ديباجة الكتاب
أهديت إلى الأديب الكبير الأستاذ (خليل مردم بك) مائة نقلة من (نقل الأديب) فأعطاني - وهو السخي السري - هذه اللؤلؤة العمانية أو الكلمة المردمية
كالْروض مؤتلقاً بحمرة نوره ... وبياض زهرته، وخضرة عشبه
وكأنها - والسمع معقود بها -=شخص الحبيب بدا لعين محبه
بل هي فوق القول البحتري ووصفه (أفسحرٌ هذا) أم هو كلام روحاني؟!
قال (الخليل) - وقوله ديباجة الكتاب -: (كنت احسب أن هدية الأستاذ (نقل) كاسمها فإذا هي سحر وخمر ونقل؛ وذلك إن عنوانها يستدرج القارئ ويوهمه أنه نقل فكه ليس غير، وهذا لعمري أول أبواب السحر، فإذا جاز هذا الباب (أو جازت عليه تلك الحيلة) وجد نفسه في روضة فردوسية بين أقداح ونقل فالنقلة تغري بالقدح. والقدح يستدعي النقلة. وهكذا دواليك حتى تستخفَّه نشوة الطرب وتتلاعب بنفسه ولبه:
سقوني وقالوا: لا تغنّ. ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنتِ
فيا ليت شعري كيف يستجيز من حرم الصهباء على نفسه أن يغوى الناس بالخمر، ويفتنهم بالسحر؟
1 - هذا بلاغ للناس
سئل علي بن عيسى الرماني فقيل له: لكل كتاب ترجمة فما ترجمة كتاب الله؟
فقال: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به)
2 - النيل
الأندلسي:
ما اعجب النيل، ما أحلى شمائله! ... في ضفتيه من الأشجار أدواح
من جنة الخلد فياض على ترع ... تهب فيها هبوب الريح أرواح
ليست زيادته ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرباح 3 - بقية السحر في مصر
ابن المغربي:
أيا ساكني مصر، غدا النيل جاركم=فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر
وكان بتلك الأرض سحر وما بقى ... سوى أثر يبدو على النظم والنثر
4 - الهرمان نهدان
الشهاب الحجازي:
يا هرمي مصر لقد ... حسنتما رباها
عروس حسن قد غدت ... وأنتما نهداها
5 - مراتب الكلام
أبو هلال العسكري في (الصناعتين):
لكل مقام مقال، وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية فيخاطبون السوقي والمملوك والأعجمي بألفاظ أهل نجد ومعاني أهل السَّراة؛ لأن العامي إذا كلمته بكلام العلية سخر منك، وزري عليك كما روى عن بعضهم انه قال لبعض العامة: بم كنتم تنتقلون البارحة؟ (يعني على النبيذ) فقال: بالحمالين. . .
ولو قال له: أي شيء كان نقلكم لسلم من سخريته. فيجيب أن يخاطب كل فريق بما يعرفون، وتجنب ما يجهلون
6 - في هذا مرة وفي هذا مرة
عن أبي بكرة: كنت عند النبي (صلوات الله عليه) وعنده إعرابي ينشده الشعر. فقلت: يا رسول الله، أشعراً أم قرأناً؟
فقال: في هذا مرة، وفي هذا مرة. . .
7 - ظرف الدهر
في تاريخ بغداد لابن الخطيب: حدث النضر بن حديد قال: كنا في مجلس وفيه أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وبكر بن النطاح ومنصور النمري والعتابي، فقالوا لمنصور: أنشدنا؛ فأنشد مدائح الرشيد؛ فقال أبو العتاهية لابن الأحنف: طرفنا بملحك فأنشد أبياته:
تعلمت ألوان الرضا خوف عتبه ... وعلمه حبي له كيف يغضب
ولي غير وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب؟
فقال أبو العتاهية: الجيوب من هذا الشعر على خطر، ولا سيما إن سنح بين حلق ووتر. فقال بكر: قد حضرني شيء في هذا فأنشد:
أرانا معشر الشعراء قوماً ... بألسننا تنعمت القلوب
إذا انبعثت قرائحنا أتينا ... بألفاظ تشق لها الجيوب
فقال العتابي:
ولا سيما إذا ما هيجتها ... بنان قد تجيب وتستجيب
قال النضر: فما زلت معهم في سرور. وبلغ اسحق الموصلي خبرنا فقال: اجتماع هؤلاء ظرف الدهر
8 - أمسلم هو؟
في (لسان الميزان): مما يذكر من سرعة جواب المتنبي وقوة استحضاره انه حضر مجلس الوزير ابن خنزابة وفيه أبو علي الآمدي الأديب المشهور فأنشد المتنبي أبياتاً جاء فيها:
إنما التهنآت للأكفاء
فقال أبو علي: التهنئة مصدر، والمصدر لا يجمع. فقال المتنبي لآخر بجنبه: أمسلم هو؟
فقال سبحان الله! هذا أستاذ الجماعة أبو علي الآمدي قال: فإذا صلى المسلم وتشهد أليس يقول: (التحيات)
قال: فخجل أبو علي وقام
9 - لا ندعه يبرد
قيل لأعرابي: ما تسمون المرق؟
قال: السخين
قال: فإذا برد؟
قال: لا ندعه يبرد 10 - هل رأيت أحدا يهب ولده
قال جحظة: قال علي بن الجهم لخالد الكاتب: هب لي بيتك الذي تقول فيه
ليت ما أصبح من رقةَّ (م) ... خديك بقلبك
فقال: يا جاهل هل رأيت أحدا يهب ولده؟!
11 - لئلا يرى في عينها منة الكحل
أبو النصر الزورني:
ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنة ... ولا أشترى عز المراتب بالذل
وأعشق كحلاء المدامع خلقة ... لئلا يرى في عينها منة الكحل
12 - وهوميروس عند الجمهور
في (الكلم الروحانية): سئل ديوجانس عن اشعر اليونانيين فقال: كل واحد عند نفسه، وهوميروس عند الجمهور.
محمد اسعاف النشاشيبي
مجلة الرسالة - العدد 197
بتاريخ: 12 - 04 - 1937
أهديت إلى الأديب الكبير الأستاذ (خليل مردم بك) مائة نقلة من (نقل الأديب) فأعطاني - وهو السخي السري - هذه اللؤلؤة العمانية أو الكلمة المردمية
كالْروض مؤتلقاً بحمرة نوره ... وبياض زهرته، وخضرة عشبه
وكأنها - والسمع معقود بها -=شخص الحبيب بدا لعين محبه
بل هي فوق القول البحتري ووصفه (أفسحرٌ هذا) أم هو كلام روحاني؟!
قال (الخليل) - وقوله ديباجة الكتاب -: (كنت احسب أن هدية الأستاذ (نقل) كاسمها فإذا هي سحر وخمر ونقل؛ وذلك إن عنوانها يستدرج القارئ ويوهمه أنه نقل فكه ليس غير، وهذا لعمري أول أبواب السحر، فإذا جاز هذا الباب (أو جازت عليه تلك الحيلة) وجد نفسه في روضة فردوسية بين أقداح ونقل فالنقلة تغري بالقدح. والقدح يستدعي النقلة. وهكذا دواليك حتى تستخفَّه نشوة الطرب وتتلاعب بنفسه ولبه:
سقوني وقالوا: لا تغنّ. ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنتِ
فيا ليت شعري كيف يستجيز من حرم الصهباء على نفسه أن يغوى الناس بالخمر، ويفتنهم بالسحر؟
1 - هذا بلاغ للناس
سئل علي بن عيسى الرماني فقيل له: لكل كتاب ترجمة فما ترجمة كتاب الله؟
فقال: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به)
2 - النيل
الأندلسي:
ما اعجب النيل، ما أحلى شمائله! ... في ضفتيه من الأشجار أدواح
من جنة الخلد فياض على ترع ... تهب فيها هبوب الريح أرواح
ليست زيادته ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرباح 3 - بقية السحر في مصر
ابن المغربي:
أيا ساكني مصر، غدا النيل جاركم=فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر
وكان بتلك الأرض سحر وما بقى ... سوى أثر يبدو على النظم والنثر
4 - الهرمان نهدان
الشهاب الحجازي:
يا هرمي مصر لقد ... حسنتما رباها
عروس حسن قد غدت ... وأنتما نهداها
5 - مراتب الكلام
أبو هلال العسكري في (الصناعتين):
لكل مقام مقال، وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية فيخاطبون السوقي والمملوك والأعجمي بألفاظ أهل نجد ومعاني أهل السَّراة؛ لأن العامي إذا كلمته بكلام العلية سخر منك، وزري عليك كما روى عن بعضهم انه قال لبعض العامة: بم كنتم تنتقلون البارحة؟ (يعني على النبيذ) فقال: بالحمالين. . .
ولو قال له: أي شيء كان نقلكم لسلم من سخريته. فيجيب أن يخاطب كل فريق بما يعرفون، وتجنب ما يجهلون
6 - في هذا مرة وفي هذا مرة
عن أبي بكرة: كنت عند النبي (صلوات الله عليه) وعنده إعرابي ينشده الشعر. فقلت: يا رسول الله، أشعراً أم قرأناً؟
فقال: في هذا مرة، وفي هذا مرة. . .
7 - ظرف الدهر
في تاريخ بغداد لابن الخطيب: حدث النضر بن حديد قال: كنا في مجلس وفيه أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وبكر بن النطاح ومنصور النمري والعتابي، فقالوا لمنصور: أنشدنا؛ فأنشد مدائح الرشيد؛ فقال أبو العتاهية لابن الأحنف: طرفنا بملحك فأنشد أبياته:
تعلمت ألوان الرضا خوف عتبه ... وعلمه حبي له كيف يغضب
ولي غير وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب؟
فقال أبو العتاهية: الجيوب من هذا الشعر على خطر، ولا سيما إن سنح بين حلق ووتر. فقال بكر: قد حضرني شيء في هذا فأنشد:
أرانا معشر الشعراء قوماً ... بألسننا تنعمت القلوب
إذا انبعثت قرائحنا أتينا ... بألفاظ تشق لها الجيوب
فقال العتابي:
ولا سيما إذا ما هيجتها ... بنان قد تجيب وتستجيب
قال النضر: فما زلت معهم في سرور. وبلغ اسحق الموصلي خبرنا فقال: اجتماع هؤلاء ظرف الدهر
8 - أمسلم هو؟
في (لسان الميزان): مما يذكر من سرعة جواب المتنبي وقوة استحضاره انه حضر مجلس الوزير ابن خنزابة وفيه أبو علي الآمدي الأديب المشهور فأنشد المتنبي أبياتاً جاء فيها:
إنما التهنآت للأكفاء
فقال أبو علي: التهنئة مصدر، والمصدر لا يجمع. فقال المتنبي لآخر بجنبه: أمسلم هو؟
فقال سبحان الله! هذا أستاذ الجماعة أبو علي الآمدي قال: فإذا صلى المسلم وتشهد أليس يقول: (التحيات)
قال: فخجل أبو علي وقام
9 - لا ندعه يبرد
قيل لأعرابي: ما تسمون المرق؟
قال: السخين
قال: فإذا برد؟
قال: لا ندعه يبرد 10 - هل رأيت أحدا يهب ولده
قال جحظة: قال علي بن الجهم لخالد الكاتب: هب لي بيتك الذي تقول فيه
ليت ما أصبح من رقةَّ (م) ... خديك بقلبك
فقال: يا جاهل هل رأيت أحدا يهب ولده؟!
11 - لئلا يرى في عينها منة الكحل
أبو النصر الزورني:
ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنة ... ولا أشترى عز المراتب بالذل
وأعشق كحلاء المدامع خلقة ... لئلا يرى في عينها منة الكحل
12 - وهوميروس عند الجمهور
في (الكلم الروحانية): سئل ديوجانس عن اشعر اليونانيين فقال: كل واحد عند نفسه، وهوميروس عند الجمهور.
محمد اسعاف النشاشيبي
مجلة الرسالة - العدد 197
بتاريخ: 12 - 04 - 1937