في المقهى تتسع المعاني والطموحات باتساع الكلام والحوار، واتساع رؤية اصحابها وروادها. فإذا كان - عباس منسي- عبر مقهاه قد وسع الطريق الى بوابة التأريخ العام والخاص ، فإن ذاكرة- الحاج حبيب، والصرّاف، وسيد علي، واموري في كربلاء/ قد وسعت ألمكان ليكون مستقراً لطموحات الادباء والسياسيين وشيوخ العشائر والوجهاء والعلماء وطلبة العلم، سيما وانها تقابل ضريح الامام الحسين (ع) والمدينة دار علم ومزارات ومقدسات . فكل امرئ لابد من ان يتصل مع الناس بدخوله هذه الأماكن ليستكمل دورته المسائية التي ابتدأت في الصباح. فالموظف يلتحق بثلته عصراً من اجل ان يسمع او يدلو بدلوه عن هموم دائرته واسرار الرواتب والعلاوات واوامر نقل السياسيين ، فالجلاس يلتقطون الصور والنفائس من الاخبار لتكون مادة جلساتهم ، بينما الاخرون تشغلهم السياسة والادب ، فيلتفون لشأن لهم فيها، فها هو جاسم المنكوشي الذي يحمل إرثه السياسي الذي يعتد به، يجلس متربعاً على الأريكة، حيث يبدو تعباً لكنه يقظ، ففي مقهى الصراف جلسته ، المقهى المزدان جدرانه باللوحات الفريدة التي تحتوي على مناظر للطبيعة من الشمال والجنوب تظهر فيها قمم الجبال والثلوج واشجار الغابات، والمشاحيف واعواد البردي وصورة تلك المراة بائعة اللبن بزيها العربي وصدرها المرمري الناهد، وتاجها المتميز بمرصعاته التي تناقل الناس اخبارها حتى غدت ديكوراً سردياً لكل جدار في المقاهي. كما وتتزين سقوفها بالثريات ذات القطع العديدة والمثيرة، بينما مراوحها السقفية تنتمي الى زمن بعيد فهي - انكليزية- الصنع ، تحيط جدراها رفوف حوت المزهريات واواني الشاي والسماورات والفرفوريات باحجام متباينة ونقوش تزين جوانبها، والمنكوشي- اعتاد عليها، فشغله الشاغل السياسة وانتخابات نقابة المعلمين ممثلاً فيها، يستقبل أقرانه، متحدثاً في شؤون السياسة وهموم المعلمين المهنية، وقد يأتيه حسن مردشوري، مع فتية آخرين، همهم القضية الفلسطينية وادبيات رموزها المتمثلة بالمنظمات ، فهذا مع جورج بوش وذاك مع حواتمة او احمد جبريل وهكذا تتوالى فعالياتهم داخل المقهى او خارجها على آرائك مقهى الصراف الصيفي المقابل حيث موقد الحطب الذي يعد الجمر لكأس الناركيله وجدار الفضاء المعلقة عليه، القامشيات الملونة التي تبرز نهاياتها مثل رضاعات الحليب، والزجاجيات تصطف على الدكة السيراميكية نظيفة صقيلة مشوبة برسوم ملونة، والمنكوشي يبقى ساهماً منتظراً يثني ساقيه تحته، واضعاً كفاً تحت خده ، متأملاً في بحر من التصورات فلا ينبهه سوى، محمد عصمان، محيياً (كيفك ياأبو عادل.. ؟) فيجيب : الحمد الله، فمحمد عصمان يخرجه من عزلته اللذيذة في سؤال متورط في رأسه عن حدث سياسي او اجتماعي حيث يطول الحوار، فما ان يتزايد عدد الرواد من الأصدقاء ، حتى تزداد الاصوات خاصة بعد خروجه من التوقيف مثلاً فمنهم من زاره في البيت، ومنهم من يلتقيه في المقهى إذ يطول الحديث وتكثر الاسئلةـ ولا يهمه في ذلك إلا العام من الهموم .
او قد ترى الشاعر المخضرم، شاكر البدري وهو يرصف نسيج ديوانه، زوارق الكحلاء ، ممسكاً بنسخة منه، مقلباً صفحاته، منشداً لجلاسه من شعره، الجميع يصغون ، ويصفون، بينما يعلق أحدهم من بعيد ، متورط مع البدري الذي لا يكل من جمع الردود المحكومة بالبداهة والعفوية، فقد نسى المعلق بأن البدري لا يسلم من لسانه أحد، العارف والمعروف وصانع النوادر والطرف، والمحتفظ بأسلوبه اللاذع والناقد ثم شاعريته الاصيلة والمتينة تشفع له باسكات أي لسان يفتح بوابة الكلام، وما يميزه هي الوقفة في الكلام، حيث يعطيه شكلاً في الاداء متميزاً بالشد والجهر والانفعال، فهو لا يتوقف في عبارته وهو يلقي الشعر، بل يطول به المشوار، مستمرئاً الاصغاء، مشمراً ذراعيه، مغيراً أيقاع صوته بما يضفيه من عذوبه وطرافة وجد. وحيث يدخل الرواد تباعاً الى المقهى يبدأ المكان بالازدحام ليزاحم ويخلي ساحة الهدوء التي كان يتمتع بها، المنكوشي، لكن المساء يستقبلهم ويشير الى فرحتهم التي حانت للتجوال في منعطفات المدينة واسواقها الضيقة، بينما يتجمع الفتية في مقهى اموري، مجاور مكتبة الاهالي، لصالح عوينات او في مقهى كبير مقابل ساحة الامام علي، كتب على واجهة زجاجه الباحث والشاعر ، سلمان هادي طعمة، مقهى الادباء، وهذا ما ورد على لسان الجميع والعهدة على القائل فهو الحريص على ثقافة البلد والمدينة، والمتسقط عبر مؤلفاته أدق الاخبار والسير. في المقهى يلتقي كل من الشاعر، صاحب الشاهر وطامي عباس وجاسم عاصي، وقد يلتحق بهم الشاعر، محمد علي الخفاجي، الذي يتناوب مع الشاعر الكلام، والطرافة ليتحول المكان الى فرح طاغ وبهيج ، فهؤلاء وغيرهم يتحولون من مقهى الى آخر ، يلتقون هذا في الصراف، وذاك في مقهى الحاج حبيب، ويسلمون على جلاس مقهى سيد علي ، ومقاهي بغداد والنجف، يسهرون حتى ما بعد منتصف الليل، لذا فحلم الكلمة والسياسة ما يشد رؤيا هؤلاء الفتية والكهول.
وقد نجد في رواد مقهى سيد علي، خليطاً من الموظفين والمثقفين والكسبة واصحاب الحرف كالبنانيين ، فالمقهى صغير لكن ما يشفع له المقترف وحجارة الرصيف، فقد توزعت الكراسي الصغيرة ، سهلة النقل دونما ظهر، يجلس عليها المرء حتى تصل ركبته الى حنكه، والمقهى زاخر على صغره بمثل ما هو موجود في المقاهي الاخرى. وما يميز رواده هو هموم السفر الذي اعتاد عليه معلمو كربلاء، فالسياسة في رحاب العالم شغلهم الشاغل، وتفاجأ إذا زرت مقهى الحاج حبيب أول مرة، سيما حيث تحط رحالك من سفر طويل، زائراً او تاجراً ا أوباحثاً عن مخطوطة، او ناهلاً من علوم الدين، فالمقهى لا يشبهه سوى مقهى البلدية في بغداد والذي كان مجاوراً لوزارة الدفاع، وبوابته الصغيرة على رأس فرع الشارع المؤدي الىا محكمة الشعب، دار الحكمة حالياً، هذا الاتساع ينفتح عل زوايا وعمق ووسط للجميع حق اشغاله لكن ما يميز رواده كونهم من وجهاء المدينة وشيوخ عشائرها وعلمائها، فهو محطتهم الاولى ان دخلوا او خرجوا من المدينة فدالتهم في اللقاء مقهى الحاج حبيب ، فأنت تجد فيه ما يوفر لك الجو للقراءة والكتابة وهكذا كنا نفعل بعيداً عن الضجيج مختارين الزوايا القصية منه لايزاحمها فيه احد ، إذ يتوفر لك الزمن بهدوئه ورصانته وفيضه.
هكذا تشكلت صورة المكان، المقهى، في ذاكرة الأجيال، سيما ان المتجول الآن وهو يبحث عن ملاذ كما كان، يصاب بخيبة الامل فأين يلتقي أصدقاءه ورفاق كلمته، اين هم صحبه؟، فقد توزعوا فلا يمر سوى في مقهى سيد علي، القائمة، حيث يتوزع الرواد على ارض مقتربها المفروش بالبسط العربية (الحياكة) او على الكراسي الصغيرة سهلة الحمل، بعد ان ينشغل آخر مكان على أخر اريكة في داخله، هكذا وانت تمر على عجالة او تأتي لتلاحظ عدداً من ذوي الدشاديش صقيلة البياض وهم يحملون اقداح الشاي ، شاي مقهى سيد علي اللذيذ، الذي لا يقل خصماً عن شاي المسعودي، قرب جمعية الموظفين في السوق نفسه.
او قد ترى الشاعر المخضرم، شاكر البدري وهو يرصف نسيج ديوانه، زوارق الكحلاء ، ممسكاً بنسخة منه، مقلباً صفحاته، منشداً لجلاسه من شعره، الجميع يصغون ، ويصفون، بينما يعلق أحدهم من بعيد ، متورط مع البدري الذي لا يكل من جمع الردود المحكومة بالبداهة والعفوية، فقد نسى المعلق بأن البدري لا يسلم من لسانه أحد، العارف والمعروف وصانع النوادر والطرف، والمحتفظ بأسلوبه اللاذع والناقد ثم شاعريته الاصيلة والمتينة تشفع له باسكات أي لسان يفتح بوابة الكلام، وما يميزه هي الوقفة في الكلام، حيث يعطيه شكلاً في الاداء متميزاً بالشد والجهر والانفعال، فهو لا يتوقف في عبارته وهو يلقي الشعر، بل يطول به المشوار، مستمرئاً الاصغاء، مشمراً ذراعيه، مغيراً أيقاع صوته بما يضفيه من عذوبه وطرافة وجد. وحيث يدخل الرواد تباعاً الى المقهى يبدأ المكان بالازدحام ليزاحم ويخلي ساحة الهدوء التي كان يتمتع بها، المنكوشي، لكن المساء يستقبلهم ويشير الى فرحتهم التي حانت للتجوال في منعطفات المدينة واسواقها الضيقة، بينما يتجمع الفتية في مقهى اموري، مجاور مكتبة الاهالي، لصالح عوينات او في مقهى كبير مقابل ساحة الامام علي، كتب على واجهة زجاجه الباحث والشاعر ، سلمان هادي طعمة، مقهى الادباء، وهذا ما ورد على لسان الجميع والعهدة على القائل فهو الحريص على ثقافة البلد والمدينة، والمتسقط عبر مؤلفاته أدق الاخبار والسير. في المقهى يلتقي كل من الشاعر، صاحب الشاهر وطامي عباس وجاسم عاصي، وقد يلتحق بهم الشاعر، محمد علي الخفاجي، الذي يتناوب مع الشاعر الكلام، والطرافة ليتحول المكان الى فرح طاغ وبهيج ، فهؤلاء وغيرهم يتحولون من مقهى الى آخر ، يلتقون هذا في الصراف، وذاك في مقهى الحاج حبيب، ويسلمون على جلاس مقهى سيد علي ، ومقاهي بغداد والنجف، يسهرون حتى ما بعد منتصف الليل، لذا فحلم الكلمة والسياسة ما يشد رؤيا هؤلاء الفتية والكهول.
وقد نجد في رواد مقهى سيد علي، خليطاً من الموظفين والمثقفين والكسبة واصحاب الحرف كالبنانيين ، فالمقهى صغير لكن ما يشفع له المقترف وحجارة الرصيف، فقد توزعت الكراسي الصغيرة ، سهلة النقل دونما ظهر، يجلس عليها المرء حتى تصل ركبته الى حنكه، والمقهى زاخر على صغره بمثل ما هو موجود في المقاهي الاخرى. وما يميز رواده هو هموم السفر الذي اعتاد عليه معلمو كربلاء، فالسياسة في رحاب العالم شغلهم الشاغل، وتفاجأ إذا زرت مقهى الحاج حبيب أول مرة، سيما حيث تحط رحالك من سفر طويل، زائراً او تاجراً ا أوباحثاً عن مخطوطة، او ناهلاً من علوم الدين، فالمقهى لا يشبهه سوى مقهى البلدية في بغداد والذي كان مجاوراً لوزارة الدفاع، وبوابته الصغيرة على رأس فرع الشارع المؤدي الىا محكمة الشعب، دار الحكمة حالياً، هذا الاتساع ينفتح عل زوايا وعمق ووسط للجميع حق اشغاله لكن ما يميز رواده كونهم من وجهاء المدينة وشيوخ عشائرها وعلمائها، فهو محطتهم الاولى ان دخلوا او خرجوا من المدينة فدالتهم في اللقاء مقهى الحاج حبيب ، فأنت تجد فيه ما يوفر لك الجو للقراءة والكتابة وهكذا كنا نفعل بعيداً عن الضجيج مختارين الزوايا القصية منه لايزاحمها فيه احد ، إذ يتوفر لك الزمن بهدوئه ورصانته وفيضه.
هكذا تشكلت صورة المكان، المقهى، في ذاكرة الأجيال، سيما ان المتجول الآن وهو يبحث عن ملاذ كما كان، يصاب بخيبة الامل فأين يلتقي أصدقاءه ورفاق كلمته، اين هم صحبه؟، فقد توزعوا فلا يمر سوى في مقهى سيد علي، القائمة، حيث يتوزع الرواد على ارض مقتربها المفروش بالبسط العربية (الحياكة) او على الكراسي الصغيرة سهلة الحمل، بعد ان ينشغل آخر مكان على أخر اريكة في داخله، هكذا وانت تمر على عجالة او تأتي لتلاحظ عدداً من ذوي الدشاديش صقيلة البياض وهم يحملون اقداح الشاي ، شاي مقهى سيد علي اللذيذ، الذي لا يقل خصماً عن شاي المسعودي، قرب جمعية الموظفين في السوق نفسه.