ألف ليلة و ليلة منقول - المكر الفني في «ألف ليلة وليلة»

يرصد الباحث الدكتور إبراهيم عبد اللطيف منصور، في كتابه «بلاغة السرد في كتاب ألف ليلة وليلة» الصادر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، نماذج وأمثلة من جماليات اللغة وحيل المكر الفني الواردة في «الليالي»؛ لا سيما في المواجهة بين «شهرزاد»، و«شهريار».

ويلاحظ المؤلف أن فنيات النص السردي والتشويق العجائبي قد تحققت بقوة في الليلتين الأولى والثانية، فكانت على درجة عالية من الإتقان؛ حيث قامت شهرزاد بعمل استراتيجية قائمة على المنطق والمحاججة، تستطيع من خلالها السيطرة على لب الملك وإقناعه بتغيير عادته الغريبة، أي القتل كل ليل. ومن خلال هذه الاستراتيجية تعيش شهرزاد وتنقذ «بنات المسلمين» على حد تعبيرها.

وهكذا تستمر كل ليلة على الاستراتيجية نفسها حتى يصل الملك لمرحلة الاستسلام التام. ومن أهم وسائلها في تحقيق ذلك التشويق القائم على حكايات خرافية، تمزج قوى السحر والسحرة بشخصيات عجيبة تشحذ الخيال.

وقد أخذت أختها «دنيا زاد» تقوم بالدعم الخارجي في أثناء تنفيذ خطتها، وقامت بالخطوة الأولى، وهي: الإشارة للملك لحسن حديثها، فسمح لها الملك بالكلام، ثم بدأت بداية مشوقة في الليلة الأولى، وذلك بظهور شخصيات عجائبية على غرار القص الشعبي، وبدأت بالعفريت المكلوم بموت ابنه وسعيه للقصاص له، ثم حكايات السحر وتغيير صورة الإنسان إلى الحيوان في ثلاث حكايات متتالية، يستمع لها الجني حتى يعدل عن قصاصه للإنسي المظلوم.

وهنا تسقط فكرة روح العدالة على الملك شهريار، وتكرر هذه الوحدات النمطية مسقطة إياها على الملك بشكل قصصي بديع. وتنتهي الليلة الأولى عند حديث الخرافة والسحر والكهانة، ولم تنتهِ القصة ليزداد شوق الملك لمعرفة النهاية.

وبالفعل يبقيها على قيد الحياة، وتكمل عالم السحر والخرافة في الليلة الثالثة، وتخرج عقل الملك وقلبه من الواقع إلى عالم الخرافة، ثم تُدخل في عقله ما تريد من رسائل، وهو محاط بهالة من التشويق الذي يجذبه إلى مزيد من الحكايات.

وتتحقق قوة القصة من خلال التوالد السردي؛ حيث تتفرع الحكاية إلى حكايات أخرى مساعدة بشكل عمودي، أما الفكرة الأفقية فواحدة، كلها حجج تستهدف إقناع الملك الظالم بعدالة قضيتها.

ويطرح المؤلف سؤالاً يتعلق بالليل: لماذا جاء حضوره مهيمناً؛ سواء على مستوى العنوان والبناء، أو على مستوى التوقيت الزمني لعرض الأحداث؟ والواقع أنه لم يكن الزمن المختار للحكي وليد الصدفة، ولكنه أمر فرض نفسه تماماً، فالحدث الأساسي الذي تمثل في تعرض شهريار للخيانة حدث ليلاً، وقراره بالانتقام من كل عذراء يتزوجها ليلاً ثم يقطع رقبتها في الصباح، هو فعل ليلي بامتياز.

أيضاً كان لا بد من أن تبدأ الأحداث بعد فراغ الملك من أعماله اليومية، وفراغ شهرزاد من أمورها المنزلية، وذلك حتى لا ينقطع خيط السرد بطارئ أو عارض يعوق حياة السرد التي تتحرك فيه الشخوص وتتوالى الأحداث.

ويخلص المؤلف إلى أن شهرزاد قررت تقديم عالم افتراضي جذاب مدهش يوازي عالم شهريار، وما لبثت أن لفتت انتباهه في الليلة الأولى إلى أن ذلك العالم لا يقل أهمية عن عالمه الواقعي، فبالمقارنة مع عالم النهار الرتيب الذي يمضيه الملك على كرسي الحكم، يبدو عالم الليل مختلفاً في كل شيء. وبمرور الليالي توارت أهمية العالم الأول، واستأثر الثاني بالاهتمام، فهو مركز السرد وموضوعه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى