قد لا ندري الشئ الكثير عن حياة و فكر " ابن الراونـدي" أو " ابن الرِّيــوَندي ، لندرة ما وصلنا عنه من اخبار بسبب التعتيم على فكره و ارائه و أخباره ومعتقده ، و اختفاء مؤلفاته وكتاباته ، ولم يصلنا من افكاره الا ما حرره بعض الفقهاء من مصنفات مدعمة بكلامه ، متهمة بعضها إياه بالالحاد و الزندقة ، خاصة من طرف ابن تيمية والغزالي ، إذ اعتبر مارقا عن الدين كل من حاول التكلم في الفكر الديني ، و هو ما اجج الصراعات العقائدية، و فرق علماء الدين بين شيع و مذاهب و جماعات و فرق و ملل و نحل
وابن الرِّيــوَندي هو أبو حسين أحمد بن يحيى الريوندي، من الشخصيات المرموقة في تاريخ الحركات الفكرية الثورية الاسلامية في القرن الثالث الهجري ، و احد اكثر الشخصيات الفكرية و المتكلمين اثارة للجدل ، اتهم من قبل اعدائه بالالحاد و الكفر و الزندقة . كونه شيعي المذهب، و معارضا سياسيا، و معتزلي الفكر ، سرعان ما انفصل عنهم و هاجمهم بشدة ، و ألف فيهم كتبا تفند اراءهم . و عاش مضطهدا مطاردا، و آواه يهودي يدعى ابن لاوي حتى مات عنده مختفيا عن الانظار
تأتي اهمية ابن الراوندي انه خرج من صلب الفكر المعتزلي ، احدى اهم التيارات العقلية الاسلامية الاكثر جدلا ، و التي قادت موجة الاجتهاد و السجالات و المطارحات الفكرية في الفكر الاسلامي التي قادها لفيف من الفلاسفة و المفكرين المتنورين ، في مواجهة مد فكر ظلامي غيبي رافض لا يقبل عن الاتباع و الاذعان بديلا ، و هكذا جاءت افكار ابن المقفع و الجاحظ و الاسكافي و افكار اخوان الصفا و المعتزلة برغم الانتقادات التي تولدت حولهم ، و الاتهامات التي كيلت لهم من طرف ابن الراوندي لتدشن لفكر آخر عقلاني متنور مغاير . فهو يدعي بأن المرء مخير بين الكفر أوالإيمان ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
وفي كتابه الزمرد انتقد الشريعة الإسلامية وأنها تناقض العقل ! فقال : إن الرسول أتى بما كان نافرا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة ورمي الحجارة والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر ! والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران ، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل ! فما الفرق بين الصفا والمروف إلا كالفرق بين أبي قيس وحرى !! ، وما الطواف حول البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت ،
يقول المستشرق نيبرج يصدده : "… إن البغدادي في تأليف كتاب الفرق بين الفرق أخذ أكثر ما نقله عن المعتزلة من كتاب ابن الريوندي فضيحة المعتزلة "
و يضيف البلخي عنه في كتابه محاسن خراسان : " كان من المتكلمين. و لم يكن في زمانه أحذق منه بالكلام ، و لا أعرف بدقيقه و جليله . و كان في أول أمره حسن السيرة، حميد المذاهب ، كثير الحياء ، ثم انسلخ من ذلك كله لأسباب عرضت له . و كان علمه أكثر من عقله … و قد حكى جماعة أنه تاب عند موته مما كان منه ، و أظهر الندم، و اعترف بأنه صار إليه حمية و أنفة من جفاء أصحابه له ، وتنحيتهم إياه من مجالسهم".
و وصقه القاضي عبد الجبار في «شرح الأصول الخمسة» بأنه «ممن برز في الإسلام واشتهر به قد ارتدّ وكفر ونفى عن نفسه العلم بالله»؟
اذن من كل هذا الخضم ولد بن الراوندي الذي ابتدا مشواره الفكري معتزليا ، ثم ما لبث ان شق عليهم عصا الطاعة ، و تمرد عليهم ، و انتقدهم بشراسة و ألف فيهم كتابا عدة منها " قضيب الذهب" ، " كتاب الدامق" ، " كتاب اللامع" ، " كتاب الزمرد" ، " كتاب الفرند" ، " كتاب الزينة" ، " كتاب البصيرة" و غيرها كثير من الكتب و المصنفات اهمها كتاب " فضيحة المعتزلة" ، الذي استفاد منه الحنابلة و الأشاعرة اعداء المعتزلة التاريخيين . و قد جاء هذا الكتاب ردا على كتاب الجاحظ المفقود " فضيلة المعتزلة" . و قد تصدى أبو الحسين الخياط المعتزلي لابن الريوندي ، و رد على كتابه هذا بــ " كتاب الانتصار و الرد على ابن الريوندي الملحد".
من مأثوراته
” إن الإنسان قد يرى نفسه ميتا في الحلم، في حين هو حي، فيزيده ذلك اعتقادا بأن حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء، وبأن الموت شبيه بالنوم الطويل العميق، وبأن الإنسان الراقد في سبات الموت يعرف نفسه ويرى ما حوله ويدرك ما يجول في خاطره.“
” لا يسع الميت أن يتصور نفسه في العالم قبل الموت، ولو مات أبو الحسن ووضع في قبره، لم يتأت لهذه الجثة الهامدة أن تتصور نفسها في عالم ما قبل الموت، أو أن تشعر بأنها أبو الحسن.“
” الناس جميعا لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، وإن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئا عن أسرار الموت.“
” لا يسع أحدا أن يعد نفسه ميتا، لأن هذه الحالة تستحيل مع الحياة، لأن المرء إن تخيل أو ظن بأنه ميت، كان هذا التخيل أو الظن في حد ذاته دليلا على أنه حي وليس بميت، لأن التفكير والتخيل والظن هي من خصائص الأحياء.“
أليس عجيباً بأنّ امرءاً لطيف الخصام دقيق الكَلِمْ يموت وما حصّلت نفسه سوى علمه أنّه ما عَلِم.
وابن الرِّيــوَندي هو أبو حسين أحمد بن يحيى الريوندي، من الشخصيات المرموقة في تاريخ الحركات الفكرية الثورية الاسلامية في القرن الثالث الهجري ، و احد اكثر الشخصيات الفكرية و المتكلمين اثارة للجدل ، اتهم من قبل اعدائه بالالحاد و الكفر و الزندقة . كونه شيعي المذهب، و معارضا سياسيا، و معتزلي الفكر ، سرعان ما انفصل عنهم و هاجمهم بشدة ، و ألف فيهم كتبا تفند اراءهم . و عاش مضطهدا مطاردا، و آواه يهودي يدعى ابن لاوي حتى مات عنده مختفيا عن الانظار
تأتي اهمية ابن الراوندي انه خرج من صلب الفكر المعتزلي ، احدى اهم التيارات العقلية الاسلامية الاكثر جدلا ، و التي قادت موجة الاجتهاد و السجالات و المطارحات الفكرية في الفكر الاسلامي التي قادها لفيف من الفلاسفة و المفكرين المتنورين ، في مواجهة مد فكر ظلامي غيبي رافض لا يقبل عن الاتباع و الاذعان بديلا ، و هكذا جاءت افكار ابن المقفع و الجاحظ و الاسكافي و افكار اخوان الصفا و المعتزلة برغم الانتقادات التي تولدت حولهم ، و الاتهامات التي كيلت لهم من طرف ابن الراوندي لتدشن لفكر آخر عقلاني متنور مغاير . فهو يدعي بأن المرء مخير بين الكفر أوالإيمان ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
وفي كتابه الزمرد انتقد الشريعة الإسلامية وأنها تناقض العقل ! فقال : إن الرسول أتى بما كان نافرا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة ورمي الحجارة والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر ! والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران ، وهذا كله مما لا يقتضيه عقل ! فما الفرق بين الصفا والمروف إلا كالفرق بين أبي قيس وحرى !! ، وما الطواف حول البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت ،
يقول المستشرق نيبرج يصدده : "… إن البغدادي في تأليف كتاب الفرق بين الفرق أخذ أكثر ما نقله عن المعتزلة من كتاب ابن الريوندي فضيحة المعتزلة "
و يضيف البلخي عنه في كتابه محاسن خراسان : " كان من المتكلمين. و لم يكن في زمانه أحذق منه بالكلام ، و لا أعرف بدقيقه و جليله . و كان في أول أمره حسن السيرة، حميد المذاهب ، كثير الحياء ، ثم انسلخ من ذلك كله لأسباب عرضت له . و كان علمه أكثر من عقله … و قد حكى جماعة أنه تاب عند موته مما كان منه ، و أظهر الندم، و اعترف بأنه صار إليه حمية و أنفة من جفاء أصحابه له ، وتنحيتهم إياه من مجالسهم".
و وصقه القاضي عبد الجبار في «شرح الأصول الخمسة» بأنه «ممن برز في الإسلام واشتهر به قد ارتدّ وكفر ونفى عن نفسه العلم بالله»؟
اذن من كل هذا الخضم ولد بن الراوندي الذي ابتدا مشواره الفكري معتزليا ، ثم ما لبث ان شق عليهم عصا الطاعة ، و تمرد عليهم ، و انتقدهم بشراسة و ألف فيهم كتابا عدة منها " قضيب الذهب" ، " كتاب الدامق" ، " كتاب اللامع" ، " كتاب الزمرد" ، " كتاب الفرند" ، " كتاب الزينة" ، " كتاب البصيرة" و غيرها كثير من الكتب و المصنفات اهمها كتاب " فضيحة المعتزلة" ، الذي استفاد منه الحنابلة و الأشاعرة اعداء المعتزلة التاريخيين . و قد جاء هذا الكتاب ردا على كتاب الجاحظ المفقود " فضيلة المعتزلة" . و قد تصدى أبو الحسين الخياط المعتزلي لابن الريوندي ، و رد على كتابه هذا بــ " كتاب الانتصار و الرد على ابن الريوندي الملحد".
من مأثوراته
” إن الإنسان قد يرى نفسه ميتا في الحلم، في حين هو حي، فيزيده ذلك اعتقادا بأن حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء، وبأن الموت شبيه بالنوم الطويل العميق، وبأن الإنسان الراقد في سبات الموت يعرف نفسه ويرى ما حوله ويدرك ما يجول في خاطره.“
” لا يسع الميت أن يتصور نفسه في العالم قبل الموت، ولو مات أبو الحسن ووضع في قبره، لم يتأت لهذه الجثة الهامدة أن تتصور نفسها في عالم ما قبل الموت، أو أن تشعر بأنها أبو الحسن.“
” الناس جميعا لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، وإن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئا عن أسرار الموت.“
” لا يسع أحدا أن يعد نفسه ميتا، لأن هذه الحالة تستحيل مع الحياة، لأن المرء إن تخيل أو ظن بأنه ميت، كان هذا التخيل أو الظن في حد ذاته دليلا على أنه حي وليس بميت، لأن التفكير والتخيل والظن هي من خصائص الأحياء.“
أليس عجيباً بأنّ امرءاً لطيف الخصام دقيق الكَلِمْ يموت وما حصّلت نفسه سوى علمه أنّه ما عَلِم.