في أواخر التسعينيات نظّم المعهد الفرنسي بالدار البيضاء لقاء ثقافيا مع ثلاثة صحفيين فرنسيين لتناول موضوع يتعلق بالإعلام. ساهم في اللقاء الصحفي والكاتب المعروف جان بيار كوفمان، والذي كان قد تعرض للاختطاف في لبنان سنة 1985 قبل إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات. كان اللقاء مفيدا ودقيقا. وعندما سنحت الفرصة للنقاش، طرح أحد الحاضرين سؤالا تبيّـن من خلاله أن السائل خلط فيه بين أسماء المتدخلين. أجابه كوفمان بطريقة لا تخلو من دعابة:
– بخلطك للأسماء ستكون صحفيا غير مرغوب فيك.
وطبعا فالجواب لم يرق لصاحب السؤال. لكن المغزى من ذلك أن البعض كثيرا ما يستهين بكتابة الأسماء ويخلط بينها. فالخلط الذي وقع فيه هذا السائل والمتعلق بالأسماء، أصبح شائعا في السنين الأخيرة. وإذا كان الأمر لا يظهر بحدة في اللقاءات الشفوية الصغيرة، إلا أنه قد يأخذ أبعادا محرجة حين يتعلق الأمر بكتابات أدبية أو جامعية. وقد يمتد الحال من الخلط في الأسماء إلى الغلط في كتابتها. وهذا هو الأدهى، خاصة إذا تعلق الأمر بصحفي من العيب أن يخطئ في كتابة الأسماء. هكذا، على سبيل المثال، سبق أن قرأنا الخلط بين “يوسفي” و”اليوسفي”، و”الصقلي” و”الصقيلي”، و”البحتري” و”البحتوري”. بينما الصواب هنا هو التمسك بكتابة الاسم وفق الشكل الذي ورد به في بطاقة زيارة، أو في وثيقة رسمية، أو مثلا في غلاف كتاب، إذا كان المعني بالأمر كاتبا أو جامعيا أو شخصية معروفة.
في النصف الثاني من السبعينيات كنت صحفيا شابا، حديث العهد بالمهنة حين التحقت بمحطة الإذاعة الجهوية بعين الشق، تحت الإدارة المباشرة للمرحوم محمد الماجدولي، مدير المحطة، فكان حين يبعثني لتغطية وصول الوفود الأجنبية بالمطار، يوصيني أن أطلب من الضيف بطاقة الزيارة (كارت فزيت)، حتى لا يحصل لي أي التباس في كتابة اسم الضيف وفي صفته. فالخطأ في هذا الجانب غير مسموح به على الإطلاق، اعتبارا طبعا لتبعاته المهنية المحتملة. ومنذ ذلك الوقت، وحتى بعد تقاعدي من عمل آخر، بقيت حريصا على العمل بفكرة الراحل الماجدولي، فأطلب بطاقة الزيارة بالنسبة لعلاقاتي الشخصية أو في إطار الاتصالات التي أجريها بخصوص كتاباتي البحثية.
***
لقد صدر مؤخرا كتاب قيم بخصوص ما يمكن تسميته “مجزرة الأسماء”، لكن للأسف، وككثير من الكتب المفيدة، حجبت عنه أضواء الإعلام. يتعلق الأمر بكتاب الناقد الحبيب الدائم ربي، وعنوانه “جروح سرية”. هذا الكتاب، وهو من القطع الصغير، ينبغي، في رأيي المتواضع، اقتراح تدريسه في معاهد الإعلام، وقد تناول فيه صاحبه مسألة وضع الأسماء وكتابتها، ومشكلاتها، سواء بالمغرب أو بدول أخرى، مع إعطاء أمثلة كثيرة وطريفة. فهو إذن مدخل لتشريح ندوب الأسماء الشخصية والعائلية من خلال النموذج المغربي. بل إن الكاتب نفسه، بحكم تركيبة اسمه، عاش حكايات غريبة يرويها. فبقدرة قادر، تم تحريف اسمه في بعض الجرائد و المجلات من الحبيب الدائم ربي إلى أشكال لم تخطر له على بال، من قبيل: الحبيب الدايم الله، أو حبيب الله الدايم، أو الدايم ربو حبيب.. حتى إن الأمر أصبح وفق الخاطر، فمن أعجبه شكل معين لكتابة اسم اعتمده دونما حاجة للرجوع إلى الوضع الصحيح.
بل يروي الأستاذ الحبيب الدائم ربي في كتابه المذكور أن هناك من اعتبره تونسيا لكونهم هناك يحبون اسم “الحبيب”، ومن اعتبره هو والكاتب التونسي عبد الدايم السلامي شخصية واحدة. واعتبره آخرون كاتبا من اليمن وذو قرابة عائلية مع الكاتب “حبيب عبد الرب سروري” الأستاذ بالجامعة الفرنسية. وسماه الناقد محمد الدغمومي “الحبيب سيدي ربي”. ويُضيف المؤلف أنه ذات يوم بعيد أرسل مادة للنشر إلى حسن نجمي، المشرف وقتها على الملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي”، وفعلا نشرت المساهمة لكن مصحوبة بتعليق يقول “إن هذا الكاتب المتمكن ربما يتخفى وراء اسم مستعار”..
شخصيا أيضا عانيت وما زلت من هذا الخلط، فيسميني البعض “اجماهيري”، وآخرون “الجماهيري”، والبعض “جمهري”. وأحيانا يسألني البعض: “وما علاقتك بالجماهيري مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي؟”، فأصحح لهم أن مدير جريدة “الاتحاد الاشتراكي” ليس اسمه “الجماهيري”، ثم أشرح لهم بكل بساطة بأن العلاقة، فضلا عن رابطة المودة التي تجمع بيننا، تختلف في حرف ألف ساكنة، فأنا “اجماهري” وهو “جماهري”، وتلك أسرار الحالة المدنية التي لا يعرفها الناس.
وحدث في 29 ماي 2020، أن أحد الصحفيين في أسبوعية فرنكفونية هي “T.Q” أخطأ في الفرز بين “المصطفى اجماهري” و”عبد الحميد جماهري” مدير جريدة “الاتحاد الاشتراكي”. إذ كان هذا الأخير قد أدلى بتصريح على إثر وفاة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي نوّه فيه بالخصال الإنسانية للزعيم الراحل، وسرد بعض ذكرياته بالقرب منه، لكن تصريحه نُشر مع صورتي واسمي الشخصي.
وعطفا على موضوع اللقب العائلي، أتذكر أنني طرحت على والدي رحمه الله (المزداد بالجديدة سنة 1910 والمتوفى بها سنة 2000) سؤالا حول تشابه اسمه العائلي “اجماهري”، مع أسماء أسر مغربية أخرى في مراكش والمحمدية ووجدة، في غياب أية علاقة قرابة معروفة بينها، فأجابني بالقول إن كثيرا من أفراد عائلته كانوا، في القرن التاسع عشر، يذهبون للحج في القوافل مرورا بفاس ووجدة، حيث يدوم سفرهم بين الذهاب والإياب شهورا عديدة، ومنهم من لا يرجع إلى بيته ويظل حيث يطيب له العيش أو تقوده الظروف. وفي غياب وسائل النقل والاتصال يظل مصير بعضهم مجهولا إلى الأبد. وهذه على كل حال وجهة نظر قد تحتمل الخطأ كما قد تحتمل الصواب.
لكن ما يدعو إلى الغرابة والاستغراب حقا لهو ما أصبح يلاحظ في كثير من البحوث الجامعية من لامبالاة بضبط كتابة الأسماء. بل قد تقدم هذه الأعمال للمناقشة دون تدقيق من صاحبها، ولا من الأستاذ المشرف ولا من لجنة المناقشة. بل لربما انتهت بالصدور في كتاب مستقل دونما تدارك لتلك الأخطاء.
المصطفى اجماهري
– بخلطك للأسماء ستكون صحفيا غير مرغوب فيك.
وطبعا فالجواب لم يرق لصاحب السؤال. لكن المغزى من ذلك أن البعض كثيرا ما يستهين بكتابة الأسماء ويخلط بينها. فالخلط الذي وقع فيه هذا السائل والمتعلق بالأسماء، أصبح شائعا في السنين الأخيرة. وإذا كان الأمر لا يظهر بحدة في اللقاءات الشفوية الصغيرة، إلا أنه قد يأخذ أبعادا محرجة حين يتعلق الأمر بكتابات أدبية أو جامعية. وقد يمتد الحال من الخلط في الأسماء إلى الغلط في كتابتها. وهذا هو الأدهى، خاصة إذا تعلق الأمر بصحفي من العيب أن يخطئ في كتابة الأسماء. هكذا، على سبيل المثال، سبق أن قرأنا الخلط بين “يوسفي” و”اليوسفي”، و”الصقلي” و”الصقيلي”، و”البحتري” و”البحتوري”. بينما الصواب هنا هو التمسك بكتابة الاسم وفق الشكل الذي ورد به في بطاقة زيارة، أو في وثيقة رسمية، أو مثلا في غلاف كتاب، إذا كان المعني بالأمر كاتبا أو جامعيا أو شخصية معروفة.
في النصف الثاني من السبعينيات كنت صحفيا شابا، حديث العهد بالمهنة حين التحقت بمحطة الإذاعة الجهوية بعين الشق، تحت الإدارة المباشرة للمرحوم محمد الماجدولي، مدير المحطة، فكان حين يبعثني لتغطية وصول الوفود الأجنبية بالمطار، يوصيني أن أطلب من الضيف بطاقة الزيارة (كارت فزيت)، حتى لا يحصل لي أي التباس في كتابة اسم الضيف وفي صفته. فالخطأ في هذا الجانب غير مسموح به على الإطلاق، اعتبارا طبعا لتبعاته المهنية المحتملة. ومنذ ذلك الوقت، وحتى بعد تقاعدي من عمل آخر، بقيت حريصا على العمل بفكرة الراحل الماجدولي، فأطلب بطاقة الزيارة بالنسبة لعلاقاتي الشخصية أو في إطار الاتصالات التي أجريها بخصوص كتاباتي البحثية.
***
لقد صدر مؤخرا كتاب قيم بخصوص ما يمكن تسميته “مجزرة الأسماء”، لكن للأسف، وككثير من الكتب المفيدة، حجبت عنه أضواء الإعلام. يتعلق الأمر بكتاب الناقد الحبيب الدائم ربي، وعنوانه “جروح سرية”. هذا الكتاب، وهو من القطع الصغير، ينبغي، في رأيي المتواضع، اقتراح تدريسه في معاهد الإعلام، وقد تناول فيه صاحبه مسألة وضع الأسماء وكتابتها، ومشكلاتها، سواء بالمغرب أو بدول أخرى، مع إعطاء أمثلة كثيرة وطريفة. فهو إذن مدخل لتشريح ندوب الأسماء الشخصية والعائلية من خلال النموذج المغربي. بل إن الكاتب نفسه، بحكم تركيبة اسمه، عاش حكايات غريبة يرويها. فبقدرة قادر، تم تحريف اسمه في بعض الجرائد و المجلات من الحبيب الدائم ربي إلى أشكال لم تخطر له على بال، من قبيل: الحبيب الدايم الله، أو حبيب الله الدايم، أو الدايم ربو حبيب.. حتى إن الأمر أصبح وفق الخاطر، فمن أعجبه شكل معين لكتابة اسم اعتمده دونما حاجة للرجوع إلى الوضع الصحيح.
بل يروي الأستاذ الحبيب الدائم ربي في كتابه المذكور أن هناك من اعتبره تونسيا لكونهم هناك يحبون اسم “الحبيب”، ومن اعتبره هو والكاتب التونسي عبد الدايم السلامي شخصية واحدة. واعتبره آخرون كاتبا من اليمن وذو قرابة عائلية مع الكاتب “حبيب عبد الرب سروري” الأستاذ بالجامعة الفرنسية. وسماه الناقد محمد الدغمومي “الحبيب سيدي ربي”. ويُضيف المؤلف أنه ذات يوم بعيد أرسل مادة للنشر إلى حسن نجمي، المشرف وقتها على الملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي”، وفعلا نشرت المساهمة لكن مصحوبة بتعليق يقول “إن هذا الكاتب المتمكن ربما يتخفى وراء اسم مستعار”..
شخصيا أيضا عانيت وما زلت من هذا الخلط، فيسميني البعض “اجماهيري”، وآخرون “الجماهيري”، والبعض “جمهري”. وأحيانا يسألني البعض: “وما علاقتك بالجماهيري مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي؟”، فأصحح لهم أن مدير جريدة “الاتحاد الاشتراكي” ليس اسمه “الجماهيري”، ثم أشرح لهم بكل بساطة بأن العلاقة، فضلا عن رابطة المودة التي تجمع بيننا، تختلف في حرف ألف ساكنة، فأنا “اجماهري” وهو “جماهري”، وتلك أسرار الحالة المدنية التي لا يعرفها الناس.
وحدث في 29 ماي 2020، أن أحد الصحفيين في أسبوعية فرنكفونية هي “T.Q” أخطأ في الفرز بين “المصطفى اجماهري” و”عبد الحميد جماهري” مدير جريدة “الاتحاد الاشتراكي”. إذ كان هذا الأخير قد أدلى بتصريح على إثر وفاة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي نوّه فيه بالخصال الإنسانية للزعيم الراحل، وسرد بعض ذكرياته بالقرب منه، لكن تصريحه نُشر مع صورتي واسمي الشخصي.
وعطفا على موضوع اللقب العائلي، أتذكر أنني طرحت على والدي رحمه الله (المزداد بالجديدة سنة 1910 والمتوفى بها سنة 2000) سؤالا حول تشابه اسمه العائلي “اجماهري”، مع أسماء أسر مغربية أخرى في مراكش والمحمدية ووجدة، في غياب أية علاقة قرابة معروفة بينها، فأجابني بالقول إن كثيرا من أفراد عائلته كانوا، في القرن التاسع عشر، يذهبون للحج في القوافل مرورا بفاس ووجدة، حيث يدوم سفرهم بين الذهاب والإياب شهورا عديدة، ومنهم من لا يرجع إلى بيته ويظل حيث يطيب له العيش أو تقوده الظروف. وفي غياب وسائل النقل والاتصال يظل مصير بعضهم مجهولا إلى الأبد. وهذه على كل حال وجهة نظر قد تحتمل الخطأ كما قد تحتمل الصواب.
لكن ما يدعو إلى الغرابة والاستغراب حقا لهو ما أصبح يلاحظ في كثير من البحوث الجامعية من لامبالاة بضبط كتابة الأسماء. بل قد تقدم هذه الأعمال للمناقشة دون تدقيق من صاحبها، ولا من الأستاذ المشرف ولا من لجنة المناقشة. بل لربما انتهت بالصدور في كتاب مستقل دونما تدارك لتلك الأخطاء.
المصطفى اجماهري
مجزرة الأسماء الشخصية - السؤال الآن
المصطفى اجماهري في أواخر التسعينيات نظّم المعهد الفرنسي بالدار البيضاء لقاء ثقافيا مع ثلاثة
assoual.com