د. أحمد الحطاب - يريدون أن نكون صورة طبق الأصل لهم!

يظنون أو يتعمدون الظن بأننا أجساد بلا عقول أو دُميات يسيرونها كما يشاؤون.

إنهم الحكام، رجال الدين، الفقهاء، أصحاب السلطة والمال والسياسيون (أنا لا أعمِّم. لا يزال في هذه الدنيا ناس شرفاء. أنا أتحدث عن من يستغلون مواقعهم لتخدير عقول الناس).

يريدون أن نفكر مثلَهم، أن نسير بكيفية عمياء في الطريق الذي رسموه ويرسمونه لنا، أن لا نستعملَ عقولَنا التي هي نِعمة من النِّعم التي أنعم الله بها على بني آدم ليفرقوا بين الحق والباطل وبين الفساد والصلاح وبين الطيب والخبيث وبين الحق والكذب… مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنكبوت، 43) أو مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (،المائدة، 100). الألباب هي العقول النَّيِّرة.

وفوق كل هذا، يريدون أن نتحول إلى نِعَاجٍ أو دواب يسوقونها حسب أهوائهم وحاجاتهم المُعلنة وغير المعلنة. نِعاج لا تنطق إلا بِنَعَمْ وتطأطئ الرأسَ وترى المعروف منكرا والمنكر معروفا.

إنهم يستغلون استغلالا فاحشا أميةَ الناس وجهلَهم ليجعلونهم يبتلعون بسهولة مقتَهم ومكرَهم غير العلنيين.

إن كل ما يهمُّهم هو أن يبقى الناس في دار "غفلون" ليحافظوا على مواقعهم وامتيازاتهم وليصولوا ويجولوا كما يشاؤون ضاربين عرض الحائط كل القيم الأنسانية، الأخلاقية والوطنية.

وفي نفس الوقت، إنهم يعيشون في هلع خوفا من المقولة الشهيرة التي تقول : "إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر".

الحُكام والسياسيون الفاسدون يتمنون أن يكون العالمُ كله فاسدا لتبرير فسادهم وممارسته بدون عناء واعتراض.َ وهكذا يكون الفساد مُقتسَما بين الناس وكل طرف يجني منه نصيبَه حسب موقعه الاجتماعي وحسب نفوذه كما كان ذلك سائدا في المجتمعات الإقطاعية.

رجال الدين والفقهاء يتصرَّفون مع الغير وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة بينما هذه الأخيرة لا يعلمها إلا الله وحده سبحانه وتعالى. بل إنهم، سامحهم الله، يوحون للناس بأنهم يتصرفون بوصاية من الله بينما الله سبحانه وتعالى غني عنهم وعن غيرهم، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت، 6).

أصحابُ السلطة والمال لا يرون في البلاد إلا غنيمةً قابلة للقسمة أو بقرة حلوب ولا يرون في المواطنين إلا خُدَّأما لهم ولمصالحهم. يعبثون بالمال العام ويتصرَّفون فيه بدون حسيب ولا رقيب، مستغلين مواقعَهم السياسية وفرحين بغيابَ "ربط المسئولية بالمحاسبة".

فلنكن صورةً لأنفسنا لأنه لا يوجد فوق هذه البسيطة شخصان يتشابهان فكريا ومعنويا مائة بالمائة و لو كانا توأمين!

يا أبها الحٌكام والسياسيون ويا أيها رجال الدين والفقهاء ويا أصحابَ السلطة والمال! أذكِّركم بالحديث النبوي الذي نصُُّه : "لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين". إن استطعتم أن تُخدِّروا عقولَ الناس في ماضٍ بعيد وقريب، فاعلموا أن الحاضرَ ليس هو الماضي لا البعيد ولا القريب. العقول تطوَّرت وتتطوَّر. وبحُكم هذا التَّطوُّر، فهذه العقول ترى العالم بعين مغايرة لتلك التي تعوَّدتم على غرسها inculquer في أدمغة الناس، طواعيةً أو كُرعا. الماضي ليس هو الحاضر وليس هو المستقبل. وتذكَّروا قولَ الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد، 11).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى