مصطفى نصر - كتابي الأول.. الصعود فوق جدار أملس

الصعود فوق جدار أملس


بدأت بكتابة الرواية، كتبت روايات كثيرة وأنا صغير، ثم مزقتها ورميتها بعد سنوات، وكتبت قصصاً قصيرة متأثرا بما كنت أقرأه، خاصة في مجلة صباح الخير، وبدأت في كتابة روايتي الأولي " الصعود فوق جدار أملس" في عام 1970، كنت متأثراً فيها بأشياء كثيرة، هزيمتنا العسكرية في حرب 67، وقراءاتي الكثيرة للكاتب الإنجليزي كولن ولسون، وما حكته لي زوجة عمي من أن امرأة في غربال وأخيها قد قتلا أمهما ورميا جثتها في المجاري.
لكن السبب المباشر في كتابتها، أنني شعرت بحالة أسى وإحباط، وقررت أن أحصل على إجازة من الشركة التي كنت أعمل بها، وأسافر إلى الصعيد لزيارة جدي وجدتي، لكن زميلا لي في العمل - كان يدير لوكاندة كبيرة في المنشية - دعاني لقضاء عدة أيام بها، ذهبت إليه قضيت يوماُ واحداً، كانت اللوكاندة في شارع قريب جدا من شارع البير المشهور ببيوت الدعارة، والحانات الكثيرة، والعالم اللاهي، والسينمات الكثيرة حوله: ركس والشرق وكونكورد والكوزمو. جو دفعني لكي أبدأ في كتابة الرواية التي أأجل كتابتها منذ وقت طويل.
عائلة منحلة، امرأة جميلة متزوجة من رجل مسن، يعاقر الخمر معظم الوقت، أنجب منها ابنه نبيل الذي يميل إلى الفن والأدب، ويرسب كثيرا في كلية الهندسة التي يدرس فيها، وفتاة أحبت صديق أخيها بجنون، لكن الأم طردته وألبت عليه أهل الحي حتى تركه وسكن بعيدا، لكن الفتاة لم تستطع نسيانه. وفتاة صغيرة تحب شابا ليبيا، يزورهم كثيرا في غربال.
كانت الأم على علاقة بشاب والده يمتلك بلانصات في البحر، ويمتلك زريبة لتربية الأبقار والجواميس في مواجهة بيتها، والده تزوج من راقصة من راقصات كازيونات كورنيش البحر، فقتلها الشاب بمعاونة عمه، إنقاذا لمال والده الذي تريد أخذه منه، وعندما أفرجوا عن الشاب بكفالة، استدعت المرأة الكهربائي وعملت زينة وأنوار على شرفتها وغنت في الميكرفون أمام كل أهل الحي من أجل عشيقها. كان عشيقها يدخل البيت ويخرج منه دون خوف، بعد أن طردت زوجها، في يوم تشاجر هذا الشاب مع أبنها وبنتيها، وضربوه، وهي حاولت منعه من ضربهم، فسكر وأخذ يصيح في الشارع حتى وقع، نقلوه لأقرب مستشفى لكنه مات.
كان يخفى النقود التي يسرقها من أبيه عندها، فاشترت بعد أن مات هذه اللوكاندة، وجاءت بالشاب الذي تحبه أبنتها ليدير اللوكاندة، ثم رغبت فيه ليكون عشيقها، كنت من خلال حب نبيل للفن والثقافة، أعلق على بعض المواقف كهزيمتنا في حرب 67.
كتبت جزءً كبيرا ًمنها، على الآلة الكاتبة، وأعطيته لصديقي محمد السيد عيد الذي كان مجندًا بالجيش في ذلك الوقت هو ورجب سعد السيد وقد أستأجرا شقة بالقاهرة ليقضيا فيها أجازاتهما، فقرأ محمد السيد عيد ما كتبته، وتركه في الشقة وعاد إلى الجيش، وعندما جاء رجب سعد إلى الشقة قرأ ما كتبته وظن أن محمد السيد عيد هو الذي كتبه.
00
تزوجت عام 1972، وهجرت عالم الأدب، لم أعد أذهب لحضور الندوات الأدبية، ولا أقابل أدباء إلا صدفة بالطريق، وقابلت رجب سعد السيد الذي كان يسكن قريبا من بيتي، فأبدي إعجابه بالرواية، وجعلني أبحث عن نسخة منها لتناقش في قصر ثقافة الحرية، وقرأها يوم المناقشة معه الدكتور السعيد الورقي الذي تحمس للرواية، وتحدث عنها بإعجاب شديد جعل كل الموجودين يتمنون قراءتها، فاتفقت معي السيدة عوطف عبود مديرة الثقافة في ذلك الوقت على طبع الرواية، في عدد خاص من مجلة " الكلمة " التي كانت تصدرها مديرية الثقافة ويرأس تحريرها الدكتور أحمد أبوزيد، على أن أحصل على أعلان بثلاثين جنيها، وبالفعل جئت لها بموافقة على إعلان بثلاثين جنيها، لكن الرواية لم تطبع، ولا أدري للآن لماذا لم تطبع، فقد طلبني الأستاذ محمد غنيم مدير الثقافة في آخر يوم عمل له في القصر قبل سفره كملحق ثقافي في أميركا، وقال لي أمام عواطف عبود:
- هي التي لا تريد طبع الرواية، وأنا بقول لك أمامها.
فلم أسأل عن تغير موقفها، وإن كنت أعتقد أن بعض زملائي في الندوة المهمين، والمؤثرين قد هددوها بعدم حضور الندوة لو طبعت لي رواية، وكان أحدهم يقول لي ونحن نازلين درجات القصر: حايطبعولك رواية؟!
فخافت من ألا يحضروا الندوات، كما أنني غير مؤثر في الندوة، فأنا لا أتصدي لمناقشة كتاب، وقلما أعلق أو أقول رأيي في الندوة، كل ما أفعله أن أقرأ قصة، أو يناقشوا لي رواية.
أخذت نص الرواية، وبحثت عن طريقة أخرى للنشر، فدلني البعض على أقلام الصحوة التي كان يديرها الأديب محمود عوض عبد العال، فذهبت لمقابلته في بيته بباكوس، فشرح لي الخطوات المطلوبة: أولا: فنان يرسم الغلاف، ثم قال لي:
- ما يهمكش حاكلملك عصمت داوستاشي، وهو صديقي، علشان يرسم لك الغلاف.
ثانيا: موافقة المباحث، وذهبت مع سعيد سالم إلى مباحث أمن الدولة بشارع الفراعنة وقابلنا المقدم يحيي تعلب، الذي كان يعرف سعيد من قبل، فرحب بنا، وأعطاني كرتا فيه رقم تليفونه، طالبا مني زيارته في أي وقت، وختم الرواية بختم يصرح بالطبع.
ذهبت مع محمود عوض إلى أتيليه الكتاب والفنانين لمقابلة عصمت داوستاشي في حجرته، فرحب بي، وأخذ نسخة الرواية ليقرأها، وحدد لي يوم الاثنين 21 مارس 1977 لتسليم الرسم.
ذهبت إلى الاتيليه في ذلك اليوم، لكنه لم يأت، ظللت أنتظره لساعات ولم يأت،
وأكتشفت أن من حظي العاثر أن جدته - أم والده - التي يحبها وقضى في بيتها طفولته وجزء من شبابه قد ماتت في ذلك اليوم.
وتقابلنا بعد ذلك وسلمني الرسم، كان رسماً جميلا وبديعا، رسوم باللون الأسود، ورسوم باللون الأحمر، يتم مزجهما معا، بطول الغلاف، وعنوان الرواية واسمي جزء من الرسم.
قالوا لي لابد من عمل زنكوغراف، وكان يحضر ندوة الأثنين في قصر ثقافة الحرية رجل يعمل في مطبعة، فأخذني إلى شارع العطارين إلى صانع زنكوغراف اسمه متى، أمسك الرسم هو ومن معه في الدكان وأخذوا يتشاورون، فالرسم على شكل مربع، والغلاف على شكل مستطيل، واتفقوا أخيراً على أن يكتب اسم الرواية بالأسود، والباقي يطبع على شكل مربع باللون الأحمر. وبذلك لن يحدث مزج بين الأسود والأحمر كما رسم وتصور عصمت داوستاشي. وقد كان يقصد أن يطبع الرسم على مساحة الغلاف وجزء من الغلاف الخلفي، لكن السادة المستشارين في دكان متى فسروا هذا كما شاءوا وأفسدوا طبع الرسم الجميل الذي رسمه لي.
سلمت الرواية ورسم الغلاف إلى مطبعة شريف، خلف كلية العلوم بمحرم بك، نفس المكتبة التي طبع فيها سعيد سالم روايته الأولى جلامبو.( وكانت معظم مطابع الإسكندرية تطبع كتبا عن عبد الحليم حافظ، فقد مات خلال هذه الأيام )
وعندما تم طبع الرواية، ذهبت إلي المقدم يحيي تعلب حاملاً عدد النسخ المطلوبة، لكنه أخذ نسخة واحدة ليقرأها، وختم على أخرى بختم يصرح بالنشر.
وبذلك طبعت أول كتاب لي في حياتي.
استلم توزيع جريدة الجمهورية الكتاب من المطبعة، وطالبوني ببطاقة ضريبية، فاستعنت ببطاقة الأديب السيد الهبيان، كان الكتاب يباع بخمسة عشر قرشا، كتب الأستاذ ماهر قنديل مقالة عن الرواية في مجلة حواء في 17 سبتمبر 1977بعد صدور الكتاب بأسابيع قليلة ومقالة للدكتور السعيد الورقي في مجلة أمواج ومقالة للسيد حافظ في مجلة البيان الكويتية ومقالة في مجلة هنا الإسكندرية التي كانت تصدرها إذاعة الإسكندرية وكتب عنها سلطان محمود في مجلة أكتوبر وأحمد محمد عطية في مجلة المعرفة السورية ثم في مجلة القاهرة وعبد الله هاشم في مجلة الكلمة التي كانت تصدرها مديرية الثقافة بالإسكندرية وكتب عن الرواية الصديق محمود قاسم في مجلة الطليعة الأدبية العراقية في يونيه 1985 مقالة بعنوان " ثلاثية المكان في روايات مصطفى نصر "؛كتب فيها عن الصعود فوق جدار أملس والجهيني وجبل ناعسة. وكتب عنها الكثير بعد ذلك منهم: الدكتور مجدي توفيق في كتاب أبحاث مؤتمر أدباء الأقاليم الذي أقيم في الإسكندرية، وعبد العال الحمامصي والدكتور محمد مصطفى هدارة في جريدة الأخبار. ومحمد السيد عيد وشوقي بدر يوسف في مجلة الثقافة الجديدة. ضمن ملف خاص بي صدر في يونيو1992.
وقد نشرت مجلة الموعد في ذلك الوقت خبراً يقول: شريف عرفة، المخرج السينمائي الشاب يأمل أن يخرج من الأزمة النفسية التي عاشها بعد سقوط فيلمه " الدرجة الثالثة " وذلك عندما يرى نجاح الفيلم الذي بدأ الآن أخراجه وهو " الرخام" قصة الأديب السكندري مصطفى نصر وسيمثل دوري البطولة في الفيلم النجمان محمود عبد العزيز وليلى علوي.
ونشرت مجلة روز اليوسف نفس الموضوع، فقد أعجب السيناريست ماهر عواد والمخرج شريف عرفة برواية الصعود فوق جدار أملس، وقررا تحويلها إلى فيلم سينمائي، وتغيير اسم الفيلم إلى الرخام. لكن لم أقابلهما، ولا أعرف ما الذي حدث بعد ذلك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

أعلى