أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة البلاد.. ذاكرة الطفولة وذاكرة خالتي :

أمس وأنا أعود خالتي أم محمد مطمئنا على صحتها ولكي أهنئها بالسلامة التقيت بخالتي أم سعيد التي لم أرها منذ مدة.
ونحن نتجاذب أطراف الحديث حضرت يافا وذكرياتها وحضرت النكبة والخروج .
كانت خالتي أم سعيد في التاسعة من عمرها يوم أجبر أهل يافا على مغادرتها بالحديد والنار والترهيب ووعود ، الله يعلم مصدرها ، تطلب من اليافاويين الخروج لمدة أسبوع حتى يتم القضاء على العصابات الصهيونية ويعود اليافاويون آمنين إلى بيوتهم مطمئنين .
كان جدي الذي سكن في المنشية قبل أن يقيم في حي النزهة منجدا ، وفي يوم الخروج كان عائدا إلى بيته يحمل بيديه بطيختين والجندي الإنجليزي ينظر إليه وإلى بناته ينتظرنه و ... .
ما زالت خالتي تتذكر جيدا المدرسة التي تعلمت فيها وتتذكر ذهابها مع أهلها إلى الشط وأمي التي لم يرسلها أبوها إلى المدرسة لتساعد أمها في شؤون المنزل ، فقد كان ترتيب أمي الثالثة وكانت الأولى والثانية تزوجتا.
في أثناء الخروج في شاحنة أبي الذي لم يكن بعد تزوج من أمي قبع خمسة وعشرون شخصا ، وجدي الذي وضع رجله فوق رجل خالي ليحميها من الرصاص لم يشعر أنها أصيبت وأن دمه ينزف . تتذكر خالتي أن كيس الملح الذي أخذوه معهم كان تشرب دم جدي الذي ما وصل إلى نابلس حتى أدخل إلى المستشفى الوطني للعلاج .
وتتذكر خالتي أيضا المدرسة الغزالية التي أقاموا فيها لفترة قبل أن يقيموا في خيام المخيمات . هدمت المدرسة الغزالية قبل حرب حزيران أو بعدها بقليل وأقيمت مكانها بنايات وصارت تعرف بالغرفة التجارية .
في المدرسة الغزالية كانت كل عائلة تقيم في غرفة وقد تتشارك في الغرفة عائلتان .
في تلك السنوات أقام اللاجئون في المدارس والجوامع والكهوف . انتبهوا أيها الفلسطينيون ! موتوا على عتبات بيوتكم ولا تصبحوا لاجئين .
كانت خالتي أم سعيد تصف ما جرى وما مرت به كأنه حدث للتو ، وأما أنا فتذكرت جبرا إبراهيم جبرا وسيرته " البئر الأولى " التي وصف فيها طفولته من سن الخامسة حتى الثانية عشرة وذهب إلى ما ذهب إليه ( وردزوورث ) بأن الطفل أبو الرجل .
أمد الله في عمر خالتي لتظل تروي .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٤ / ٣ / ٢٠٢٣

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى