين المواطنين أمام القانون. ومَن الذي سيضمن هذا التَّطبيقَ الصارم؟
بالطبع، يضمنه الدستور ومن خلال الدستور، القضاء. وهذا يعني أن القضاءَ يجب أن يكونَ مستقلا عن السلطتين التَّشرعية والتنفيذية. قضاءُنا، على الورق، مستقل. لكن هل هو نزيه (لا أعمِّمُ، كل شيء فيه الخَيِّرُ والسيء)؟ وهذا هو السؤال الطويل والعريض أو هنا بيت القصيد.
الاستقلالية والنزاهة، هما الصفتان اللتان تمكِّنان القضاء من اجتثات الفساد، أو على الأقل، الحد من انعكاساته السلبية على حياة المواطنين. الفسادُ، وعلى رأسه، الفساد السياسي والرشوة… هم أعداء المجتمع المغربي ويشكِّلون عوائق للتنمية بجميع مظاهرها وهنا تُطرحُ هذه الأسئلة الطويلة والعريضة : "مَن له مصلحةٌ في بقاء الفساد مستشرياً في شرايين حياة المواطنين؟ وهل هذا الوضعُ المسيء للبلاد يعني أن الدستورَ لا قيمةَ له فيما يخصُّ مساواةَ المواطنين أمام القانون؟ وهل هذا الوضعُ المسيء للبلاد يعني أن محاربةَ الفساد من طرف البرلمانيين والحكومات، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، ليس إلا ذرُّ الر ماد على العيون؟
نعم، كل هذه التَّساؤلات مشروعة ومنطقية لأن ما يُصادفه المواطنون في حياتهم اليومية وما ينص عليه الدستور والقوانين المنبثقة عنه، عالمان متناقضان أو متضادان. عالمان يدفعان المواطنين إلى العيش في جحيمٍ لا يُطاقُ. بل قد يدفعان البعضَ من هؤلاء المواطنين إلى الانخراط في دوامة الفساد، وبالتالي، المساهمة في تفشِّيه واتِّساع دائرته! وهنا، حان الأوانُ للإجابة عن السؤال المطروح أعلاه ألاَ وهو : "مَن له مصلحةٌ في بقاء الفساد مستشرياً في شرايين حياة المواطنين؟
لن أتردَّدَ لاقول إن الأحزابَ السياسيةَ هي المسئول الرئيسي عن استشراء الفساد في البلاد. لماذا؟
لأن الأحزابَ السياسيةَ هي التي تتولَّى تدبيرَ الشأنين العام والمحلي عندما تنجح في الانتخابات وتصعد إلى البرلمان لتُشَرِّعَ وإلى الحكومة لتنفِّذَ ما اتفقت عليه الأغلبية الحزبية من برامج تحت رقابة هذه الأغلبية البرلمانية. وهنا، لا بدَّ من التَّذكير أن البرلمانات والحكومات، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، سنَّت تشريعات وقوانين من شأنها أن تكونَ قد قضت على الفساد أو، على الأقل، التَّخفيف من آثاره السلبية على التَّنمية الاجتماعية والاقتصادية. لكن الفسادَ لا يزال قائما ولا يزال واحداً من أهم عوامل نَخرِ المجتمع. لماذا؟
أولاً، لأن الإرادةَ السياسية للقضاء على الفساد موسِمية. وحتى عندما تكون موسمية، فإنها ترتبط بالمصالح الضيقة للأحزاب السياسية. ثانيا، لأن الهدفَ الوحيدَ الذي أصبحت "تُناضِلُ" من أجله الأحزاب السياسية هو الوصول إلى السلطة من أجل السلطة. ولو كانت هذه الإرادةُ السياسية صادقة، لماذا لم تُحالْ التَّقاريرُ التي يُصدرها سنويا المجلسُ الأعلى للحسابات على القضاء، وخصوصا تلك التي أثبثت تبدير أو اختلاسَ المال العام؟ ولهذا، فالأحزابُ السياسيةُ التي كانت موجودةً في البرلمانات والحكومات السابقة أو تلك التي تؤثِّثُ هاتين المؤسستين حاليا، مسئولة، حتى النُّخاع، على انتشار الفساد ونَخرِه لدواليب الدولة، إن لم نقل هي متواطئةٌ مع الفاسدين والمُفسدين، سياسيين كانوا أم غير سياسيين وما أكثرهم! فما بالُك، إن كانت الأحزابُ السياسيةُ نفسُها تضمُّ بين أحضانها فاسدين ومفسدين يختبئون وراء الديمقراطية، بل ويستعملونها كمعبرٍ لاحتلال المناصب والاستفادة من الريع ومن الجشع والتَّمكُّن من الاغتناء السريع…
أحزابٌ سياسيةٌ منافقة إلى أقصى حد. لماذا؟ لأنها مستعدَّة أن "تَقْلْبْ الفِيستة" بمجرَّد ما تنجح في الانتخابات ويكون لها مكانٌ في الأغلبية! بمعنى أن هذه الأحزاب، عندما تكون في المعارضة، لها خطابٌ يُعجِب السامعين. وعندما تصعد لأغلبية البرلمان وتُستوزَرُ نُخبتُها، يصبح لها خطابٌ متناقضٌ مع خطابها وهي في المعارضة. قمَّة النفاق! أليس هذا الوضعُ فسادٌ سياسي بامتياز؟ أليس هذا الوضعُ استهزاءٌ بالمواطنين وخيانةٌ للثقة التي وضعها المواطنون في هذه الأحزاب؟ هل هذا النوع من الأحزاب السياسية هو الذي يُعوَّلُ عليه في تخليق الحياة العامة؟ هل هذه الأحزاب السياسية هي التي ستحارب الفسادَ علما أن هذا الأخيرَ متغلغِلٌ في أحشائها؟
غير أن القضاءَ له هو الآخر دور في محاربة الفساد. كيف ذلك؟ بالضرب بيد من حديد على مَن تسوِّل لهم نفسُهم الخوضَ في مستنقع الفساد وذلك بتطبيق القانون تطبيقا صارما كما سبق الذكرّ. وهنا، أطرحُ سؤالا له أهمية كبيرة ما دام القضاءُ مستقلا عن السلطتين التَّشرعية والتَّنفيذية : "لماذا، في بعض البلدان الأوروبية، تتحرَّك النيابة العامة بمجرَّد ما ترى أنه من الضروري أن تتدخل؟". وهو الشيء الذي حدث في فرنسا بالنسبة لأشرف حكيمي علما أن الفتاة التي اتهمته بالاغتصاب لم تتقدم بشكوى ضده. فالنيابة العامة هي التي فتحت قضيةً ضد أشرف حكيمي. فلماذا لم تتحرك النيابة العامة عندما يتعلق الأمرُ بقضايا الفساد علماً أن هذه النيابة العامة تمثِّل المجتمع ومن واجبها أن تحميه من مصائب المجرمين بما فيهم الفاسدون والمفسِدون؟
وحينما أقول بأن النيابة العامة من واجبها أن تحمي المجتمع من الفاسدين والمفسدين، فلأن الفسادَ له كُلفة مالية لا تُستَغلُّ لتنمية هذا المجتمع. ولا داعيَ للقول أن الفساد له عواقب اجتماعية تتمثَّل أساسا في تدنِّي الثقة في مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة القضائية. والفساد، بصفة عامة، مرتبطٌ بالفساد السياسي. ولهذا، فالقضاء على الفساد السياسي من شأنه أن يُخلِّصَ المجتمعَ من الفساد بجميع مظاهره. وهذا هو دور القضاء شريطةَ أن لا يكونَ هذا الأخيرُ ضحيةً لنوعٍ من أنواع الفساد. ومن هنا تظهر أهمِّيةُ نزاهة القضاء، التي تضمن، هي الأخرى، استقرارَ المجتمعات وطُمأنينتَها. فلماذا يتسامح القضاء مع الفساد السياسي علما أن مصائبَه ظاهرة للعِيان؟ وقد يتساءل المرءُ هل غلاءُ الأسعار والمعيشة له علاقة بالفساد السياسي؟ وإلى متى سيظل المواطنون متعايشين مع الفساد السياسي؟ وهل هناك حزبُ سياسي واحدٌ ناضل ولا يزال يناضل من أجل التَّصدِّي للفساد؟ بل إن أحزابا سياسيةً تجاهلت هذا التَّصدِّي ما دام تجاهلُه يقود إلى السلطة. وأكثر من هذا وذاك، أن حزبا ذا مرجعيةٍ إسلاميةٍ ألقى ب"محاربة الفساد" في سلة المهملات حين قال رئيسُه، وآنذاك رئيس الحكومة، في إحدى اللقاءات الصحفية : "عفا اللهُ عما سلف"!