مصطفى نصر - القصة القصيرة

حين أصبح الشاعر الصغير والتر سكوت قصاصا كبيرا، خجل من عمله الجديد وكتب يقول:
- لم أنسب رواية " ويفرلي" إلى نفسي، فلست على ثقة من أنه يليق بمن كان مثلي من رجال القانون أن يكتب القصص.
فقد كانت القصص - في أيامه – تعد فرعا منبوذا من فروع دوحة الشعراء، إذ كانت تمثل الابن البغيض في الأسرة الأدبية.
وعندما كتب محمد حسين هيكل روايته زينب، خجل من أن يكتب عليها اسمه، وأصدرها باسم فلاح مصري.
وكان المرحوم عبد الفتاح البارودي – الصحفي في الأخبار – لا يعترف بفن كتابة القصة، وقد تحدثت معه يوما وقلت له:
- كيف ترفض القصة وقد كتبها كبار الكتاب في العالم؟
فقال لي:
- هؤلاء بدأوا بكتابة المسرح.
فقد كان لا يؤمن إلا بالشعر وكتابة المسرح.
وكنت أقضي أكثر من ساعة في سيارة الشركة من بيتى القريب من محطة مصر حتى منطقة الطابية خط رشيد، فاستعين على قضاء هذا الوقت الطويل بالقراءة، فكان البعض يلومني عندما يراني اقرأ قصصا فيقول لي:
- يا أخي اقرأ حاجة مفيدة، اقرأ في القرآن أو في الشعر.
وجاءني مندوب من شركة تتعامل مع شركتنا، فعلم إني كاتب، فقال لي: أنت بالك فاضي.
يقصد أني أهتم بأشياء غير ذات قيمة.
وزميل – من المصنع – كان يجلس بجواري على مقعد واحد، فيخرج مصحفا ويقرأ القرآن، بينما وجدني اقرأ كثيرا في مجلدات كتاب ألف ليلة وليلة، وقدموا لي شراب احتفالا بخطوبة أخت زميل لنا فاعتذرت لأني صائم (كنت أصوم اثنين وخميس في شهري رجب وشعبان، استعدادا لصوم رمضان)
فصاح زميلي قائلا:
- صيام إيه ده، أمال بتقرا ألف ليلة وليلة ليه؟!
قلت: هو قراءة ألف ليلة وليلة نوع من الكفر؟!
رغم موقف الناس من القصة، وإزدراءهم لها، فهي كانت أسعد حالا من مهن أخرى، فمهنة الصحافة – مثلا - كانت من المهن المنبوذة، فقد فرق الشيخ أبو خطوة بين الشيخ علي يوسف وزوجته صفية - ابنة الشيخ السادات - لأنه يعمل في الصحافة التي تتبع عورات الناس، وهذا كفر، لأن ربنا يقول لا تجسسوا، وكانوا لا يأخذون بشهادة الممثلين في المحاكم الشرعية.
وحين بشر إدجار الان بو – السيد الأول للقصة القصيرة الحديثة - كما تلقبه دائرة المعارف البريطانية، بنظريته عن الوحدة في القصة القصيرة، لم تلق آراؤه آذانا صاغية إلا بعد مرور أربعين عاما حين أصدر Brander Mathews مقاله الشهير عن فلسفة القصة القصيرة وشبهها بالمسرحية الفرنسية الكلاسيكية من حيث مراعاة الوحدات الثلاث – إذ يجب أن تقتصر القصة القصيرة على بطل واحد وحادثة واحدة وانفعال واحد أو سلسلة من الانفعالات ترتبط بموقف واحد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى