حضرت ندوة بقصر ثقافة الحرية لآستاذ جامعي متخصص في علوم البحار، قال:
إن الأهالي في مناطق البحر الأحمر، كانوا غافلين عن القيمة المادية للأستاكوزا، فأعدوها وقدموها طعاما للطيور التي يربونها في بيوتهم. وأن مورد أطعمة - يتعامل مع الفنادق الكبيرة في القاهرة - اكتشف هذا، فاشترى الأستاكوزا من الأهالي بثمن بخس، وأنفق عليها لكي تحتفظ بسلامتها حتى يصل بها إلى القاهرة، ووردها للفنادق الكبيرة في القاهرة، فكسب مكاسب كثيرة جدا.
وقد انتقلت إدارتنا في عام 1974، إلى مقر الشركة في منطقة الطابية - بعد أن كان مقرنا في شقة بشارع سعد زغلول -
كانت منطقة الطابية منذ سنوات قليلة تعتبر خارج مدينة الإسكندرية. ومازال معظم عمال شركة الورق - التي كنت أعمل بها – تابعين لمحافظة البحيرة، كل السعاة – الذين عملوا معنا – كانوا تابعين إداريا لمحافظة البحيرة، فعشنا عادات وتقاليد المناطق الريفية. فلكل منطقة يوم أسبوعي للسوق، وكان سوق منطقة الطابية يوم الأربعاء، فكنا نخرج من باب شركتنا، ونذهب للسوق الذي يقام في منطقة واسعة، خالية تشبه الميدان. يباع فيها كل شيء، فاكهة وخضروات ولحوم وطيور وحبوب أيضا.
لاحظت أن الأهالي في منطقة الطابية لا يشترون من الذبيحة إلا لحمها، يعني لا يمكن أن يأكلوا الكبدة ولا الفشة ولا الطحال ولا أي شيء آخر غير لحمها. لذا كن سعر هذه الأنواع رخيص للغاية.
وحرصت نقابة شركتنا على تقديم خدماتها للعاملين، فتتعاقد - بمناسة عيد الأضحىى المبارك - مع جزارين من المنطقة، يعرضون اللحوم بكثرة ويبيعوتها للعاملين على أقساط تخصم من مرتباتهم. ثم انشأ البعض تنظيم آخر اسمه صندوق الزمالة، حرص على تقديم خدمات للعاملين فتعاقدوا مع جزارين آخرين على بيع اللحم بالتقسيط.
لاحظت أن عمال الشركة - الذين يسكنون الطابية - لا يقتربون من الكبدة والفشة والطحال والكوارع، فكنت اشتري السقاطة بالكامل – وهي تشمل كل الأشياء غير لحم الذبيحة، كنت اشتريها بثمن قليل جدا، بالنسبة لثمنه في منطقة محطة مصر القريبة من بيتي.
وشاهدت برنامجا تلفزيونيا، ذكروا فيه إنهم في امريكا يأنفون من أكل الكبدة، وامرأة من أصل مصري، كانت تحصل على الكبدة بلا مقابل، فتطهيها.وبعض الأمريكان أعجبوا بطعمها عندما قدمتها إليهم.
وعلمت أن الشركات المصرية الكبرى التي تستورد اللحوم المجمدة، تحصل على كميات هائلة من الكبدة، دون مقابل، هدية لأنهم يشترون منهم اللحم.
00
والأطعمة تختلف من مكان لآخر في الدولة الواحدة، بل تختلف في المدينة الواحدة بين حي وآخر.
فقد عشنا في بيتنا بحي راغب باشا - القريب من سوق النصارى- وهو يبدأ من آخر شارع راغب باشا في منطقة باب عمر باشا، وكان ينتهي عند شارع العطارين ( لكن السوق امتد في السنوات الأخيرة حتى وصل لمحطة مصر ) وسمي بسوق النصارى لأن معظم تجاره مسيحيين.ورغم قرب بيتنا لسوق النصارى لم نكن نستطيع الإقتراب والشراء منه، لأن أسعاره غالية لا نقدر عليها، فكنا نذهب لسوق البياصة في حي كرموز فأسعاره أقل حدة. كنا نشتري من سوق البياصة الخضروات والفاكهة بطريقة " الشروة " يعني يجمع البائع كميات ويحددها في أماكن متباعدة، ويبيعها شروة – دون وزن، يحدد مبلغا، فتفاصله وتحاول تقليله، إلى أن تصل معه لسعر محدد، فتدفع وتحمل الكمية كلها.
كان خضار وفاكهة سوق البياصة يختلف عن خضار وفاكهة سوق النصارى، واضح أن هذا الفرق يبدأ من وكالة الخضار والفاكهة، فتجار البياصة يشترون أنواع رخيصة، ربما لأنها ليست جيدة، بينما تجار سوق النصارى يشترون الأنواع الأجود والأكثر حداثة.
وأسعار السلعة الواحدة يختلف من سوق لآخر، حتى لو كانت كلها في حالة واحدة، فالأسعار تتحدد طبقا لمكانة أهالي المنطقة اجتماعيا، فسوق شيديا مثلا، أسعاره أغلى من سوق باب عمر باشا، وهكذا.
00
والأطعمة تختلف من حي لآخر، ففي طفولتي كنت مرتبطا ببقال دكانه قريب من بيت جدتي، كان يبيع الخبز، يورده له مخبز كل صباح، فيضعه على رخام فاترينته، وفي المساء يأتي مندوب من المخبز لمحاسبة البقال، فيدفع ثمن ما باعه، ويعود مندوب المخبز بالخبز الباقي، فيبيعه صاحب المخبز على إنه بائت، كان ثمن الرغيف وقتها خمسة مليمات، لكن الخبز البائت يباع الأربعة أرغفة بثلاث قروش، - والقرش وقتها كان في الحقيقة نصف قرش، وكنا نطلق على القرش لقب صاغ ) وكان من المألوف أن عند المغرب تقريبا أن يدور باعة الخبز بعربات كارو يدفعونها أمامهم منادين: التورة بتلاتة يا عيش.
والتورة تعني الأربعة.
كان هذا البقال يبيع الجبن الأبيض والتركي والبسطرمة والحلاوة والعجوة
وفي منطقتنا لم أر اللانشون، لذا كنت أظنه يصنع من لحم الخنزير، ودهشت عندما رأيت امرأة مسلمة تأكله عندما تدربت على العمل بشركة المجمعات الإستهلاكية.
والأطعمة مرتبطة بحالة سكانها ومكانتهم الإجتماعية، فقد تذكرت أبو رجب – الرجل الذي كان يغوى لعب الكرة، وكان يقيم مباريات الكرة بين الأحياء في أيام كثيرة من الأسبوع، واستطاع الحصول على مخلفات الحلوانية باسترودس وإيليت وديليس وغيرهم، كان يحصل على بواقي أشياء تدخل في صناعة الحلويات، ويأتي ببقايا زبائن هذه المحلات، ويبيعها.
وفيلم صراع الأبطال من إخراج توفيق صالح، يتحدث عن موضوع مثل هذا، فقد انتشرت الكوليرا في مصر لأن فقراء مصر كانوا ينبشون في زبالة الكامب الأنجليزي، ويأكلون بقاياه أيام الحرب العالمية الثانية، وقد اعترض البعض على إصدار فيلم يدين الشعب بهذا الشكل، لكن جمال عبد الناصر شاهد الفيلم، وقال ما معناه ياريت كل الأفلام تكون بجودة هذا الفيلم وجديته، فسمحوا بعرضه.
وكان في شارع راغب باشا مسمط. يبيع الفشة والمنبار ولحم الرأس والكوارع لرجل اسمه فلفل. كان يغلي كميات هائلة من كل أنواع هذه اللحوم، مما يؤدي لوجود " مرقة " كثيرة جدا تملأ قازانات. فكان سكان المنطقة حوله يذهبون إليه ممسكين بحلل فارغة ، ليضع لهم فيها مرقة يطبخوا بها ملوخية، أو الويكة - وهي البامية المهروسة - وفي المساء كنت اندهش من عدد عربات بيع الترمس والخس والجزر وهي واقفة بجوار دكانه، فهم يأتوا من بلادهم في الصيف ليعملوا في الإسكندرية، وفي المساء تقف عرباتهم خارج دكان فلفل، ويجلسوا داخل دكانه متجاوين ومتقابلين، فيضع عماله أمام كل واحد منه سلطانية فيها مرقة، ورغيفين ناشفين، فيهشم الرغيفين داخل السلطانية ويأكل بالملعقة، ولا يدفع سوي قرش واحد، ثمن الرغيفين.
إن الأهالي في مناطق البحر الأحمر، كانوا غافلين عن القيمة المادية للأستاكوزا، فأعدوها وقدموها طعاما للطيور التي يربونها في بيوتهم. وأن مورد أطعمة - يتعامل مع الفنادق الكبيرة في القاهرة - اكتشف هذا، فاشترى الأستاكوزا من الأهالي بثمن بخس، وأنفق عليها لكي تحتفظ بسلامتها حتى يصل بها إلى القاهرة، ووردها للفنادق الكبيرة في القاهرة، فكسب مكاسب كثيرة جدا.
وقد انتقلت إدارتنا في عام 1974، إلى مقر الشركة في منطقة الطابية - بعد أن كان مقرنا في شقة بشارع سعد زغلول -
كانت منطقة الطابية منذ سنوات قليلة تعتبر خارج مدينة الإسكندرية. ومازال معظم عمال شركة الورق - التي كنت أعمل بها – تابعين لمحافظة البحيرة، كل السعاة – الذين عملوا معنا – كانوا تابعين إداريا لمحافظة البحيرة، فعشنا عادات وتقاليد المناطق الريفية. فلكل منطقة يوم أسبوعي للسوق، وكان سوق منطقة الطابية يوم الأربعاء، فكنا نخرج من باب شركتنا، ونذهب للسوق الذي يقام في منطقة واسعة، خالية تشبه الميدان. يباع فيها كل شيء، فاكهة وخضروات ولحوم وطيور وحبوب أيضا.
لاحظت أن الأهالي في منطقة الطابية لا يشترون من الذبيحة إلا لحمها، يعني لا يمكن أن يأكلوا الكبدة ولا الفشة ولا الطحال ولا أي شيء آخر غير لحمها. لذا كن سعر هذه الأنواع رخيص للغاية.
وحرصت نقابة شركتنا على تقديم خدماتها للعاملين، فتتعاقد - بمناسة عيد الأضحىى المبارك - مع جزارين من المنطقة، يعرضون اللحوم بكثرة ويبيعوتها للعاملين على أقساط تخصم من مرتباتهم. ثم انشأ البعض تنظيم آخر اسمه صندوق الزمالة، حرص على تقديم خدمات للعاملين فتعاقدوا مع جزارين آخرين على بيع اللحم بالتقسيط.
لاحظت أن عمال الشركة - الذين يسكنون الطابية - لا يقتربون من الكبدة والفشة والطحال والكوارع، فكنت اشتري السقاطة بالكامل – وهي تشمل كل الأشياء غير لحم الذبيحة، كنت اشتريها بثمن قليل جدا، بالنسبة لثمنه في منطقة محطة مصر القريبة من بيتي.
وشاهدت برنامجا تلفزيونيا، ذكروا فيه إنهم في امريكا يأنفون من أكل الكبدة، وامرأة من أصل مصري، كانت تحصل على الكبدة بلا مقابل، فتطهيها.وبعض الأمريكان أعجبوا بطعمها عندما قدمتها إليهم.
وعلمت أن الشركات المصرية الكبرى التي تستورد اللحوم المجمدة، تحصل على كميات هائلة من الكبدة، دون مقابل، هدية لأنهم يشترون منهم اللحم.
00
والأطعمة تختلف من مكان لآخر في الدولة الواحدة، بل تختلف في المدينة الواحدة بين حي وآخر.
فقد عشنا في بيتنا بحي راغب باشا - القريب من سوق النصارى- وهو يبدأ من آخر شارع راغب باشا في منطقة باب عمر باشا، وكان ينتهي عند شارع العطارين ( لكن السوق امتد في السنوات الأخيرة حتى وصل لمحطة مصر ) وسمي بسوق النصارى لأن معظم تجاره مسيحيين.ورغم قرب بيتنا لسوق النصارى لم نكن نستطيع الإقتراب والشراء منه، لأن أسعاره غالية لا نقدر عليها، فكنا نذهب لسوق البياصة في حي كرموز فأسعاره أقل حدة. كنا نشتري من سوق البياصة الخضروات والفاكهة بطريقة " الشروة " يعني يجمع البائع كميات ويحددها في أماكن متباعدة، ويبيعها شروة – دون وزن، يحدد مبلغا، فتفاصله وتحاول تقليله، إلى أن تصل معه لسعر محدد، فتدفع وتحمل الكمية كلها.
كان خضار وفاكهة سوق البياصة يختلف عن خضار وفاكهة سوق النصارى، واضح أن هذا الفرق يبدأ من وكالة الخضار والفاكهة، فتجار البياصة يشترون أنواع رخيصة، ربما لأنها ليست جيدة، بينما تجار سوق النصارى يشترون الأنواع الأجود والأكثر حداثة.
وأسعار السلعة الواحدة يختلف من سوق لآخر، حتى لو كانت كلها في حالة واحدة، فالأسعار تتحدد طبقا لمكانة أهالي المنطقة اجتماعيا، فسوق شيديا مثلا، أسعاره أغلى من سوق باب عمر باشا، وهكذا.
00
والأطعمة تختلف من حي لآخر، ففي طفولتي كنت مرتبطا ببقال دكانه قريب من بيت جدتي، كان يبيع الخبز، يورده له مخبز كل صباح، فيضعه على رخام فاترينته، وفي المساء يأتي مندوب من المخبز لمحاسبة البقال، فيدفع ثمن ما باعه، ويعود مندوب المخبز بالخبز الباقي، فيبيعه صاحب المخبز على إنه بائت، كان ثمن الرغيف وقتها خمسة مليمات، لكن الخبز البائت يباع الأربعة أرغفة بثلاث قروش، - والقرش وقتها كان في الحقيقة نصف قرش، وكنا نطلق على القرش لقب صاغ ) وكان من المألوف أن عند المغرب تقريبا أن يدور باعة الخبز بعربات كارو يدفعونها أمامهم منادين: التورة بتلاتة يا عيش.
والتورة تعني الأربعة.
كان هذا البقال يبيع الجبن الأبيض والتركي والبسطرمة والحلاوة والعجوة
وفي منطقتنا لم أر اللانشون، لذا كنت أظنه يصنع من لحم الخنزير، ودهشت عندما رأيت امرأة مسلمة تأكله عندما تدربت على العمل بشركة المجمعات الإستهلاكية.
والأطعمة مرتبطة بحالة سكانها ومكانتهم الإجتماعية، فقد تذكرت أبو رجب – الرجل الذي كان يغوى لعب الكرة، وكان يقيم مباريات الكرة بين الأحياء في أيام كثيرة من الأسبوع، واستطاع الحصول على مخلفات الحلوانية باسترودس وإيليت وديليس وغيرهم، كان يحصل على بواقي أشياء تدخل في صناعة الحلويات، ويأتي ببقايا زبائن هذه المحلات، ويبيعها.
وفيلم صراع الأبطال من إخراج توفيق صالح، يتحدث عن موضوع مثل هذا، فقد انتشرت الكوليرا في مصر لأن فقراء مصر كانوا ينبشون في زبالة الكامب الأنجليزي، ويأكلون بقاياه أيام الحرب العالمية الثانية، وقد اعترض البعض على إصدار فيلم يدين الشعب بهذا الشكل، لكن جمال عبد الناصر شاهد الفيلم، وقال ما معناه ياريت كل الأفلام تكون بجودة هذا الفيلم وجديته، فسمحوا بعرضه.
وكان في شارع راغب باشا مسمط. يبيع الفشة والمنبار ولحم الرأس والكوارع لرجل اسمه فلفل. كان يغلي كميات هائلة من كل أنواع هذه اللحوم، مما يؤدي لوجود " مرقة " كثيرة جدا تملأ قازانات. فكان سكان المنطقة حوله يذهبون إليه ممسكين بحلل فارغة ، ليضع لهم فيها مرقة يطبخوا بها ملوخية، أو الويكة - وهي البامية المهروسة - وفي المساء كنت اندهش من عدد عربات بيع الترمس والخس والجزر وهي واقفة بجوار دكانه، فهم يأتوا من بلادهم في الصيف ليعملوا في الإسكندرية، وفي المساء تقف عرباتهم خارج دكان فلفل، ويجلسوا داخل دكانه متجاوين ومتقابلين، فيضع عماله أمام كل واحد منه سلطانية فيها مرقة، ورغيفين ناشفين، فيهشم الرغيفين داخل السلطانية ويأكل بالملعقة، ولا يدفع سوي قرش واحد، ثمن الرغيفين.