صالحة رحوتي - تبرئة...

دموع انكمشت و تحبس هي سيلا منها يعاند و يرغب في العتق، و مقلتين التهبت منها الجفون المتآكلة الموسومة بالحزن، و الكل في وجه أحرقت الشمس الصيفية صفحته، و وخطته أخاديد انحفرت حتى قبل أوان خريف العمر...

الكرسي المعدني الصدئ يبالغ في حقن الإعياء تفاقم فيها،و الغرفة اختنقت برائحة الموت الطارئ ...

بقايا رائحة مطهرات غُلبت على أمرها فانسحبت لتعوضها روائح آسنة و تتبجح في هذيان، و حتى تترنح في ردهات المستشفى المتهالك في البلدة الصغيرة بين الجبال...

أسئلة تنهال لا تستوعب منها شيئا...أو تقريبا...يسأل والبزة المخيفة رسمية يلبسها تعني أشياء! و لكن...

شريط ينساب يصادر منها ما تبقى فيها من وعي...

يثبت منه وجودا ذاك الشريط، و حتى يفرض أن تشاهده هي على شاشة ذهن منكوش... كسيرة هي تلك الشاشة... لكنه لن يفهم ذاك الشريط... يلح...فبضع خدوش أو حتى الكثرة منها لن تعفيها منه، يثابر و يلح كل الأحيان حد الملل، و لا يرعوي للحظات إلا و هو يطالب بحق العرض مرات...و حتى مرات...و مرات....

صور تتوالى... تتواتر...

الرضيعة اصطبغت بالوردي ترقد بين يديها هنالك في الحقل،و حتى تلتقم الثدي الطافح بالحب..

ثُم الطفلة تجري بين خمائل جذلى بربيع، و تجلب أزهارا برية في ذات الحقل...

ثم الجسد النابض بالحسن من الشابة تزدان بثوب العرس، بسيط أبيض كبياض الطهر، و تتأرجح فوق الدابة يتبعها المرح، و تنتقل إلى حيث عريس ينتظر في بيت في أعلى القرية...

و ذات الجسد مسجى الآن قد تلفع ببياض مصفر، دثار المستشفى المنسوج بوسخ أطال المكث بين خيوطه...

و اختلطت الصور بالصمت المتضمخ بعويل في الباطن انكتم يعوي في صخب متشنج...

زغاريد و نحيب...و بياض أبيض و بياض مصفر...

و الجسد الآن قد برد ت منه الأعضاء،و السائل ذو البزة ما زال يلح و ينمق أسئلة لا تجد المرقاة إلى الذهن...

ما زال يلح و لا تعلم من هو...أو تعلم...لكن الغبش...

يسأل إن كانت ترغب في ينال الجاني جزاء الفعلة، تنظر في عينيه خائفة، و الطفلة خرجت من الجسد كان حيا يوما هنالك في القرية بدأت تصرخ، و يأتيها صداه ذاك الصوت من هنالك من عمق القرية، أن ماتت أمي فأين أبي؟؟؟

تعسف هو ذاك الأب الزوج و أنفق عنفا،و الرجة ثم الصدمة على حجر في حوش البيت كانت كافية لإحداث غياب للوعي...فلاذ الجسد بصمت حتى لا يشكو، يعلم أن ما من سامع للشكوى،و حتي يجتر شحنات القهر حُشرت فيه طيلة أعوام مرت لم تتعد الخمس، لكن الوشم طال الجسد فيها و حتى الروح انخرم منها نسيج فتداعت...

و الزفرات وأنفاس مرهقة بدأت تتتابع، حتى انسحبت منها الروح...

إعياء و زخات القهر طوفان أغرق، و الأسئلة تتوالى، و الجسد مسجى يرسم لاءات لا تقرأها إلا هي...هي من تدرك أن الطفلة هنالك تنتظر صدرا دافئا غير ذاك البارد ستواريه التربة...

"لم يفعلها هو...هو الأجل...سقطت في الحوش...و كان الحجر هنالك بالمرصاد...نعم... هو الأجل وافاها..."

قالتها له هو السائل المحقق في الحادث...و وافقها الجسد البارد و كأنه اهتز ليوافقها... و اهتز معه حتى البطن المتكور تحت الدثار المصفر و يضم جنينا سيحظى بالقرب منها هو هنالك دائما أبدا...

"نعم ليس هو الجاني..." رددتها، و الثقة تملأ منها النفس...و الخوف عليها تلك الطفلة قد أزال الغبش كان يمنعها من فهم سؤال كان يطرحه هو ذاك الذي يبدو و كأنه يضمر شرا...

لا...لن يسجن ذاك القاتل...فالصدر الأجدب منه خير من صدر فراغ للطفلة تحتاج لبعض حنان...هي الأم تدرك هذا...ثم حتى ذاك الجسد البارد لن يُجتاح بالدفء إن حشر القاتل في غيابات السجن البارد.......
أعلى