د. أحمد الحطاب - السياسة! أبينا أم كرهنا، إما تُفرض علينا وإما نخضع لها!

هذا هو الواقع في هذا البلد السعيد. بمعنى أننا لا نملك حق اختيار السياسة التي نريد والتي تستجيب لمصالح البلاد والعباد. ومَن يقول عكس هذا، فهو كاذب يكذب على نفسه وعلى الغير. ومَن يقول عكسَ ذلك، وهو مُدركٌ لِما يقول، فإنه منافقٌ وله مآرب يسعى إلى تحقيقها من خلال السياسة. قد يقول قائل ما الفائدة من الانتخابات؟

الانتخابات ما هي إلا مسرحية مٌحكمَةُ الإخراج. مسرحية لذرِّ الرماد على العيون وإيهام المواطنين بأن مشهدَنا السياسي فيه ديمقراطية. لماذا؟ لأن الانتخابات تتم في مشهد سياسي سيطر عليه تزاوجُ السلطة والمال. وإذا التقى هذان العنصران في مجال السياسة، ثصبح هذه الأخيرة نفعيةً utilitariste وانتهازية opportuniste. نفعية، فقط، لمَن يمارسها. وانتهازية لأنها مبنية على تربًّص الفرص التي تعود بالنفع، فقط، على مَن هم مسيطرون على السلطة والمال.

وبعبارة أوضح، هذا النوع من السياسة المبني على السيطرة على السلطة والمال يُحدِث في المجتمع ثنائيةَ القوة/الضُّعف على أن تكونَ القوةُ لصالح المسيطرين، وأن يكونَ الضُّغفُ من نصيب المواطنين. وللإشارة، هذه هي الثنائية التي تُحرِّك المشهد السياسي في هذا البلد السعيد.

وكيف يفرض السياسيون المسيطرون على السلطة والمال سياستَهم على المواطنين؟

للإجابة على هذا السؤال، يمكن تشبيهُ المسيطرين بعملاقٍ وضع رِجلا في البرلمان والرِّجل الأخرى في الحكومة لتكونَ كلمتُه هي العليا في تدبير الشأن العام. وحتي يُحكِمََ السيطرةَ على جميع عناصر المشهد السياسي، قبض بيده اليُمنى الجماعات التُّرابية وباليد اليُسرى الأحزاب السياسية الأكثر حضورا ونفوذا في ذات المشهد. فماذا بقي للمواطنين في هذا المشهد السياسي؟

لم يبقَ لهم إلا العنصرُ الثاني من الثنائية، المشار إليها أعلاه، ألا وهو الضُّعف. فما عليهم، طواعيةً أو كُرهاً، إلا أن يخضعوا لهذه السياسة. والواقع يبيِّن بوضوح هذا الخضوع! وخير مثال أسوقه، في هذا الصدد، هو غلاء الأسعار.

فكم اشتكى المواطنون والنقابات وبعض الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك من هذا الغلاء. فماذا فعل السياسيون المسيطِرون على السلطة والمال؟

كل ما قدموه من حلول ليس إلا ذرُّ الرماد على العيون بينما الحلول الحقيقية الناجعة والحاسمة لم يجرؤوا حتى على الحديث عنها. لماذا؟ لأنها، بكل بساطة، تسير ضد مصالحهم. وحتى حبن تمَّت مناقشةُ هذا الغلاء في البرلمان، بقيت الأسعار، إلى يومنا هذا، على ما كانت عليه.

وحتى المعارضة التي، من المفروض، أن تهُزَّ الدنيا علاقةً بموضوع الأسعار، فإنها مشمولةٌ بالعنصر الثاني من الثنائية، ألاَ وهو الضعف. بالفعل، إنها معارضةٌ كان جلُّ أحزابها السياسية من صنَّاعِ أو من المشاركين في صُنعِ تزاوج السلطة والمال. وبين عشيةٍ وضحاها، وجدت هذه الأحزاب نفسَها في معارضة لم تتعوَّد على ممارستها. فبالإضافة إلى الضُّعف، فإنها مشلولة الأيدي.

قد أقول، وبدون تردُّدٍ، أن مشهدَنا السياسي سيبقى على حالِه ما دامت الأحزاب السياسية لخَّصت كل مبادئها في مبدأ واحد و وحيد ألا وهو التسابق إلى احتلال مراكز السلطة من أجل السلطة. وما دامت كذلك جعلت من تزاوج هذه السلطة مع المال عنصرا من إِحكام قبضتها على المشهد السياسي.

فلا غرابة أن لا يتغيَّرَ شيءٌ في المشهد السياسي وأن تبقى دارُ لقمان على حالِها من الناحية الاجتماعية على الخصوص. فكيف سيفكِّر المسيطرون على السلطة والمال في قضايا اجتماعية لا تنتفع منها مصالحُهم؟ فلا غرابةَ كذلك أن يعمَّ الفسادُ في جميع مرافق الحياة اليومية للمواطنين. نعم، تزاوج السلطة والمال لا يمكن أن يعيشَ بدون فساد!

لقد صدق La Fontaine حين قال : "إن حُجَّةَ القوي هي دائما الأفضل" la raison du plus fort est toujours la meilleure"، أي أن المُسيطرين على المال والسلطة هم دائما الأقوى في المشهد السياسي. يفرضون سياستًهم على المواطنين الذين ما عليهم إلا الخضوعَ لها أبوا أم كرِهوا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى