حليم الفَرَجي - دمية أبي

رحل أبي؛ كنا أطفالًا صغارًا حينها، ولم نكن نعي ماذا يعني رحيل الآباء.
في تلك الليلة صنعت لنا أمي دمية ضخمة. وخاطت لها وجهًا باسمًا، والعديد من الأيدي ووضعتها في صحن الدار، مع الوقت ألفنا هذه الدمية التي ألبستها أمي قميص والدي وإزاره. وأبقتها متجهة دائمًا باتجاه الباب الخارجي.
كانت دمية أبي تراقب........ طيلة الوقت. وتبقى واقفة ليل نهار وكأن مهمتها حمايتنا ..
تلك الأذرع الطويلة باتت تضمنا على صدر الدمية كلما اقتربنا منها لنقبلها.
بل أنها تخبئ لنا الهدايا مع الأعياد. وتربت على رؤوسنا كلما كنا بحاجة للدفء ..
رحلت أمي بعد أن كسى الشيب رأسها، ووهن عظمها، ولم تخبرنا سر هذه الدمية التي أصبحت فرداً من أفراد البيت..
مضت الأعوام عجلى؛ كبرنا جدًا أصبح لكل منا بيتًا مستقلًا، زوجة وأطفالا.
تفرقنا ولم نعد نزور بيتنا القديم، ونسينا أو تناسينا أمر الدمية.
صباح هذا اليوم وصلنا أمر ازالة لبيتنا القديم من البلدية؛ هاتفت أخوتي واتفقنا على اللقاء هناك لننظر في الأمر..
ما أن دلفنا لبيتنا حتى تفاجأنا بأن أغلب جدران البيت قد تساوت بالأرض. وهناك في صحن الدار كانت دمية أبي نائمة ممددة على الأرض لأول مرة. وحال اقترابنا منها كانت بجانبها شهادة وفاة باسم والدي وقد ذيلت بتوقيع الطبيب الذي كتب بها سبب الوفاة (أطال الوقوف حتى تآكلت قدميه؛ فسقط)

حليم الفَرَجي - السعودية
أعلى