د. زهير سعود - شخصيات إشكالية... ٧

تثير شخصية اليوم الشكّ بأن الحكم الإسلامي كان يرى في الله ظلّاً للحاكم وليس عكس ذلك، فتطاول الكثيرين على حاكميهم من أمثال "بشار بن برد" و"ابن المقفع" و"ابن الرومي" و"غيلان الدمشقي" و"الحلاج" و"جعد" جعلهم يلقون مصائر يندى لذكرها الجبين، وقد تمّ رميهم بالزندقة لتبرير تلك المصائر بالاعتماد على فقهاء السلطة كالأوزاعي وغيره، هذا بالرغم من عدم كفر هؤلاء وبقائهم على دينهم الإسلامي. أما مع شخصيتنا الراهنة وهو أحمد بن إسحاق الراوندي (٨٢٧- ٩١١) فقد اكتفى عصره بمساجلته دون إيذائه، وذلك لأنه لم يتجرأ على حاكميه. يعتبر الراوندي من أعظم ملاحدة القرن التاسع وأغزرهم كتابة، وشهدت حياته تحولات كبيرة بين الاعتزال والتشيّع ثم الإلحاد ونكران الأديان قاطبة بمن فيها الإسلام، ذلك عقب صلته المصيرية بالملحد "أبي عيسى الورّاق".
من طرفه ردّه على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة" بكتاب "فضيحة المعتزلة"، وللراوندي كتب كثيرة من أهمها: "الزمرّد" و"الابتداء والإعادة". أنكر الراوندي وجود الله وأزلية العالم وأنكر نبّوة الأنبياء، فاكتفى عصره بالردّ عليه كما فعل أبو الحسين بن عثمان في كتابه "الانتصار"، أضف لذلك إخفاء معظم أثره وكتاباته، فمعرفتنا بها جاءت من تضمينها في كتب الردود عليه. ومما روي عن الراوندي مشاهدته لثري يأكل الباقلاء فيرمي قشرها لا حامداً ولا شاكراً، ليأتي فقير ويأكل القشر حامداً شاكراً، فيصفعه الراوندي ثم يقول: ما تجرأ الله علينا معاشر المساكين إلّا منك ومن أمثالك، إذ علم منكم الشكر على أكل القشور، ومن أقواله: بالعقل وحده تعرف الخير من الشرّ، والحقّ من الباطل، فلا سلطة إلّا سلطة العقل، ولا إيمان إلا بالعقل، وبه يستغني الإنسان عن جميع الأديان والكتب السماوية. والراوندي صاحب المقولة الشهيرة: بلينا بقومٍ يظنّون أن الله لم يهدِ سواهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى