قصيدة و أغنية "جبل الباروك" مرثية الشهيد "كمال جنبلاط"…من أداء الفنان المغربي عبدالجليل الحمزاوي

جبل الباروك : شوقي بزيع في رثاء كمال جنبلاط

إلى كمال جنبلاط، في بهاء الحضور، وبلاغة الغياب..




أيَّ القصائد هذا اليوم أدَّخرُ
أمتَّ حقَّاً؟، إذن فالقلبُ ينحسرُ

وأيَّ شعرٍ أقولُ، الشعرُ يسبقني
إليكَ والكلماتُ السُّودُ تنتحرُ

لا قلبَ يخفقُ بعد الآنَ لا رجلٌ
من جرحه ذكريات النَّار تنهمرُ

فكيفَ أصنعُ والشعرُ الذي بيدي
وهمٌ، وكيفَ أغنِّي والمدى حجرُ

أأنت تسقط؟ يا للهُ، كيف بها
غزالةُ الشّوفِ لمَّا هزَّها الخبرُ

عرائسَ الكلماتِ ادخلنْ في جسدي
واحلمنْ، كلُّ طريقٍ دونَه وعرُ

واكتبنْ: كان أميرَ النَّار ثمَّ هوى
فراحَ كالجمرِ في الأسحارِ ينفجرُ

وقال: ليست نجوم الأرضِ غير دمٍ
إذا حجبناه لن يبقى لها أثرُ

كأنَّما جبلُ الباروك أذهله
أن تنحني فمشى في يومك الشجرُ

والأرزُ أفلت من حرَّاسه، ومشى
وفي ثناياه من جرحٍ الرَّدى خدرُ

لمَّا هويتَ هوى من برجه بردى
وبانكسارك كان النِّيل ينكسرُ

والمشرقُ العربيُّ الحزنُ يغمره
عليكَ، والمغربُ الأقصى بهِ كدرُ

كأنَّما أمَّةٌ في شخصكَ اجتمعتْ
وأنتَ وحدكَ في صحرائها المطرُ

أظنُّها طلقاتُ الغدرِ حين هوتْ
تكاد لو أبصرتْ عينيك تعتذرُ

قُتِلتَ؟ لا لم تمتْ لكنهم كذباً
توهَّموا وأماتَ الغدرُ من غدروا

هذا عليٌّ يصلِّي فوق مسجده
فيا ابن ملجمَ، اضربْ، إنَّه قدرُ

وأغمدِ السَّيفَ حتى العمق في جسدي
هذا هلالُ جياعِ الأرضِ لو نظروا

والدَّم ليس دماً بل تلك نجمتهم
ستملأ الأرضَ بالخبز الذي انتظروا

أرضَ الخسارة يا لبنانُ هل رجلٌ
يعيدُ للنَّاسِ بعد اليومِ ما خسروا

كان المُدافعَ عن حرِّيَّةٍ سُلِبتْ
وراح قنديلها في الأفقِ يُحتَضرُ

على المناديل من أوجاعه عبقٌ
وفي المواويلِ من أحلامهِ قمرُ

مضى يعلِّمنا كيف الشعوبُ ترى
الدنيا، وكيف طريق النَّصر يُختَصروا؟

وقال: هذا تجاهي فليكن جسدي
منارةً، ولأكن جسراً لمن عبروا

أبا الوليد، إذا لبنانُ أرهقه
طغاته فبكَ الآمالُ تُختبرُ

جعلتَ نفسك للآلام جلجلةً
ورحتَ للظمأِ الأرضيِّ تنتصرُ

بنيتَ مجدَك أعلى من هياكلهم
وما اغتررتَ، ولم تسكرْ بما سكروا

وكلُّ ما فتنَ الفانيين من جشعٍ
زهدتَ فيهِ، فلا مالٌ ولا سررُ

تفتَّحت لك أكوانٌ محجَّبةٌ
خمورها من شغافِ القلبِ تُعتصرُ

وراودتْ جفنك المغدورَ أخيلةٌ
لن يدركوها، ولو أعياهمُ النَّظرُ

كالطَّيفِ تخطرني ذكراك، هل لغةٌ
بها ضفاف مداك الرحبِ تنحصرُ؟

وكيف تتَّخذُ الألفاظُ وجهتها
وأنتَ مبتدأ الألفاظِ والخبرُ

وقد تعددتَ حتَّى لم تعدْ جسداً
بل شبهةً تترامى حولها الفكرُ

ففيك حكمةُ سقراطَ التي هزئتْ
بالموتِ، والقيمُ السمحاءُ والكبرُ

وفيك من صورة الحلاَّج صرخته
ضدَّ الطُّغاة، وما أفتوا، وما هذروا

وأنتَ ترمقُ جلاَّديك مرتفعاً
فوقَ المنايا، وتعليهم، وقد صغروا

تلكَ الطَّريقُ التي أردتك كم قمراً
من حولها دارَ، كم حفَّتْ بها عُصُرُ

رأيتَ فيها دليلَ السَّالكين إلى
(مختارةِ) الرُّوحِ، واللُّغزِ الَّذي سبروا

على يمينك (بيت الدِّين) يرفعها
نُسَّاكُها حيثُ تدنو أنجمٌ غررُ

وعند أقصى يسارِ السَّفح مملكةٌ
من الموسيقا الَّتي ما مسَّها وترُ

كأنَّ برقَ السُّلالات التي انصرمتْ
يضيء وجهكَ لمحاً ثمَّ يندثروا

هناك حيثُ اليقين الصِّرف يبلغه
الموحِّدونَ، فلا شكٌّ ولا حذرُ

وحيثُ تتَّحدُ الأديانُ في المثلِ
العليا، وفي نقطةِ التَّكوين تنصهرُ

والموتُ يدنو ويخبو مثلَ سنبلةٍ
بشالها دمُك القمحيُّ يأتزرُ

حتَّى إذا غاضَ في عينيكَ مخلبُهُ
راحتْ سماءٌ من الأحزانِ تنفطرُ

ها أنتَ مقترنٌ بالشِّعرِ تُشرعهُ
مثل الغيومِ على المعنى وتنهمرُ

تضيء روحَك مرآتانِ، واحدةٌ
تنأى، وأخرى هي الأشكالُ والصُّورُ

ما الشعرُ قلتَ إذا لم يجترحْ فرحاً
للخلقِ، أو يتضوَّعْ فوحُهُ العَطِرُ

ما الشعرُ إلا وقوفُ الظَّامئين على
بئرِ البصيرةِ، لا ما يدركُ البصرُ

دنوتَ حتَّى تدلَّى من غياهبهِ
شمساً تجلِّلها الآياتُ والسُّورُ

ورحتَ تفترعُ الرؤيا على قممٍ
صوفيَّةِ الحدسِ لم يحلمْ بها بشرُ

أبا الوليد، وهل في الأرضِ زنبقةٌ
إلا لمثلكَ يزهو وجهها النَّضِرُ

قدتَ المسيرةَ ما كانتْ لترهبَها،
وأنتَ قائدها، الآلام والغيرُ

ورحتَ تصنعُ للتَّاريخ ملحمةً
سطورها فوق جذع الرِّيح تنحفرُ

مَن آزروك أرادوا أن تعلِّمهم
بعضَ الَّذي فيكَ من عزمٍ إذا عثروا

مَن خاصموكَ أرادوا أن تكون لهم
ندَّاً، ففي شخصكَ الأخصامُ قد كبروا

وأنتَ كالنَّهر في الحالَين تجمعهم
من حول مجراكَ، أو كالظَّنِّ تستترُ

قُتِلتَ؟ ما كان ظنِّي أن تموتَ وفي
يديكَ داليةُ الأعمارِ تُبتكَرُ

غداً تجيءُ -إذا ما جئتَ- عاصفةٌ
من الجماهيرِ لا تُبقي، ولا تذرُ

كأنَّني ألمحُ الأجيالَ هادرةً
وأنت فيها، ولو لم يسعفِ العُمُرُ

طالَ ارتحالكَ ما عوَّدتنا سفراً
أبا المساكين، فارجعْ، نحنُ ننتظرُ



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى