نعم رمضان!
فهو أجمل ما في الزمان، ومناسبة سنوية عزيزة يلتقي فيها الجميع تحت مظلة مشاعر واحدة، وأعجب ما فيه أنه يحيا الشخص معه حياة واحدة هي مزيج من جملة ألوان؛ لأن أعماله متعددة، وفضائله كثيرة، وسلطانه الروحيّ على السلوك ملموس، فلا غرو أن تتوجه عناية الأدباء والشعراء للتسطير عنه، فهو شهر كريم تناولوا فضله وبركته وامتيازه، وقد حملت لنا كتبنا وصحفنا نماذج من الفنون الأدبية عن رمضان وأعماله، فلرمضان بمظاهره المختلفة ومشاعره الإيمانية في نفوسهم آثار وجدانية ومظاهر عميقة خصيبة عبروا عنها في قصائدهم، وكتبوها في نثرهم المتنوع، وهذه الكتابات على اختلافها هي تمثيل صادق لما يختلج في نفوسهم تجاه شهر رمضان، فلم يكن شهراً كباقي الشهور، بل كان شمساً جديدة تدور في فلكها رحلة الثقافة والروحانيات، حاملة أنواره إلى بقية أيام السنة. ليس الهدف من هذا المقال أن نستوفي كل آثار المعاصرين في الكلام عن رمضان، لكن حسبنا أن ندلل على أن هذا الشهر الفضيل قد شغل مساحة وحيزاً من كتابة وتفكير أدبائنا، فنستطيع أن نرسم ملامح وخطوطاً للأدب الرمضاني مشفوعاً ببعض النصوص المختارة من كتابتهم.
الرافعي
يسمي أيامه بالأيام القلبية التي "متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح".
أحمد حسن الزيات
عقد المقارنة بينه وبين بقية شهور السنة بقوله: "إذا كان المرهفون قد استقبلوا في إبريل ربيع الحواس، والمترفون قد استقبلوا في يونيو ربيع الغرائز، فإن المؤمنين استقبلوا في رمضان ربيع الأرواح، وربيع الحواس في الرياض زهور وعطور وفتنة؛ وربيع الغرائز على الشواطئ فجور وغرور ولذة؛ وربيع الأرواح في المساجد صيام وقيام ونسك. لذلك كان رمضان في الشرع الإلهي طهوراً من رجس العام، وهدنة في حرب القوت، وروحاً في مادية الحياة".
العقاد
ويرى محمود عباس العقاد في كتابه "حياة قلم" صوم رمضان فريضة اجتماعية مع كونه فرضاً على كل مكلف من المكلفين؛ لأنه "موعد معلوم من العام لترويض الجماعة على نظام واحد من المعيشة، وعلى نمط واحد من تغيير العادات، وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهمية للنظام ولتغيير العادات شهراً في كل سنة، تتلاقى فيه على سنن واحد في الطعام واليقظة والرقاد، وما يستتبع ذلك من أهبة الجماعة كلها لهذا الشهر خلال العام"، ويستنبط العقاد من رسالة الصوم تعزيز الإرادة لدى الشخص، فكلمة "الإرادة وحدها تلخص آداب رمضان، ولا تحتاج إلى إسهاب في تفسيرها وتعديد أنواعها".
محمد رجب البيومي
يطلق عنان قلمه السيال، فينهال وصفاً لأثر رمضان في النفوس، وما يتمتع به الشهر من منزلة: "طيبة في نفوس الكثرة الغالبة من المسلمين، فأنت تراه ضيفاً محبوباً يستقبل حين قدومه بشتى مظاهر المحبة والابتهاج، ويودع حين رحيله بدموع الحسرة والالتياع"، إلى أن يستمر أستاذنا في وصفه الدقيق لأحوال أهله، حتى يشبهه بالحرم، فيطلق على أيامه ولياليه "حرم رمضان"، وكما أن حرم مكة يحرم فيه اقتراف الموبقات، والمعاصي فيه أشد جرماً من غيره فكذلك رمضان، ويؤكد على حقيقة مرئية مستقرة في نفوسنا، فلا "نزال نرى بأعيننا الفسقة والعصاة من المؤمنين يجترحون السيئات ويقترفون الموبقات، حتى إذا وجدوا أنفسهم في حرم رمضان ضجت ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وارتعدت فرائصهم من خشية الله، ولزموا حلقات الدروس في المساجد يستنشقون روائح الجنة من نسمات هذا الشهر المبارك".
محمد فريد وجدي
وللأستاذ فريد وجدي كلام حسن عن ثمرة الصيام الجسدية والروحية، فيربطه بفوائده الطبية على الجسد في قوله: "وقد هُدي الأطباء أخيراً إلى ما في الصوم من فائدة عظيمة في دفع الأمراض، وإعادة توازن القوى الحيوية، فقرروا التعويل عليه في حالات لا يغني فيها سواه"، ويستفيد منه الصائمون في سلوكهم الروحي مع ربهم عز وجل؛ لأنها "تفتح للنفس منفذاً إلى عالم التقديس، وتعرضه للنفحات الإلهية، فيكتسب قوة على مقاومة دواعي الشهوات، ومكافحة عوامل المغريات، فلا يخرج من شهر رمضان إلا وقد اكتسب روحاً جديدة إذا كانت لا تكفي أن تقيمه على الصراط دفعت به إليه، وبتوالي السنين يستقيم عليه، ويصبح واحداً من أهل الاتجاه الصحيح للغايات البعيدة التي أعدها الله لهذا الإنسان".
طه حسين
رصد الأستاذ طه حسين في "الأيام" مظاهر السلوك والتغيير التي تطرأ عليه في شهر رمضان، فقد كانت أمنيته أن يخلو إلى طعامه في صغره، "ولكنه لم يكن يجرؤ على أن يعلن إلى أهله هذه الرغبة، على أنه خلا إلى بعض الطعام أحياناً كثيرة، ذلك في شهر رمضان وفي أيام المواسم الحافلة، حين كان أهله يتخذون ألواناً من الطعام حلوة"، ويتكلم طه حسين أيضاً في كتابه "ألوان" عن نظام الإجازة في رمضان، والذي كان يطلق عليها "المسامحة"، فيقول: "وكنا نعرف المسامحات الطوال حين يقبل فصل الصيف، وحين يظل شهر رمضان أساتذة الأزهر وتلاميذه أثناء الشتاء، والمسامحات القصار حين تعود الأعياد وتظل المواسم".
عبد العزيز البشري
يذكر البشري في "قطوفه" البرنامج اليومي الرمضاني في مدينتي القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن الكبيرة، فالعادة في هذه المدن "تستحيل إذا جنّ الليل في رمضان كتلة من النور، النور في أفنية الدور وفي غرفها وحجراتها، وعلى رؤوس الأبواب، ثم في الشوارع من المصابيح العامة، ومن المصابيح التي يضطرب بها الأولاد صبية وصبايا"، ثم يتحدث عن أصوات القرآن العالية المنبعثة من النوافذ المفتوحة ذات المصابيح المنيرة، وتأتي في الليل صلاة العشاء والتراويح، وبعدها "الأناشيد البديعة التي يتغنى بها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيهما الثريات"، ويقبل الناس عليها بعد سحورهم، وفي ذلك وقت يبدأ برنامجهم العلمي في تفسير الآيات القرآنية وشرح الأحاديث النبوية، وتنتهي هذه المجالس بجملة "والله أعلم"، لينتظموا بعدها صفوفاً للاستماع لصوت أشهر القراء.
عبد الوهاب عزام
ويرسم لنا السفير عبد الوهاب عزام صورة فريدة عن ارتباط رمضان بعادات وتقاليد معينة في بعض البلدان في كتابه "النفحات" حيث قال: "دعينا إلى الإفطار في دار زاهد حسين رئيس بنك الدولة الباكستاني، ولقيت هناك جماعة ممن أعرف، وآخرين ممن اتصلت بيني وبينهم المودة. وأفطرنا على شراب وفاكهة وقهوة. والإفطار هنا وجبة خفيفة منفصلة عن العشاء، وبعد صلاة المغرب جلسنا نتحدث نحو عشرين دقيقة، ثم قمنا إلى المائدة. تحدثنا قبل المائدة وبعدها أحاديث شتَّى"، ويصف الاحتفاء بصلاة التراويح في باكستان بقوله: "يحتفلون بالتراويح، ويجتمعون لها في المساجد وفي الحدائق".
إبراهيم المازني
ومن ألوان الأدب الساخر عن رمضان ما جاء عن إبراهيم المازني في حديث شيق عن عائلته وأولاده وما يلاقيه من صنوف الأوجاع بسببهم: "ليقل مَن شاء ما شاء، فإني أعتقد أن الله تعالى يغفر لي ذنوبي وخطاياي جميعاً جزاء لي على صبري في رمضان. ومن كان له أولاد كأولادي، وخدم كخدمي، فإن هؤلاء شفاعة كافية له بلا نزاع".
علي الطنطاوي
لا تخلو بعض كتابتهم عن نقد عادات رمضانية، وتهكم على بعض التقاليد التي لا يستهويها البعض، قد تكون حسنة من وجهة أناس، بينما آخرون يرون فيها إزعاجاً، فهذا الأستاذ علي الطنطاوي يشتدّ في نكيره على "المسحراتي" في قوله: "فإذا سكت الراد في الساعة الثانية عشرة وحاولت أن تنام، لم تمر نصف ساعة حتى يجئ "أبو طبلة" هذه الآفة التي لا دافع لها، المسحر الذي ضاقت به الصناعات والمهن فلم يجد له صنعة إلّا أن يحمل طبلًا ثم يأتي نصف الليل ليقرع به رأسك، ويوقظك من منامك، وأعجب العجب أن يعترف المجتمع بهذه الصنعة ويعدها من الصناعات المقررة، ويوجب عليك أن تقول له: أشكرك، وأن تدفع له في آخر الشهر أجرته على أن حطم أعصابك، وكسر دماغك".
إنّ رمضان بكل أحواله وأعماله شهر مبارك، ولأفضاله تناوله الأدباء بكلماتهم النفيسة، وأوصافهم العذبة، فذكروا سموه على بقية الشهور، وامتيازه بعادات مجتمعية تختلف عن غيره من أيام السنة.
د. علي زين العابدين الحسيني
فهو أجمل ما في الزمان، ومناسبة سنوية عزيزة يلتقي فيها الجميع تحت مظلة مشاعر واحدة، وأعجب ما فيه أنه يحيا الشخص معه حياة واحدة هي مزيج من جملة ألوان؛ لأن أعماله متعددة، وفضائله كثيرة، وسلطانه الروحيّ على السلوك ملموس، فلا غرو أن تتوجه عناية الأدباء والشعراء للتسطير عنه، فهو شهر كريم تناولوا فضله وبركته وامتيازه، وقد حملت لنا كتبنا وصحفنا نماذج من الفنون الأدبية عن رمضان وأعماله، فلرمضان بمظاهره المختلفة ومشاعره الإيمانية في نفوسهم آثار وجدانية ومظاهر عميقة خصيبة عبروا عنها في قصائدهم، وكتبوها في نثرهم المتنوع، وهذه الكتابات على اختلافها هي تمثيل صادق لما يختلج في نفوسهم تجاه شهر رمضان، فلم يكن شهراً كباقي الشهور، بل كان شمساً جديدة تدور في فلكها رحلة الثقافة والروحانيات، حاملة أنواره إلى بقية أيام السنة. ليس الهدف من هذا المقال أن نستوفي كل آثار المعاصرين في الكلام عن رمضان، لكن حسبنا أن ندلل على أن هذا الشهر الفضيل قد شغل مساحة وحيزاً من كتابة وتفكير أدبائنا، فنستطيع أن نرسم ملامح وخطوطاً للأدب الرمضاني مشفوعاً ببعض النصوص المختارة من كتابتهم.
الرافعي
يسمي أيامه بالأيام القلبية التي "متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح".
أحمد حسن الزيات
عقد المقارنة بينه وبين بقية شهور السنة بقوله: "إذا كان المرهفون قد استقبلوا في إبريل ربيع الحواس، والمترفون قد استقبلوا في يونيو ربيع الغرائز، فإن المؤمنين استقبلوا في رمضان ربيع الأرواح، وربيع الحواس في الرياض زهور وعطور وفتنة؛ وربيع الغرائز على الشواطئ فجور وغرور ولذة؛ وربيع الأرواح في المساجد صيام وقيام ونسك. لذلك كان رمضان في الشرع الإلهي طهوراً من رجس العام، وهدنة في حرب القوت، وروحاً في مادية الحياة".
العقاد
ويرى محمود عباس العقاد في كتابه "حياة قلم" صوم رمضان فريضة اجتماعية مع كونه فرضاً على كل مكلف من المكلفين؛ لأنه "موعد معلوم من العام لترويض الجماعة على نظام واحد من المعيشة، وعلى نمط واحد من تغيير العادات، وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها هذه الأهمية للنظام ولتغيير العادات شهراً في كل سنة، تتلاقى فيه على سنن واحد في الطعام واليقظة والرقاد، وما يستتبع ذلك من أهبة الجماعة كلها لهذا الشهر خلال العام"، ويستنبط العقاد من رسالة الصوم تعزيز الإرادة لدى الشخص، فكلمة "الإرادة وحدها تلخص آداب رمضان، ولا تحتاج إلى إسهاب في تفسيرها وتعديد أنواعها".
محمد رجب البيومي
يطلق عنان قلمه السيال، فينهال وصفاً لأثر رمضان في النفوس، وما يتمتع به الشهر من منزلة: "طيبة في نفوس الكثرة الغالبة من المسلمين، فأنت تراه ضيفاً محبوباً يستقبل حين قدومه بشتى مظاهر المحبة والابتهاج، ويودع حين رحيله بدموع الحسرة والالتياع"، إلى أن يستمر أستاذنا في وصفه الدقيق لأحوال أهله، حتى يشبهه بالحرم، فيطلق على أيامه ولياليه "حرم رمضان"، وكما أن حرم مكة يحرم فيه اقتراف الموبقات، والمعاصي فيه أشد جرماً من غيره فكذلك رمضان، ويؤكد على حقيقة مرئية مستقرة في نفوسنا، فلا "نزال نرى بأعيننا الفسقة والعصاة من المؤمنين يجترحون السيئات ويقترفون الموبقات، حتى إذا وجدوا أنفسهم في حرم رمضان ضجت ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وارتعدت فرائصهم من خشية الله، ولزموا حلقات الدروس في المساجد يستنشقون روائح الجنة من نسمات هذا الشهر المبارك".
محمد فريد وجدي
وللأستاذ فريد وجدي كلام حسن عن ثمرة الصيام الجسدية والروحية، فيربطه بفوائده الطبية على الجسد في قوله: "وقد هُدي الأطباء أخيراً إلى ما في الصوم من فائدة عظيمة في دفع الأمراض، وإعادة توازن القوى الحيوية، فقرروا التعويل عليه في حالات لا يغني فيها سواه"، ويستفيد منه الصائمون في سلوكهم الروحي مع ربهم عز وجل؛ لأنها "تفتح للنفس منفذاً إلى عالم التقديس، وتعرضه للنفحات الإلهية، فيكتسب قوة على مقاومة دواعي الشهوات، ومكافحة عوامل المغريات، فلا يخرج من شهر رمضان إلا وقد اكتسب روحاً جديدة إذا كانت لا تكفي أن تقيمه على الصراط دفعت به إليه، وبتوالي السنين يستقيم عليه، ويصبح واحداً من أهل الاتجاه الصحيح للغايات البعيدة التي أعدها الله لهذا الإنسان".
طه حسين
رصد الأستاذ طه حسين في "الأيام" مظاهر السلوك والتغيير التي تطرأ عليه في شهر رمضان، فقد كانت أمنيته أن يخلو إلى طعامه في صغره، "ولكنه لم يكن يجرؤ على أن يعلن إلى أهله هذه الرغبة، على أنه خلا إلى بعض الطعام أحياناً كثيرة، ذلك في شهر رمضان وفي أيام المواسم الحافلة، حين كان أهله يتخذون ألواناً من الطعام حلوة"، ويتكلم طه حسين أيضاً في كتابه "ألوان" عن نظام الإجازة في رمضان، والذي كان يطلق عليها "المسامحة"، فيقول: "وكنا نعرف المسامحات الطوال حين يقبل فصل الصيف، وحين يظل شهر رمضان أساتذة الأزهر وتلاميذه أثناء الشتاء، والمسامحات القصار حين تعود الأعياد وتظل المواسم".
عبد العزيز البشري
يذكر البشري في "قطوفه" البرنامج اليومي الرمضاني في مدينتي القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن الكبيرة، فالعادة في هذه المدن "تستحيل إذا جنّ الليل في رمضان كتلة من النور، النور في أفنية الدور وفي غرفها وحجراتها، وعلى رؤوس الأبواب، ثم في الشوارع من المصابيح العامة، ومن المصابيح التي يضطرب بها الأولاد صبية وصبايا"، ثم يتحدث عن أصوات القرآن العالية المنبعثة من النوافذ المفتوحة ذات المصابيح المنيرة، وتأتي في الليل صلاة العشاء والتراويح، وبعدها "الأناشيد البديعة التي يتغنى بها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيهما الثريات"، ويقبل الناس عليها بعد سحورهم، وفي ذلك وقت يبدأ برنامجهم العلمي في تفسير الآيات القرآنية وشرح الأحاديث النبوية، وتنتهي هذه المجالس بجملة "والله أعلم"، لينتظموا بعدها صفوفاً للاستماع لصوت أشهر القراء.
عبد الوهاب عزام
ويرسم لنا السفير عبد الوهاب عزام صورة فريدة عن ارتباط رمضان بعادات وتقاليد معينة في بعض البلدان في كتابه "النفحات" حيث قال: "دعينا إلى الإفطار في دار زاهد حسين رئيس بنك الدولة الباكستاني، ولقيت هناك جماعة ممن أعرف، وآخرين ممن اتصلت بيني وبينهم المودة. وأفطرنا على شراب وفاكهة وقهوة. والإفطار هنا وجبة خفيفة منفصلة عن العشاء، وبعد صلاة المغرب جلسنا نتحدث نحو عشرين دقيقة، ثم قمنا إلى المائدة. تحدثنا قبل المائدة وبعدها أحاديث شتَّى"، ويصف الاحتفاء بصلاة التراويح في باكستان بقوله: "يحتفلون بالتراويح، ويجتمعون لها في المساجد وفي الحدائق".
إبراهيم المازني
ومن ألوان الأدب الساخر عن رمضان ما جاء عن إبراهيم المازني في حديث شيق عن عائلته وأولاده وما يلاقيه من صنوف الأوجاع بسببهم: "ليقل مَن شاء ما شاء، فإني أعتقد أن الله تعالى يغفر لي ذنوبي وخطاياي جميعاً جزاء لي على صبري في رمضان. ومن كان له أولاد كأولادي، وخدم كخدمي، فإن هؤلاء شفاعة كافية له بلا نزاع".
علي الطنطاوي
لا تخلو بعض كتابتهم عن نقد عادات رمضانية، وتهكم على بعض التقاليد التي لا يستهويها البعض، قد تكون حسنة من وجهة أناس، بينما آخرون يرون فيها إزعاجاً، فهذا الأستاذ علي الطنطاوي يشتدّ في نكيره على "المسحراتي" في قوله: "فإذا سكت الراد في الساعة الثانية عشرة وحاولت أن تنام، لم تمر نصف ساعة حتى يجئ "أبو طبلة" هذه الآفة التي لا دافع لها، المسحر الذي ضاقت به الصناعات والمهن فلم يجد له صنعة إلّا أن يحمل طبلًا ثم يأتي نصف الليل ليقرع به رأسك، ويوقظك من منامك، وأعجب العجب أن يعترف المجتمع بهذه الصنعة ويعدها من الصناعات المقررة، ويوجب عليك أن تقول له: أشكرك، وأن تدفع له في آخر الشهر أجرته على أن حطم أعصابك، وكسر دماغك".
إنّ رمضان بكل أحواله وأعماله شهر مبارك، ولأفضاله تناوله الأدباء بكلماتهم النفيسة، وأوصافهم العذبة، فذكروا سموه على بقية الشهور، وامتيازه بعادات مجتمعية تختلف عن غيره من أيام السنة.
د. علي زين العابدين الحسيني