كلما ظهر تجمع أدبي تتداعى إلى الذهن جملة الشاعر الراحل «أمل دنقل»: «فإن الجماد يضم الجماد ليحميه من مواجهة الناس»، فإطلاق مقولة الجيل الأدبي أو الجماعات الأدبية أو المجلات المستقلة، تندرج في إطار الحماية، والبحث عن شبيه، لمواجهة الثقافة السائدة، التي تفرزها المؤسسة الرسمية، وقد عرفت مصر هذا النموذج طوال تاريخها، بداية من أربعينات القرن العشرين، إلى مطلع الألفية الثالثة، لكن الغاية من التأسيس تختلف في الحالين، ففي وقت واحد شهدت الحياة الثقافية المصرية في بداية العام 2000، إطلاق جماعات أدبية في مختلف محافظات مصر، وحملت أسماء مثل «إضافة - إطلالة - آدم - الكل - مغامير»، وبدا الهدف من إطلاق هذه الجماعات هو التغلب على معضلة تصلب شرايين النشر في المؤسسات الثقافية الرسمية، فلم تكن هناك أفكار خاصة بالكتابة، مختلفة عن السائد في الساحة، وقد انفضت بالفعل هذه الجماعات بعد أن أصدرت العديد من الكتب لأعضائها، دون أن تترك أثراً لفكرة متمردة خارجة عن السياق «فكأنها وكأنهم أحلام».
هناك تفسير لظهور هذه الجماعات الأدبية الجديدة، يؤكد أن فشل هذه الجماعات وعدم استمراريتها، يعود إلى أسباب منها افتقاد الرؤية الفكرية المتقاربة، «فالجماعة تقوم على أساس أن من يحاول الدخول إلى دائرة السلطة عليه أن يكوِّن جماعة قد تكون متجانسة فيما بينها أو مختلفة، إلا أنها تشكل جبهة في مواجهة الثابت أو القديم»، فهذه الجماعات التي شهدتها أقاليم مصر، والتي أشرنا إليها، لم تكن تملك مشروعاً فنياً، لذا سرعان ما تبخرت، شأنها شأن جماعات وحركات أدبية ظهرت بالتوازي في القاهرة، مثل «حركة شعراء غضب»، التي أعلنت ميلادها في منتصف العام 2011 ودشنها مجموعة من الشعراء المنتمين إلى قصيدة النثر، وأغلبهم، إن لم يكن جلهم، خرج من رحم مجلة أدبية، أصدرها الشاعر «هشام قشطة» تحت اسم «الكتابة الأخرى»، وصدر منها ما يزيد على عشرين عدداً بشكل غير دوري، وتزامن هذا الإصدار مع حرب الخليج الثانية.
جيل «حركة شعراء غضب» هذا أقام الملتقيين الأول والثاني لشعراء قصيدة النثر، وحدثت مهازل أبسطها ما جرى من انقسام الملتقى الواحد إلى اثنين في دورته الثانية، وأقساها تبادل الشتائم بين أعضاء اللجنة التحضيرية للملتقى، ووسط هذا سعى عدد من أبناء هذا الجيل إلى إعلان «حركة شعراء غضب»، التي أصدرت بيانها التأسيسي الأول، ونظمت ندوة أو اثنتين لشعرائها، وأشار المؤسسون في البيان إلى أن «الحركة ستمثل كياناً ثقافياً مستقلاً يسعى إلى التعبير عن حيوية الثقافة المصرية، وتؤكد انحيازها الجمالي والمعرفي لتيارات التجديد في الشعر المصري على نحو خاص».
نلجأ هنا إلى تحليل الباحث الفرنسي «ريشار جاكمون»، الذي أنجز كتاباً عنوانه «بين كتبة وكتاب.. الحقل الأدبي في مصر المعاصرة»، فهو يرى أن «مجموع الكتاب الذين يريدون التحقق وإثبات الوجود على الساحة الأدبية، يندرجون ضمن استراتيجية جماعية، من أجل كسب السلطة الرمزية في داخل الحقل الأدبي، ثم تتمزق حينما يرى بعض أعضائها أنهم حققوا أنفسهم، وحازوا الشهرة التي أرادوها، فينفصلون عن الجماعة، بعدما يرون أنهم لم يعودوا في حاجة إلى الرافعة التي شكلتها الجماعة».
ذهبت «حركة غضب» إلى مكان غير معروف، وانفض الجمع الذي أثبت أن آخر محاولة للعمل الثقافي الجماعي في مصر كانت في منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان روادها جيل السبعينات الشعري، الذي التف حول مشروع جمالي وفني جديد للقصيدة، تجلى في تأسيس جماعتي «إضاءة 77» و«أصوات»، وقد أفرزت هاتان الجماعتان شعراء تصدروا المشهد الشعري في مصر والوطن العربي، وانفتحوا على المنجز الشعري في غير مكان عربي، من المحيط إلى الخليج، هؤلاء الشعراء هم: حلمي سالم، حسن طلب، عبد المنعم رمضان، أمجد ريان، رفعت سلام، أحمد طه، محمد عيد إبراهيم، جمال القصاص، وغيرهم، وقد حاول الشاعر حلمي سالم - قبل رحيله ببضع سنوات - إعادة إحياء التجربة، لكن الزمن كان غير الزمن، وبات لكل شاعر مشروعه الفردي الذي يسعى لترسيخه.
هناك تفسير لما حدث من انفراط لعقد الجماعة، وفشل المحاولات التالية، بما في ذلك ما جرى مع جماعتي «إضاءة 77» و«أصوات» يلخصه الشاعر أمجد ريان في التالي، فهو يرى أن «التعددية أصبحت ملمحاً أساسياً من شتى ملامح الحياة، في السياسة والعلوم والثقافة، حيث يتجزأ كل كيان إلى كيانات أصغر، فلم نعد نرى منهجاً واحداً أو تياراً واحداً يستطيع قيادة الحياة، وقد تبخرت الجماعات الأدبية والفنية الآن، أي أنها قد بدأت تفقد وهجها، بل تفقد جدواها ووجودها».
ويوضح أن هذه الجماعات كان لها دور فعال في الحياة العربية في الفترة التي اشتعل فيها أوار الحداثة، أي في مرحلة السبعينات، وهي المرحلة التي تبنى فيها معظم الفنانين والكتاب قضية الحداثة، فالحداثيون كانوا يجمعون أفكارهم لاستلهام «قوة» تواجه التقليديين الذين يحاربون التجديد، أما الآن فلم يعد لهذه الجماعات وجود، والسبب هو أن الحداثة نفسها لم تعد لها المركزية في تلك العقود.
استطاعت «جماعة أبولو» أن تقدم للمكتبة العربية شعراء مدرسة الرومانتيكية في الوطن العربي، والفضل في ذلك يرجع إلى مؤسسها الشاعر أحمد زكي أبو شادي، فرغم اختلاف قصيدتهم عن «مدرسة الإحياء والبعث»، إلا أنهم لم يصطدموا بشعرائها، واختاروا أحمد شوقي أباً روحياً لهم، عكس «مدرسة الديوان» التي أسسها عبد الرحمن شكري والعقاد والمازني، فقد بدا أن تأسيس هذه المدرسة أو الجماعة جاء خصيصاً لمهاجمة تجربة أحمد شوقي الشعرية، وفي الحالين تكمن دوافع إطلاق الجماعة، أي جماعة.
وفي الستينات عندما أصدر أبناء هذا الجيل مطبوعة «جاليري 68»، كانت هناك فكرة الاختلاف عن الكتاب المنتمين إلى الثقافة الرسمية، لكن الجماعات التي تشكلت بعد حقبة السبعينات افتقدت مبررات وجودها، لذا ذهبت مع الريح.
هناك تفسير لظهور هذه الجماعات الأدبية الجديدة، يؤكد أن فشل هذه الجماعات وعدم استمراريتها، يعود إلى أسباب منها افتقاد الرؤية الفكرية المتقاربة، «فالجماعة تقوم على أساس أن من يحاول الدخول إلى دائرة السلطة عليه أن يكوِّن جماعة قد تكون متجانسة فيما بينها أو مختلفة، إلا أنها تشكل جبهة في مواجهة الثابت أو القديم»، فهذه الجماعات التي شهدتها أقاليم مصر، والتي أشرنا إليها، لم تكن تملك مشروعاً فنياً، لذا سرعان ما تبخرت، شأنها شأن جماعات وحركات أدبية ظهرت بالتوازي في القاهرة، مثل «حركة شعراء غضب»، التي أعلنت ميلادها في منتصف العام 2011 ودشنها مجموعة من الشعراء المنتمين إلى قصيدة النثر، وأغلبهم، إن لم يكن جلهم، خرج من رحم مجلة أدبية، أصدرها الشاعر «هشام قشطة» تحت اسم «الكتابة الأخرى»، وصدر منها ما يزيد على عشرين عدداً بشكل غير دوري، وتزامن هذا الإصدار مع حرب الخليج الثانية.
جيل «حركة شعراء غضب» هذا أقام الملتقيين الأول والثاني لشعراء قصيدة النثر، وحدثت مهازل أبسطها ما جرى من انقسام الملتقى الواحد إلى اثنين في دورته الثانية، وأقساها تبادل الشتائم بين أعضاء اللجنة التحضيرية للملتقى، ووسط هذا سعى عدد من أبناء هذا الجيل إلى إعلان «حركة شعراء غضب»، التي أصدرت بيانها التأسيسي الأول، ونظمت ندوة أو اثنتين لشعرائها، وأشار المؤسسون في البيان إلى أن «الحركة ستمثل كياناً ثقافياً مستقلاً يسعى إلى التعبير عن حيوية الثقافة المصرية، وتؤكد انحيازها الجمالي والمعرفي لتيارات التجديد في الشعر المصري على نحو خاص».
نلجأ هنا إلى تحليل الباحث الفرنسي «ريشار جاكمون»، الذي أنجز كتاباً عنوانه «بين كتبة وكتاب.. الحقل الأدبي في مصر المعاصرة»، فهو يرى أن «مجموع الكتاب الذين يريدون التحقق وإثبات الوجود على الساحة الأدبية، يندرجون ضمن استراتيجية جماعية، من أجل كسب السلطة الرمزية في داخل الحقل الأدبي، ثم تتمزق حينما يرى بعض أعضائها أنهم حققوا أنفسهم، وحازوا الشهرة التي أرادوها، فينفصلون عن الجماعة، بعدما يرون أنهم لم يعودوا في حاجة إلى الرافعة التي شكلتها الجماعة».
ذهبت «حركة غضب» إلى مكان غير معروف، وانفض الجمع الذي أثبت أن آخر محاولة للعمل الثقافي الجماعي في مصر كانت في منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان روادها جيل السبعينات الشعري، الذي التف حول مشروع جمالي وفني جديد للقصيدة، تجلى في تأسيس جماعتي «إضاءة 77» و«أصوات»، وقد أفرزت هاتان الجماعتان شعراء تصدروا المشهد الشعري في مصر والوطن العربي، وانفتحوا على المنجز الشعري في غير مكان عربي، من المحيط إلى الخليج، هؤلاء الشعراء هم: حلمي سالم، حسن طلب، عبد المنعم رمضان، أمجد ريان، رفعت سلام، أحمد طه، محمد عيد إبراهيم، جمال القصاص، وغيرهم، وقد حاول الشاعر حلمي سالم - قبل رحيله ببضع سنوات - إعادة إحياء التجربة، لكن الزمن كان غير الزمن، وبات لكل شاعر مشروعه الفردي الذي يسعى لترسيخه.
هناك تفسير لما حدث من انفراط لعقد الجماعة، وفشل المحاولات التالية، بما في ذلك ما جرى مع جماعتي «إضاءة 77» و«أصوات» يلخصه الشاعر أمجد ريان في التالي، فهو يرى أن «التعددية أصبحت ملمحاً أساسياً من شتى ملامح الحياة، في السياسة والعلوم والثقافة، حيث يتجزأ كل كيان إلى كيانات أصغر، فلم نعد نرى منهجاً واحداً أو تياراً واحداً يستطيع قيادة الحياة، وقد تبخرت الجماعات الأدبية والفنية الآن، أي أنها قد بدأت تفقد وهجها، بل تفقد جدواها ووجودها».
ويوضح أن هذه الجماعات كان لها دور فعال في الحياة العربية في الفترة التي اشتعل فيها أوار الحداثة، أي في مرحلة السبعينات، وهي المرحلة التي تبنى فيها معظم الفنانين والكتاب قضية الحداثة، فالحداثيون كانوا يجمعون أفكارهم لاستلهام «قوة» تواجه التقليديين الذين يحاربون التجديد، أما الآن فلم يعد لهذه الجماعات وجود، والسبب هو أن الحداثة نفسها لم تعد لها المركزية في تلك العقود.
استطاعت «جماعة أبولو» أن تقدم للمكتبة العربية شعراء مدرسة الرومانتيكية في الوطن العربي، والفضل في ذلك يرجع إلى مؤسسها الشاعر أحمد زكي أبو شادي، فرغم اختلاف قصيدتهم عن «مدرسة الإحياء والبعث»، إلا أنهم لم يصطدموا بشعرائها، واختاروا أحمد شوقي أباً روحياً لهم، عكس «مدرسة الديوان» التي أسسها عبد الرحمن شكري والعقاد والمازني، فقد بدا أن تأسيس هذه المدرسة أو الجماعة جاء خصيصاً لمهاجمة تجربة أحمد شوقي الشعرية، وفي الحالين تكمن دوافع إطلاق الجماعة، أي جماعة.
وفي الستينات عندما أصدر أبناء هذا الجيل مطبوعة «جاليري 68»، كانت هناك فكرة الاختلاف عن الكتاب المنتمين إلى الثقافة الرسمية، لكن الجماعات التي تشكلت بعد حقبة السبعينات افتقدت مبررات وجودها، لذا ذهبت مع الريح.