أدب السيرة الذاتية أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس.. الجزء الأول من 1 إلى 44

- ذاكرة أمس.. ١ : إقبال منقطع النظير على المكتبات

أمس عرجت على المكتبة الشعبية لأخذ أوراق خاصة برسالة ماجستير أشرف عليها للطالبة روان باسل البزور
تتمحور حول رواية الروائي Waciny Laredj
" مي : ليالي ايزيس كوبيا " فتعاورت الحديث مع صاحب المكتبة التي تأسست قبل خمسين عاما . لسان الحال يقول إن من الأفضل أن تتحول المكتبة إلى بقالة أو مطعم أو محل بيع فواكه وخضرة ، ومنذ بداية الكورونا وتحول التعليم إلى تعليم إلكتروني ما عاد أبناء الريف، وهم يشكلون النسبة الكبرى من طلاب الجامعة ، يأتون إلى المدينة .
وأنا أقرأ أوراق الطالبة لاحظت خللا ما، فاستفسرت منها عنه لتكتشف الطالبة أنها أرسلت إلي ملف المسودة بالخطأ . الطالبة التي قارنت بين طبعات الرواية المختلفة واكتشفت مآسي فيها، الطالبة وقعت فيما وقع فيه الكاتب ودور النشر.
ما علينا!
أمس كانت الإصابات بالكورونا في الضفة مرتفعة والناطق الرسمي باسم حكومة السلطة الفلسطينية كان من بين المصابين، وليس هذا أطرف ما مررت به أمس أو ما شاهدته أو أصغيت إليه. أطرف ما كان بالأمس هو الخبر الذي قرأته في ساعة متأخرة عن عائلة لاعب كرة القدم (كريستيانو رونالدو).
العائلة تعيش أجواء حزينة والسبب؟
قطة العائلة تعرضت لحادث سير.
الخبر ذكرني بقصة "كأس نبيذ حزنا على موت الكلب" كتبتها في العام ١٩٩٦ عن موت كلب العائلة الألمانية التي أقمت معها في شتاء ١٩٩٠ / ١٩٩١.
مات الكلب وحزنت العائلة وشربنا النبيذ و...
في إحدى قصائد مظفر النواب سطر نصه :
"يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن"
ومرة كتبت مقالا طويلا عنوانه "كلاب في الذاكرة".
في العالم فائض سكاني ولذا يجب التخلص من خمسة مليارات أو ثلاثة مليارات من بينهم سكان أفريقية وربما سكان العالم العربي، ولا أدري ما هو تفكير عائلة ( روتشيلد ) وعائلة ( روكفلر ) والسيد ( بيل غيتس ) بشأن الكلاب والقطط في العالم الأول. هل ينظرون إلى هذه الحيوانات نظرتهم إلى البيض والسلالة الأوروبية أم أنهم ينظرون إليها نظرتهم إلى الأفارقة والعرب؟!
صباح الخير
خربشات
٢٤ شباط ٢٠٢١.

***

ذاكرة أمس ٢ : الهدوء وليس ، في مكتباتنا ، سوى الهدوء

أمس أنفقت ثلاث ساعات بصحبة الدكتور خليل قطناني
تحدثنا خلالها في الأدب وركز هو على روايته التي كتبها وسببت له إشكالات نتج عنها عدم توزيعها .
ذهبنا إلى مكتبة دار الشامل فوجدناها مغلقة . جلسنا في مقهى مقابل مبنى الأكاديمية / جامعة النجاح الوطنية، فشاركنا في الحديث صاحب المقهى وهو من آل عنبتاوي وقادنا الحديث إلى مصنع الأرز لإنتاج البوظة.
الأجواء كانت أمس باردة جدا . عدنا بعد ساعة إلى مكتبة دار الشامل لصاحبها Baker Ramadan.
كان الهدوء يسود وليس سوى الهدوء ، وهذه سمة لا تجدها إلا في المكتبات العامة وأيضا الخاصة التي تبيع الكتب ، وسبب الهدوء لا يعود إلى أخلاقنا الحميدة ، فنحن لا نشذ عن أبناء هويتنا الذين يتهمون بأنهم ظاهرة صوتية ، وإنما يعود إلى ظاهرة العداء بيننا وبين الكتاب ، وإلى قلة ما في اليد وعدم تخصيص قسم من دخلنا لاقتناء الكتب .
ليس ثمة رواد إطلاقا.
اشتريت رواية وأهديت أخرى واستمعت إلى ما يشاع عن نقدي.
غادرنا المكتبة لنجلس على الرصيف نأكل البوظة ، في محل ملك البوظة ، قرب منتزه العائلات.
في نابلس كانوا قديما يقولون عمن يأكل البوظة في الشتاء " مثل برد حلب " وصار القول من الماضي.
أول أمس قرأت مراجعة لرواية " فدائي عتيق " وأمس اشتريتها لأنني قرأت مراجعة لها للمحامي Hassan Abbadi
، وما شجعني على ذلك أن الفدائي العتيق ، وهو زوج الكاتبة، عاش في ألمانيا ومنذ زمن وأنا أتابع صورة الألمان في بلاد العربان، وقد كتبت مرة مقالا تحت هذا العنوان حول رواية عيسى لوباني "شمس وقمر"، والموضوع يشغلني منذ زمن ، منذ قرأت "الخماسين" لغالب هلسة و"المنبت" لعبد الرحمن منيف، وقد كتبت رواية عن تجربتي في ألمانيا "تداعيات ضمير المخاطب".
الهدوء وليس ثمة غير الهدوء.
وريال مدريد تغلب على اتلانتا وفرحة زيدان انعكست على ملامحه ، فقد ابتسم بعد ثمانين دقيقة من العبوس .
Ende Gut alles Gut
والأشياء بخواتيمها.
صباح الخير
خربشات
٢٥ شباط ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣ : حوار على قارعة الطريق حول ترشيح " أبو مازن"

لا أدري لماذا خضت أمس حوارا حول ترشيح "أبو مازن" للانتخابات .
كل ما الأمر أنني استدرجت لحوار حول الانتخابات التي لن أشارك فيها ، ومن قبل لم أشارك في أي انتخابات على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولم أنزلق إلى الانتخابات انزلاق حماس إليها . رفضت حماس اتفاق أوسلو ثم شاركت في انتخابات ٢٠٠٦ .
أنا ضد " اتفاق أوسلو " ولم أكن مع الحل أصلا ، والسبب أنه يفتقر إلى الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة في العام ١٩٦٧ ولا يعيد اللاجئين الفلسطينيين من المنافي إلى مدنهم وقراهم في المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ .
وحين أسأل عن ترشح الرئيس الفلسطيني الحالي السيد محمود عباس " أبو مازن " أعبر بصراحة تامة عن رأيي . أنا ضد أن يترشح لرئاسة قادمة لأسباب منها أنه يكفيه وأن سنه - أمد الله في عمره - بلغ الرابعة والثمانين ، ومنها ، وهذا هو الأهم ، أنني ضد فكرة الزعيم الأبدي المخلد .
عندما كنت أعترض على احتكار د . رامي الحمدلله رئاسة الجامعة ، كان زميلي
احسان الديك
يسألني :
- لماذا لا تعترض أيضا على رئاسة " أبو مازن " أم أنك تخاف ؟
وغالبا ما كتبت أعترض .
في العام ٢٠٠٧ كتب الشاعر محمود درويش قصيدة " أنت ، منذ الآن ، غيرك " وفيها سطر يقول :
" كنا كذبنا حين قلنا : نحن استثناء "
وكنا ، نحن الفلسطينيين ، نعتقد أننا نختلف عن إخواننا العرب ثم ... ثم " سجل أنا عربي ".
كنا دائما نعترض على الحكام العرب ونهاجمهم لتشبثهم بالكراسي " فإما الكراسي وإما المآسي " ثم ها نحن صرنا مثلهم .
محاوري سألني :
- لماذا لا تعترضون على الأنظمة الملكية وعلى قطر وتعترضون على الأنظمة الثورية ؟
هل يظن محاوري أنني أقبض من الأردن أو السعودية أو قطر ؟
ولأن محاوري ينتمي إلى حركة فتح ، فإنه مع ترشيح الرئيس " أبو مازن " .
هل من ضرورة لحوارت مثل هذه ؟
أمس كانت أعداد المصابين بالكورونا في نابلس ، كما ورد على لسان المرأة الحديدية ، مرتفعا ، والسيدة وزيرة الصحة تفكر بفرض إغلاق شامل لمدة أسبوعين .
أمس أغلقت المدارس فالموجة الحالية من الكورونا عنيفة والسلالات تتكاثر وتصيب حتى الأطفال والشباب .
كلما قررت ألا أخوض في السياسة ، وكلما قررت أن أتوقف عن الكتابة حول الكورونا ، وجدتني أخوض وأكتب ، وفي مقال الكاتب
Hasan Albatal
أمس في جريدة الأيام الفلسطينية إشارة إلى هذا ، فقد استنتج أنني " زهقت " . هل حقا أنا زهقت ؟
الحياة تخربشنا وأنا أصوغها ، وفي المساء حول إلي السيد
Mustafa Yousef Owaynat
شريطا ساخرا عن اتصال رئيس الوزراء الاسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) بالرئيس الفلسطيني يسأله عن اللقاح الذي خصت به إسرائيل المسؤولين الفلسطينيين و ... و ... وشر البلية ما يضحك حقا .
أمس كانت الشمس ساطعة وكان الدفء يسود وكانت أسعار الفراولة والموز منخفضة :
- بثمانية شواكل كيلو الفراولة
- ثلاثة كيلو بعشرة شواكل يا موز
وشباط في نهايته و " الجيب ما فيش فيه ولا مليم ، بس المزاج رايق مرتاح ، وصبح الصباح يا اسطة عطية " و ...
صباح الخير
خربشات
٢٦ شباط ٢٠٢١ .

****

- ذاكرة أمس ٤ : أخبار المساء تفسد إشراق الصباح

كان الجو صباح أمس الجمعة جميلا ودافئا ، فالسماء صافية والشمس مشرقة والاسترخاء يطيب ويحلو وينقض ما كتبه
Dr-Adnan Melhem
عن مؤسساتنا الجامعية وتعاملها مع كبار السن فيها . لقد عقبت على ما كتب وأنا مسترخ استمتع بأشعة الشمس .
في الرابعة عصرا خرجت إلى البقالة أشتري بعض ما ينقصني ، فراق لي منظر العشب يكسو الأرض حلة خضراء .
" خضراء أرض قصيدتي " كتب محمود درويش في " جدارية " ووجدتني أكرر ما كتب .
وأنا أتصفح أخبار ( Google ) قرأت عن ( كريستيانو رونالدو ) وما أقدم عليه لعلاج قطته ، فقد أرسلها ، من إيطاليا حيث يقيم ، على طائرة خاصة ، لتعالج في إسبانيا ، ما ذكرني بمساء أحد أيامي في بون حيث أقمت مع عائلة ( بلوخ : مارتن وجيردة وفيلكس ) .
كنت عائدا من الجامعة مساء فإذا بالجو مكهرب .
قالت لي جيردة إن الكلب مريض وإنهم سيأخذونه إلى الطبيب البيطري لمعالجته ، وهو ما كان ، وعندما رجعوا عادوا ، دون الكلب ، حزانى ، إذ رأى الطبيب أن من الأفضل أن يعطيه إبرة لينفق وليموت موتا رحيما .
كان أمس نهارا جميلا ، ولكن أخبار الكورونا ولقاحها وانتشارها في الضفتين ؛ الغربية والشرقية ، كانت مقلقة ومزعجة ، فأعداد المصابين في ارتفاع والوضع في المشافي صعب جدا والحديث يدور عن إغلاق شامل لمدة أسبوعين ، وبدأت الشركات المنتجة للقاح تتحدث عن جرعة ثالثة ، فالفايروس يتطور ويتخذ أشكالا جديدة . ( في الضفتين لم يأخذ المواطنون الجرعة الأولى ) .
ثمة أقوال أن الجائحة في آذار ستكون قاسية ، ويبدو أن علينا أن نكتب وصيتنا من الآن ، و " يا رايح كثر ملايح " ، وإن صحت الأقوال فمعنى ذلك أن فلسطين صارت أرضا يهودية ، فمقابل ٣ ونصف مليون مواطن يهودي تلقحوا تلقح بضعة آلاف من الفلسطينيين . وإن صحت التوقعات من أننا على أبواب كارثة ، فمعنى ذلك أن لا انتخابات ولا ما يحزنون ، و " زغردي يا انشراح اللي أجا أجا واللي راح راح " .
صباح الخير
خربشات
٢٧ شباط ٢٠٢١

****

- ذاكرة أمس ٥ : الأجواء مشمسة والمدينة مغلقة

أمس كان يوما ربيعيا بامتياز ، فالسماء صافية والشمس مشرقة ، ومع أن يوم السبت يوم إغلاق شامل إلا أن المتاجر في مخيم عسكر القديم كانت تفتح أبوابها للزبائن ، خلافا لمتاجر المدينة التي كانت مغلقة إغلاقا شاملا حتى الرابعة عصرا تقريبا حيث فتحت بعضها أبوابها نصف فتحة تقريبا وبحذر .
أمس تذكرت الإمبراطورية العثمانية في عهودها الأخيرة حيث طمعت فيها دول استعمارية عديدة .
ما أكثر الدول الاستعمارية حين تصبح الامبرطوريات رجلا مريضا ، فالكل ينهش !
في منتصف النهار أصغيت إلى رئيس الوزراء يتحدث عن الفايروس وقادم الأيام ، وحديثه لم يبشر بخير .
المدارس ستغلق لمدة اثني عشر يوما والجامعات ستبقى الأوضاع فيها على حالها وسيستمر الإغلاق يومي الجمعة والسبت واللقاحات تأخر وصولها والتأخير من الشركة المنتجة ووزير الثقافة الفلسطينية أعلن عن إصابته بالفايروس وأتمنى أن تكون الثقافة الفلسطينية نفسها معافاة غير مصابة بالكورونا .
الصيف على الأبواب ومن المؤكد أن الإذاعات ستتحفنا من اليوم فصاعدا بأغنية سعاد حسني " الدنيا ربيع والجو بديع " وللأسف فلن " نؤفل " / نقفل على " كل المواضيع " فموضوع الكورونا حاضر بامتياز ، مثله مثل موضوع الاحتلال ، والحمد لله أننا " أففلنا " / أقفلنا سيرة الهر ( دونالد ترامب ) .
وأنا عائد من غرب المدينة إلى شرقها ، مشيا على الأقدام ، التقيت بالصديق
Ziad Ameireh
. كان في سيارته ومعه عائلته . تجاذبنا أطراف الحديث وأعطاني كتاب " عين الرضا " ل ( يهودا بورلا ) الصادر في العام ١٩٦٥ عن دار النشر العربي في تل أبيب ، والكتاب مختارات من الأدب العبري . هل حقا أخذ اليهود الصهاينة حصتهم من دمنا وآن أن ينصرفوا ، كما كتب محمود درويش في قصيدته " عابرون في كلام عابر " ؟
اقترح الصديق زياد أن يوصلني بسيارته فقلت له إنني أخرج من البيت لأمشي وافترقنا .
لو كان المشي يباع بالصيدليات لاشتراه الناس . كتب لي مرة الدكتور
Riyad Awad
من غزة ، وأنا أحارب صديقي اللدود : السكري ، بالمشي ، لا استجابة لعبد الحليم حافظ في إحدى أغنيات فيلم " أبي فوق الشجرة " ، وأبي الآن ، مثل عبد الحليم حافظ ، تحت الشجرة .
بعد أيام يكتمل عام على حالتنا السيزيفية مع الفايروس . اليوم ينتهي شباط والقطط نائمة ، فهل أنهكها الفايروس ؟
صباح الخير
خربشات
٢٨ شباط ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٦ : كورونا حوادث السير

كانت الأوضاع في المدينة أمس عادية . حركة مواصلات نشطة وأسواق تجارية عامرة وشباط في نهاياته وأعداد الإصابات بالكورونا ، والوفيات بها أيضا ، في ارتفاع.
لو كان المرء طفلا لما فكر بالوباء تفكير الكبار به .
أمس اصطحبت ابني أخي ؛ علي وعمر معي إلى المدينة وكل ما يفهمانه من الوباء ، أو كل ما يعنيه لهما ، هو أن الدراسة تعطلت وأن عليهما أن يرتديا الكمامة ، وخلافا لهما كان الصديق
خليل حمد
الذي يأخذ الأمر مأخذا جديا ، فيكتب منبها ومحذرا ولافتا إلى أن الوضع جد خطير . لقد توقع الصديق أنه سيصاب بالفايروس خلال عشرة أيام ، وتوقعه ناجم عن متابعاته أخبار ازدياد تفشي الوباء .
" الكورونا لن تنتهي وستتعايش البشرية معها " قالت أستاذة جامعية في جامعة عالمية ، بناء على دراستها تاريخ الأمراض من الملاريا إلى السل فالطاعون فالجدري ، والأخير فقط هو الذي انتهى بلا رجعة .
في ساعة متأخرة قرأت على صفحة الإعلامي
Ali Daraghmeh
خبرا فاجعا ، فثمة شابان من قرية سالم القريبة من نابلس ، وهما في الثامنة والعشرين ، قضيا في حادث سير . حوادث السير كورونا ثانية والناس في بلادنا تنعت السيارات ب ( عزرائيل ) الثاني .
شخصيا ما عادت تفرق معي . لقد صارت الأشياء تبدو عادية . إن كان للمرء عمر فسوف يحيا ، وإلا فهي منيتنا ؛ بالكورونا أو بحادث سير أو " من نكد الدنيا " على المرء أن يحيا طوال عمره تحت احتلال أو في مجتمع متخلف أو في سلطة لم تنجز شيئا سوى إفساد العلاقات الأسرية الهشة أصلا ، حيث تسهم في تحويل مواطنيها إلى جواسيس ومخبرين ، وما يخفف عن النفس قصائد بدر شاكر السياب ومظفر النواب عن المخبرين ، وقصة زكريا تامر " الجريمة " .
حين يتحول أقرب الناس إليك إلى مخبرين عليك وبمباركة السلطة فطز .
صار الواحد منا مثل محجوب عبد الدايم في رواية نجيب محفوظ " القاهرة الجديدة " لا يواجه الاحتلال والسلطة والتخلف الاجتماعي إلا بكلمة واحدة هي :
- " طظ " .
العام الثاني للوباء يبتديء و ... .
- " طظ " .
صباح الخير
خربشات
١ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٧ : لا رواد في المقاهي

في الحافلة عقبت المرأة على قطيع الأغنام الذي أعاق السير قائلة :
- ماخذين مجدهم ولا هاممهم .
وقال السائق كلاما يؤيد كلامها ، وأنا قلت كلاما مختلفا .
قلت إن الأغنام لا تؤذي أحدا ، فهي لا تقتل ولا تتجسس ولا تؤذي ولا تدخل بيوت غيرها في غياب أصحابها . إنها تذهب إلى الذبح لتطعمنا لحومها فيم تكتفي هي بأكل العشب .
صرت واعظا وكان يجب ألا أكون .
على صفحته يتابع الصديق
خليل حمد
رصد أخبار الكورونا . يكتب الرقم 290 دون أن يوضح المقصود ، وحين أعقب يوضح أن الرقم يشير إلى أعداد الإصابات في نابلس التي عدها محافظها محافظة حمراء - أي دخلت في مرحلة الخطر ، فلا أسرة في المشافي لاستيعاب المصابين .
وأنا أتمشى في الشوارع الرئيسة ، متثاقلا أحمل الفواكه التي اشتريت ، استرحت في مقهى الشيخ قاسم ( الشيخ آسم باللهجة النابلسية ) . كان المقهى خاليا من الرواد ، والمقهى واسع جدا ، وكان في أزمنة قديمة مقهى شعبيا يحكي فيه الحكواتي الشعبي السير الشعبية .
يبدو المقهى فقيرا باهتا لم يجدد منذ عقود ، والسؤال الذي راودني هو :
- لماذا لم يرممه أصحابه ؟
وتبدو الإجابة واضحة من عدد مرتاديه القليل ، فالعين بصيرة ، وربما اليد قصيرة .
ما خطر ببالي هو :
- لماذا لا تسهم بلدية المدينة بترميم أماكن مثل هذه وتعدها أماكن سياحية وترفيهية في الوقت نفسه ؟
العين بصيرة واليد قصيرة والمقاهي الجديدة في ضواحي المدينة تنافس بلا رحمة ، والكورونا تفسد الأوضاع على هذه وتلك ، وأنا أنشغل بمواصلة التنقيب للإجابة عن السؤال :
- هل تأثر غسان كنفاني بمحمود درويش ؟
وأتساءل تساؤل ذلك الطفل الألماني :
- لماذا علي أن أكتب ما دامت الكورونا ستنهي الحياة على الكرة الأرضية ؟
ولا بد للحياة أن تتواصل .
صباح الخير
خربشات
٢ آذار ٢٠٢

***

- ذاكرة أمس ٨ : ثلاثة وأربعون عاما على مغادرة المخيم

في حديث هاتفي صباح أمس وردني من أختي المقيمة في شيكاجو ، وصار ابنها الذي ولد هناك وتعلم في المدارس والجامعات الأميركية صار شرطيا ، قال لي زوجها ، ونحن نثرثر ، إن المخيمات الفلسطينية هي رمز القضية .
وأول أمس مر على مغادرتنا المخيم ثلاثة وأربعون عاما ، فهل نسينا يافا ، لأننا أقمنا في بيت جديد له حديقة وارتدادات والإزعاج لساكنيه أقل مما كان لهم في بيت المخيم ؟
كلما قلت إن الحياة في المخيمات ما عادت تطاق ، وإنه لا بد من حل لسكانها يتمثل في جرفها وإعادة بنائها ، قيل :
- المخيمات ترمز إلى القضية والذين ينادون بهذا جواسيس .
ولقد أقمنا في المخيم وعرفنا بؤس الحياة فيه .
لقد أنفق اللاجئون في هذه المخيمات ثلاثة وسبعين عاما ، وبدلا من أن يقترب سكانها من مدنهم وقراهم ابتعدوا عنها أكثر ، وهذا هو حال مخيمات لبنان التي وصل قسم من أبنائها إلى الدول الاسكندنافية ، وهذا هو أيضا حال لاجئي العراق الذين وصلوا إلى أميركا اللاتينية .
أمس جلست في بيت والدي المهجور منذ وفاة أمي ، وتحديدا منذ ١٥ / ٧ / ٢٠١١ ، وكررت :
" فالبيوت تموت إذا مات سكانها "
وكم من بيت في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ ما زال ميتا ، وتشاهد إن زرت حيفا مثلا مثل هذه البيوت التي نعتها الياس خوري في روايته " أولاد الغيتو : نجمة البحر " ب " البيوت العمياء" .
ولطالما ، منذ بداية الجائحة ، تساءلت عما سيلم بالبيوت إن تمكنت الكورونا منا ، وإن تخلص آل ( روتشيلد ) و ( روكفلر ) من ثلاثة أو خمسة مليار مواطن ؟
أخبار الكورونا كانت أمس أيضا مزعجة وتبعث الرعب ، فعلى صفحة الصديق
خليل حمد
كتابة تقول إن بريطانيا ستغلق ، والقناة الإسرائيلية ١٣ - إن لم أنس - تتحدث عن فايروس نيويورك الذي انتشر على الرغم من اللقاح و " تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي / جئت " .
هل أورد أسطرا من قصيدة محمود درويش " نزل على بحر " التي كتبها بعد الخروج من بيروت في العام ١٩٨٢ ؟
" طالت نباتات البعيد
وطال ظل الرمل فينا وانتشر ..... .
طالت زيارتنا القصيرة
كم قمر أهدى خواتمه إلى من ليس منا
كم حجر باض السنونو في البعيد ؟!"
كلما قلنا اقترب الفرج أتتنا الأخبار بما لم نزود وبما يثير الحزن .
و ....
وصباح الخير
خربشات
٣ آذار ٢٠٢١

****

- ذاكرة أمس ٩ : عودة إلى الزمن الأصفر - زمن المخترة والواسطات

كان الجو أمس شتائيا ، ولكنه جميل جدا ، وكان بإمكانك أن تسير تحت المطر مستمتعا دون شمسية - مظلة ، وإن كنت متابعا لأخبار الجائحة ، فستقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير عنها ، وثمة ضجة حول اللقاحات .
الضجة التي تثار حول اللقاح وتعاطيه في مناطق السلطة الفلسطينية أعادتني إلى كتاب الكاتب الإسرائيلي ( ديفيد غروسمان ) " الزمن الأصفر " وما ورد فيه عن " الواسطة " ، وما ورد فيه كنا نحن الذين نشأنا في زمن الاحتلال الأصفر نخبره جيدا ، لدرجة أن ما كتبه ( غروسمان ) في كتابه كان " غيض من فيض " كما يقول التعبير الشائع .
الصديق
Khaleel Adnan
- إن لم تخني الذاكرة - حول إلي منشورا حادا " بوست " نشره النائب التشريعي السابق ابن مخيم بلاطة حسام خضر على صفحته حول تعاطي اللقاحات في مناطق السلطة الفلسطينية ، فما وصل من لقاحات ، يقول المنشور ، خص به كبار رجال السلطة وأبناؤهم ، والكلام كثير . وقبل أيام أشرت إلى شريط فيديو ساخر يحكي عن اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية يسأله فيه عن اللقاح الذي أرسله إليه ولمعاونيه .
هل حلت السلطة الفلسطينية منذ ١٩٩٣ محل المخاتير و " العرب الصالحين " والطيبين الذين كتب عنهم ( هيلل كوهين ) في كتابه ؟
لم يأت من ( أوسلو ) إلا الخراب ، وها هو الخراب يحل ب ( أوسلو ) نفسها ، فالكاتبة
Hanan Bakir
تزودنا بأخبار الكورونا هناك . ثمة إغلاق شامل باستثناء الصيدليات والمخابز والمشافي والحالة تزداد سوءا .
وعلى صفحته كتب
خليل حمد
الرقم الآتي :
69
فهل كان عدد الوفيات أمس تسعة وستين أم أن الصديق قصد شيئا آخر ؟
أمس واصلت القراءة في ديواني محمود درويش " عاشق من فلسطين " و " أوراق الزيتون " لتتبع دال الوطن فيهما ، ولم أنس حضور هذا الدال في شعر ابراهيم طوقان ، وكل هذا لأكتب مقال الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية .
" حالة تعبانة يا ليلى " ، وفي الدقيقة الأخيرة من الدقائق الإضافية تمكن فريق برشلونة من تسجيل هدف التعادل برأسية ( بيكيه ) ليعيد اللعب من جديد !!
لا تيأسوا أيها الفلسطينيون ، فقد يأتي الفرج في أشد لحظات الليل حلكة !!
صباح الخير
خربشات
٤ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ١٠ : كأنها أجواء حرب

وأنا أمشي أمس في البلدة القديمة / نابلس ، وكانت الأمطار تتساقط تساقطا خفيفا ، كنت أتوقف تحت بعض المظلات بذريعة تجنب المطر ، في حين أن الدافع الرئيس للتوقف كان الإصغاء إلى ما يقوله محافظ المدينة حول ما ينوي اتخاذه من قرارات بخصوص تفشي الوباء .
أحد أصحاب المحلات قال لي تفضل فأعلمته أن قصدي هو الإصغاء ، وقد أوحى إلي بأنه يدرك هذا .
صاحب محل آخر اشتريت منه أبدى استياءه من القرارات التي أعلنها المحافظ ، فهمس لي بأن المحافظ لا يعرف المدينة جيدا ، وقال بأنه ، وهو يبيع ، يحافظ على مسافة متر بينه وبين الزبون .
وأنا أتصفح مساء صور الفيس " your story " التفت إلى عبارة :
الإصابات في رام الله والإغلاق في نابلس "
يعني الكلام للجارة واسمعي يا كنة - إياك أعني واسمعي يا جارة .
في مقهى الرشيد ، حيث شربت شايا مرا ، كان الرواد قليلي العدد ، والنادل الذي أضاء الكهرباء حيث جلست رحب بي كعادته مستخدما دال " أستاذ " . ولا أعرف إن كان قرأ ما كتبته قبل يومين ثلاثة عن جلوسي في مقهى الشيخ قاسم / آسم ، وتوجهي بالكلام إلى بلدية نابلس للإسهام في ترميم هذه المقاهي ، باعتبارها تراثا وأماكن سياحية .
كان المقهى في ستينيات القرن ٢٠ مزدهرا وجديدا والآن ، إن نظرت إلى سقفه ، يبدو قديما متداعيا يحتاج إلى ترميم .
أهالي نابلس منقسمون فيما بينهم بخصوص قرارات الإغلاق المقر من صباح الأحد حتى أسبوع .
وأنا أصغي إلى المحافظ يتكلم عدت بذاكرتي إلى الخامس من حزيران وصوت أحمد سعيد وإذاعة " صوت العرب " . ثمة صوت جهوري يعلن بيانا هاما .
أجواء الشتاء وأجواء المقهى معا حثتني على المغادرة لأمشي تحت المطر حتى لو تبللت .
قرب المقبرة الغربية أمعنت النظر في ألواح الزينكو التي تحيط ببقايا آثار المنزل الذي سوي بالأرض لقدمه ، حتى يقام مكانه بناء جديد ، ولا أحد يهتم بالمباني القديمة كجزء من تاريخ نابلس ، وقبل أشهر هدم بيت رئيس البلدية الأسبق أحمد السروري على الرغم من احتجاجات بعض أبناء المدينة .
أجواء كابوسية صارت تسيطر على المواطنين بسبب تفشي الكورونا وعدم توفير اللقاح للراغبين فيه .
إذا انعدمت الثقة انتهى الاحترام وحل التوجس والخوف وأجواء الكراهية ، وربما الكورونا هي من يخفف قليلا منها - أي الكراهية ، فأنت لا تدري ماذا سيأتي غدا !! هل للكورونا بعض فوائد إذن ؟!
صباح الخير
خربشات
٥ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ١١ : جمعة وقفة عرفات في نابلس

منذ أسابيع ونابلس ، بسبب الكورونا ، تغلق في يومي الجمعة والسبت . أمس اختلف الأمر ، فخرج الناس وساحوا في المدينة ، كما أرانا تلفزيون المدينة ، بلا كمامات . وكان الطريق المؤدي إلى نابلس من جهة جنين ، على ذمة الصديق
خليل حمد
في صفحته ، مكتظا بالحافلات .
أمس لم أذهب إلى وسط المدينة ، فقد آثرت البقاء في المنزل أطبخ وأنظف وأواصل البحث عن دال الوطن في شعر محمود درويش ، متكئا على ديوانه ثم على كتاب شاكر النابلسي " مجنون التراب " ١٩٨٧ وكتاب حسين حمزة " معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش " ٢٠١٢ .
في الثانية ظهرا غادرت المنزل كي أتمشى وأحرق بعض فائض السكر في دمي ، فالجلوس في البيت في الجو البارد يدفع لاستهلاك كم كبير من الطعام والنفس دنية ، ومن لم يمت بالسكر مات بالكورونا ، وما ساعد على الخروج صفاء الجو وإشراق الشمس ، وفي الأغوار جرت السواقي كأنهار كما بعث إلي الصديق
Musaddaq Masri.
هل صدر محمود درويش ، ومن قبله ابراهيم طوقان ، وهما يوظفان دال الوطن في شعرهما عن مفهوم فلسفي أو سياسي له ؟
وأنا أسير في الحي الذي أقطن فيه تذكرت رواية ابراهيم نصرالله " مأساة كاتب القصة القصيرة " فقد اتخذ سيري هيئة مربع : السير مستقيما فإلى اليسار واليسار واليسار فالعودة إلى البيت ، ولم أفكر وأنا أسير باليسار أو اليمين للانحياز إلى اتجاه . مشيت كيفما اتفق ولم تخطر ببالي قصيدة محمود درويش " مديح الظل العالي" التي منها :
" يجب الذهاب إلى اليسار
يجب التوغل في اليمين
يجب التمترس في الوسط
يجب الدفاع عن الغلط "
في ساعات المساء فتحت على صفحتي " يافا " و " أم الفحم " وشاهدت المظاهرات فيهما . " يافا مش للبيع " وكان ياسر عبد ربه ، بعد أوسلو ، قال إنه لا يرغب في العودة إلى يافا التي دفن فيها المرحوم الدكتور ابراهيم ابو لغد ، حيث جاء من أميركا تاركا جامعاتها ، مفضلا العمل في جامعة بير زيت والدفن في يافا ، يشفع له بذلك جواز السفر الأميركي .
في قصيدته " يافا والغيتو " قال راشد حسين في ١٩٦٦ عن يافا :
" كانت مدينة مهنتها تصدير برتقال
وصارت مدينة مهنتها تصدير لاجئين " .
ولولا الست كورونا لانتهيت من اعداد كتابي " مدن في الذاكرة " .
أمس لم أفتح فمي إلا لمدة دقيقة . سألت صاحب السوبر ماركت عن كولا أو سفن بلا سكر - أي دايت - واشتريت ثلاث علب بيرة خالية من الكحول . والآن وقد دخل السبت في " مؤخرات " الشعب فعلينا أن ننفق أسبوعا في البيت ، لنعود إلى آذار ٢٠٢٠ وبداية الكورونا وجملة " خليك بالبيت " .
هناك مثل يقول " اجيت يا عبد المعين تعين اتاريك يا عبد المعين بدك معين " ، وهذا هو حالي مع التقاعد . قلت : حين أتقاعد أسافر ، فجاء التقاعد وتقاعدت وتقاعد الشعب والعالم معي .
صباح الخير
خربشات
٦ آذار ٢٠٢١

****

- ذاكرة أمس ١٢ : اليوم الأول من العام الثاني للكورونا في فلسطين

أمس كان اليوم الأول من العام الثاني لمعاناتنا في فلسطين من الجائحة .
كان العام الماضي - تحديدا منذ بداية آذار - أول عام لا أشارك فيه في مؤتمر وجاهي أو في ندوة أدبية . ألمت بنا الجائحة وتعطلت ندوة آذار عن الشاعر عبد الرزاق رشيد " أبو رشيد " ، وشاركت في ندوتين عبر برنامج ZOOM وفي حلقتين من برنامج " تأويل النص " الذي يقدمه احمد
أحمد زكارنة
في الإذاعة الفلسطينية ، وسجلت حلقتين لبرنامج " خارج النص " لفضائية الجزيرة بثت حلقة معين بسيسو منهما وحتى اللحظة لم تبث حلقة جبرا ابراهيم جبرا .
أمس كان الجو مشمسا فاكتسبت قدرا كبيرا من فيتامين D وتمشيت قليلا ثم ذهبت مع أبناء إخوتي إلى أرضهم . ثمة ربيع فلسطيني يبدو جميلا حتى اللحظة وأعتقد أن الإغلاق الشامل فرصة مناسبة للفلسطينيين ، ربما عدا فلسطينيي قطاع غزة ، للاستمتاع بالطبيعة .
ظننت أمس أن الإغلاق سيكون شاملا حازما حديديا ، ولكن هذه الصفات لن يوصف بها أي إغلاق في مناطق السلطة الفلسطينية ، إلا في حالة واحدة هي أن تتفتت العائلة والعشيرة والتنظيمات الفصائلية كلها ويصبح الانتماء للوطن أولا ويزول أي انتماء عائلي وعشيري وفصيلي ، ودون ذلك فإن ثمة شفيعا ووسيطا لكل من يرغب في عدم الالتزام ، وحجة هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيشفع يوم القيامة لأمته .
قرأت أمس قسما من بحث عن " صورة اليهود في الرواية العربية المعاصرة : رؤية سردية مغايرة " للباحث المصري د.محمد سيد أحمد متولي نشره في مجلة رسالة المشرق ص٦٣ ، واعتمد فيه على كتبي ، فذكر قسما منها وأغفل قسما آخر ، وزعم أنه عاد إلى كتاب " أبو حيان " التوحيدي " الإمتاع والمؤانسة ، وأظن أنه نقله عن كتابي " اليهود في الرواية العربية " وإن كان الكاتب لا يعرف الألمانية فدليلي قاطع جازم .
ما علينا !
سننفق ستة أيام بلا جلوس في المقاهي ، ولو لنصف ساعة ، وعلي أن أتجول وأتمشى في الحي الذي أقيم فيه .
ثمة هدوء في الحي لا ينغصه إلا ... . وثمة أيام تمر تذكرني بحكاية جبر والمثل الذي لخصها " مثل جبر من بطن أمه للقبر " وأعتقد أن أيام الكورونا أيام غير محتسبة لأحد ، فالجميع صار مثل جبر ، وعندما كنت أسأل في قسم اللغة العربية عن رأيي في أعضاء القسم ، إن كانوا يختلفون عن زميلنا رحمه الله ، كنت أجيب :
قسم كله جبر
فلا جمع ولا طرح
ولا نحو ولا صرف ... إلخ .
ربما كنت ، حين أسخر وأتهكم ، أبالغ ! ربما !
وثمة حديث عن تمديد الإغلاق ، وأمس حول إلي الصديق
ماهر فتحي بسطامي
شريط فيديو لطبيب عربي يعدد فيه أسماء عشرة أطباء يهود ينصحون بعدم تعاطي لقاح فايزر لآثاره السلبية المؤذية .
هل تزوجت سعاد حسني من عبد الحليم حافظ ؟ وهل تزوج الملك فاروق من الراقصة سامية جمال ؟
" الفاضي بعمل قاضي " يقول المثل ، وأنا صرت أتابع أخبار الراقصات والممثلات و ... .
صباح الخير
خربشات
٧ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ١٣ : سجن انفرادي في زمن الوزارات الترللي

كما لو أنني كنت أمس أقيم في زنزانة انفرادية ، فلم أتحدث مع أحد .
العبارة الوحيدة التي نطقت بها كانت في البقالة . سألت صاحبها عن " كولا دايت " وبقيت طوال النهار أتأمل الأشياء وأتواصل مع الآخرين فيسبوكيا ، أرد على ملاحظاتهم حول مقالي . استغرب قراء عديدون أن يكون غسان كنفاني تأثر بمحمود درويش وقالوا إن العكس قد يكون ممكنا .
أول ساعة من فجر أمس أنفقتها في مشاهدة فيلم
Nasri Hajjaj
" ظل الغياب " للتأكد من قصة دفن المرحوم ابراهيم ابو لغد في يافا ، فما أوردته في كتابتي أمس لم يكن لنصري دقيقا ، وكان هو في فيلمه أتى على القصة .
في ساعات الظهيرة سرت في الحي لنصف ساعة ثم عدت إلى الشقة أمارس الضجر وأشاهد مباراة ديربي مدريد التي انتهت بالتعادل .
في ساعة مساء متأخرة أرسل إلي ابن الخالة
Muneer Quqa
شريط فيديو من برنامج " نبض البلد " لأستاذ جامعي أردني يأتي فيه على كيفية تشكيل الوزارة وتعيين الوزراء في الأردن . كل من يعارض يشترى ويغدو وزيرا حتى يشتري النظام سكوته ، وأنا بدوري حولت لابن خالتي ما كتبته أمس عن فشل سياسة الإغلاق الشامل في نابلس وفلسطين .
زيطة وزنبليطة وسمك لبن تمر هندي وكله على كله : بامية على ملوخية على بطاطا ، فلا قانون ولا صرامة والأهم الواسطة والمعارف .
في ساعات المساء عرفت من خلال الدكتور النابلسي
Alla Juma
المقيم في ألمانيا القليل عن الوضع هناك .
في ألمانيا صارت إمكانية فحص الإصابة بالكورونا سهلة جدا وممكنة أيضا لأي مواطن ، فما عليك إلا أن تذهب إلى الصيدلية لتشتري مادة الفحص وأدواته ، وهكذا لا تدفع للحكومة الأردنية على الجسر 40 دينارا ، مع انتظار ثلاث ساعات ، أو 70 دينار إن أردت أن تكون very important person أي VIP ولا تنتظر .
الأهم مما سبق هو أن الإغلاق في ألمانيا مفروض منذ نهاية شهر تشرين الثاني ، وقد مدد حتى نهاية 28 آذار وتحولات الفايروس جد خطيرة وحياة الناس أهم ، وقد فرضت الحكومة الألمانية ، بسبب الكورونا ، ضريبة جديدة على الراتب ، وثمة تكافل اجتماعي ، فالبضائع متوفرة والكراتين في الشوارع لمن يريد وكل يأخذ حاجته .
هل ستحيي حكومتنا الرشيدة صندوق " وقفة عز " أم أن الأمر مبكر ولم يمض على صرف الرواتب أسبوع فقط ؟
وكما أن الفايروس له نسخ متطورة ، فإن آذار هذا على ما يبدو نسخة متطورة عن آذار الماضي .
صباح الخير
خربشات
٨ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ١٤ : من استلم البلاد بغير حرب

كانت نابلس أمس مغلقة إغلاقا تاما ، وكان هناك ثمة حواجز منتشرة لتحول دون تنقل السيارات بسهولة .
الجو يقترب من أجواء الربيع على الرغم من لسعة برد في ساعات الصباح وساعات المساء .
حين استبد بي الضجر سألت ابن أخي عن استعداده لأن نتمشى ، وغالبا ما أقترح عليه هذا ، ولا يخلو كلامي من حس دعابة . ابن أخي سمين نوعا ما وأنا أعاني من السكر ، واقتراحي يتضمن اللازمة الآتية التي حفظها عن ظهر قلب :
- أنا أحرق السكر وأنت تحرق الدهن .
ويتقبل ابن أخي الدعابة بابتسامة .
بعد مشي ثلاثة كيلومترات تقريبا صعدنا سيارة لتقلنا إلى غرب المدينة ، فطلب منا السائق أن نتكمم ، وسار في طرق فرعية تجنبا للحواجز وخوفا من أن تخالفه الشرطة .
كل شيء هاديء ، كما لو أن المدينة مثل مقبرة حقا ، وفي ساعات العصر ، في حوار عابر مع صديق أتينا فيه على ما يشاع عن القصد من نشر الفايروس ، قلت :
- تخيل لو قضى الفايروس على خمسة أو ثلاثة مليارات ، تخيل هذه المباني ومباني المدينة كلها وقد مات سكانها ! تخيل الجرذان والفئران تحل محلنا !!
في الصباح كان الصديق
Musaddaq Masri
اقترح علي أن أذهب معه إلى بيارته في الأغوار فننفق النهار فيها ، وسألته إن كان هناك إمكانية للعودة بعد ساعتين ثلاث ، وتم تأجيل الموعد .
هل صرت لا أقوى على قضاء أكثر من ساعتين ثلاث خارج الشقة ؟
يوميا أنفق في المقاهي والشوارع ساعتين ثلاث ساعات ليس أكثر ثم أعود إلى سجني - بيتي ، وللسيدة
Raymonda Hawa Tawil
والدة السيدة سهى عرفات كتاب عنوانه " بيتي سجني " وقد ترجم إلى الألمانية ولم أعثر عليه بالعربية ، وحتى اللحظة لم ينقل كتاب الدكتورة حنان ميخائيل عشراوي إلى العربية ، علما أنه ترجم من الإنجليزية إلى الألمانية تحت عنوان " Ich bin
in Palaestina geboren .
سيداتنا الفلسطينيات يكتبن بالإنجليزية ويهمهن القاريء غير العربي على ما يبدو .
أمس خضت في أمر الترجمة إلى العبرية وكررت الرأي إنها لغة ٢٧ ألف كم مربع - يعني لا في العير ولا في النفير ، وأمس تذكرت بيت الشعر الذي كان أبي يكرره باستمرار :
" من استلم البلاد بغير حرب
هان عليه تسليم البلاد "
والقصة تتلخص في أنني ارمم دار العائلة وأحرص على نظافتها وصيانتها ثم يأتي من يخرب . وغالبا ما أكرر :
" وما ينفع البنيان في غير أهله
إذا كنت تبني وغيرك يهدم "
ولقد بنينا في غزة مطارا وهدمته الطائرات الإسرائيلية .
وأمس كان يوم المرأة العالمي ، وما نفع مثل هذا اليوم والكورونا والتخلف والاحتلال كلها تهدم .
صباح الخير
خربشات
٩ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ١٥ : ارتفاع أسعار السكر بارتفاع عدد المصابين بالكورونا

نخاف من الكورونا ونلتزم بالنصيحة " خليك في البيت " فترتفع أسعار السكر في الدم ويشيط ، ومع التقاعد تكرر المثل " أكل ومرعى وقلة صنعة " .
كانت شمس آذار أمس ساطعة وتغري بالخروج ولكنه الكسل .
استغرب الصديق
زياد خداش
مما كتبته أمس عن عدم ذهابي إلى الغور :
- يا زلمة في حدا برفض الذهاب إلى الأغوار في هذه الأيام ؟ ( أحد يرفض )
قلت لزياد إنني أشعر بالملل والضجر ولا أستطيع أن أقضي نهارا كاملا بصحبة أي صديق حتى في الجنة .
حتى الثالثة عصرا بقيت في المنزل ، وحين فحصت نسبة السكر في دمي كانت الأرقام في العلالي ، ولا بد من مشي .
المشي والمشي والمشي والجلوس في البيت يتغلب على الحمية وعدم الالتزام بنصيحة طبيب السكر " الابتعاد عن العصير " وثلاثة أرباع شعبنا لا يلتزم بارتداء الكمامة ، ومن المؤكد ، قياسا على ما سبق ، أن ثلاثة أرباع المصابين بالسكر لا يلتزمون بالحمية .
وأنا أمشي التقيت بجار قديم فاسترجعنا معا فترة إقامتنا في مخيم عسكر ، وتذكرت قصتي " العريس " التي نشرتها في مجموعتي " فصول في توقيع الاتفاقية " ( ١٩٧٩ ) وتذكرت جارنا فؤاد الذي قضى ليلة عرسه في الاعتقال ، لأن شقيا من أبناء المخيم قذف قافلة للمحتلين بحجر .
لطالما رددت مقطع محمود درويش :
" هذا هو العرس الفلسطيني "
إنه " العرس الذي لا ينتهي في ساحة لا تنتهي في ليلة لا تنتهي " حيث " لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريد " .
أمس بقيت مشغولا بمتابعة ملخصات المؤتمر الذي ينوي
د.حسين المناصرة
عقده في بداية حزيران حول صورة اليهود في الرواية العربية ، هذا الموضوع الذي غدا محببا للروائيين والدارسين ومنظمي المؤتمرات .
- ما سر الاهتمام بالكتابة عن اليهود في القرن الحادي والعشرين من كتاب ليس لأي منهم معرفة حقيقية باليهود ؟
في رواية انطون شماس " ارابيسك " شخصية كاتب يهودي يتساءل إن كان ثمة كاتب عربي يحلم بشخصياته اليهودية حين يكتب عنها كما يحلم الكتاب اليهود بشخصياتهم العربية حين يكتبون عنها .
هل أرد على هذا الكاتب اليهودي الافتراضي وأقول له إنني صرت احلم بما يكتبه الروائيون العرب عن اليهود في رواياتهم وصرت أرهق بمتابعتهم .
صباح الخير
خربشات
١٠ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ١٦ : الإغلاق شامل ، والفتح سرا وخلسة ، والإصابات في ارتفاع

وأنا أتشمس صباحا ثمة صوت آلة حفر تحفر في العمارة المجاورة المقامة حديثا . هذا يعني أن عمال الورش لا يتأثرون سلبا بالإغلاق ، وعمال الورش هم عمال البناء والبلاط والقصارة والتمديدات الكهربائية وتمديدات الماء والصرف الصحي .
في العاشرة خرجت أتمشى وأتحرى إن كان الفوال يبيع . تحدثت مع جاري الأستاذ توفيق عيران الذي يقلني معه كلما التقينا معا ، فسألني إن كنت ذاهبا إلى المدينة ، ووعدني بطبخة خبيزة أحضرها بالفعل عصرا ، فطبختها مساء وحستها بالبصل .
الفوال ومحلات السوبرماركت مغلقة إلا بقدر ، والإغلاق الشامل يوحي بمنع تجول أو يذكر به وبأيام الاحتلال .
في ساعة متأخرة سأقرأ على صفحة الصديق
خليل حمد
آخر أخبار الكورونا في نابلس . عدد الإصابات تجاوز ال ٤٠٠ وهناك احتمال لتمديد فترة الإغلاق .
في ساعات النهار أتواصل عبر الماسنجر مع بعض الأصدقاء وأقرأ في رواية الحبيب السايح " أنا وحاييم " وأتواصل معه ، وعصرا أمشي في شوارع الحي فلا أرى إلا القليل من البشر وليس ثمة حركة حافلات نشطة . ( ثمة روائيون عرب كثر يعودون الآن إلى النصف الأول من القرن العشرين ليكتبوا عن يهود البلدان العربية وحياتهم فيها . ثمة وقوف على الأطلال ) .
في مباريات أول أمس خسر فريق ( يوفنتوس ) ولم يكن ل( كريستيانو رونالدو ) تأثير يذكر ، ويبدو أن صديقته الإسبانية ( جورجينا رودريغز ) شغلته كما صارت أخبارها وأخبار مؤخرتها وتكبيرها تشغل الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والمتابعين الذين وصل عددهم إلى ٢٣ مليون متابع . وفي مباريات أمس تعادل فريق ( برشلونة ) مع ( باريس سان جيرمان ) وخسر في مجموع مبارتي الذهاب والإياب وودع البطولة .
كم هو مذهل ( كيلور نافاس ) حارس المرمى !؟ منذ كان في ريال مدريد وهو مذهل . والرياضة ومشاهدة المباريات تسهم بلا شك في التقليل من آثار الكورونا السلبية .
في النهار أقرأ وأتمشى وفي الليل أشاهد المباريات وأكتب .
هل ستكون هناك في الجنة فرق رياضية تتبارى ؟
صباح الخير
خربشات
١١ اذار ٢٠٢١

****

- ذاكرة أمس ١٧ : نابلس مغلقة تماما مثل يوم عيد

أمس الخميس كان الإغلاق في يومه السادس . ذهبت إلى المدينة للحصول على دواء السكر وشراء شرائح فحص . كانت الصيدليات والمخابز مفتوحة وبقية المتاجر مغلقة تماما ، وفي سوق الخضار الشرقي كان بعض الباعة يبيعون .
حين أوقفت حافلة العمومي لأصعد سألت السائق إن كان ذاهبا إلى وسط المدينة ، فأول أمس توقف سائق ليقلني وحين صعدت سألني :
- إلى أين ؟
- إلى المدينة .
واعتذر فالشرطة تلاحق السيارات .
أعتقد أن السائق أراد أن أدفع له أجرة طلب لا أجرة راكب ، ولو طلب لدفعت له ، فسائق أمس أفصح عن مطلبه ولم أمانع ، وهو ما أفصح عنه السائق في أثناء العودة أيضا . السواقون يخاطرون ويريدون أن يرزقوا .
لم تكن الصيدلية مكتظة كما هو الحال في الأيام العادية . ثمة زبون زبونان ليس أكثر .
سرت في شوارع المدينة وكان السائرون يعدون على الأصابع ، وكانت الأجواء تشبه أجواء أيام الأعياد . إغلاق تام . وكان أمس عمومآ يوم عطلة رسمية بمناسبة الإسراء والمعراج .
تصورت من جديد المدينة وقد قضت الكورونا على سكانها كلهم . مبان مقفرة مثل مدينة النحاس في " ألف ليلة وليلة " ومثل ملاعب كرة القدم في أوروبا منذ آذار الماضي . اللاعبون يلعبون ولا جماهير ، فلماذا ظل قانون احتساب الهدف في ملعب الخصم يحسم النتيجة إن تعادل الفريقان ؟
في المساء تابعت حوارا مع نائبة محافظ المدينة تتحدث فيه عن الأوضاع في الأيام الستة الماضية وإمكانية تمديد الإغلاق ، وشاهدت تقريرا تلفازيا عن حالة المشافي في الضفة الغربية . لقد قالت معدة التقرير المدعوم بالصور واللقاءات إن الوضع كارثي ، فلا أسرة فارغة والمصابون يجلسون في غرفة الطواريء وفي الممرات ينتظرون ، والصديق
بسام الكعبي
أرسل إلي عبر الواتس اب ما أسفر عنه حفل زفاف من إصابات .
ماذا لو أسهم من لديهم رصيد نصف مليون دينار بواحد بالمائة لشراء اللقاح لمن يريده ، بدلا من مد اليد للدول المحسنة ؟ وماذا لو تبرع البنك العربي بالمبلغ كله ؟
على دوار المدينة لم يكن سوى الشرطة وبعض العربات التي تبيع البليلة والترمس والفول ، ولم يكن هناك مشترون ، والطقس أخذ يميل إلى البرودة .
إلى أين تأخذنا الكورونا ؟
لا أحد يملك حتى اللحظة إجابة دقيقة حازمة جازمة .
أمس قرأت بضع ملخصات لأبحاث عن صورة اليهود في الرواية العربية وعقبت عليها ، ولم أقرأ إلا بضع مقالات ، ويبدو أنني ، بمناسبة يوم الثقافة الوطنية في فلسطين الذي يصادف السبت ، الثالث عشر من آذار ، وهو عيد ميلاد الشاعر محمود درويش ، يبدو أنني سأكتب عن دال الوطن أيضا .
ماذا كان الوطن يعني للجزائريين أيام الاستعمار الفرنسي ؟
هل قرأ أي منكم ثلاثية الكاتب الجزائري محمد ديب : البيت الكبير والنول والحريق ؟
صباح الخير
خربشات
١٢ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ١٨ : الأجواء متقلبة وصلاة الجمعة في الساحات

كان جو آذار أمس الجمعة متقلبا ، فبعد ليلة ماطرة باردة ، ذات رياح ، أشرقت الشمس إشراقا خجولا سمح للمصلين بأن يؤدوا صلاة الجمعة في الساحات ، كما في حديقة منزلي وساحتها ( لو نظف المصلون الساحة بعد صلاتهم لربما تضاعف الأجر ) .
الجلوس في البيت ، تلافيا للإصابة بالكورونا ، يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر ، وهكذا نحذر من وباء لنعاني من داء يفتك بالجسد ببطء . كأن لا يكفي الاحتلال والانقسام وفضول أبناء شعبنا الذي يحصي على المرء حركاته وسكناته ويجعل من الجميع حراسا للفضيلة ( جواسيس ) !! كأن لا يكفي ! ما شاء الله على شعبنا ! ما شاء الله ! فخطباء الجمعة والوعاظ غالبا ما يعزون أسباب هزيمتنا وسوء واقعنا إلى انحدارنا الأخلاقي ، مع أن عدد من يؤدون العبادات كبير وفي ازدياد ( شو يعني انحدارنا الأخلاقي ؟ ).
على الرغم من الجو المزاجي المتقلب ، مثل مزاجي كما ينعته المتخلفون ( أنا عقلاني بالدرجةالأولى ) ، إلا أنني لم أتخل عن المشي . لقد ذرعت شوارع في الحي مرتين ، وكانت خالية من المشاة والسيارات تقريبا ، وكانت الدكاكين مغلقة .
منذ صباح أمس وأنا أقرأ في ملاحظاتي على نسخة رواية الكاتب الجزائري محمد ديب " الدار الكبيرة والحريق والنول " الصادرة تباعا في ١٩٥٢ و ١٩٥٤ و ١٩٥٧ والتي ترجمها الدكتور السوري سامي الدروبي في ١٩٧٠ .
ربما قرأت القسم الرابع من الجزء الأول " الدار الكبيرة " خمس ست قراءات . لقد قرأتها قراءة دارس حقا لأكتب مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية عن دال الوطن . " فرنسا هي أمنا الوطن " كان الطلاب زمن الاستعمار يعلمون .
اليوم هو الثالث عشر من آذار وهو يوم الثقافة الوطنية ( هل هناك تعريف متفق عليه لمفهوم الثقافة الوطنية ؟ ) ويصادف الذكرى الثمانين لميلاد الشاعر محمود درويش الذي تعلم كل الكلام وفككه ليكتب كلمة " وطن " ( ماذا تعني كلمة الوطن ؟ ) .
وأمس زارني صديق قديم ودار حديثنا عن الست كورونا ، والحكايات كثيرة والآراء كثيرة والاجتهادات كذلك .
أمس قرأت أيضا ما كنت كتبته عن قصيدة بدر شاكر السياب " قافلة الضياع " وفيها سطر شعري نصه :
" هذا لكل اللاجئين ، وكل هذا لليهود "
وكان نصيب دولة إسرائيل من اللقاحات مثل نصيبها من مجموع أرض فلسطين ، ونصيب الفلسطينيين من اللقاحات مثل نصيبهم من أرض وطنهم التاريخي ، وتلك قسمة ضيزى .
أي والله !!
صباح الخير
خربشات
١٣ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ١٩ : ياسر عرفات والكورونا وشعب الجبارين

أمس صباحا أصغيت إلى برنامج المذيعة ميسون مناصرة اليومي . اتصلت ميسون بشابة نابلسية وأتيتا على عمل المؤسسة التي تديرها الشابة في فترة الكورونا ، ومما قالته ميسون إن الشعب الفلسطيني سيتغلب على الكورونا ، فهو شعب الجبارين الذي صمد في وجه الاحتلال عقودا وعقود .
ترى ماذا كان ياسر عرفات سيقول في مواجهة الكورونا لو بقي على قيد الحياة ؟ هل سيسخر ممن يبالغون في شأنها ، لأن شعبه شعب الجبارين ، ولا يعقل أن يخاف من فايروس غير مرئي؟
وأنا أسير أمس في شوارع البلدة القديمة لم ألحظ إلا بعض باعة ، فالمحلات ، باستثناء الصيدليات والمخابز ، مغلقة .
أمس كانت المدينة مثل ملاعب كرة القدم الأوروبية في هذه الأيام : الجمهور في بيته واللاعبون يلعبون يشاهدهم طاقم الفريقين واللاعبون الاحتياطيون .
في طريقي إلى شقتي ، قرب مقر نادي حطين كان شاب يخاطب أحد معارفه كأنما يعايره :
- سمعت أنك مكورن .
ولما لم يرق كلامه له
أجابه :
- شكلك أنت اللي بكورنوا !
إجابة الشاب جعلتني أقول ، دون أن يطلب مني :
- ليس ثمة كبير وقوي على المرض .
المواطنون الذين كانوا يجلسون على قارعة الطريق يثرثرون أو يؤرجلون كانوا ينتظرون ما سيقرره محافظ المدينة ثم مجلس الوزراء بخصوص تمديد الإغلاق أو عدم تمديده . في المساء تقرر التمديد لمدة خمسة أيام .
الذين أصغيت إليهم أبدوا امتعاضهم من التمديد ، فالإصابات على الرغم من الإغلاق ما زالت مرتفعة ، ويبدو أنه ليس الحل في مجتمع أسره ممتدة تجعل من الإغلاق فرصة للتواصل الاجتماعي والزيارات العائلية .
إن صح ما تقوله التقارير عن أوضاع المشافي فنحن على أبواب كارثة صحية وانهيار صحي يذكرنا بما صارت إليه إيطاليا في مثل هذه الأيام من العام الماضي .
أطرف الأشرطة التي سمعتها مساء أثارت أسئلة مثل :
- هل يجوز لمن لم يأخذ اللقاح أن يتزوج ممن أخذه ؟
- هل يجوز لمن أخذ اللقاح أن يتبرع بالدم لمن لم يأخذه ؟
بفوز ريال مدريد على التشيه وتعادل اتلاتيكو مدريد مع خيتافي اشتعل الدوري الإسباني ، ويبدو أن متابعة الرياضة تقلل من الإصابة بالكورونا . يبدو !!
صباح الخير
خربشات
١٤ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٠ : على أمل العيش ألقى أبي بذرة في مكامن أمي "

كانت أجواء أمس ربيعية بامتياز . كانت تغري بالبقاء في البيت والتمدد مقابل أشعة الشمس ، ولكن ماذا يفعل المرء إن استبد به الضجر ؟
في الثانية عشرة ظهرا قصدت المدينة . ترددت أولا بسبب بطء حركة السيارات ثم وجدتني أصعد الحافلة بعد أن سألت السائق الذي توقف :
- إلى البلد ؟
- إلى البلد .
أجاب .
ولمسافة أربعة كم لم يقل أي راكب ، فلا أحد يقصد المدينة ، والسائق قال :
- لأول مرة أخرج اليوم منذ ثمانية أيام .
عرضت عليه أن يوصلني إلى شارع الرازي فلم يتردد .
ثمة هدوء في الشارع . هدوء تام ، فلا سيارات ولا أطفال يلعبون الكرة في ساحة المدرسة أو في الشارع .
في الرابعة عصرا غادرت الشقة ذارعا شارع النصر من غرب البلدة القديمة حتى سوقها الشرقي . البلدة القديمة محلاتها ، إلا أقلها ، مغلقة ، ولكن الشارع لا يبدو مهجورا ، فثمة مواطنون يقفون معا يتحدثون في أمور حياتهم . ثمة بعض باعة خضار وبعض مخابز وبعض دكاكين وملحمة هنا وصيدلية هناك وحافلات تقف ليتبضع أصحابها أو لتقل الركاب .
" إغلاق بعبصة أو تبعبص " كتب أحد المواطنين على حائط مدونته ، وفي الصباح قال خبير اقتصادي لإذاعة أجيال إن الكورونا ، في هذه الأيام ، خلافا للعام الماضي ، لم تلق بظلال سلبية كبيرة على حياة أهل الضفة الغربية ، فموظفو السلطة قبضوا رواتبهم كلها ومثلهم موظفو الجامعات والبنوك والمؤسسات ، وعمال الورش وعمال الأرض المحتلة ١٩٤٨ لم يتوقفوا عن العمل .
وأنا أتابع التعقيبات على ذاكرة الأمس قرأت ما كتبه الشاعر
Wallid Hallis
ابن غزة الذي يقيم في دولة اسكندنافية ، فتذكرت قصيدة كتبها في ٧٠ القرن ٢٠ ونشرها على صفحات مجلة " البيادر " ومفتتحها :
" على أمل العيش ألقى أبي بذرة في مكامن أمي
وقال أخلف ذكرا
سوف أخلف ذكرا ... " الخ
وعقبت على تعقيبه .
ماذا فعلت الأيام بالشاعر وبالشاعر ابن خان يونس باسم النبريص ؟
" لا تندهي ما في حدا .
ما في حدا لا تندهي
صاروا صدى "
أصغيت إلى شريط الفيديو الذي أرسله إلي من الأردن الصديق أبو سائد . الشريط يصور قاعات المحاضرات في إحدى الجامعات في الأردن . ثمة مقاعد ولا طلاب وصوت فيروز :
" لا تندهي ما في حدا
صاروا صدى " .
ما في حدا وإن انتصرت الكورونا سنصبح كلنا صدى .
وأنا في شقتي نظرت من الشرفة على الشارع فرأيت سيارتي عمومي واقفتين . قلت :
- ١٤٠ ألف دينار أردني في الشارع ليست سوى حديد الآن لا يكسب بصلة ، فالناس في بيوتها و " لا تندهي ما في حدا " .
صباح الخير
خربشات
١٥ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢١ : "يا اشتية شوية شوية"

كان الإغلاق في نابلس أمس شاملا تماما ، باستثناء بعض الصيدليات . المخابز مغلقة ومحلات السوبرماركت أيضا ، وليس في الشوارع إلا مارة عابرون أو أطفال يلعبون الكرة وبعض عربات تبيع الموز والفراولة والترمس وما شابه .

المحامي
ماهر فتحي بسطامي
عقب على " ذاكرة أمس ٢٠ " يسألني :
" وهل أنت مع الإغلاق وإلزام الناس بيوتها ، رغم أنك لا تلتزم الحظر ولا الكمامة ربما ؟ " .
شخصيا ألتزم ٩٠ بالمائة تقريبا ، وأنا أذهب من شرق المدينة إلى غربها حتى لا أختنق ، ولأقلل من الجلوس في البيت فأشعر مساء بالضجر وتسوء نفسيتي ، ولأبحث عن فكرة أصطادها فأكتبها ، مثلي مثل بديع الزمان الهمذاني في مقاماته ، فقد كان يرتحل ليصطاد كلمة شرودا - أي شاردة - يستزيدها ، وربما يتذكر قراء الرواية العربية رواية " صائد اليرقات " للسوداني أمين تاج السر . لقد قرأتها ولكني لم أكتب عنها .
سائق الحافلة الذي أقلني لم يقل أي راكب آخر ، فليس ثمة ركاب أصلا ، وأعتقد أن على سائقي الحافلات أن يتفاوضوا مع شركات التأمين وسلطة الترخيص ليدفعوا فقط عن الأيام التي تشتغل السيارات فيها ، بل وعلى الحكومة أن تعوض أصحاب السيارات العمومي عن العام الماضي . إنه عام خسارات حقا .
في المساء احتفل أهلي بزواج ابن أخي . كان العرس بسيطا وعاديا مثل أعراس أيام زمان . كان عرسا منزليا ، ف " أقلكن مهرا خيركن بركة " ، وأعراس البيوت جميلة ، بخاصة إذا ما كان في البيت ساحة تذكر بساحة البلد أو ساحة القرية ، وفيهما كانت الأعراس قديما تقام . ثمة دبكة ورقص و " تلولحي يا دالية يا أم غصون العالية ، تلولحي عرضين وطول و ... ." و .. وبدأ الشعب الفلسطيني يغني لرئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية ويرقص له على إيقاع الطبلة ، وبدأت أشرطة الفيديو توزع من جديد . المرأة المكممة المحجبة تضرب على الطبل وتغني " يا اشتية شوية شوية عالشعب يا عيني إلك مني تحية وخفف هالحظر شوية " . المرأة تغني بعد أن تقدم التحية لرئيس الوزراء وللكوادر الطبية والأمنية .
" يا اشتية شوية شوية " ، والألمان يقولون :
" Langsam langsam aber sicher " .
أمس في حفل العرس تذكرت بيت شعر الشاعر سميح صباغ ابن قرية البقيعة ، بيت الشعر الذي ضمنه إميل حبيبي في روايته " المتشائل " :
" إني تشهيت زغاريد النساء يحملن شوق ألف عام للأغاني والفرح " ، وغالبا ما أتذكره ، لخلو حياتنا ، منذ عقود ، من الفرح .
قبل قليل فاز فريق برشلونة على فريق ( ويسكا ) وكسب ثلاث نقاط ليشتعل الدوري الإسباني ، فهل سيخسر ( اتلاتيكو مدريد ) بالرعب ؟
صباح الخير
خربشات
١٦ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٢ : الكمامة والحمامة ، الكمامة والغرافيتة ، الكمامة والمخدرات

دبت الحياة أمس في المدينة بعد أن سمح للمخابز والبقالات ، إلى جانب الصيدليات ، بفتح أبوابها .
تنفس المواطنون ، إلى حد ما ، الصعداء ، فخرجوا يتبضعون وأكل قسم منهم التمرية ، وأما الكنافة فبيعت موادها وصنعت في المنازل لا في محلات الحلويات ، وعملت الحافلات فاكتظت بها الشوارع الرئيسة ، وساعدت أجواء الربيع المبكر على التمشي في الأسواق ، وخلافا لنابلس كانت ( هامبورغ ) في ألمانيا ، فالأجواء فيها كانت باردة ، وهو ما قرأته على صفحة الصديقة
Ibtissam Shakar
السورية التي لجأت إلى ألمانيا قبل سنوات ، بسبب الربيع العربي ، لتقضي العمر مغتربة في المنفى الألماني ، وليس هذا ما دفعني إلى الكتابة عن ابتسام .
كتبت ابتسام شكر على صفحتها ساخرة عن تشديد الشرطة الألمانية على ضرورة الالتزام بالكمامة ، فمن لا يلتزم بها يلقى القبض عليه كما لو أنه تاجر مخدرات . ( تشكو ابتسام من الحبس المنزلي وبرودة الأجواء في بلاد تموت الحيتان من بردها كما كتب الطيب صالح في روايته " موسم الهجرة إلى الشمال " )
هل التزمنا نحن أمس بوضع الكمامة على أفواهنا ومناخيرنا . " صارت الأزرار تخفي ، ولذا حذرت منها العاشقين " يقول مظفر النواب ، وكم كثرت تشبيهات الأنف بالعضو الذكري والفم بال.... والحق كل الحق على الشاعر فراس عمر ومقالته التي ربطت بين الكمامة والكالوت ، مقتفيا خطى من ربط بين الكمامة والحمامة ، وأول أمس قال الناطق الإعلامي ابراهيم ملحم " كمامتك على لون كرافتك " والصحفي
سامر خويرة
كتب " كمامتك على لون لفحتك " والكمامة كممت الأفواه وثمة مقالات رأى كتابها أن القصد الحقيقي من الكمامة هو تكميم الأفواه . هل ستكمم الكمامة أفواهنا ؟
أمس أرسل إلي المحامي
ماهر فتحي بسطامي
شريط فيديو عن تطعيم العمال الفلسطينيين في الأرض المحتلة ١٩٤٨ وآثاره السلبية . طعم العامل فأصيب بالخرس ، ويا مثبت العقل والدين ، وليس ما ورد في الشريط زعما فلسطينيا لإدانة الاحتلال ، فألمانيا وإسبانيا ، كما كتب د.
زياد الزعبي
على صفحته ، ومثلهما السويد ، اوقفتا نوعا معينا من اللقاحات لآثاره الجانبية ( هل اللقاحات التي لقح بها العمال الفلسطينيون هي نفسها التي لقح بها المواطنون الاسرائيليون ؟ ثمة أزمة ثقة عميقة متأصلة بيننا وبين أبناء العمومة ) .
أمس وجدتني أستمع إلى صوت محمد عبد الوهاب " آلوا / قالوا لي هان الود عليك " والآن ، وأنا أشاهد مباراة ريال مدريد واتلانتا ، استبدت بي الرغبة للاستماع إلى أغنية " جايين الدنيا ما نعرف ليه " .
وفاز ريال مدريد وتأهل .
صباح الخير
خربشات
١٧ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٣ : أهل نابلس يتحدون الفايروس ويعصون الأوامر والمقدسيون غاضبون

في الحادية عشرة صباحا غادرت شرق المدينة إلى غربها . كانت الشوارع شبه خالية ، فلا حركة سيارات ولا ركاب.
وأنا في الحافلة ألقيت نظرة على جانبي الطريق .
في شارع عمان الذي يبدو هادئا ترى بسطات بيع الخضار منتشرة بكثرة ، كما لو أن المحلات التي أغلقت أبوابها انتقلت إلى الشارع .
لم يكن الإغلاق في البلدة القديمة إغلاقا شاملا ، ومع ذلك فلم يكن هناك نشاط وحركة لافتان .
في الصباح أصغي إلى شريط أرسله إلي الدكتور
Safi Ismael Safi
يتحدث فيه المواطن المقدسي أحمد البديري معبرا عن غضبه من قرار السلطة الذي يمنع أهل القدس من دخول الضفة الغربية بسبب الكورونا . كيف يمكن أن يمنع أبناء عاصمة الدولة الفلسطينية من دخول أراضي دولتهم ؟ والكلام كثير ، وأهل القدس يرددون المثل " بين حانة / الاحتلال ومانة / السلطة ضعنا وضاعت لحانا " .
في ساعات الظهيرة أجلس في شقتي أشرب الشاي . صارت الشقة مقهاي .
حين تجولت في الرابعة عصرا ، ذارعا أولا شارع النصر من غربه إلى شرقه ، وثانيا وسط المدينة ، لاحظت أن الإغلاق صار حبرا على ورق أو حروفا في الفيسبوك وصوتا في الإذاعات ( لم تعد عبارة حبرا على ورق مستساغة ، فلا حبر الآن ولا ورق ) . لقد فتحت المحلات كلها تقريبا أبوابها غير منقادة لقرارات المحافظ ونائبته ولجانه ، وثمة أصوات عديدة بدأت ترتفع تتساءل عما قدمته السلطة الفلسطينية منذ مجيئها في المجال الصحي . قبل مجيء السلطة ، كان هناك مشفيان حكوميان ، وظل المشفيان مشفيين ولم يرفدا بثالث ورابع ، مع أن سكان نابلس تضاعفوا مرتين ثلاثة .
هل تحدى المواطنون المحافظ وقراراته أم تحدوا الفايروس أم أنهم ملوا من الجلوس في البيوت وكثرة المشاكل وأوامر النسوة وضجيج الأبناء والأحفاد ؟
في ساعات النهار الطويلة تغدو وسائل التواصل الاجتماعي مخرجا وحلا ، وفيها تقرأ عن أخبار الانتخابات الفلسطينية وكواليسها والإشاعات التي تتداول . هل حقا شتم الرئيس الفلسطيني أعضاء اللجنة المركزية وهدد قسما منهم وقال لأحدهم إن شهادة الدكتوراه الخاصة به مزورة " وأنت اللي شهادتك الدكتوراه مزيفة " ؟ ( بدأت أصوات الاحتجاج على بقاء " أبو مازن " في السلطة ترتفع . من قال إن الفلسطينيين يختلفون عن العرب )
وأنا عائد من مخيم عسكر للاجئين إلى حي المساكن الشعبية الشرقية لاحظت ظاهرة جديدة تقريبا هي انتشار الأكشاك على جانبي الشارع الرئيس ، فالشباب يبحثون عن فرص عمل والأوضاع قاسية وصعبة : كورونا ودولة محتلة منذ تأسيسها صارت ، بفضل الانقسام وانقلاب حماس ، دولتين ، وأوضاع اقتصادية سيئة وبطالة وشباب بلا مستقبل و ... و ... وأنا أمشي وأمشي وأمشي . هل ظل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم " منتصب القامة مرفوع الهامة " يمشي ؟
أطرف ما في تلفزيون فلسطين أنه ما زال يبث أغاني الثورة الفلسطينية في زمن فتوتها " طول ما معاي سلاحي وبأيدي رشاشي بدي أظلي ماشي بدي أظلي ماشي " .
ما زبطت مع مدرب اتلاتيكو مدريد ( سيميوني ) فقد هزمه شيلسي الإنجليزي ، ومشى سيميوني وظل ماشيا .
صباح الخير
خربشات
١٨ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٤ : الضحك على الذقون و"هاي ذاني وهاي ذاني"

كان الجو أمس رماديا . كان بين بين ، كما لو أنه شتوي وربيعي معا . ثمة شمس تتدلع وغيوم قلقة تمشي أحيانا وأحيانا تستقر ، وثمة برودة تتسلل إلى العظام إن كنت أنت تخففت من ملابسك ، وكانت المدينة نسخة مطابقة لأجواء آذار الموصوفة ، فلا هي مغلقة ولا هي عادية ، والمحافظ الذي أصدر قرار الإغلاق سمح للمحلات أن تفتح أبوابها ، وهو ما قرأته في صفحة تتوسطها صورته ويصدر عنها كلام الإغلاق والفتح معا .
في امتداد شارع عمر المختار سأل صاحب متجر أحد معارفه المارين ممن لهم صلة بالإغلاق :
- هل يوجد إغلاق ؟
فأجاب المسؤول
- اعتبرني مش شايف .
وفي باب الساحة قرب مسجد النصر ، يصلي المصلون في الساحة ، فالصلاة في المساجد ممنوعة خوفا من تفشي الوباء ، والمؤذن حين ينتهي من رفع الأذان يردد العبارة :
- صلوا في رحالكم . صلوا في بيوتكم .
وأنا أشاهد المصلين يؤدون الصلاة قرب الجامع ، لا فيه ، أتساءل :
- بم أفرقت ؟
وأضيف :
- وقد تكون الصلاة في الساحة أكثر عرضة للإصابة بالكورونا .
" هاي ذاني وهاي ذاني " يقول الناس ، ويقولون أيضا " ضحك على الذقون " .
وأنا أصغي في الصباح إلى إذاعة " أجيال " أصغيت إلى وليد نصار - إن لم تخني الذاكرة - يأتي على قول ( جاريد كوشنر ) زوج ( ايفانكا ترامب ) عن طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي :
- إن الصراع ليس أكثر من صراع عقارات وسيتم في النهاية حله حين يتفق الطرفان على حل تجاري .
و ( كوشنر ) رجل أعمال يهودي يتاجر بالعقارات . هل عقب وليد نصار قائلا :
- إن ما يقوله ( كوشنر ) يعكس تفكيره ؟
كل إناء بما فيه ينضح ، و ( كوشنر ) تفكيره كله في العقارات ، وإن لم أنس فإن الأب الروحي المؤسس للصهيونية ( ثيودور هرتسل ) في روايته " أرض قديمة جديدة " ١٩٠٢ رأى أيضا أن المشروع الصهيوني في النهاية هو مشروع يجب أن تديره شركة .
في ساعة متأخرة أرسل إلي الدكتور
Abdallah Abu Eid
، وقد تزاملنا في جامعة النجاح وتصادقنا ، مقطع أغنية " بتروح لك مشوار " التي يغنيها وديع الصافي ، محورا بما يتناسب والكورونا :
" خليني بالبيت
قلتلها بطلت
بتروح لك مشوار
قلتلها يا ريت
قالت لكن في قرار
ممنوع الطلعة من الدار
كورونا من دار لدار
قلتلها بطلت
خليني بالبيت
قلتلها إن شاء الله بتهون
ما بيطلع غير المجنون
قالت لي ما عنا حل
خلينا بالحجر نضل
ليقولوا الكورونا فل
بنطلع برا البيت
قالت لي بطلت
خليني بالبيت "
وحسب الكلمات الجديدة للأغنية فأنا مجنون .
" الجنون فنون " يقولون ، وهناك من ربط بين الفن والجنون و .... وزغردي يا انشراح فقد وصل اللقاح و" اللي أجا أجا واللي راح راح " .
صباح الخير
خربشات
١٩ آذار ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ٢٥ : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه

كان الجو أمس الجمعة ربيعيا بامتياز ، والربيع على الأبواب .
لم يؤد إخوتي المؤمنون وأصدقاؤهم صلاة الجمعة في ساحة بيتنا ، واختاروا ساحة مدرسة من مدارس الحي ، وهكذا لم أستمع إلى خطبة الجمعة ( راحت عليك ) ، وعوض ذلك وجدتني أعيد قراءة قصتين كتبهما القاص
محمود شقير
في سبعينيات القرن العشرين هما " الوطن " و" التراب " من مجموعة " الولد الفلسطيني " لأنجز مقال الأحد - كلما استخدمت ، في هذه الأيام ، مفردة " أنجز " تذكرت عبد الرحمن أبو عوف في مسلسل " عمارة يعقوبيان " المأخوذ عن رواية علاء الأسواني :
"- إذا أردت أن تنجز فعليك بالوينجز " ،
و " الوينجز " نوع من أنواع الدخان كان يقدم في مصر ، في العهد الملكي ، رشوة لتسيير الأمور .
نهار الجمعة طويل جدا إن لم يكن لديك ما تشغل به نفسك أو إن لم تخرج لتتمشى ، وقد تسوء نفسيتك وتشعر بعدم الرضا إن اتصل بك عزيز لا ترغب في مكالمته تفاديا للمشاكل . ( السلطة والفصائل وحماس والفضول وإدارة الجامعة والجهل أفسدت العلاقات العائلية . أكرر الكتابة ) .
في المساء وأنا أقرأ ما اقترحه الصديق
خليل حمد
على صفحته مادة للنقاش حول الخروج من أزمة الكورونا في المناطق الفلسطينية : " الالتزام ، التطعيم ، الإغلاق " تذكرت بيتي الشاعر الجاهلي امريء القيس :
" بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له : لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا "
وها نحن نحاول ما أمكن أن ننجو ، وإلا فإننا سنعذر . هل امرؤ القيس ميت حقا ؟ كم حضر هذان البيتان في شعرنا المعاصر ! وكم كررناهما حتى صارا مكونا من مكونات شخصيتنا ! وحين ذهب المرحوم ياسر عرفات إلى البيت الأبيض ليوقع اتفاق أوسلو بكى محمود درويش بكاء امريء القيس وحاول عرفات ملكا ومات ، ولكنه لم يعذر . لقد مات بحلة قيصر المسمومة التي أهداها القيصر إلى امريء القيس - أعني مات عرفات مسموما .
أمس غابت عني ، وأنا أكتب ، روح الدعابة والسخرية وانتابتني حالة من الحزن . أمس تذكرت قابيل وهابيل وقوله تعالى ( إن أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ) والنعجة في كتاب الجاحظ " البخلاء " هي المرأة وفي أغنيتنا الفلسطينية يخاطب المغني زارعي السمسم بالآتي :
" يا زارعين السمسم
خلي السمسم ع أمه
واللي يعشق وما يوخد
لخلي القرد يلمه "
وفلسطين ، فيما أعرف ، تخلو من القرود الحقيقية ، إلا إذا كان كاتب الكلمات من أتباع ( داروين ) ، وهات حلها !
صباح الخير
خربشات
٢٠ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٦ : التناقض الرئيسي والتناقض الفرعي في زمن الفايروس

أمس قرأت على صفحة أحد الأصدقاء الافتراضيين فقرة يشتم فيها أبناء شعبنا ويصفهم بأنهم وصلوا إلى درجة من البلادة لا تتصور ، فهم لم يعودوا ، حين يستشهد فلسطيني ، يحركون ساكنا ، وصاروا يتناقلون الخبر - إن تناقلوه - كما لو أن شيئا لم يحدث .
وأنا فكرت بالأمر .
في الصباح غادرت الحي الذي أقطن فيه إلى وسط المدينة . كان الإغلاق شاملا ، فالمحلات مغلقة وحتى سوق الخضار الشرقي كان شبه مهجور . عربات بيع الخضار قليلة وليس هناك حركة نشطة ، وكانت الفراولة أكثر المعروضات :
- بسبعة شواكل الكيلو .
كان أصحاب العربات ينادون على الفراولة الناضجة ، وكان لونها مثل لون الدم الأحمر القاني .
منذ منتصف النهار شددت الشرطة العسكرية على حركة السيارات ، وحين عدت في الرابعة كانت الشرطة توقف سيارات العمومي وتسأل سواقيها عن سبب تحركهم :
- لماذا تسوق وأنت تعرف أن هناك إغلاقا ؟
والسائق يكاد يحتار ولا يجيب ، لولا أن الشرطي ينقذه :
- أم معك طلب ؟
ويجيب السائق بنعم وهكذا يتركه الشرطي وشأنه . شرطتنا تتسامح مع شعبنا وتيسر له أموره ، ولو حاول شرطي التشديد فإن السائق سيبرز فورا هويته العسكرية لكي لا يخالف من زميله العسكري . هكذا عرفت ولا أقول ( تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) .
ما الذي دفع الصديق الافتراضي إلى شتم شعبنا ونعته بالبلادة ؟
أول أمس ، يوم الجمعة ، استشهد المواطن عاطف حنايشة من قرية بيت دجن شرق نابلس ، في أثناء مشاركته في مظاهرة احتجاج ضد الاستيطان . كانت الرصاصة في مكان قاتل وفقد ابن الخامسة والأربعين عاما بلحظة الحياة .
هل نحن حقا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من البلادة أم أنه غاب عن ذهن الصديق الافتراضي أن صراعنا الرئيس الآن هو مع الفايروس لا مع الاحتلال ؟
وشر البلية ما يضحك ، فقد عدت بذاكرتي إلى أدبياتنا في سبعينيات القرن العشرين ، وإلى روايتي الكاتبة النابلسية الأردنية سحر خليفة " الصبار " و " عباد الشمس " وتنظيرات أبطالها اليساريين حول التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي ، ولطالما كرر هؤلاء مقولة الصراع الرئيسي والصراع الثانوي :
" التناقض الرئيسي في زمن الاحتلال هو مع الاحتلال وأما التناقض الطبقي فهو تناقض ثانوي " .
والآن في زمن الكورونا صار التناقض مع الاحتلال تناقضا ثانويا ، لأن التناقض الرئيس هو مع الكورونا .
هل كان التناقض بين فتح وحماس حقا تناقضا ثانويا وتناقضهما مع الاحتلال تناقضا رئيسيا ؟
صباح الخير
خربشات
٢١ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٧ : نابلس تتنفس

كان الجو أمس يغري بالتجول ، وقد تجول أهل المدينة في أسواقها التي ازدهرت بعد بيات كوروني استمر أسبوعين تقريبا .
ازدهرت الأسواق فباع التجار واشترى المواطنون ، وكاد الجميع ينسى الوباء ، وإن لازم الخوف قسما منهم ، متحسبين من آثار الاكتظاظ ، وقد تأتينا الأخبار غدا بما لم نزود .
الصديق
Khaleel Adnan
أرسل إلي شريط فيديو يظهر فيه الرئيس أبو مازن وهو يتلقح ، وكان الملك عبدالله الثاني تلقح قبل شهر تقريبا ، تماما كما كان " أبو يائير / نتنياهو " تلقح ، وثلاثتهم صورهم الصحفيون وهم يتلقحون وعمموا الصور ، فالقادة قدوة لشعوبهم حتى تتشجع ولا تظن باللقاح سوءا ، وكان قسم من المواطنين ارتاب في أمره فردد:
- يجرب اللقاح على المسؤولين أولا ، فإن كان مفيدا تلقحنا ، وإن كان مؤذيا تخلصنا منهم .
ولم يفطن هؤلاء إلى إمكانية اختلاف النوع والنوعية . ( حال المسؤولين مع الشعب ينطبق عليه المثلان " احترنا يا قرعة من وين نبوسك " و " لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير " فالمسؤولون " مش خالصين " تلقحوا أم لم يتلقحوا ) .
ليس بعيدا عن سوء الظن بالسياسيين ما أرسله إلي الدكتور
Abdallah Abu Eid
عن صفحة " Ziad Fahmi Hammouri " :
" السياسيون مثل القرود ، إذا تعاركوا أفسدوا الزرع ، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول " وأسفل المقولة مبنى مجلس شعب تشغل القرود كراسيه .
كان قسم من الأطفال الزعران إذا استثنوا من اللعب يكررون عبارة " لعيبها خريبها " أي إما أن ألعب أو أخرب اللعبة.
الحديث عن اللقاح ، من خلال الأشرطة ، كان أمس الأكثر حضورا ، ففي المساء أرسل إلي الصديقان
Ziad Ameireh
و
Musaddaq Masri
شريطا يتحدث فيه رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية ، ويقول إن السلطة الفلسطينية لقحت مائة وخمسة آلاف عامل فلسطيني يعملون في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨
لم يتطابق الشريطان
كليا ؛ فأحدهما تحدث فيه المنسق الإسرائيلي أولا وقال إن دولة إسرائيل هي التي لقحت العمال ، ثم تحدث الدكتور اشتية ثانيا وقال إن السلطة هي من فعل ذلك . وفي ثانيهما تحدث الدكتور اشتية فقط ، وبعد انتهائه تم تركيب أغنية " كذاب ، كذاب ، والله العظيم كذاب " ، وأما أنا فكتبت للصديقين إن الدكتور لم يكذب ، فحال السلطة الفلسطينية والاحتلال واحد ، وكنت في
" ذاكرة أمس ٢٦ "
كتبت عن التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي في زمن الكورونا . في زمنها يصبح التناقض مع الاحتلال ثانويا ، لأن التناقض الرئيسي معها ، ولم أفطن أمس إلى أن الشاعر محمود درويش فكر في هذا وكتبه في قصيدة " سيناريو جاهز " . الكورونا ، في القصيدة ، هي الأفعى ، والشعبان الفلسطيني واليهودي في حفرة تنقض الأفعى عليهما .
السياسيون مثل القرود ، وأحيانا قد يكون بعض معارفك أو .... إلخ مثل القرود " إذا تعاركوا أفسدوا الزرع ، وإن تصالحوا أكلوا المحصول " و " لعيبها خريبها " ، وأمس كان الجو جميلا ، وكان الناس يشترون الهدايا للاحتفال بعيد " ست الحبايب " - أي عيد الأم .
هل الإخوة وزملاء العمل مثل السياسيين ؟ وهل لسان حالهم " لعيبها خريبها " ؟ .
الله المستعان به !!
صباح الخير
خربشات
٢٢ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٨ : زعران السجن والحكاية التي لا يملون من سماعها

أمس كان الجو رماديا ، فلا هو بالجو الربيعي ، وقد دخلنا في فصل الربيع ، ولا هو بالجو الشتوي . كان الجو أمس " بين بين " ، ولم تكن توقعات الراصد الجوي دقيقة تماما ، والراصد غالبا ما ينهي حديثه بترداد العبارة " والله سبحانه وتعالى أعلم " خوفا من أن يتمسخر الناس عليه إن لم تصح توقعاته ، فالناس في بلادي - العبارة أعتقد للشاعر المصري صلاح عبد الصبور - تنتظر بفرح وتشف خطأ توقعات الراصد الجوي ، لتعزز قناعاتها الدينية القائلة إنه " لا يعلم الغيب إلا الله " و " كذب المنجمون ولو صدقوا وصحت توقعاتهم " .
الجو الرمادي لم يشجعني على التسكع طويلا في الشوارع ، وسرعان ما ذهبت إلى شقتي / مكتبي لأدقق طبعة جديدة من رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز " تبرعا مجانيا خدمة للثقافة الفلسطينية وإحياء لجهود الرواد والمؤسسين لفن الرواية الفلسطينية ، وحسنا فعلت إذ أصررت على ألا يدفع
Fuad Akleek
الرواية إلى المطبعة قبل أن أدققها ، فأنا من كتب مقالة عن الرواية لتكون تصديرا لها .
هل يمل القراء من كتابتي عن الكورونا ومن وصف الأجواء يوما يوما ؟
وأنا أقرأ قصة " الوطن " ١٩٧٧ للقاص
محمود شقير
توقفت أمام زعران السجن والسجين السياسي ، فهؤلاء الذين حل عليهم طاريء جديد يريدون أن يتسلوا بالحكايات ، ومن هنا طلبوا منه أن يحكي لهم حكاية تسليهم .
يرغب السجين الجديد أن يحكي عن الحكام الذين يظلمون رعاياهم ، فلا يرغب السجناء في الإصغاء . الحكاية مملة . ويرغب في أن يتحدث عن الجوع ، فيعترضون لأنهم يعيشون الجوع يوميا ومنذ زمن ، فيقترح أن يحكي لهم عن زوجة التاجر التي هربت مع عشيقها سائس الخيول ، وهنا " هلل الزعران وقالوا : نعم ، حكاية نعرفها ولا نمل سماعها . وظللت أقص هذه الحكاية على امتداد ليالي السجن الطويلة " .
هل زعران السجن هم فقط من لا يمل الحديث عن التاجر وزوجته و عشيقها ؟
إن كانت الإجابة بنعم فإن أكثر أبناء شعبنا لا يختلفون عن زعران السجن من أصغر جندي حتى .... " وفي فمي ماء ، وأنا لا أقوى على ترداد جملة قالها بعض أبناء مخيماتنا في سلطتنا ؛ جملة لا يليق صدورها مني فلأجعلها إذن " سلطتنا سلطة محترمين من الجندي للرئيس " .
مل الناس من الحديث عن الكورونا واللقاح والإغلاق ولا بد من " نثر إلاهي لينتصر الرسول " والعبارة لمحمود درويش من قصيدته " قافية من أجل المعلقات " ، ولكي لا أظلم أبناء شعبنا ، فإن كثيرين من الكتاب والقراء العرب ملوا من الكتابة والقراءة عن النكبة والهزيمة والاحتلال والفدائي وصورته في الرواية العربية ، وصاروا مثل زعران السجن يريدون حكاية لا تمل . ألهذا صارت الكتابة عن اليهود منتشرة بين الكتاب العرب ؟!
في المساء التقيت برمضان ابن مخيمي ، وهو يعمل في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ ، وسألته عن التطعيم والجهة التي أنجزته ، فأجابني بما لا يرضي الدكتور محمد اشتية رئيس وزرائنا الذي أعلن في مؤتمر صحفي أن السلطة الفلسطينية هي من لقحت مائة ألف عامل يعملون في فلسطين المحتلة - أي إسرائيل .
هل ثمة في الخفاء شيء لا نعرفه نحن عامة الشعب ويعرفه المسؤولون ؟ هذا ممكن .
في أمثالنا مثل يقول " بنحب الكبرة ولو على خازوق " وفيها أيضا المثل " عريان وبضرط لحف " إلا إذا دفعت السلطة ثمن اللقاحات ل ( شايلوك ) وهنا أعتذر .
خربشات
صباح الخير
٢٣ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٢٩ : من غرامة عدم وضع الكمامة إلى رسم شهادة التطعيم

كان الجو أمس خماسينيا ، وإذا كان لا بد من تشبيه لحالته فقد كان مثل الطعام الدلع . كان بين بين . بين المالح والحلو ، فلا هو مالح ولا هو حلو . إنه جو يولد حالة من الكآبة ويفضل فيه أن يجلس المرء في البيت ، ولكن ماذا تفعل في البيت أربعا وعشرين ساعة ؟
المرحلة الأولى من التطعيم في مناطق السلطة الفلسطينية بدأت ، وبدأ التطعيم لكبار السن ولذوي الأمراض المزمنة وصارت مديرية الصحة تتصل بهؤلاء ، كما كتب الصديق
Suleiman A Fayoumi
على صفحته ، وصارت الجهات المسؤولة تفرض رسما مقداره ٢٠ شيكلا - حوالي ٦ دولارات - على من يرغب في الحصول على شهادة تطعيم ، كما كتب الصديق
Khaleel Adnan
على صفحته ، وهذه الرسوم لم يرق فرضها للمواطنين . الدول صارت مثل المنشار " على الجهتين تأكل / تنشر / تأخذ النقود " - بالعامية الفلسطينية " على الطالع وعلى النازل " وتجربة الفلسطينيين على الحدود مع الأردن صارت موضع تندر ، لكثرة الضرائب المفروضة على جانبي النهر لصالح ثلاث دول ؛ الإسرائيلية والأردنية والدولة الفلسطينية اللفظية .
وما صار أيضا موضع تندر هو سعر اللقاح وفعاليته ؛ هناك لقاح وهناك لقاح و ... وبالإضافة إلى سعر اللقاح ونوعه كثر الحديث عن حرية المواطن في أخذه وعدم أخذه .
الصديق الروائي جمال أبو غيدا أرسل إلي شريط فيديو لمقطع من مسلسل تاريخي يأتي على قائد يخاطب جماهيره عما سيفعله مع خصومه . المقطع اختير له عنوان " عقوبة اللي رافضين التلقيح " والقائد التاريخي يقول جادا وعلى ملامح وجهه " كشرة عبس وتولى " :
" ولا ننكح إليهم ، ولا ننكحهم ، ولا نبيعهم شيئا ، ولا نبتاع منهم ، ولا ندع سببا من أسباب الرزق يصل إليهم ، ولا نقبل منهم صلحا ، ولا تأخذنا بهم رأفة ، ولا نخالطهم ، ولا نكلمهم ، ولا نجالسهم ، ولا ندخل بيوتهم " ، وكان الدكتور
Abdallah Abu Eid
أرسل إلي شريط فيديو ، بثه راديو المحبة ، لشرطي يحمل عصا غليظة يضرب فيها كل من لا يضع الكمامة .( الأستاذ
Samir Alqot
الفلسطيني الذي أشرفت على رسالته الماجستير في جامعة النجاح الوطنية والمقيم الآن في أميركا أخبرني أنه سيتطعم حتى لا يخسر وظيفته ، فقد تفصل المؤسسات من يرفض التطعيم بحجة تهديد سلامة الآخرين في المؤسسة ؛ الجامعة أو المدرسة أو ... . )
هل الأمر خطير ؟
الألمان لا يلعبون . هكذا أرى ، فهم جادون ، والمستشارة السابقة ( انجيلا ميركل ) تقف على الدور مثل أي مواطن لتتلقح ، وآخر أخبار ألمانيا أمس أن السلطات فيها قررت تمديد الإغلاق لفترة جديدة تتجاوز ال ٢٨ من آذار الحالي وقد يتم فرض حظر تجول نتيجة لتطور الفايروس .
هل اللقاح وعدمه سواء ؟! وهل سنعود من جديد إلى سياسة القطيع ؟
الروائي الأردني
هاشم غرايبه
عرض صورة لقطيع أغنام يسير في شارع مسفلت ولا تضع الخرفان فيه كمامات . هل ستفرض غرامات على كل خروف ؟ وأنا عقبت :
- إنها سياسة القطيع . إنها تتصرف ببداهة .
لا عاصم إلا الله ولا بد من سفينة نوح ، ويخيل إلي أنني لن أركب سفينة اللقاح ، وسأكرر كلام ابن نوح في قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل " مقابلة خاصة مع ابن نوح " :
" قال لا للسفينة
وأحب الوطن " .
صباح الخير
خربشات
٢٤ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣٠ : " دير قفاك للدبابير وقول تدابير "

كان الجو أمس باردا ، فالشمس حجبتها الغيوم التي بخلت بأمطار هطلت ولكنها لم تكن مدرارة .
في شارع النصر من البلدة القديمة ، وأنا أسير مع الدكتور
خليل قطناني
، قال أحد المارة على مسامعنا ، كأنه يخاطبنا :
- الناس مستخفة بالموضوع .
وأضاف :
- اليوم ماتت في رام الله امرأة ومات زوجها بعد نصف ساعة .
ولم أعد أتذكر السبب الذي دفعه لأن يقول ما قال .
في ساعات المساء زرت وأخي ابن خالتي المصاب بالكورونا ، فحدثنا عما يحدث في المستشفى الوطني والعربي التخصصي حيث أنفق أربعة أيام . مدح أبو صالح جهود الأطباء والممرضين وقال إنهم يقومون بعمل بطولي ، فهم يضحون بأنفسهم ولا يقتصر عملهم على العلاج والتمريض . إنهم يحرصون على نظافة المستشفى ويعملون كخلية نحل .
سألت " أبو صالح " عن سبب خروجه بعد أربعة أيام ، فأخبرني أن أعداد المرضى في ازدياد والأسرة كلها مشغولة ، وذكر أنما تتقاضاه المستشفيات الخاصة من أجور خيالي .
عندما سألت عن خالتي ، وهي في الرابعة والثمانين من عمرها ، أجابني بأنه طلب منها الابتعاد ، حرصا على سلامتها ، وحين ترددت ذكرها بالمثل الشعبي الذي يكرره الناس في من يعرض نفسه للمخاطر ويعزو النتيجة إلى القدر :
" دير طيزك للدبابير وقول تقادير " .
وفي حالة زيارة المصاب بالكورونا فلا بد من العمل بالمثل " الزيارة غارة " .
كنت أمس قررت أن أكتب تحت عنوان " سهرة مع أبو إبراهيم " وابو إبراهيم هو الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء ، فقد كان حضوره في العام الأخير لافتا وموضع إعجاب من أطراف وسخرية وتندر من أطراف .
في الكتابة عن " أبو إبراهيم " من قبل أوردت كلمات ما غنته امرأة " يا اشتية شوية شوية عالشعب يا عيني " وكتبت عما قاله في مؤتمر صحفي حين عزا أمر تلقيح مائة ألف عامل فلسطيني إلى السلطة الفلسطينية ، لا إلى الدولة العبرية ، ولأنني لا أعرف الدكتور عن قرب ، إذ التقيت به مرات قليلة جدا ، منها مرة في جريدة " الشعب " في العام ١٩٨٦ ، فقد قررت أن أعود إلى مجموعته القصصية الوحيدة " إكليل من شوك " لأعرف نفسيته من قصصه ، متتبعا خطى العقاد في دراسته الشاعر العباسي ابن الرومي " حياته من شعره " . هل تكفي مجموعة قصصية واحدة لدراسة نفسية صاحبها من خلال قصصها ؟
أمس أعدت قراءة قصتين من قصص أبو ابراهيم لأفهم السبب الذي حدا به إلى قول ما قال عن اللقاح . أعدت قراءة قصة " الممكن واللا ممكن " وقصة " الموز الأعوج " . واكتشفت أن " أبو إبراهيم " مش قليل ، ولولا خوفي من أن يزج بي في السجن لأفصحت وأبنت ، ورؤساء وزرائنا " مش قليلين " . إنهم أبناء هذا الشعب العظيم ؛ شعب الجبارين ، وروحهم روح هذا الشعب ، حتى ( بنيامين نتنياهو / أبو يائير ) حلت فيه روح شعبنا فصار يخاطب الجمهور العربي بما يطرب له العرب . صار أبو يائير صاحب نكتة وخفيف ظل وصار ينعت نفسه ، حين يتكلم مع الجمهور العربي ب " أبو يائير " .
يبدو أنني في قادم الأيام سأكتب ، ولو قليلا ، تحت عنوان " سهرة مع " أبو إبراهيم " " ، مستوحيا من قصصه بعض مواقفه .
قصة أبو إبراهيم " الموز الأعوج " قصة طريفة وأعتقد أنه اعتمادا عليها يجب أن نقرأ بعض خطاباته .
صباح الخير
خربشات
٢٥ آذار ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣١ : "لله يا محسنين" مع رمضان من كل عام تتجدد الحكاية :

" لله يا محسنين ومن مال الله "
ويكثر المتسولون في شوارع المدينة .
رفضت عشائر الخليل وحزب التحرير قانون الضمان الاجتماعي وأفشلوه مفضلين ما تقوم به التكايا وما يتبرع به المحسنون .
في مدينة نابلس ما يقارب المائة متسول على الأقل ، وهناك من يهمسون في الأذن ، وفيها بعض التكايا والجمعيات الخيرية ، والله أعلم من يستحق المال منهم ومن يأخذه استكسابا .
لا يحل المشكلة إلا الملفات في وزارة الشؤون الاجتماعية وفي البلدية وفي مصلحة الضرائب . يعني لا يحل المشكلة إلا السلطة الفلسطينية وأذرعها وتأسيس صندوق الضمان الاجتماعي ، أو أن نأخذ بما فعله أنا المتكلم في قصة نصري حجاج - يعني ليتخلص المواطن من أبنائه وبناته وزوجته ذبحا وخنقا ، فيوفر على الحكومة ويصبح مواطنا صالحا أدى خدمات جليلة حين أراح الحكومة من ثقل الديون الخارجية .
لا أعرف مقدار الديون الخارجية على سلطتنا العتيدة ، ومرة قرأت أن كل مواطن أردني يولد مدينا بأربعين ألف دينار أو قريبا من هذا الرقم . ( شدي حيلك يا مقاطعة وساعدي من يساعدونك لاكتشاف القنبلة النووية و " اللي بطلعلك بعين لازم تتطلعيله بعينتين " ) .
كنت أتجول أمس في شوارع البلدة القديمة العامرة بالمخللات والفلافل والكبة والحمص والعوامة وأصابع زينب والعصائر والتمر هندي و ... و .. والنعنع والبقدونس والجرجير والفجل والمواطنين والسيارات .
أمس تذكرت مقولة لعمر بن الخطاب ، درسناها ونحن ندرس " عبقرية عمر " للعقاد ، نصها :
" لو استقبلت من عمري ما استدبرت لأخذت من أموال الأغنياء وأعطيت الفقراء " ، وهذا السلوك لا تقدر عليه إلا الحكومة ، فإن لم تفعله فما على المواطنين إلا أن يحبوها على طريقة شخصية قصة
Nasri Hajjaj
، أو ، في زمن الكورونا ، أن لا يضعوا الكمامة وأن يتقاربوا اجتماعيا ويحيوا حفلات الإفطار الجماعي وتعود الأعراس لتحيا في الصالات وتقام الولائم والحفلات في ليالي رمضان الملاح .
مواطن نصري حجاج الذي يحب الحكومة كان في تفكيره أسبق من ( بيل غيتس ) وفايروس كوفيد ١٩ معا ، والحكومة أحبته ورأت فيه مواطنا صالحا ، ف " البلاد إذا سمنت وارمة " على رأي مظفر النواب .
صباح الخير
خربشات
١٦ نيسان ٢٠٢١ .

****

- ذاكرة أمس ٣٢ : رمضان ولى هاتها يا ساقي

لا أدري لماذا خطر ببالي قول أحمد شوقي أمير الشعراء - إن كان في الشعر إمارة :
" رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق "
وأنا لا أشرب الخمر ، لا في رمضان ولا في غير رمضان . ورمضان ما زال في أوله .
أمس كان الناس ، حتى ساعة متأخرة ، نياما ، وأنا أصحو مبكرا .
كان علي أمس أن أنظف الساحة من روث الحمام ولم يكن ساخنا ، فيسهل التنظيف .
ماذا أفعل طيلة النهار ؟
أخذت أكتب مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية عن مجموعة محمود شقير الأخيرة " حليب الضحى " ولم أنهه بعد . وفكرت أن أكتب عن رواية محمد علي طه الأخيرة " نوار العلت " وعن مرايا الذات والآخر فيها ثم أجلت الكتابة . هل أتى الكاتب بجديد أم أنه يصح أن أقول " ما أرانا نقول إلا معادا مكرورا " ؟ وأنا أيضا صرت أكرر .
كان الجو أمس ربيعيا بامتياز حتى إنني تمددت في الشرفة لساعات أمارس الكسل وأتزود بفيتامين D لعله يؤدي وظيفة مهمة في مقاومة الكورونا ، وآخر ما وصل من أخبار اللقاح لا يطمئن ، فشركة ( فايزر ) تقول إنه لا بد من جرعة ثالثة ، بل وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فترى أن اللقاح يجب أن يعطى سنويا إن لم يكن كل ستة أشهر ، والشركات تريد أن تربح .
مرة صرخ مظفر النواب :
" ما أوسخ ما صنع النفط العربي بنا "
وما أوسخ ما تفعله الشركات التجارية الرأسمالية بالعالم . " فئران تركب فئرانا " والقول أيضا لمظفر النواب .
أمس شغلتني فكرة " بشار الأسد أو لا بلد " فكتبت خاطرة سريعة عن تمديد عقد رئيس جامعة النجاح الوطنية على الرغم من بلوغه سن التقاعد من عام ونصف و " اللي بدخل جيبي حلال واللي بدخل جيب غيري حرام " والفلسطينيون ليسوا في عالمهم العربي استثناء ،
" فنحن أناس لا توسط بيننا
لنا " الكرسي " دون العالمين أو القبر " .
و
" ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت
مليحة عاشقاها السل والجرب " .
كان ( هونيكر ) رئيس ألمانيا الشرقية مريضا ورقد ستة أشهر في المشفى ، وظل يدير شؤون الدولة حتى أوشكت على الانهيار ولم يتدارك الأمر ، وحين نحي وانتخب خليفته " خش السبت في ... اليهود " وانهارت الدولة ، ورئيس جامعة النجاح ، والحمد لله ، بصحة جيدة جدا .
لا جديد . إنها خربشات . مجرد خربشات .
صباح الخير
١٧ نيسان ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ٣٣ : المسجد الأقصى أجئت تزوره؟

تاريخ الإنشاء السبت في 11:25 مساء

أمس قرأت في صفحة " روايات وليد الهودلي
" كتابة عن المسجد الأقصى وزيارته ، للصلاة فيه ، في الجمعة الأولى من رمضان ، حيث تشدد إسرائيل الإجراءات الأمنية وتحد من تنقل الفلسطينيين وتمنعهم من الوصول إلى الأقصى .
الكاتب يقتبس فقرة عن قاض طلب منه أن يحكم في خصومة حول طفل بين امرأتين ؛ واحدة ولدت وثانية ادعت .
أراد القاضي اختبارهما لمعرفة الأم ، فطلب منهما أن تمسكا بالطفل كل من جهتها لتأخذه . الأم البيولوجية أمسكت والمدعية رفضت ، فحكم القاضي للتي ولدت ، باعتبارها الأحق .
والحكاية ليست كذلك .
القصة تعود إلى سيدنا سليمان الذي حكم للأم التي ربت لا التي ولدت ، فالأولى خافت على الطفل أن يمس ، من الشد ، بسوء ، وهذا الحرص افتقدته الأم التي أنجبت .
الكاتب الألماني ( برتولد بريخت ) وظف القصة في مسرحيته " دائرة الطباشير القوقازية " ليقول إن الأرض لمن يدافع عنها ، لا لمن يرثها ، وقد أفاد غسان كنفاني في روايته " عائد إلى حيفا " من المسرحية .
لمن فلسطين ؟ وفي مقال صفحة " روايات وليد الهودلي " لمن القدس ؟
كاتب المقال يقول إننا أصحاب المدينة والاسرائي ليون مغتصبون - يعني نحن الأم التي ولدت لا التي ربت ، وأنا عقبت على الكتابة برأي مختلف .
حتى لو كان اليهود أسبق في القدس منا ،
وكان هيكلهم تحت المسجد الأقصى ، فإننا نحن من عاش على هذه الأرض منذ ١٥ قرنا ، ونحن من دافع عنها في زمن الغزو الصليبي ، وأما هم فقد تركوها كما تركت الأم التي ولدت ابنها . نحن الأم التي رعت وبنت وأحيت وحافظت على المباني وما زالت متمسكة فيها رافضة تركها .
الولد لمن يربيه لا لمن يبذره ويتخلى عنه ، والقدس لسكانها المقدسيين ولأحفاد صلاح الدين الأيوبي الذي حررها بعد ٩١ عاما من وقوعها في الأسر الصليبي . أين كان أصحاب الهيكل يومها ؟
في العام ١٩٣٧ زار أمير سعودي مدينة نابلس وتوجه منها إلى القدس ليزورها ويصلي في الأقصى ، فخاطبه الشاعر عبد الرحيم محمود قائلا :
" يا ذا الأمير ! أمام عينك شاعر
ضمت على الشكوى المريرة أضلعه
المسجد الأقصى أجئت تزوره
أم جئت من قبل الضياع تودعه ؟ "
والمقدسيون منذ ١٩٦٧ وهم قابضون على الجمر ، متمسكون ببيوتهم ومساجدهم وكنائسهم . إنهم الأم التي رعت والقدس من حقهم والوصاية عليها لهم وللشعب الفلسطيني أولا وأخيرا .
لوليد الهودلي رواية عنوانها " فرحة " وفرحة هي أم الأسيرين عمر ونائل البرغوثي ، وهي امرأة مناضلة . كلما زارت ابنيها في السجن نطق السجان الإسرائيلي اسمها " فرخة " لا فرحة ، لصعوبة نطق اليهود الغربيين حرف الحاء ، حيث يلفظونه خاء ، وكانت هي تجيبه :
- فرخة ولكن أنجبت ديوكا .
وأمس كان يوم الأسير الفلسطيني وذكرى اغتيال " أبو جهاد " خليل الوزير .
في خلاف الإخوة حول بيت العائلة تجدهم جميعهم يريدونه لأبنائهم ، فمن الأجدر باستحقاقه منهم ؟ الذي يهمله ويجعله مزبلة أم الذي يرعاه ؟
وكلهم ورثة .
صباح الخير
خربشات
١٨ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣٤ : شارع النصر ، ولا نصر

يمتد شارع النصر في مدينة نابلس من البوابة الغربية للبلدة القديمة إلى السوق الشرقي ، مارا بجامع النصر وباب الساحة ، وغالبا ما يكون في ساعات العصر والمغرب هادئا وخاليا من الحركة النشطة ، وفي العام الحالي خسر أحد أبرز شخصياته ، وهو أبو شريف منى بائع الخبز الذي اعتدت على رؤيته ومرحبته منذ أربعين عاما ، وفقد الشارع أيضا نشاط مقهى البرلمان لفترة ، فأبو الروح أصيب بمرض في عينه ، وعرفت مؤخرا أن قدمه مصابة بكسور . هل يمكن تخيل شارع النصر دون أبو شريف وأبو الروح وحلويات الأقصى ؟ لطالما جلست في مقهى البرلمان ودونت ما كان يجري فيه من حديث في صفحتي القديمتين ( عادل الاسطة
Adel Mustafa Osta
و
Adel Osta
Adel ) و
الحمد لله أن " أبو ناجح " ما زال موجودا وما زال ، في غير رمضان ، يؤرجل .
في رمضان ، في ساعات المساء ، يبدو شارع النصر مختلفا حقا . يبدو أكثر شوارع المدينة حيوية وحركة . بيع وشراء ومخللات وعوامة وأصابع زينب ومدلوقة وكنافة وعصائر وجبنة و ... واللافت في نابلس في الفترة الأخيرة هو إعداد الكنافة وصناعتها على الفحم ، وفي رمضان يشتهي الصائمون ما هب ودب ويفكرون في الطعام أكثر مما يفكرون في دينهم ودنياهم .
ما اللافت أيضا ؟
اللافت أيضا هو أن رمضان انتصر على الوباء ، فقد تراجع الحديث عن الكورونا واللقاح وأسلمنا أمرنا لله ، ودائما نسلم أنفسنا لله وفي رمضان نسلم ونستسلم ، ونحن صرنا مستسلمين لكل شيء ، والحمد لله ، وأقررنا برضا على الجلوس على الخازوق ، فالبدائل جربت من قبل مرارا ، وكلما خرجنا من نفق دخلنا في آخر ، ولم تصدق نبوءة الشاعر المرحوم علي الخليلي صاحب رواية " المفاتيح تدور في الأقفال " و " ضوء في النفق الطويل " . ( لم تعد مفاتيح بيوت الفلسطينيين التي احتفظ اللاجئون بها منذ النكبة صالحة ، فقد غير اليهود الأبواب وهدموا القرى وكثيرا من مباني المدن )
ماذا قال محمود درويش ؟
" ولكني سوف أواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل " ، وأنا أواصل ذرع شارع النصر على عجل ولو أن معارفي فيه صارت أقل .
أمس عصرا كتبت عن رواية وليد الهودلي " فرحة " كتابة شبه رصينة ، فعقب الصديق
Nasri Hajjaj
طالبا مني أن أراعي أن الناس صائمون ويحتاجون إلى كتابة خفيفة مرحة على غرار ما يقدمه تلفزيون فلسطين : ثلج وبرد وشمس وريح - يعني دبكة وغناء ورقص و ... وانتهت مباراة ريال مدريد وخيتافي بالتعادل السلبي وهذا لصالح اتلاتيكو مدريد وبرشلونة .
صباح الخير
خربشات
١٩ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣٥ : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}

( كتب عليكم الصيام ) ولم يقل سبحانه وتعالى " فرض عليكم الصيام " ، وقد استمعت مؤخرا إلى شريط لأحد إخواننا في المغرب العربي يجتهد فيه في تفسير الآية ، ويجتهد أيضا في تفسير " فليصمه " ، ولم يعجبني اجتهاده حين ذهب إلى أن الفعل فعل مضارع لا فعل أمر ، فاللام لام الأمر ، وما أعجبني أكثر هو الآية " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " ، وكلما التقيت بأحد معارفي مدح أخلاقي الحميدة قائلا :
- ولكن لو ... .
وهناك من يصلي ويصوم ويكذب ويأكل الحقوق ويسرق وما أكثر هؤلاء وأمس أدرجت من صفحة
سامر خويرة
صورة حول هذا . نعم يصلون ويصومون ويأكلون الحرام علنا و ... و ... وأمس كنت أسير في شوارع البلدة القديمة في الثانية عشرة ظهرا وكانت شبه خاوية .
الحركة في نابلس تنشط بعد الظهيرة ويبدو أن الخروج من البيت قبل هذا الوقت من باب العبث ، بخاصة أن الأجواء حارة جدا ، وهي كذلك حتى هذه اللحظة .
وأنا أمر بالمقاهي أراها مغلفة أبوابها إلا ما ندر . بعض أصحابها يبيعون العصائر ولكن لا يسمحون للرواد بالجلوس . ماذا لو صارت المقاهي في رمضان نهارا مثل مواقف السيارات ، تركن السيارة ساعات مقابل خمسة شواكل أو أكثر ؟ لماذا لا تسمح المقاهي لروادها بالجلوس دون أن يشربوا شيئا ، على أن يدفعوا ثمن الجلوس ؟
إن لم يكن لك صديق ، أو أخ له محل ، فما عليك إلا أن تجلس في البيت ولا تغادره إلا لقضاء حاجة ، وتعود إليه ، فالأماكن والساحات في نابلس قليلة : باب الساحة والدوار ، ومؤخرا رممت بلدية نابلس ساحة في شارع النصر لا يجلس فيها نهارا أحد .
أمس تحادثت مع صديق من الأمن الوقائي وأبديت استعدادي لاستقبال أفراد منهم في بيتي ليفتشوا عن القنبلة النووية التي ورثتها من الرئيس صدام حسين ، فقد أودعها أمانة عندي حتى ينتهي الغزو الأميركي ، ولا ضرورة لتفتيش بيتي في غيابي والشهر شهر صيام .
" لا تقول عيب لمن لا يعرف العيب " يقول المثل الشعبي الفلسطيني ، ومهما جادلنا الصهيونيين بحقوقنا فلن تسمع سماواتهم ، لأنهم لا يقرون لنا بحقوق ، ولا تصارع الثور في الطين .
أكثر ما يؤسف له أن يكون حامل دكتوراه وزيرا للداخلية ، فكيف اذا كان رئيس جامعة ؟
من المؤكد أنه سيفتش بيوت زملائه وقد يفتش بيته أيضا ، وفي النهاية سيجد نفسه يقرأ قصيدة " المخبر " لبدر شاكر السياب ، ولسوف يتوحد مع أنا المتكلم فيها :
" أنا ما تشاء : أنا الحقير
صباغ أحذية الغزاة ، وبائع الدم والضمير
للظالمين أنا الغراب
يقتات من جثث الفراخ : أنا الدمار ، أنا الخراب !
شفة البغي أعف من قلبي ... "
و
" ساء المصير :
لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير " .
يصلون ويصومون ويكذبون وينصبون ويأكلون الحقوق ويتجسسون ويدخلون البيوت في غياب أصحابها و " إنها لثورة حتى النصر " .
لم أشاهد الليلة مباريات وربما لهذا كانت الكتابة كابوسية كافكاوية ماغوطية نوابية .
ولطالما صرخ الفلسطينيون " دبرها يا مستر دل ، بركن على إيدك تنحل " .
" ما فيش فايدة " .
غدا سأكتب عن مباني المقاطعة الجديدة والقشلة العثمانية والعمارة الانتدابية الأردنية الإسرائيلية بوحي من رواية الحبيب السايح الكاتب الجزائري " أنا وحاييم " وتلك الأيام نداولها بين الناس .
صباح الخير
خربشات
٢٠ نيسان ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ٣٦ : مثل سيارة خربة

كلما كبرنا عاما احتجنا إلى قطع غيار . نحن ، كبار السن ، الآن تماما مثل سيارة عتيقة ، ومرة كتبت تحت هذا العنوان: " في الخامسة والستين أنت مثل سيارة عتيقة خربة " .
أمس ذهبت إلى طبيب الأسنان لينظر في أمر إحدى الطواحين ، فخلع واحدة ونظف ثانية مكسورة ، وقال لي :
- بعد أربعين يوما نعمل جسرا لأربعة طواحين .
وأنا منذ كان أبوه يعالج لي أسناني كنت أردد :
- يا دكتور نستغل أسناننا ما استطعنا ثم ...
ولم أنتبه إلى أن السكر كان مرتفعا وأنني أمس أخذت قرص مميع دم ولكن الله سلم .
أمس بقيت وحيدا ولم أتمكن من فعل أي شيء بسبب خلع الضرس وتنظيف الثاني ، فلم أتجول في شوارع البلدة القديمة.
ما إن غادرت عيادة الطبيب حتى ركبت التاكسي إلى الشقة ،
وفيها أعدت النظر لثلاث دقائق في الفصل الأخير من رواية الحبيب السايح " أنا وحاييم " ، وتحديدا في الصفحة التي أوحت لي بالكتابة عن القشلة والعمارة في نابلس .
ماذا يعرف الجيل الجديد في نابلس عن هاتين البنايتين اللتين قصفتهما الطائرات الإسرائيلية في انتفاضة الأقصى في ٢٠٠١ ، ما أدى إلى أن تهدم السلطة الفلسطينية بقاياهما ، لتقيم على أنقاضهما مبنى المقاطعة الجديد الحالي ؟
عندما كنس الجزائريون المستعمرين الفرنسيين قاموا بتدمير كل ما يدل على وجودهم ، فهدموا الكنائس وتصرفوا بمحتوياتها - الرواية تأتي على مدينة وهران - واستغل مندوب الحزب الأشياء لمصلحته الفردية ، وهذا ما لم يرق لأرسلان الذي يسرد ، فوجهة نظره تتمثل في أن الهدم خطأ ، وكان من المفروض المحافظة على ما بناه الفرنسيون ليعرف الجيل الجديد من الجزائريين أن المستعمرين مروا من هنا .
تدمير الاسرائيليين القشلة ومبنى العمارة ربما كان سببه الحقيقي غير السبب الظاهر ، وهو قتل أبو هنود وإخوانه ، حيث كانوا سجناء مطلوبين . ربما كان سببه أن يتخلص الاسرائيليون من ماضيهم الأسود في هذين المبنيين ، وان يمسحوا ذكرياتهما من العقل الفلسطيني ، ففي القشلة والعمارة حقق الاسرائيليون مع آلاف الفلسطينيين ، وسجنوا وعذبوا أيضا عشرات الآلاف ، ولم تقتصر المعاناة على هؤلاء ، فقد عانى أهلهم من عذاب الانتظار في أيام الزيارات .
الآن أنت تمر يوميا بالمقاطعة التي لما يكتمل بناؤها من جديد ، فلا ترى شرطيا اسرائيليا أو جنديا من الجيش وحرس الحدود ، ولكنك في تعاملك مع بعض من أنفقوا سنوات في البنايتين تطلب من الله أن يصلح الأحوال ... إلخ .. إلخ ..
صرنا في عمرنا هذا مثل سيارة عتيقة خربة مهما حاولت تصليحها فإنها تظل إنتاجا قديما ، وفي حالتي إنتاج العام ١٩٥٤ .
أحيانا أجدني أكرر قول تميم بن مقبل الشاعر الجاهلي / الإسلامي :
" هل عاشق نال من دهماء حاجته
في الجاهلية قبل الدين مرحوم ؟
ما أطيب العيش ، لو أن الفتى حجر
تنبو الحوادث عنه ، وهو ملموم " .
و " اللي بطلع على مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته " .
حالة تعبانة يا ليلى مزاج ما فيش .
صباح الخير
خربشات
٢١ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣٧ : سؤال "زنخ"

سألتني أمس السيدة Hanan Bakir إن كنت في حياتي العملية شخصية ميالة للضحك - وأبدت اعتذارها سلفا لسؤالها " الزنخ " - فأجبتها بأنني كذلك ، ولكن في حدود ضيقة ، وكان بعض معارفي ، حين أحول الجلسة إلى جلسة ضحك وانبساط ، يظنوني " معمرها " أو " مسلطن " وقد يظن قسم أنني أتعاطى الكوكائين ، وأنا لا أدخن السجائر . وسبب السؤال والاعتقاد هو روح كتاباتي التي تميل إلى خلط الجد بالهزل والدعابة والسخرية وربما إمعاني في كتابة أشياء تبدو غير واقعية لمن لم يعش التجربة التي عشتها وأعيشها ، وهي تجربة قاسية كافكاوية بامتياز .
في العام ١٩٧٨ تعرفت إلى الناشر يعقوب حجازي من عكا وقد سألني إن كنت " أسلطن " حين أكتب ، ولما أجبته بالنفي استغرب ، فاميل حبيبي لم يكتب روايته "المتشائل" دون "سلطنة"، والسلطنة تعني المضغ ووضع قرص B12 الملغوم تحت اللسان، لا سلطنة عمان .
مثلنا الشعبي يقول "شر البلية ما يضحك" وكان حبيبي يلجأ إلى السخرية لمواجهة الظالم ، فهو لا يملك سلاحا آخر ، وقد أضحكنا في نصوصه كثيرا وأراد منا أن نتغلب على الواقع بالضحك.
ماذا أحدث عن شر البلية ؟
شر البلية أن يتحول أخوك إلى جاسوس يتجسس عليك ويذهب ليصلي ثم ينكر ما يقوم به .
هل تحول إخوتي إلى جواسيس علي؟
الإجابة في المقاطعة ولا أخجل من كتابة الحقيقة.
خيال. خيال شرقي، والحكاية الشعبية أولها كذب وآخرها كذب وأنا لا أكذب ، فلست مضطرا إلى ذلك .
"من ليس بوليسا علينا فليشرف
من ليس جاسوسا علينا فليشرف"
كتب محمود درويش .
أمس جلست في " باب الساحة " أتأمل منارة الساعة التي بناها السلطان عبد الحميد الثاني ، وقلت :
- إن هدموا القشلة فإنهم لم يهدموا جامع النصر والمنارة ، وما ذهب إليه أحد المعقبين على ما كتبته أمس عن هدم القشلة ليس صحيحا .
عقب أحد قراء "ذاكرة أمس ٣٦" إلى أن الإسرائيليين هدموا القشلة لأنهم لا يريدون أن يبقوا على آثار إسلامية في فلسطين.
دول سادت ثم انتهت سيطرتها وبقيت بعض ما أنجزته من معالم شاهدا عليها.
أول أمس ، وأنا في الحافلة، تحدث أحد الركاب عن البنوك الربوية والفوائد، وأتى على سيرة الشيخ محمد متولي الشعراوي ومدحه ومدح موقفه من البنوك، ووقف السائق إلى جانب الراكب، فسألته إن كان يعرف أنه أخذ أموالا من السعودية. وتذكرت قصة رواها أمير اسكندر في كتابه "صراع اليمين واليسار في الثقافة المصرية" عن شيخ أزهري هو عبد الحليم محمود، وقد اختلط الأمر علي.
حين بحثت عن حياة الشيخ شعراوي قرأت أنه شجع شركات الصرافة الخاصة، مثل شركة الريان، ودعا إلى إيداع الأموال فيها ، ونهى عن التعامل مع البنوك، وكانت النتيجة أن هذه الشركات سرقت أموال الناس.
أحيانا حقا تكون الحياة باعثة على الضحك والسخرية، فقد يتهمك شخص بأنك جاسوس، ولكنه لا يرفض مالا تعطيه إياه ، بل ويطلبه منك، وحين تسأله:
- كيف تأخذ مالا من جاسوس؟
يجيبك بأنه قال ما قال في لحظة غضب وأنه لم يقصد.
الحياة تسخر منا جميعا ، ومثلنا يقول "إذا ما بتقدر على عدوك بوس ايده وادع عليها بالكسر".
صباح الخير
خربشات
٢٢ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٣٨ : أبو مازن و"تشتهي الثورة لحظات غضب"

وأنا أسير أمس في شارع النصر لفت سمعي درس الواعظ الديني في جامع الخضر .
كان يتحدث عن الصدقات والزكاة في الشهر الفضيل وشكلها. طحين ورز وسكر ودجاج ومعلبات ... إلخ ، ومما قاله إن آخذيها يتخمون بهذه المواد، فيضطرون إلى بيع قسم منها لشراء مواد أخرى ، واقترح الشيخ التنويع ، إذ يجوز توزيع شوكولاتة "ماكنتوش" مثلا، وإن لم تكن متأكدا من مستحقي الزكاة ، فالأفضل إعطاؤها للجنة الزكاة .
كانت الأجواء مقبولة فلم تكن حارة مثل الأيام التي سبقت ، ولكن الشريط الذي عمم عن تفوهات الرئيس الفلسطيني أبو مازن، في اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح في ١٩ نيسان ٢٠٢١، ولع الأجواء ، وولع معها الجدل والضحك والنقاش.
لست متأكدا من صحة الشريط، فقد قرأت في صفحة
Zakaria Mohammed
عن حذره " إن صح " وقرأت في صفحة
Emad Alasfar
أن الشريط قد يكون مفبركا .
شتم الرئيس الصين وروسيا والعرب كلهم ، ولم يشتم نتنياهو وزوجته سارة ، ويبدو أنهما لم يخطرا على باله . لقد شتم الدول والحكام بالشتيمة المعروفة "ك.. أ...".
وقد ذكرتني شتيمته بشتيمة الرئيس المصري حسني مبارك لياسر عرفات في أثناء حفل توقيع اتفاقية مع الاسرائيليين في القاهرة "وقع يا كلب" وفي رواية أخرى "وقع يا ابن الكلب" والكلام على ذمة شمعون بيريس وذمة الكاتب الأردني المرحوم أمجد ناصر . هل أشفى مبارك غليل من شتمهم أبو عمار من أتباعه ؟ يروى أن أبو عمار كان شتاما من الزنار وتحت.
أحلام بشارات
في تعقيبها على ما نشره عماد الأصفر في صفحته قالت إن موقف أبو مازن ممن شتمهم ، وهو ما عبر عنه ، هو موقفنا كلنا ، وأعتقد أن أكثرنا يكرر الكثير مما كتبه الشاعر مظفر النواب في " وتريات ليلية " وقصائد أخرى :
"أولاد القحبة:
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم".
هل بلغ غضب أبو مازن أوجه؟
منذ ١٩٩٨ إلى الآن لم يتم إنجاز شيء مما كان أبو مازن يتوقع إنجازه حين وقع اتفاق أوسلو في ١٩٩٣ ، وقد بلغ السيل الزبا ، والكل يحاصره ويلومه وينتقده ويسخر من صبره ؛ صبر أيوب ، وقد عرفت من د. عامر القبج
أن أبو مازن ينعت بأنه أيوب الفلسطيني .
هل قرأ الرئيس أشعار الشاعر المرحوم راشد حسين الذي قضى في نيويورك مقهورا .
للشاعر قصيدة عنوانها " ثورة على سفر " ومنها :
" ما الذي ظل من الثورات ، من أجمل أحلامي القديمة ؟
...
ما الذي ظل سوى قتل الجريمة ؟
...
ولهذا يا رفاق أنا تعبان من كل خطابات
المماليك العرب
ومن الرب الذي يسكن في سبع سماوات طباقا
ذلك الرب الذي لم نبق له
غير تحريم الخنازير وتحليل الذهب
......
ولهذا يا عرب
أصبح الصبر تعب
فاغضبوني واغضبوني واغضبوا
تشتهي الثورة لحظات غضب".
أهي لحظة غضب ؟ هل كان الاجتماع في ساعات ما بعد الظهر وكان أبو مازن صائما ؟
أطرف الردود المتخيلة على شتائم الرئيس رد الرئيس الكوري / كوريا الشمالية:
- هل شتم أختي؟
والحمدلله أنه لم يشتمها، وإلا فإن الصاروخ الكوري الشمالي سيطال الضفة الغربية وقطاع غزة معا.
غير مرة كتبت عن الشتائم في روايات الكاتب اللبناني إلياس خوري ، وما عليكم إلا أن تبحثوا في غوغل والفيس؟!
ومرة شتم جرير الأخطل قائلا :
"قل للأخيطل لم تبلغ موازنتي
فاجعل لأمك أي.. القس ميزانا"
ورحم الله الشاعر إبراهيم طوقان في بيجامياته:
" يا شهر أيار يا شهر ...
يا مخرج ال... من البجامات " .
صباح الخير
خربشات
٢٣ نيسان ٢٠٢١ .

***

- ذاكرة أمس ٣٩ : " سجن عن سجن بفرق " ( إلى الأسرى عامة والأسير أمجد عواد بخاصة )

لم أغادر أمس ، الجمعة ، الشقة ، ولم أنظف الساحة أيضا . أمس تحولت إلى كائن فيسبوكي تماما .
في الصباح أرسل إلي الصديق
محمد عواد
رسالة كتبها الأسير الفلسطيني أمجد عواد في سجن رامون ، لكي أقرأها .
الرسالة تعبير عميق عن تجربة الأسر في السجون الإسرائيلية ؛ تعبير يشعرنا بالألم والعجز و...
منذ فترة كتبت عن تحولنا في زمن الكورونا إلى سجناء ، فغالبا ما أتذكر أم سعد اللاجئة الفلسطينية في مخيمات لبنان ، في رواية غسان كنفاني " أم سعد " وعباراتها عن الحبوس، فالدنيا كلها حبوس . عبارات أم سعد عن الحبوس مختلفة الشكل ، ولكنها كلها حبوس ، تحيل إلى عبارة أخرى في الرواية نفسها هي "خيمة عن خيمة تفرق" ، وعليها أقيس:
- حبس عن حبس يفرق ، او سجن عن سجن يفرق.
عندما يسألني أحد معارفي عن حياتي، بعد التقاعد وفي زمن الكورونا، أجيبه:
- كما لو أننا في سجن!
وأضيف مبتسما:
- ولكنه سجن خمسة نجوم ، قياسا إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي التي يقبع فيها الأسرى الفلسطينيون .
"اللي إيده في المي مش مثل اللي إيده في النار" يقول مثلنا ، وثمة مثل آخر قريب منه يقول " اللي بوكل العصي مش مثل اللي بعدها " ، وإخواننا الأسرى يدهم في النار وهم من يأكلون العصي، ويدنا نحن في الماء ونحن نعد العصي فقط.
أمجد عواد سجن في العام ٢٠١١ وهو محكوم خمسة مؤبدات، وحكمه مثل حكم المناضل مروان البرغوثي - يعني لولا فسحة الأمل لقضى الأسرى كمدا أو انتحارا أو يأسا.
حين أقرأ الأدبيات الفلسطينية التي تصدر عن أسرى وأرى مدى حقدهم على الاحتلال أتفهم تطرفهم ، مع أنني لا أقر ببعض مفرداتهم وتصوراتهم .
رسالة أمجد عواد ذكرتني في بنائها بقصيدة الكاتب الألماني ( فولفجانغ بورخرت ) " قل : لا " .
لم أنشر القصيدة على صفحتي ولكنني حولتها إلى عشرات الأصدقاء الذين تأثروا بها وطلب قسم منهم أن ينشرها على صفحته ، وكان لهم ذلك.
في موفع "مبدعون فلسطينيون" الذي تشرف عليه الصديقة
Rawd Dibs
رأيت هذا التعاطف الكبير مع الرسالة وكاتبها ومع الأسرى الفلسطينيين .
أمس نسيت الكورونا ولم أنظف الساحة وتناسيت ردود الفلسطينيين على العبارات التي تفوه بها الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وهي عبارات لم يكن ليتفوه بها، لولا أن الكيل طفح معه من العالم كله.
نحن في سجن كبير ، وكان مظفر النواب في قصيدته "ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة" كتب:
"فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر
سجون متلاصقة
سجان يمسك سجان".
غزة سجن والقدس سجن والضفة سجن والمقاطعة - مبنى الرئيس الفلسطيني - سجن ، وفيها سجن أبو عمار حتى سمم و ... و .. والحرية للأسرى والزوال للاحتلال ولأنظمة جمهوريات الموز أيضا ، ولولا بيان الحزب الشيوعي الصيني في الرد على شتيمة أبو مازن بمثلها لفقعت ، فالأكسجين الذي نقص في غرفة الأسير أمجد عواد نقص أيضا في شقتي ، مع الاعتذار الشديد له ، فسجن عن سجن يفرق .
" القدس تنتفض . أمس القدس انتفضت ، ما دفع الأخ محمد دحلان ، المقيم في الإمارات العربية المتحدة ، إلى أن يكتب على صفحته مؤيدا متضامنا داعيا إلى كنس الاحتلال ، وأنا تذكرت السطر الآتي من رواية نجيب محفوظ :
" ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر ! " .
صباح الخير
خربشات
٢٤ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٤٠ : ليس ثمة ما يدهش سوى القدس

لم يكن أمس ثمة ما يدهش سوى أخبار مدينة القدس والمواجهات فيها بين شباب البلدة القديمة الفلسطينيين وبين المستوطنين.
هبت البلدة القديمة في المدينة المقدسة ، وكثرت الكتابات حول هذا ، وعممت صور المواجهة وواصلت الكاتبة أ.نزهة الرملاوي
ابنة المدينة الكتابة عن " كرنفال المدينة " وعشاقها ، وربما يتذكر المرء المثل الشعبي الذي غالبا ما كرره الكاتبان جمال بنورة و جميل السلحوت
"ما بحرث الأرض غير عجولها" ولم يكن شباب القدس عجولا. لقد كانوا غزلان.
ثمة غضب فلسطيني شامل على ما يبدو ؛ من شباب القدس حتى الرئيس، فبم سينعت أبو مازن أهل بيت المقدس؟
واصلت الحياة في نابلس روتينها وواصل الناس صيامهم ولم يغضب أهلها لغضب عاصمتهم.
لو لم تكن هناك سلطة فلسطينية، كما كان الحال قبل ١٩٩٣، لاشتعلت الضفة الغربية وقطاع غزة لمناصرة المنتفصين.
كتبت أمس عن الثورة وعن اشتهائها لحظات غضب، كما ورد في قصيدة راشد حسين، وقد التفت الشاعر الذي زار القدس الغربية قبل ١٩٦٧ إلى المدينة، والتفت إليها أيضا بعد احتلال البلدة القديمة منها في حزيران ١٩٦٧. كتب راشد عما جرى وتخيل ما سيجري أيضا. لقد نبه في قصيدته "القدس... والساعة" إلى أن المولود في ظل القنابل سوف يضحي قنبلة ، وها هي الأوضاع تتأزم من جديد.
"صارت الساعة في القدس ... عذارى
في ثوان حبلت
في ثوان ولدت
في ثوان ، صارت الساعة في القدس
نضالا ودقيقة " .
ليس ثمة ما يدهش سوى ما يجري في القدس !!
حتى مباراة ريال مدريد الليلة لم يكن فيها ما يدهش . لقد كانت مباراة مملة جدا مثل كتابتي في هذه الليلة ؛ كتابتي التي آمل ألا أكون خلطت فيها السم بالعسل كما عقب صدبق على كتابتي أمس.
ثمة عبارة في عالم الكتابة شاعت هي "قل كلمتك وامش". هل أستطيع؟
صباح الخير
خربشات
٢٥ نيسان ٢٠٢١.

***

- ذاكرة أمس ٤١ : وعقدنا العزم عزما أن تحيا الجزائر

كما لو أنني أعيش في الجزائر في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
لم أتجول أمس وأول أمس في البلدة القديمة كما أتجول يوميا.
أنتقل من شقة إلى ثانية وأغلق علي الباب واستمتع بمتابعة قراءة الحبيب السايح Al Habib Sayah
" أنا وحاييم"، ناسيا أو متناسيا ما يجري في القدس أو آخر أخبار الكورونا، بل إنني لم أذهب إلى مخيم بلاطة لأهنيء الصديق بسام الكعبي
بخروج أخيه عاصم من السجن بعد قضاء ثمانية عشر عاما.
أشعر بإرهاق ورشح . كما لو أنه زكام حقيقي، وأفضل عدم الاقتراب من الآخرين .
هل سيأتي يوم نشاهد فيه إجراء انتخابات ب "نعم أو لا" لبقاء الاحتلال الإسرائيلي واعتبار الضفة جزءا من الدولة الإسرائيلية ؟ هل سيأتي يوم نشاهد فيه رحيل الجيش الإسرائيلي من مناطق الاحتلال الثاني ؟ هل سيأتي يوم نشاهد فيه السفن على شواطيء حيفا ويافا تقل اليهود المستوطنين إلى أميركا ؟
هذه هي الأسئلة التي دارت بخاطري وأنا أقرأ في الرواية الجزائرية .
كم نسبة التشابه بين ما عاشه الجزائريون تحت الاستعمار الفرنسي وما يعيشه الفلسطينيون منذ ١٩٤٨ ؟
وأنا خارج من الشقة ذاهبا إلى مخيم عسكر القديم لاستلام نسخة مصورة من سيرة الكاتب العراقي عبد الله إبراهيم " أمواج " ورواية إنعام كجه جي " سواقي القلوب " - كنت كلفت الصديق زياد خداش
بتصويرهما - وانتظاري فترة ، دون أن يأتي الشخص المنتظر في الوقت المتفق عليه وإغلاقه هاتفه ، تذكرت شتيمة الرئيس الفلسطيني أبو مازن لكل من الصين وروسيا وأمريكا والعرب، ففكرت أن اشتم السلطة الفلسطينية بمفردات أبو مازن نفسها "ك. أ .." ولكن كيف؟
سيكلفني الحزب الشيوعي الصيني وستكلفني المخابرات الروسية والأمريكية ووزارات الداخلية العربية بقراءة ردهم على أبو مازن:
" عزيزنا أبو مازن :
أصغينا إليك تشتمنا، ونيابة عنا فإننا نعهد لعادل الأسطة بأن يقرأ ردنا :
ك . أ .. السلطة الفلسطينية، وإذا حييتم بتحية فردوا بمثلها ، ولا تقولوا لمن تلا عليكم الجواب لست فلسطينيا ".
في طفولتنا كنا ، في المدارس، نغني لاستقلال الجزائر :
" نحن جند في سببل الحق ثرنا وانتصرنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، فاشهدوا اشهدوا اشهدوا"
وإن لم تخني الذاكرة فقد كنا ندفع من مصروفنا كل أسبوع تعريفة مساهمة لنصرة الشعب الجزائري.
شخصيا أسرني أسلوب القص في الرواية ، وإن ظلت التساؤلات، حول اختيار الكاتب لشخصية يهودية موضوعا لروايته ، تلازمني.
الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية حريص ، على ما يبدو ، على أمني الشخصي ، ولهذا لم أفقع حتى الآن .
أبشروا.
أعتقد أن (ديجو سيميوني) جن أمس لخسارته المباراة وصار حظ برشلونة هو الأقوى.
صباح الخير
خربشات
٢٦ نيسان ٢٠٢١

***

- ذاكرة أمس ٤٢ : وجهتا نظر في أبو مازن وأمور أخرى

كما كل واحد منا هو رئيسنا أبو مازن ؛ له محبوه وله كارهوه وله محبوه الذين كرهوه ثم عادوا وأحبوه ، ولي أخ إن أعطيته مدح وجعلني عاقلا ومناضلا وإن منعت عنه جعلني جاسوسا، ومثله كثيرون ورد الحديث عنهم في القرآن في باب الصدقات إن آوتوها وإن منعوها ، وهؤلاء لا يعتد برأيهم ولا يوثق به.
أمس وصلني عبر الواتس اب شهادة ممنوحة للرئيس ، وعليها صورته ، موقعة من رئيس الدولة العبرية ورئيس وزرائها وعليها ختم داوود ، للدور الذي قام به في خدمة الديانة اليهودية.
وأمس أيضا حول إلي الصديق Riyad Awad
من غزة رسالة منسوبة للفتحاوي منذر رشيد يشيد فيها بالرئيس أبو مازن إشادة كبيرة جدا ويرى فيه أذكى من المرحوم ياسر عرفات وأدهى. إنه يثمنه تثمينا عاليا جدا، بعد أن كان هجاه . مدح فهجا ثم عاد ليمدح. طبعا إن صح أنه هو كاتب الرسالة.
الأجواء المائلة إلى البرودة هي الأجواء التي سادت أمس، لدرجه أنني عدت فارتديت كنزة، وخطرت ابنتي على بالي فراسلتها بعد انقطاع . هل أنستنا الكورونا أنفسنا أم أن البعيد عن العين بعيد عن القلب، وصرنا مثل أهل يوم القيامة "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه؟".
سرت في شارع النصر، وليس ثمة شارع للهزيمة، علما بأن حياتنا كلها هزائم في هزائم ؛ وطنية وعائلية وفردية وقومية ودينية، وصرنا مثل الشاعر الشهيد علي فودة "نحن ولو مرة لانتصار". كان الشارع في منتصف النهار فارغا إلا من العوامة وأصابع زينب والمخللات واللبن والزيتون المغربي الأسود وأرغفة الخبز المسمسم. كان الشارع يصلح للهرولة .
وأنا أتابع ردود القراء على ما أكتب التفت إلى التفات الكاتب الجزائري Al Habib Sayah
لذاكرة أمس ٤١، وفيها أتيت على روايته "أنا وحاييم". وأمس تذكرت كتاباتي عن حاييم الذي عرفه أهل نابلس وذكرته مرارا في كتاباتي، ولكني تذكرت أمس أبي - رحمه الله - وصاحبه اليهودي (صموئيل) ولطالما كتبت عما كان أبي يقصه عن علاقتهما التي انتهت بخروج أهل يافا والفلسطينيين من فلسطين ، ولم يأت عليها إلا قليل من كتابنا والكتاب اليهود ومنهم ( بنيامين تموز ) في قصته " بركة سباحة " التي خصصتها بمقال وأنا أكتب عن رواية Khoury Elias
"أولاد الغيتو: اسمي آدم". لقد كان اليهودي فيها قاتلا ونذلا أيضا لا يحفظ للصداقة ودا.
ما زلنا في نيسان الذي خصصته بمقال عن رموزنا الأدبية "نيسان وبرقوقه وأدباء المقاومة" وغاب فيه عن ذهني رثاء راشد حسين للشاعر كمال ناصر الذي استشهد في نيسان من العام ١٩٧٣ . كتب راشد قصيدة رثاء في كمال عنوانها " آخر رسالة لم يكتبها كمال ناصر إلى والدته " :
" حبيبتي!
والدتي!
إسمك "يافا"؟ أم "بساتين صفد "؟!
كوني كما كنت
ولا تنتظري الجمعة
او يوم الأحد!
فأنت كل ناقوس
كل قصيدة
وكل مئذنة!
وأنت دائما قصيدتي الأولى
قصيدتي الأخيرة
حبيبتي الأولى
حبيبتي الأخيرة " .
وأمس قرأت جزءا من رواية طالبي فرج عبد الحسيب
المالكي " قنديل البومة " فتحسست روح اميل حبيبي فيها . فرج أيضا مثل إميل كاتب ساخر .
عندما نقل الفلسطيني كبسولة الأسير المهربة عطرها لتحل رائحة العطر محل رائحة البراز ، وعندما أراد في الحافلة إخراج النقود من جيبه ليدفع إلى السائق خرجت الكبسولة مع النقود ، فالتفت السائق إليها وظنها مخدرات فعرض على حاملها أن يعطيه قسما منها ليعدل مزاجه ، فاستغرب حاملها، ورد عليه بأنه لا يدخن السجائر، وهنا ظنه السائق تاجر مخدرات، ولما كان حاملها سريع بديهة فقد أوضح له بأنها ححاب يكتبه ليصلح فيه أمور الناس.
يا سبحان جاعل كبسولة الأسير كبسولة حشيش وجاعل كبسولة الحشيش حجاب إصلاح بين المتخاصمين، وبعض الظن إثم.
صباح الخير
خربشات
٢٧ نيسان ٢٠٢١.

***

- ذاكرة أمس ٤٣ : البومة تضيء لنا أيامنا

افتتحت الإذاعات المحلية صباح أمس أخبارها بخبر مزعج عن إصابة خمسة عمال فلسطينيين من الضفة الغربية بجراح بعضها خطيرة ، فما أن اقتربوا من قرية الطيبة حتى أطلقت عليهم النيران. هل الخبر مفاجيء ؟ هل ثمة بومة نعقت في الصباح المبكر ؟
ماذا ستقول لنا البومة عن مستقبل الكورونا؟
قال الشاعر الجاهلي:
"زعم البوارح أن رحلتنا غدا
وبذاك خبرنا الغراب الأسود"
ولطالما تشاءم العرب من الغراب وكتبوا في ذلك الكثير ، وكل من قال كلاما لا يروق لبعض الناس نعت ب "غراب البين " أو بالبومة، بل وكل قبيحة شبهت بها .
قبل أيام كتبت تحت عنوان "سهرة مع أبو إبراهيم" رئيس الوزراء الفلسطيني عن قصته "و .. لحن الغربان" ويصور فيها تشاؤم الناس في إحدى القرى الفلسطينية من أحد الشخوص. وعن البوم للكاتب رشاد أبو شاور رواية عنوانها " الحب وليالي البوم " أتى فيها على الدلالات السلبية لظهور هذا الطائر .
الكاتب فرج عبد الحسيب المالكي كتب رواية عنوانها "قنديل البومة" جعل البومة له نبراسا وهاديا يضيء إليه أيامه ويقود خطاه.
أمس أنفقت ساعة من ساعات الصباح أقرأ في الرواية عن البوم، ولم أتشاءم، ولكن ما إن أتت الظهيرة حتى قرأت على صفحة الصديق خليل حمد
أخبارا عن الكورونا في الهند تكاد تكون مرعبة:
"الناس يموتون في الهند من الكورونا وهم واقفون" و ... .
وأنا جالس على مقعد في باب الساحة لاحظت البلاط متسخا ، ويبدو أنه لم ينظف ، ففي ساعات ما بعد الإفطار يحتفل أهل نابلس هناك ويأكلون الكنافة المصنوعة على الفحم و ...
وكما في كل يوم من أيام رمضان يكون شارع النصر في ساعات الظهيرة شبه خال من المواطنين. هل يعود الأمر إلى أننا في نهاية شهر ، فالجيوب فارغة؟
وإذا كان شر البلية ما يضحك، فإن غرابة بعض الفتاوى عن الصيام تضحكك بلا حدود.
هل يفطر الصائم إذا أكل الجزر؟
أحد الشيوخ أجاب بنعم إلا إذا نوى الصائم أنه أرنب ، وفي هذه الحالة لا يبطل صيامه .
يبدو أن فتوى سبادة الشيخ كانت بتأثير الصيام .! يبدو!
صباح الخير

***

- ذاكرة أمس ٤٤ : المملكة الفلسطينية القادمة

شغلت الانتخابات الفلسطينية الفلسطينيين، فنسوا الكورونا واللقاح والكمامة والتباعد الجسدي. جادلوا وناقشوا وشكلوا قوائم بلغ عددها ستا وثلاثين قائمة، و"بلشت" الدعاية، من خلال الأقارب والمعارف والأصدقاء، بلشت مبكرا، فالكل يريد أن يفوز من أجل أن يحقق العدالة الاجتماعية وعودة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المنافي العربية والعالمية وقطاع غزة والضفة الغربية إلى مدنهم وقراهم في الوطن السليب.
وغالبا ما كنت أسأل عن رأيي في الانتخابات ، وإن كنت سأنتحب ؟ وإن انتخبت ، فهل سأنتخب قائمة "نبض البلد" أم "نبض الشعب"، فالأولى يرأسها ابن أخي والثانية تخص الجبهة الشعبية، وأنا صديق للجبهة ، لأنني أكتب باستمرار عن غسان كنفاني وأحاضر في المنتدى التنويري القريب منها.
عندما سألني صديق لابن أخي إن كنت سأنتخب قائمته "نبض البلد" ضحكت، فهو سينتخب مدفوعا برأي شائع هو "وجه بتعرفه أحسن من وجه ما بتعرفه"، وضحكت أكثر عندما سألني زميلي الدكتور احسان الديك
إن كنت أقف وراء القائمة ، وتذكرت عائلة ( بلوخ ) في بون ، حيث أقمت معها في العام ١٩٩٠ ، ولاحظت كيف أن أفرادها صوتوا لأحزاب مختلفة .
عندما أشاهد ابنة ابن أخي " كندة " ، وعمرها أقل من عامين ، تدعو لانتخاب " نبض البلد " ، وعندما أتذكر عشائر الخليل ونجاحها في إسقاط مشروع الضمان الاجتماعي ، وأرى المتسولين في الشوارع، يفارقني الأمل بمستقبل الشعب الفلسطيني، فلا مستقبل لنا في ظل العائلية والعشائرية وترشح ٣٦ قائمة.
أمس قرأت على صفحات الفيس بوك رأيا طريفا هو: اسحبوا امتيازات النائب الفائز بالانتخابات وانظروا كم قائمة تبقى وكم مرشحا يواصل ترشحه؟!
وأنا لا أنتخب ومن قبل لم أنتخب ؛ لأنني ضد أوسلو كلها وبقيت ضدها ، ولم أغير رأيي تغيير حماس موقفها ، ولم انخدع انخداع الجبهة الشعبية ، ولا أطمح بسيارة وسائق وتحسين أوضاع بحفنة دولارات ، ولو فكرت في التصويت فلن أصوت لرابطة الدم أو العشيرة.
لا جديد في نابلس سوى تجدد المشاكل في مخيم بلاطة بين العائلات ، وهذا ما عرفته من السائق، وقد تبين لاحقا أن الأمر مختلف ويعود إطلاق النار إلى الاحتفال بخروح معتقل / سجين.
ما زالت العصائر وبسطات الفلافل والمخللات والقطايف وسدور الحلوى تتسيد ، ومثلها أيضا الفراولة والبطيخ .
وأنا عائد مساء أصغي، قرب الدوار، إلى رجل يمدح بصوت عال السيد حسن نصرالله ويراه أحسن عربي على الإطلاق ويدعو الله أن يأخذ بيده ويحميه.
أشرطة الفيديو المتداولة كثيرة وطريفة وساخرة، وكذلك الرسائل المتبادلة وأطرفها كان ذا علاقة بالانتخابات في مناطق السلطة الفلسطينية.
قد يعتقد قسم من القراء أن شريط السيد عزام الأحمد، وفيه يقول إن الانتخابات تحت الاحتلال تجري مرة واحدة فقط ، وقد جرت مرتين، هو الشريط الأطرف. قد. ولكن الأطرف هو الرسالة التي وصلتني عبر الواتساب ، وفيها صورة الرئيس أبو مازن على هيئة ملك، وتحتوي على خبر نصه أن النظام السياسي الفلسطيني سيتحول إلى نظام ملكي.
أمس تعادل الإسبان مع الإنجليز واليوم هزم الإنجليز الفرنسيين ، وانتصرت الملكية على الجمهورية، والملكيات في العالم العربي لم يحدث فيها في الربيع العربي ما حدث بالجمهوريات .
صباح الخير
خربشات
٢٩ نيسان ٢٠٢١

**

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى