أ. د. عادل الأسطة - تداعيات حول شريط فيديو لإعدام متعاون

في الأسبوع الماضي عمم شريط فيديو لإعدام شاب فلسطيني متعاون مع العدو، فأصغيت إليه غير مرة. قال الشاب ابن العشرينيات إنه تم إسقاطه من خلال تصويره وهو يمارس فعلاً شاذاً.
خاف الشاب من الفضيحة فتورط في الخيانة وأسهم في قتل مقاومين، وفي النهاية في تصفيته، وهكذا لم ينجُ ولم تكن النتيجة التي آل إليها أخف وطأة من الفضيحة الاجتماعية التي يمكن تجاوزها ببساطة متناهية أقلها تغيير المدينة التي يقيم فيها والإقامة في مدينة أخرى لا يعرفه فيها أحد، هذا إذا افترضنا أنه على درجة كبيرة من السذاجة، ففي أيامنا هذه يمكن تكذيب أي شريط بالادعاء بأنه مفبرك، وليس هناك أسهل من الفبركة.
وأنا أمعن النظر في الشريط أخذت أتساءل عن مدى إسهام الفصائل السياسية والمؤسسات الاجتماعية في ما وصل إليه هذا الشاب وغيره، وأتساءل أيضاً إن كان مجتمعنا مجتمعاً لا يتسامح ولا يغفر في قضايا أخلاقية واجتماعية ترتكب في كل زمان وفي كل مكان منذ بدء الخلق، فيسهم في دفع أبنائه إلى الوقوع في شرك المحتل ليرتد الأثر السلبي عليه، فيساء إلى عوائل كاملة.
تداعيات الشريط أعادتني إلى أعمال أدبية صور أصحابها فيها نماذح وقعت في شرك العمالة أو نماذج حاول الإسرائيليون ابتزازها لإسقاطها، وقد امتلك بعضها الشجاعة للمواجهة ورفض التعاون أو الاستمرار فيه. هنا يمكن أن أتوقف أمام رواية إميل حبيبي "المتشائل" ورواية إلياس خوري "باب الشمس".
في الأولى يخدم بطلها سعيد دولة الاحتلال ولكنه في لحظة يقرر عدم الاستمرار، ما يثير حنق رجل المخابرات فيهدده بأنه سيفضحه في مجتمعه. يمتلك سعيد الشجاعة ويصر على رفضه فتفرض عليه الشرطة الإقامة الجبرية، فيبيع البطيخ ويعلق ورقة الإقامة الجبرية على جدار البسطة "حلوا عني واركبوا غيري" يخاطب سعيد ضابط المخابرات.
في الثانية يهدد رجال المخابرات نهيل المرأة الفلسطينية التي تحمل من يونس زوجها الفدائي المتسلل بأنهم سيفضحونها إن لم تخبرهم عن مكانه، وأنها حملت بالحرام، فترد عليهم: "مخجل سرقتم البلاد وطردتم أهلها وتأتون لتعطوني دروساً في الأخلاق. يا سيدي نحن أحرار ولا يحق لأحد أن يسألني عن حياتي الجنسية".
كأنما يقدم لنا الكاتبان رأيهما فيما ينبغي أن نكون عليه إن ضغطت علينا المخابرات الإسرائيلية للتعاون معها. ومن المؤكد أن كثيرين من أبناء شعبنا لا يمتلكون الوعي الذي امتلكه الكاتبان، ولكن من قال إن الوعي الوطني مقترن دائماً بالوعي الثقافي.
ثمة وعي غريزي لدى أكثر، إن لم يكن كل، أبناء شعبنا بأن التعاون مع المحتل سلوك خياني مرفوض، فلماذا يقع إذن قسم منا في شراك العدو؟
لن أحلل الظاهرة اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً، ولكني أذكر نماذج أدبية صورت طرق الإسقاط، منها رواية أسعد الأسعد "ليل البنفسج" (١٩٨٩) ورواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"(٢٠٠٤) ورواية حسام شاهين "زغرودة الفنجان" (٢٠١٥) ورواية هيثم جابر "الشهيدة " (٢٠١٦) وقصص وليد الهودلي "وهكذا أصبح جاسوساً" (٢٠١٩) وقبلها "ستائر العتمة" (٢٠٠٣) وآخر رواية في الموضوع كتبها سليم أنقر من الطيبة "أيد في الخفاء" (٢٠٢٢)، هذا إذا لم نقارب بعض الأفلام مثل "صالون هدى".
في الأعمال السابقة غالباً ما يتم الإسقاط من خلال تصوير الشخصية في وضع لا يقبله المجتمع الفلسطيني، أو يتم الإسقاط من خلال استغلال حاجة الشخصية إلى تصريح عمل في الداخل الفلسطيني أو السفر إلى خارج فلسطين لإكمال الدراسة أو للعلاج، وقد يتم الإسقاط بطريقة ناعمة دبلوماسية يقنع رجال المخابرات فيها مناضلاً سياسياً بأن الدولة الإسرائيلية تنشد السلام وأنه سيحل في النهاية ولكنه بحاجة إلى قيادات مرنة للتفاوض معها، وهكذا تورط السجين وتعقد معه اتفاقات وقد تخرجه من سجنه ليلعب دور المناضل المعتدل، وقد يتم الإسقاط بتوريط الفلسطيني بمشاريع تجارية يتورط فيها بشيكات لا يقدر على سدادها فيقدم خدمات مقابل ذلك، أو قد يتم الإسقاط من خلال غرفة العصافير داخل السجون.
هذا ما خلصت إليه، وتصف الأعمال المذكورة عواقب السقوط وتأثيره السلبي على المجتمع، وغالباً ما تكون نهايات المتعاونين القتل أو النبذ أو الهروب، وقد يموت بعض هؤلاء ميتة مشرفة فينتقم من الضابط الذي جنده ويقتله.
لا أريد أن أفصل القول أو أكثر من الاقتباسات، ولكني سأنهي المقالة بما يقترحه هيثم جابر في روايته "الشهيدة" كمخرج:
"ثم في أسوأ الظروف لنفرض أنهم نفذوا تهديدهم ونشروا الصور.. كل القضايا اللاأخلاقية والزنى والسرقة والرشوة أهون ألف مرة من الخيانة.. وعندما يعلم أبناء شعبك أنك رفضت أن تكون خائناً وعميلاً للمحتل لذلك تم فضحك وستكبر في عيون أبناء شعبك وستصبح بطلاً ومناضلاً بدل خائن وعميل للمحتل".
المساحة محدودة والكتابة تطول.


عادل الأسطة
2023-04-16

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى