كانوا يفدون من الشرق. وهم يوالون النزول من " تازغدرة" بأركستراهم المجنونة، كانوا يبدون ككرة لهب تقترب من الأرض. صدى إيقاعهم كان يصل كل الأرجاء المفتوحة. ومع توالي العزف،كانت أجساد المولعين الأشبه بالمريدين يقفون منتظرين كأقفال أصابها الصدأ وبدأت تتفكك على مهل من خلال تغلغل التأثير الذي يستخوذ على السلطة المتحكمة في الجسد وفي المدى الذي كانت تغطيه الموسيقى، كان سكان العالم الواقع في الأسفل يدركون أن جولة أخرى لما يشبه الغزو تتهيأ في الأفق ليجتاح القرية كإعصار.
مع اقترابهم ينتقل مفعول الموسيقى من الانتشار إلى التأثير. و الأسر اللواتي كن لديها مولعات أو مسكونات كما كان يقال، كن يفكرن في كيفية تطويق ذويهن ومحاولة منعهن من الخروج من خلال إحكام غلق الأبواب والمنافذ، تجنبا لأي إحراج محتمل. خصوصا وأن الرقص رفقة احمادشة، يبطل
كل أشكال الرقابة أكانت ذاتية أو خارجية. وفي الوقت نفسه تعمد الأسر إلى مراقبة الصغار و التأكد من أنهم لا يرتدون ملابس بلون أحمر حتى يتجنبون نطحات من حمدوشي لا يعلم أحد مقدار الأذى الذي يمكن أن تسببه. فلا شئ يفوق استفزاز للحمدوشي من اللون الأحمر الذي لا يجعل يستحضر سوى شيئا واحدا، الدم.
المنازل التي كان يفترض فيها استقبال الموكب كانت تعمد إلى ترتيبات مختلفة. إذ تعمل على إخلاء فناء البيت من كل شى. خاصة الأدوات الحديدية الحادة، وأواني الماء الفخارية التي تغري الحمدوشي برفعها للسماء وكسرها برأسه
حين يصبح الموكب في المدى المنظور، تظهر الطليعة المشكلة من صف متماسك يشكل نصف دائرة. يتقدمهم شيخ حافي القدمين يتحرك برشاقة مذهلة بشكل يفيد الا معنى لأدراج سلم العمر. ينتقل بخفة في كل الانجاهات،ويعمد إلى اصدار أوامر بإشارات منه بتغيير الايقاع او ترديد لازمة ما . وخلف الصف المتراص، يمشي حامل الأعلام أو البيارق، وعلى جانبه حامل الحربات الذي يكون في الغالب قوي البنية، بمستطاعه مقاومة حمدوشي قد يباغته وينتزع منه حرية يشق بها رأسه.
يرتفع الإنشاد في ذورة تصعيد الايقاع:
أبابا علال
اشري لي الحرية
بانفرشاخ رأسي
ماناشي لخطري
للوهلة الأولى بالنسبة لشخص يسمع هذا الإنشاد لأول مرة، والذي قد يبدو له في شكل توسل او استعطاف او شكاية قد يدفعه للتساؤل عمن يمكن أن يكون بابا علال هذا؟ الخطاب يفصح عن علاقة أبوة وبنوة. والمضمون يفيد أن المستعطف يريد ان يقتص من نفسه لذنب ما يشعر أنه ارتكبه، وهو يناشد باباه علال أن يساعده في أن يقتص من نفسه. أي عدالة هذه الذي يصبح فيها القاضي والجاني والمقتص شخصا واحدا؟ لكن لماذا الحربة؟ الأمر أكبر من عقاب. إنه يرقى إلى مستوى إبادة. " بانفرشخ رأسي" أي تفتيت عظام الجمجمة.
لماذا كل هذا؟ يأتي الجواب مغرقا في الإبهام " ماناشي لخاطري" أي لست على ما يرام، او خارج إرادتي.
عند بلوغ هذه المرحلة في الرقصات القديمة، كان حمدوشي ينتقل إلى مرحلة التجسيد والتنفيذ الفعلي من خلال حركة سريعة يغافل فيها حامل الحراب وينتزع منه حربة ويوجهها بسرعة إلى رأسه، وينظر الناس في ذهول وهم يرون الدم يتدفق. وعلى الفور كان الموكب يلتف حوله متحولا الى مصحة متحركة. فيمسح رأسه بالاعلام، ويشرع في ترديد لازمة اعدت لتلك الغاية. وفجأة يقف المصاب معافى تماما ولا اثر لأي جرح . وهو ما كان يزيد الناس اندهاشا، وإيمانا بوجود أشياء لا يطالها التفسير.
بلغ صيت رقصة احمادشة الأوج في نهاية الستينات. وهي الفترة التي عرفت فيها المواسم واللمات اقبالا غير مسبوق، حتى أن الناس وقتها كانوا يعتبرون الذهاب مشيا للاضرحة
جهادا، وٱخرون يعتبرونه حجا إذا تكرر عدة مرات. ويذكر ان رقصات احمادشة كانت تتم ساعتها بأعداد كبيرة، وتضم الكبار والصفار والنساء. لكن بعد ذلك اختفت تدريجيا حتى بدا في وقت ما انها انقرضت غير انها انبعثت في العقود الأخيرة، لكن روادها الكبار رحلوا ولم يتبق منهم غير القليل. لكن الشكل الذي انبعت به مختلفا كليا عما كانت عليه، فالحمدوشي على سبيل المثال اليوم لم يعد يرقص حافيا ولا يهاجم من يلبس الاحمر. ولا يحمل حرابا. وهو مهتم بمظهره. ولعل هذا يفيد أن حمدوشي اليوم لم يعد في اتصال مع قواه الداخلية. بل تحول الحمدوشي الى ما يشبه باقي الفرق مثل عيساوة وغيرهم ويمكن الفول ان التحول لم يسلم منه احد بما في ذلك فرسان رقصة البارود الذين انحرفوا عن غايات الرقصة وغاياتها حتى انهم لا يجدون خرجا في ان يرقصوا محركين مؤخراتهم.
عبدالله البقالي
مع اقترابهم ينتقل مفعول الموسيقى من الانتشار إلى التأثير. و الأسر اللواتي كن لديها مولعات أو مسكونات كما كان يقال، كن يفكرن في كيفية تطويق ذويهن ومحاولة منعهن من الخروج من خلال إحكام غلق الأبواب والمنافذ، تجنبا لأي إحراج محتمل. خصوصا وأن الرقص رفقة احمادشة، يبطل
كل أشكال الرقابة أكانت ذاتية أو خارجية. وفي الوقت نفسه تعمد الأسر إلى مراقبة الصغار و التأكد من أنهم لا يرتدون ملابس بلون أحمر حتى يتجنبون نطحات من حمدوشي لا يعلم أحد مقدار الأذى الذي يمكن أن تسببه. فلا شئ يفوق استفزاز للحمدوشي من اللون الأحمر الذي لا يجعل يستحضر سوى شيئا واحدا، الدم.
المنازل التي كان يفترض فيها استقبال الموكب كانت تعمد إلى ترتيبات مختلفة. إذ تعمل على إخلاء فناء البيت من كل شى. خاصة الأدوات الحديدية الحادة، وأواني الماء الفخارية التي تغري الحمدوشي برفعها للسماء وكسرها برأسه
حين يصبح الموكب في المدى المنظور، تظهر الطليعة المشكلة من صف متماسك يشكل نصف دائرة. يتقدمهم شيخ حافي القدمين يتحرك برشاقة مذهلة بشكل يفيد الا معنى لأدراج سلم العمر. ينتقل بخفة في كل الانجاهات،ويعمد إلى اصدار أوامر بإشارات منه بتغيير الايقاع او ترديد لازمة ما . وخلف الصف المتراص، يمشي حامل الأعلام أو البيارق، وعلى جانبه حامل الحربات الذي يكون في الغالب قوي البنية، بمستطاعه مقاومة حمدوشي قد يباغته وينتزع منه حرية يشق بها رأسه.
يرتفع الإنشاد في ذورة تصعيد الايقاع:
أبابا علال
اشري لي الحرية
بانفرشاخ رأسي
ماناشي لخطري
للوهلة الأولى بالنسبة لشخص يسمع هذا الإنشاد لأول مرة، والذي قد يبدو له في شكل توسل او استعطاف او شكاية قد يدفعه للتساؤل عمن يمكن أن يكون بابا علال هذا؟ الخطاب يفصح عن علاقة أبوة وبنوة. والمضمون يفيد أن المستعطف يريد ان يقتص من نفسه لذنب ما يشعر أنه ارتكبه، وهو يناشد باباه علال أن يساعده في أن يقتص من نفسه. أي عدالة هذه الذي يصبح فيها القاضي والجاني والمقتص شخصا واحدا؟ لكن لماذا الحربة؟ الأمر أكبر من عقاب. إنه يرقى إلى مستوى إبادة. " بانفرشخ رأسي" أي تفتيت عظام الجمجمة.
لماذا كل هذا؟ يأتي الجواب مغرقا في الإبهام " ماناشي لخاطري" أي لست على ما يرام، او خارج إرادتي.
عند بلوغ هذه المرحلة في الرقصات القديمة، كان حمدوشي ينتقل إلى مرحلة التجسيد والتنفيذ الفعلي من خلال حركة سريعة يغافل فيها حامل الحراب وينتزع منه حربة ويوجهها بسرعة إلى رأسه، وينظر الناس في ذهول وهم يرون الدم يتدفق. وعلى الفور كان الموكب يلتف حوله متحولا الى مصحة متحركة. فيمسح رأسه بالاعلام، ويشرع في ترديد لازمة اعدت لتلك الغاية. وفجأة يقف المصاب معافى تماما ولا اثر لأي جرح . وهو ما كان يزيد الناس اندهاشا، وإيمانا بوجود أشياء لا يطالها التفسير.
بلغ صيت رقصة احمادشة الأوج في نهاية الستينات. وهي الفترة التي عرفت فيها المواسم واللمات اقبالا غير مسبوق، حتى أن الناس وقتها كانوا يعتبرون الذهاب مشيا للاضرحة
جهادا، وٱخرون يعتبرونه حجا إذا تكرر عدة مرات. ويذكر ان رقصات احمادشة كانت تتم ساعتها بأعداد كبيرة، وتضم الكبار والصفار والنساء. لكن بعد ذلك اختفت تدريجيا حتى بدا في وقت ما انها انقرضت غير انها انبعثت في العقود الأخيرة، لكن روادها الكبار رحلوا ولم يتبق منهم غير القليل. لكن الشكل الذي انبعت به مختلفا كليا عما كانت عليه، فالحمدوشي على سبيل المثال اليوم لم يعد يرقص حافيا ولا يهاجم من يلبس الاحمر. ولا يحمل حرابا. وهو مهتم بمظهره. ولعل هذا يفيد أن حمدوشي اليوم لم يعد في اتصال مع قواه الداخلية. بل تحول الحمدوشي الى ما يشبه باقي الفرق مثل عيساوة وغيرهم ويمكن الفول ان التحول لم يسلم منه احد بما في ذلك فرسان رقصة البارود الذين انحرفوا عن غايات الرقصة وغاياتها حتى انهم لا يجدون خرجا في ان يرقصوا محركين مؤخراتهم.
عبدالله البقالي