د. أحمد الحطاب - متى يمكننا أن نقول إننا نعيش في دولة الحق و القانون؟

دولة الحق والقانون هي الدولةُ التي يسود فيها القانون ولا شيءَ آخر غير القانون. ومن أهم خاصيات دولة الحق، مساواة المواطنين (رجال ونساء) أمام هذا القانون. قانون يسري على الجميع ولا يعترف إلا بالإنصاف والحق والعدل.

ودولة الحق والقانون تقتضي أن لا تتمركزَ السلطات في يد شخص واحد أو جهة واحدة. بل مفهوم "دولة الحق والقانون" يفرض اقتسامَ السلطة، أي توزيعَها على مؤسسات (تشريعية، تنفيذية، قضائية) هذه الدولة بنوع من التوازن كي لا تتأثَّرَ مؤسسة بالأخرى علما أن كل مؤسسة على حدة لها قوانينها المستمدة من القانون الأسمى، الدستور.

وكي لا تتأثَّرَ مؤسسة بأخرى أو كي لا تؤثِّر مؤسسة على أخرى، يجب الفصل بينها، وهو ما هو متعارفٌ عليه بفصل السلط. والفصل بين سُلط هذه المؤسسات، لا يعني انعدامَ العلاقات بينها. لأن السلطة التنفيذية والقضائية لا يمكن أن تشتغلَا بدون القوانين التي تُصدرها السلطة التشريعية. وهذه القوانين مُلزِمة للجميع، حكَّام ومحكومين (فِعلُ حَكَمَ مستعمل هنا بمعنى تسيير و تدبير شؤون البلاد).

ومن جهة أخرى، لا ذِكرَ لدولة الحق والقانون دون أن تستمِدَّ مؤسساتُها التشريعية والتنفيذية شرعيتَها من الشعب. وهذا يعني أن دولةَ الحق والقانون مقترنةٌ حتما بالديمقراطية، أي بحُكمِ الشعب من طرف الشعب. وذلك لأن دولةَ الحق والقانون ترسِّخُ الديمقراطية وهذه الأخيرة ترسِّخُ بدورها دولةَ الحق والقانون.

ولهذا، يمكننا أن نقولَ أننا نعيش في دولة الحق والقانون عندما تتحقق الشروط التالية :
  1. سيادة القانون بغض النظر عن جميع الاعتبارات كيفما كانت واحترامُه من طرف الجميع وتطبيقُه بإنصاف.
  2. فصل السلط و ضمانُ توازنها.
  3. استقلالية القضاء عن السلطتين التَّشريعية والتَّنفيذية، استقلالا مجسَّما على أرض الواقع.
  4. مساواة المواطنين أمام القانون، طبقا لمقولة : لا أحد يوجد فوق القانون أو القانون يعلو ولا يُعلى عليه.
  5. تنزيل مضامين الدستور على شكل قوانين ثم مراسيم ثم مساطر.
  6. إعطاء الأولوية لخدمة الصالح العام.
  7. حرية الرأي والتعبير والصحافة في حدود ما ينص عليه القانون.
  8. ضمان تنمية بشرية تكون فيها الأولوية لكرامة المواطنين (عيش كريم، صحة، تعليم، تقاعد، شغل، أدارة مواطنة…)
  9. تخليق الحياة العامة.
  10. اعتبار الانتخابات وسيلة من وسائل ترسيخ الديمقراطية وليس غاية في حد ذاتها.
  11. ضمان تعليم ذي جودة عالية من أجل بناء الإنسان المغربي المنتج لقيمات مضافة تساهم في تحريك عجلة التنمية.
  12. غياب الفقر والأمية والتهميش والمحسوبية والزبونية والرشوة واقتصاد الريع...
  13. ربط المسئولية بالمحاسبة وإنزال العقاب، طِبقا للقانون، بكل مَن يُخِلُّ بهذه المسئولية.
  14. تخليق العمل والمشهد السياسيين.
  15. إمكانية أي مواطن أومواطنة أن يطعنَ في شرعية قرارٍ اتخذته السلطات العمومية إذا رأى أنه مخالفٌ لحق من حقوقه...
فهل يمكننا أن نقولَ أننا نعيش في دولة الحق والقانون؟

مَن هو مُطَّلِع على الشروط المشار إليها أعلاه وعلى المزيد منها، وفي نفس الوقت، يقوم بغوصٍ في واقع الحياة اليومية للمواطنين، سيقول بدون أدنى شك أن هناك فرقا شاسعا بين ما تقتضيه دولةُ الحق والقانون وبين ما يفرضه هذا الواقع. وبالتالي، إن جُلَّ هذه الشروط ليست إلا نوايا حسنة مجسَّدة فقط على الورق. أما الواقع، فهو مُسيَّرٌ بثقافة لا تمتُّ بصِلة، في أغلب أطوار الحياة اليومية للمواطنين، لدولة الحق والقانون التي يطمح لها هؤلاء المواطنون.

وما دام الواقع مُسيَّرا بثقافة مناهضة لدولة الحق والقانون، فإن الأمرَ يتعلَّق بتغيير العقليات. لكن، في نفس الوقت، تغيير عقليات المُسيِّرين والمُسيَّرين علما أن المُسيِّرين هم الأحزاب السياسية والمُسيَّرين هم المواطنون. لماذا؟

لأن شريحةً عريضةً من السياسيين وشريحة عريضة من المواطنين تجدان ضالَّتَهما في ابتعاد الحياة اليومية من دولة الحق والقانون لِما يوفِّره هذا الإبتعاد من تحقيق فوائد ومصالح مادية على الخصوص من ريعٍ وربح سريع واغتناء غير مشروع… هؤلاء السياسيون لا تهمهم إلا السلطة من أجل السلطة ومن أجل الانتفاع من المواقع ومن ما تُدرُّه من مصالح شخصية متبادلة. بينما هؤلاء المواطنون ترسَّخت في عقولهم ثقافةُ الإبتعاد عن دولة الحق والقانون لِما تُدرُّه عليهم من أرباح مادية ومعنوية وبتواطؤ مع أشباههم السياسيين.

دولة الحق والقانون ستبقى بعيدةَ المنال إلى أن تُطَهَّرَ الأحزاب السياسيةُ من الفاسدين والمفسدين. في هذا الشأن، لا حزبَ يتميَّز عن حزبٍ آخر. والدليل على ذلك أن الأحزابَ السياسيةَ المتعاقبةَ على تدبير الشأن العام لم تستطع إخراجَ الشروط، المشار إليها أعلاه، من الورق إلى الواقع ولو بكيفيةٍ تدربجيةٍ؟ أتمنى ذلك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى