أو يقول المثل المغربي : "ما حدْها تْقاقي وُهي تزيد فلبيض". بمعنى أن التفاهة أصبحت مُلازمةً للبشر في حياتهم اليومية. وما زاد ويزيد في الطين بلة، هو أن هذه التفاهة وجدت ضالَّتَها في شبكات التواصل الاجتماعي التي سهَّلت انتشارها بسرعة فائقة. وقد يقضي الباحثُ الفُضولي ساعاتٍ طوالاً في هذه الشبكات بحثاً عن شيء يغذي به شغفَه المعرفي لكنه، و بكل أسف، عوض أن يغذيَ شغفَه المعرفي، سيُفاجأ بأن الأغلبيةَ الساحقةَ من الذين ينشرون في هذه الشبكات لا تهمهم جودة ما ينشرونَه. بل لا يهمهم إخضاعُ ما ينشرونه لمعايير الذوق الرفيع والثقافة والتثقيف والتَّعلم وتنوير العقول والتَّصدٍّي للمشاكل بفكر نقدي بنَّاء والقراءة المفيدة… ما يهمهم هو الحصول على أكبر عدد من الاَّيْكات (like). و قد يستغرق الباحثُ وقتا طويلا في تحليل ما يُنشر في شبكات التواصل الاجتماعي، فلن يستطيعَ تحليلُه أن يقودَه للوقوف على فكرة معيَّنة أو رسالة أو وِجهة نظر أو رأيٍ… و يتعقَّد التحليلُ عندما يكون النشر فقط من أجل النشر، بل و يزيد تعقيداً عندما لا يقول الناشِرُ ولو نصفَ كلمة لتبرير ما ينشره. النتيجة الوحيدة التي يمكن أن يتكلَّلَ بها التحليلُ هي أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت الوسيلة المُثلى لنقل ونشر التفاهة، على نطاق واسع، وتَبلِيدِ العقول. بالطبع، هناك منشورات محترمة لكنها نادرة ولا يُقبِل عليها إلا مَن يسكنهم شغف المعرفة وحب القراءة والغوص في عالم التثقيف. لا أحد يُنكر ذلك.
ولعل أكبرَ وأفظعَ وأمقتَ بعض المنشورات تفاهةً و غباءً هي تلك التي تعُجُّ بها منصة tik tok. بل إن هذه المنصة أصبحت وسيلةً لتفشِّي سوء الأخلاق والتَّخلي عن الأعراف والآداب الاجتماعية. و ما لا يدركُه ناشِرو التفاهة في هذه المنصة هو أن مَن اخترعوها يجنون منها أرباحا طائلة على حساب شرف وكرامة وعزَّة مَن ينشرون تفاهتَهم فيها. أليس هذا غباءٌ ما بعده غباءٌ؟ وما لم يفطن به الناشرون في هذه المنصة، و خصوصا الجنس اللطيف، هو أنهم يظنون أن النشرَ فيها يعدُّ بمثابة انخراطٍ في موجة الحداثة modernité. فأية حداثة هذه التي تسيء للأخلاق وتُفقد الأشخاصَ كرامتَهم؟ الحداثة تيارٌ فكري وفلسفي له قواعدُه ومبادئه. الحداثة عند الدول المتقدمة لها ما يبرِّرها على المستوى النظري والفكري بينما كل ما يُنشَر عندنا، سواءً على منصة tik tok أو على شبكات التواصل الاجتماعي، ليس إلا تقليدٌ أعمى وسطحي لمظاهر أُفرْغَت من محتواها.
والطامة الكبرى هو أن التفاهةَ أصبحت سلاحا قاتلا يشنِّج العقول ويُجمِّدها ويُدخلها في دوامة استلاب يصعب الخروج منه، بحُكم الإدمان الذي تولِّده عند الشباب على الخصوص. تفاهة لم تعد حكرا على ما يُنشَر في شبكات التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت تنتشر كالوباء لتعمَّ تقريبا كل مناحي الحياة وبالأخصِّ مجالي الفن والسياسة.
في مجال الفن، فضلا عن غزوها، أي التفاهة، لكل شيء، فإن بلوغَها دروةَ الميوعة و اللامعقول أصبح موسميا يجثُم على صدور المغاربة عند حلول كل شهر رمضان. ما تُروِّجه المحطات التلفزيونية في هذا الشهر الكريم من مسلسلات (ليس كل المسلسلات، هناك مسلسلاتٌ تستحق المشاهدة) و سلسلات فكاهية واسكيتشات… عبارة عن كلام وحوارات وحركات لا رأسَ لها ولا أقدام. كلها فارغة المحتوى وتنبعث منها بلادةٌ لا تُطاق. بل إنها استحمارٌ للآخر معتبرةً إياه بدون ذكاءٍ وبدون عقل يفكِّر به. بل إنها وقاحةٌ تتحدى المُشاهدَ و تعتبره مجرد مستهلكٍ قادر على ابتلاع كل شيء. وأكثر من هذا وذاك، هو أن التفاهةَ التلفزيونية الرمضانية تتكرَّر رغم ردائتها ورغم ما ينشَر في حقها من انتقادات و سُخطٍ من طرف المواطنين. لماذا؟ لأن التفاهةَ أصبحت تجارةً مُربحة لجميع الأطراف. مربحة لمَن يسمون أنفسَهم، بكل وقاحة، فنانين والفن بريء منهم. و مربحة كذلك للمتطفلين على الحرف الفنية.
وهنا، لا بد أن أفتحَ قوسا لأقولَ إن الفنانَ مثله مثل السياسي والمدرس والصحافي والبرلماني والمستشار الجماعي… إذا لم يكن مثقفا، فهو عبءٌ على حرفته وبالأخص على الآخرين. الفنان المثقف يحمل رسالةً أساسها تغيير المجتمع وتنويرُه وتثقيفُه. بل دورُه هو أن يُزعِجَ ما هو قائم وأن يحثَّ على إعادةِ النظر في الأشياء وأن يُسمِعَ صوتَ الآخرين إلى مَن يهمهم الامرُ وأن يفضحَ ما يجب فضحُه ولِما لا أن يُنتِجَ أفكارا جديدة… الفن، في الحقيقة، هو القدرة على التَّعبير لكن التَّعبير الهادف والمُنتِج للقيمات المضافة. وقد يكون هذا التَّعبير الفني على شكل سخريةٍ لكن سخرية تحمل في طياتها رسائلَ احتماعية على الخصوص. ويجب أن لا ننسى أن الفنَّ كلَّه التزام. فهل يمكن أن نُطلقَ على مَن هم وراء التفاهة الرمضانية لقبَ "فنان"؟ لا أبدا! إنهم ليسوا حتى شبه فنانين. إنهم فقط متاجرون بالفن.
أما في مجال السياسة، فحدِّث و لا حرج. التفاهة غمرت بل وخنقت المشهد السياسي إلى أقصى حد. فإذا أُفرْغت السياسة من معناها النبيل وأفرْغت الأحزاب السياسية من مبادئها و قيمها وإيديزلوجياتها و أهدافها السامية ومن كاريزما شخصياتها ومن تجذُّرها في المجتمع ومن سر وجودها…، فماذا بقي و يبقى لها؟ في غياب الروح، يفقد الجسد حيويتَه بل و حياتَه.
و إذا كانت التفاهة الفنية تبلغ مداها في رمضان، فالتفاهة السياسية ملازمة للمواطنين في كل وقت وحين. فلم يستطيعوا التَّخلُّصَ منها لا عن طريق الانتخابات ولا عن طريق العزوف عن هده الانتخابات ولا عن طريق عدم الانخراط في الأحزاب السياسية… أينما ولَّوا وجوهَهم، يجدونها متجسِّدةً في هذه الاحزاب وفي البرلمان وفي الجماعات المحلية…
يكفي أن نلاحظَ أن النقاشات على مستوى الأحزاب السياسية تتكرَّر على نفس النمط وتدور حول نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل وتدوم خمس سنوات. وتنتهي الخمس سنوات وتأتي خمس سنوات أخرى و تتكرَّر النقاشات على نفس النمط وتدور حول نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل. وتُناقشُ نفسُ المواضيع كل خمس سنوات بينما القضايا والمشاكل تبقى على حالها وكأنها لم تُناقش في يوم من الأيام. أهناك تفاهة أتفه من تفاهة الأحزاب السياسية؟ وما يزيد في الطينَ بلةً، هو أن هذه النقاشات الضاربة في التفاهة عمقا تُنقَل إلى قبة البرلمان وتتم على نفس النمط، هذا إن لم يصاحبها اللغطُ واللغوُ والشتم والسَّبُّ و القدف وتبادل التُّهم… أليس هدا الخِضمُّ من الكلام الفارغ والدائر في حلقة مفرغة تفاهة تُفرضُ على المواطنين الذين يؤدون الضرائبَ عن طواعية وينتظرون مقابل هذه الضرائب التًَّصدي لمشاكلهم وإيجاد الحلول لها؟
نعم وبكل تأكيد، إنها تفاهة ما دام المشهد السياسي يجترُّ نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل التي غرقت حلولها في بؤسِ نقاشات الأحزاب السياسية. وإذا يئس المواطنون من تفاهة هذه النقاشات، فإن الأحزاب السياسية لم تيئسِْ ولن تيئسَ من تفاهةٍ تعتبرها مُربِحة ومفيدة وثمينة ألاَ وهي الطريق المؤدي إلى كراسي السلطة. الأحزاب السياسية تُعِزُّ هذا الطريق وتُبوِّئه مكانةً عاليةً و تحتضنه طيلة خمس سنوات وتعيد احتضانَه في الخمس سنوات الموالية، الآتية، المستقبلية. طريق مهما كان طويلاً، فهو محبوبٌ بشغف كبير من طرف الأحزاب السياسية بدون استثناء.
و لا داعي للقول أن التفاهة تقتل الفن، ومن خلاله، تقتل الثقافة. والسياسة تقتل الفن و الثقافة، وبكل بساطة، تقتل كل شيء. تقتل كل شيء ما دامت، من المفروض، هي التي مهيأة لإيجاد الحلول لكل القضايا و المشاكل، الاجتماعية و الاقتصادية، بما فيها الفن والثقافة. لو كانت السياسة هي الوسيلة الوحيدة التي يعوِّل عليها المواطنون لإدخال التَّغيير على حياتهم اليومية اجنماعيا، ثقافيا واقنصاديا، لما غرقوا في التفاهة الفنية الرمضانية ولما غزت التفاهة كل مناحي الحياة.
إنه فعلا وضعٌ كارثي أصبحت فيه التَّفاهة تُلقي بظلالها على الفن والثقافة والسياسة. وهذا وضعٌ ليس بغريب ولم تُمطره السماء. إنه نتيجةٌ لتعليم فاشل ولأحزاب سياسية وسياسات عمومية فاشلة. تعليم وأحزاب و سياسات عمومية لم تضع في حُسبانها، في يوم من الأيام، بناءَ الإنسان المغربي، المشبَّع بالقيم الإنسانية والأخلاقية اللازمة. الإنسان المغربي المشبَّع بالمواطنة وحب الوطن والذي يقارب الامورَ ويتعامل مع محيطه بفكر نقدي. في غياب هذا البناء، لا غرابةَ أن تكونَ أجيالٌ بأكملها عُرضةً للتفاهة بل وأحد مصادر إنتاج هذه التفاهة.
التعليم نجح في تبليغ المعارف الجافة والمعزولة عن الواقع المعاش وفشل فشلا ذريعا في بناء شخصية المتعلمين.
أحزاب سياسية تتطاحن فيما بينها للوصول إلى السلطة من أجل السلطة ولا يهمها وضعُ وثقافة الإنسان المغربي.
السياسات العمومية تُعطي الأهمية للمشاريع التَّنموية الاقتصادية في غياب مقلق للتَّنمية البشرية. التنمية البشرية التي، بواسطتها، ينمِّي الإنسانُ قدراتِه الفكرية وتفتُّحَه وتحرُّرَه في جميع المجالات اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا و سياسيا.
لكن على ما يبدو، الإنسان المغربي، في نظر السياسيين، ليس إلا رقما على بطاقة وطنية، يُتَذَكَّرُ وجودُه فقط عند اقتراب الانتخابات. حمدا لله أن الدستورَ يعترف بوجوده ولو نظريا!
ولعل أكبرَ وأفظعَ وأمقتَ بعض المنشورات تفاهةً و غباءً هي تلك التي تعُجُّ بها منصة tik tok. بل إن هذه المنصة أصبحت وسيلةً لتفشِّي سوء الأخلاق والتَّخلي عن الأعراف والآداب الاجتماعية. و ما لا يدركُه ناشِرو التفاهة في هذه المنصة هو أن مَن اخترعوها يجنون منها أرباحا طائلة على حساب شرف وكرامة وعزَّة مَن ينشرون تفاهتَهم فيها. أليس هذا غباءٌ ما بعده غباءٌ؟ وما لم يفطن به الناشرون في هذه المنصة، و خصوصا الجنس اللطيف، هو أنهم يظنون أن النشرَ فيها يعدُّ بمثابة انخراطٍ في موجة الحداثة modernité. فأية حداثة هذه التي تسيء للأخلاق وتُفقد الأشخاصَ كرامتَهم؟ الحداثة تيارٌ فكري وفلسفي له قواعدُه ومبادئه. الحداثة عند الدول المتقدمة لها ما يبرِّرها على المستوى النظري والفكري بينما كل ما يُنشَر عندنا، سواءً على منصة tik tok أو على شبكات التواصل الاجتماعي، ليس إلا تقليدٌ أعمى وسطحي لمظاهر أُفرْغَت من محتواها.
والطامة الكبرى هو أن التفاهةَ أصبحت سلاحا قاتلا يشنِّج العقول ويُجمِّدها ويُدخلها في دوامة استلاب يصعب الخروج منه، بحُكم الإدمان الذي تولِّده عند الشباب على الخصوص. تفاهة لم تعد حكرا على ما يُنشَر في شبكات التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت تنتشر كالوباء لتعمَّ تقريبا كل مناحي الحياة وبالأخصِّ مجالي الفن والسياسة.
في مجال الفن، فضلا عن غزوها، أي التفاهة، لكل شيء، فإن بلوغَها دروةَ الميوعة و اللامعقول أصبح موسميا يجثُم على صدور المغاربة عند حلول كل شهر رمضان. ما تُروِّجه المحطات التلفزيونية في هذا الشهر الكريم من مسلسلات (ليس كل المسلسلات، هناك مسلسلاتٌ تستحق المشاهدة) و سلسلات فكاهية واسكيتشات… عبارة عن كلام وحوارات وحركات لا رأسَ لها ولا أقدام. كلها فارغة المحتوى وتنبعث منها بلادةٌ لا تُطاق. بل إنها استحمارٌ للآخر معتبرةً إياه بدون ذكاءٍ وبدون عقل يفكِّر به. بل إنها وقاحةٌ تتحدى المُشاهدَ و تعتبره مجرد مستهلكٍ قادر على ابتلاع كل شيء. وأكثر من هذا وذاك، هو أن التفاهةَ التلفزيونية الرمضانية تتكرَّر رغم ردائتها ورغم ما ينشَر في حقها من انتقادات و سُخطٍ من طرف المواطنين. لماذا؟ لأن التفاهةَ أصبحت تجارةً مُربحة لجميع الأطراف. مربحة لمَن يسمون أنفسَهم، بكل وقاحة، فنانين والفن بريء منهم. و مربحة كذلك للمتطفلين على الحرف الفنية.
وهنا، لا بد أن أفتحَ قوسا لأقولَ إن الفنانَ مثله مثل السياسي والمدرس والصحافي والبرلماني والمستشار الجماعي… إذا لم يكن مثقفا، فهو عبءٌ على حرفته وبالأخص على الآخرين. الفنان المثقف يحمل رسالةً أساسها تغيير المجتمع وتنويرُه وتثقيفُه. بل دورُه هو أن يُزعِجَ ما هو قائم وأن يحثَّ على إعادةِ النظر في الأشياء وأن يُسمِعَ صوتَ الآخرين إلى مَن يهمهم الامرُ وأن يفضحَ ما يجب فضحُه ولِما لا أن يُنتِجَ أفكارا جديدة… الفن، في الحقيقة، هو القدرة على التَّعبير لكن التَّعبير الهادف والمُنتِج للقيمات المضافة. وقد يكون هذا التَّعبير الفني على شكل سخريةٍ لكن سخرية تحمل في طياتها رسائلَ احتماعية على الخصوص. ويجب أن لا ننسى أن الفنَّ كلَّه التزام. فهل يمكن أن نُطلقَ على مَن هم وراء التفاهة الرمضانية لقبَ "فنان"؟ لا أبدا! إنهم ليسوا حتى شبه فنانين. إنهم فقط متاجرون بالفن.
أما في مجال السياسة، فحدِّث و لا حرج. التفاهة غمرت بل وخنقت المشهد السياسي إلى أقصى حد. فإذا أُفرْغت السياسة من معناها النبيل وأفرْغت الأحزاب السياسية من مبادئها و قيمها وإيديزلوجياتها و أهدافها السامية ومن كاريزما شخصياتها ومن تجذُّرها في المجتمع ومن سر وجودها…، فماذا بقي و يبقى لها؟ في غياب الروح، يفقد الجسد حيويتَه بل و حياتَه.
و إذا كانت التفاهة الفنية تبلغ مداها في رمضان، فالتفاهة السياسية ملازمة للمواطنين في كل وقت وحين. فلم يستطيعوا التَّخلُّصَ منها لا عن طريق الانتخابات ولا عن طريق العزوف عن هده الانتخابات ولا عن طريق عدم الانخراط في الأحزاب السياسية… أينما ولَّوا وجوهَهم، يجدونها متجسِّدةً في هذه الاحزاب وفي البرلمان وفي الجماعات المحلية…
يكفي أن نلاحظَ أن النقاشات على مستوى الأحزاب السياسية تتكرَّر على نفس النمط وتدور حول نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل وتدوم خمس سنوات. وتنتهي الخمس سنوات وتأتي خمس سنوات أخرى و تتكرَّر النقاشات على نفس النمط وتدور حول نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل. وتُناقشُ نفسُ المواضيع كل خمس سنوات بينما القضايا والمشاكل تبقى على حالها وكأنها لم تُناقش في يوم من الأيام. أهناك تفاهة أتفه من تفاهة الأحزاب السياسية؟ وما يزيد في الطينَ بلةً، هو أن هذه النقاشات الضاربة في التفاهة عمقا تُنقَل إلى قبة البرلمان وتتم على نفس النمط، هذا إن لم يصاحبها اللغطُ واللغوُ والشتم والسَّبُّ و القدف وتبادل التُّهم… أليس هدا الخِضمُّ من الكلام الفارغ والدائر في حلقة مفرغة تفاهة تُفرضُ على المواطنين الذين يؤدون الضرائبَ عن طواعية وينتظرون مقابل هذه الضرائب التًَّصدي لمشاكلهم وإيجاد الحلول لها؟
نعم وبكل تأكيد، إنها تفاهة ما دام المشهد السياسي يجترُّ نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل التي غرقت حلولها في بؤسِ نقاشات الأحزاب السياسية. وإذا يئس المواطنون من تفاهة هذه النقاشات، فإن الأحزاب السياسية لم تيئسِْ ولن تيئسَ من تفاهةٍ تعتبرها مُربِحة ومفيدة وثمينة ألاَ وهي الطريق المؤدي إلى كراسي السلطة. الأحزاب السياسية تُعِزُّ هذا الطريق وتُبوِّئه مكانةً عاليةً و تحتضنه طيلة خمس سنوات وتعيد احتضانَه في الخمس سنوات الموالية، الآتية، المستقبلية. طريق مهما كان طويلاً، فهو محبوبٌ بشغف كبير من طرف الأحزاب السياسية بدون استثناء.
و لا داعي للقول أن التفاهة تقتل الفن، ومن خلاله، تقتل الثقافة. والسياسة تقتل الفن و الثقافة، وبكل بساطة، تقتل كل شيء. تقتل كل شيء ما دامت، من المفروض، هي التي مهيأة لإيجاد الحلول لكل القضايا و المشاكل، الاجتماعية و الاقتصادية، بما فيها الفن والثقافة. لو كانت السياسة هي الوسيلة الوحيدة التي يعوِّل عليها المواطنون لإدخال التَّغيير على حياتهم اليومية اجنماعيا، ثقافيا واقنصاديا، لما غرقوا في التفاهة الفنية الرمضانية ولما غزت التفاهة كل مناحي الحياة.
إنه فعلا وضعٌ كارثي أصبحت فيه التَّفاهة تُلقي بظلالها على الفن والثقافة والسياسة. وهذا وضعٌ ليس بغريب ولم تُمطره السماء. إنه نتيجةٌ لتعليم فاشل ولأحزاب سياسية وسياسات عمومية فاشلة. تعليم وأحزاب و سياسات عمومية لم تضع في حُسبانها، في يوم من الأيام، بناءَ الإنسان المغربي، المشبَّع بالقيم الإنسانية والأخلاقية اللازمة. الإنسان المغربي المشبَّع بالمواطنة وحب الوطن والذي يقارب الامورَ ويتعامل مع محيطه بفكر نقدي. في غياب هذا البناء، لا غرابةَ أن تكونَ أجيالٌ بأكملها عُرضةً للتفاهة بل وأحد مصادر إنتاج هذه التفاهة.
التعليم نجح في تبليغ المعارف الجافة والمعزولة عن الواقع المعاش وفشل فشلا ذريعا في بناء شخصية المتعلمين.
أحزاب سياسية تتطاحن فيما بينها للوصول إلى السلطة من أجل السلطة ولا يهمها وضعُ وثقافة الإنسان المغربي.
السياسات العمومية تُعطي الأهمية للمشاريع التَّنموية الاقتصادية في غياب مقلق للتَّنمية البشرية. التنمية البشرية التي، بواسطتها، ينمِّي الإنسانُ قدراتِه الفكرية وتفتُّحَه وتحرُّرَه في جميع المجالات اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا و سياسيا.
لكن على ما يبدو، الإنسان المغربي، في نظر السياسيين، ليس إلا رقما على بطاقة وطنية، يُتَذَكَّرُ وجودُه فقط عند اقتراب الانتخابات. حمدا لله أن الدستورَ يعترف بوجوده ولو نظريا!