أزداد إيمانا مع مرور الوقت، و-_مقارنة بالظروف التعليمية الحالية_ بأن الجيل الذي أنتمي إليه كان محظوظا حين تتلمذ على يد مبدع كبير حمل اسم"أحمد بوكماخ". وعظمة هذا الرجل كمنت في قدرته - بإمكانياته البسيطة - على الوصول إلى أعماقنا الغائرة،حيث اودع فيها كل ما ارتآه أن يظل مترسبا فيها، ممتنعا عن سلطة النسيان و التلف، ليشكل بذلك أشياء كثيرة لها علاقة بالصبا و بالوجدان و بالذاكرة و الهوية. ولبيعث عبر الزمن رسائل ستصل لاحقا إلى كل الأذهان المتوقدة التي ستستطيع أن تفك شفرة دروسه البليغة، و التي تراهن في اكتشاف مغازيها على ذكاء قرائه و فطنتهم. ونبيح له في الأخير أن ينتزع اعترافا منا بأنه يستطيع و بكل جدارة أن يحتل مكانة رفيعة داخل الصيرورة، و مرتبة مشرفة داخل تاريخ التأليف التربوي الثقافي المرتبط بالحياة.
أقترح في إعادة اكتشاف بصمات أحمد بوكماخ ان نقوم بجولة عبر جنانه الفيحاء، و نتخذ جلسة نطل منها على بعض الزوايا التي تبيحها الرؤية، و نحاول أن نرهف السمع من اجل التقاط بعضا مما لم يكن في وسعنا التقاطه و قته.
سأبدأ ب "مدينة النحاس"و ادعوكم لاسترجاع كيف استقبلت أذهاننا تلك الصورة. مدينة بأكملها ببناياتها و شوارعها. بأشجارها و حيواناتها و بصناع الحياة فيها، كلها كيف تحولت في لحظة من رقعة تتمدد فيها الحياة إلى فضاء تتوسع فيه مملكة الجماد. و كيف ازداد المشهد قتامة من خلال الصورة التي ابدعها الرسام حين لفها بتلك الألوان الصامتة التي لم تكن توحي بغير السكون و الجمود.
التفاعل بين المؤلف و الرسام يدفع إلى تساؤل محير. فهل كان التأليف ينطلق من المشاهد التي يضعها الرسام، أم ان الرسام كان في مستوى خيال و ذكاء المؤلف، للحد لم يكن يفوته شئ. و من ثم كان يحصل ذلك التطابق والتجاوب المدهش بينهما؟.
أعود للحكاية، و نفهم أن المدينة كان تنعم بالسلم و الامان إلى ان حل بها ذلك الساحر. و لسبب ما أعد تعويذته التي أبطلت الحياة في المدينة. و تحول كل من فيها إلى تماثيل نحاسية.
يفيد " أدونيس" ما يعني أن مرور النصوص في أذهان قاصرة، لا ينتج عنها سوى تقزيم تلك النصوص. و أنا أقصد بهذا تساؤلا عن قدرة المدرسين انذاك و مدى أهليتهم للتعامل بشكل خلاق مع النصوص التي كانوا يقدمونها لتلامذتهم و عن كم المدرسين الذين كانوا يخضعون النصوص للتاويل، خصوصا حين يكون فيها التباس وغموض.
ما أذكره الآن إنه حين قدم المدرس ذلك النص هو ان الساحر ظل ساحرا. أي بالشكل الذي كنا نصنع به تمثلنا عن للساحر. أي شخص يسخر قوى غامضة من اجل تغيير ملامح الواقع. لكن الحكاية لم تبدا في ظلام و انتهت فيه. لقد كان الأمر يتعلق بمدينة و حياة. و اومن أن أحمد بوكماخ لم يقصد بالساحر ذلك الشخص المترتب عن الفهم العادي لدى عامة الناس. والذي يؤلف التعاويذ باستعمال القلم تلقصبي والصمغ. بل كان يقصد بالساحر من له سلطة و قدرة على تغيير طبيعة الأشياء. و لأن الأمر متعلق بمدينة و بحياة. فلم يكن الأمر يتطلب الكثير من الاجتهاد كي نعي أن الساحر ليس سوى رجل السلطة. و ان هذا الاخير لا يسخر سلطته من اجل خدمة الحياة. بل من اجل وأدها و اغتيالها. لتمسخ الخياة ويظل هو زحده مختفظا بالالوان كما جسده الرسام، لتظل الحياة لا تتعدى الافق الذي يحدده هو، و ليس ذاك المنبعث من طبعها. أفلس هذا هو الاستبداد؟
أحمد و العفريت
على عكس تمثلاتنا و الركام الهائل الذي كنا نختزنه في وعينا عن العفاريت كونها مخلوقات شريرة لا تبحث إلا عن الوسائل من اجل أن تلحق بنا اكبر قدر من الاذى، يفاجئنا أحمد بوكماخ بوجه مختلف لكل ذلك. مشكلا صدمة صغيرة، و مفاجاة لينت الكثير من اعتقاداتنا القاسية تجاه العفاريت. و مخلوقات الحياة الغامضة. و مرة أخرى أجاد الرسام تجسيد المشهد باقتدار و كفاءة أضافت الكثر للنص. و رغم جو المؤانسة الذي دفع بخوفنا إلى الوراء، فلا اظن أن هناك ممن قرأوا النص تمنوا لو كانوا مكان أحمد الذي راقص العفريت. لكن أهمية نص ما لا تكمن فقط فيما يمكن ان يشكله من أفكار لحظة تلقيه، و إنما الأهم هو ما يخلفه في الذهن بعد انقضاء لحظة استقباله. و من ثم قد تكون المشاغبة ابتدات بعد وقت طويل من قراءته. و قادت للحديث بشكل مختلف عن العفاريت و كنهها. و ما إن كانت لها من وجود حقا، أم انها فقط الصوت المشاغب فينا. و الجراة التي تعمل ثقافة و ظروف التنشئة و الغاية منها على طمسها فينا من اجل أن نصبح في الحجم الذي شئ لنا ان نكون عليه كي نتحول الى مجرد جسور تعبر عليها القيم البالية نحو الأزمنة و العصور اللاحقة.
أقترح في إعادة اكتشاف بصمات أحمد بوكماخ ان نقوم بجولة عبر جنانه الفيحاء، و نتخذ جلسة نطل منها على بعض الزوايا التي تبيحها الرؤية، و نحاول أن نرهف السمع من اجل التقاط بعضا مما لم يكن في وسعنا التقاطه و قته.
سأبدأ ب "مدينة النحاس"و ادعوكم لاسترجاع كيف استقبلت أذهاننا تلك الصورة. مدينة بأكملها ببناياتها و شوارعها. بأشجارها و حيواناتها و بصناع الحياة فيها، كلها كيف تحولت في لحظة من رقعة تتمدد فيها الحياة إلى فضاء تتوسع فيه مملكة الجماد. و كيف ازداد المشهد قتامة من خلال الصورة التي ابدعها الرسام حين لفها بتلك الألوان الصامتة التي لم تكن توحي بغير السكون و الجمود.
التفاعل بين المؤلف و الرسام يدفع إلى تساؤل محير. فهل كان التأليف ينطلق من المشاهد التي يضعها الرسام، أم ان الرسام كان في مستوى خيال و ذكاء المؤلف، للحد لم يكن يفوته شئ. و من ثم كان يحصل ذلك التطابق والتجاوب المدهش بينهما؟.
أعود للحكاية، و نفهم أن المدينة كان تنعم بالسلم و الامان إلى ان حل بها ذلك الساحر. و لسبب ما أعد تعويذته التي أبطلت الحياة في المدينة. و تحول كل من فيها إلى تماثيل نحاسية.
يفيد " أدونيس" ما يعني أن مرور النصوص في أذهان قاصرة، لا ينتج عنها سوى تقزيم تلك النصوص. و أنا أقصد بهذا تساؤلا عن قدرة المدرسين انذاك و مدى أهليتهم للتعامل بشكل خلاق مع النصوص التي كانوا يقدمونها لتلامذتهم و عن كم المدرسين الذين كانوا يخضعون النصوص للتاويل، خصوصا حين يكون فيها التباس وغموض.
ما أذكره الآن إنه حين قدم المدرس ذلك النص هو ان الساحر ظل ساحرا. أي بالشكل الذي كنا نصنع به تمثلنا عن للساحر. أي شخص يسخر قوى غامضة من اجل تغيير ملامح الواقع. لكن الحكاية لم تبدا في ظلام و انتهت فيه. لقد كان الأمر يتعلق بمدينة و حياة. و اومن أن أحمد بوكماخ لم يقصد بالساحر ذلك الشخص المترتب عن الفهم العادي لدى عامة الناس. والذي يؤلف التعاويذ باستعمال القلم تلقصبي والصمغ. بل كان يقصد بالساحر من له سلطة و قدرة على تغيير طبيعة الأشياء. و لأن الأمر متعلق بمدينة و بحياة. فلم يكن الأمر يتطلب الكثير من الاجتهاد كي نعي أن الساحر ليس سوى رجل السلطة. و ان هذا الاخير لا يسخر سلطته من اجل خدمة الحياة. بل من اجل وأدها و اغتيالها. لتمسخ الخياة ويظل هو زحده مختفظا بالالوان كما جسده الرسام، لتظل الحياة لا تتعدى الافق الذي يحدده هو، و ليس ذاك المنبعث من طبعها. أفلس هذا هو الاستبداد؟
أحمد و العفريت
على عكس تمثلاتنا و الركام الهائل الذي كنا نختزنه في وعينا عن العفاريت كونها مخلوقات شريرة لا تبحث إلا عن الوسائل من اجل أن تلحق بنا اكبر قدر من الاذى، يفاجئنا أحمد بوكماخ بوجه مختلف لكل ذلك. مشكلا صدمة صغيرة، و مفاجاة لينت الكثير من اعتقاداتنا القاسية تجاه العفاريت. و مخلوقات الحياة الغامضة. و مرة أخرى أجاد الرسام تجسيد المشهد باقتدار و كفاءة أضافت الكثر للنص. و رغم جو المؤانسة الذي دفع بخوفنا إلى الوراء، فلا اظن أن هناك ممن قرأوا النص تمنوا لو كانوا مكان أحمد الذي راقص العفريت. لكن أهمية نص ما لا تكمن فقط فيما يمكن ان يشكله من أفكار لحظة تلقيه، و إنما الأهم هو ما يخلفه في الذهن بعد انقضاء لحظة استقباله. و من ثم قد تكون المشاغبة ابتدات بعد وقت طويل من قراءته. و قادت للحديث بشكل مختلف عن العفاريت و كنهها. و ما إن كانت لها من وجود حقا، أم انها فقط الصوت المشاغب فينا. و الجراة التي تعمل ثقافة و ظروف التنشئة و الغاية منها على طمسها فينا من اجل أن نصبح في الحجم الذي شئ لنا ان نكون عليه كي نتحول الى مجرد جسور تعبر عليها القيم البالية نحو الأزمنة و العصور اللاحقة.