المحامي علي ابوحبله - شرق أوسط جديد تعترضه تضارب المصالح في ظل تجاهل القضية الفلسطينية ؟؟؟؟

إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله

الاتفاق الإيراني السعودي كان وليد حلحله للخلافات الإقليمية التي عصفت بالمنطقة لسنوات وهدف الاتفاق تخفيف حدة الاحتقان بين العديد من المحاور العربية والاقليميه نتيجة احتدام الصراع الذي بات أن يتحول من صراع الوكيل الى الصراع المباشر اثر تداعيات الحرب الروسية الاوكرانيه وتشكل عالم متعدد القوى .

من المعطيات التي تدلل على عملية التطبيع بين إيران والسعودية تدلل أن غالبية القوى الاقليميه ان لم يكن جميعها ، قد توصّلت إلى أن استمرار الاحتقان بينها لن يفضي إلى انتصارات حاسمة.

ويمكن القول ضمن هذا الإطار أن هناك تدرج في عملية التطبيع في الشرق الأوسط الذي شهد عملية تطبيع شاملة قادتها السعودية والإمارات بالأساس، بدأت بتوجُّه خليجي للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي حمل اسم "اتفاق أبراهام" في سبتمبر/ أيلول 2020، وذلك في ظل انهيار النظام العربي القديم الذي أصبح هشًّا وتنافسيًّا، ودلَّ بصورة ما على أن بعض الأنظمة العربية قد تجاوزت القضية الفلسطينية بشكل واضح.

التطبيع مع إسرائيل وفق ما هدفت إلى تحقيقه اتفاقات أبراهام رسم خريطة نفوذ جديدة في المنطقة تستند إلى رؤيا صهيو أمريكية ومحورها أن "إسرائيل" باتت عنصر استقرار في المنطقة ، واستحوذت الفكرة زخمًا غير مسبوق في ذهن بعض القادة الخليجيين بعد أن أعادت بعض الدول الخليجية تحديد مصادر التهديد، فاعتبرت إيران، وليس "إسرائيل"، وسياسة إيران التوسعية هي مصدر التهديد الرئيسي.

أعقب التطبيع مع الكيان الصهيوني اتجاه للتصالح بين تركيا من ناحية ودول الخليج ومصر من ناحية أخرى، وذلك بعد تراجع أسباب الاستقطاب بين الطرفَين، والتي كانت الثورات العربية، وتحديدًا الانقلاب في مصر عام 2013، أبرز أسباب هذا الاستقطاب، ثم أتت أزمة حصار قطر التي وقفت فيها تركيا إلى جانب الأخيرة لتعمّق الاستقطاب أكثر.

شهدت العلاقات في أب أغسطس انفراج بين الإمارات وتركيا ، حيث زار مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، تركيا والتقى الرئيس أردوغان، ثم تصاعدت وتيرة التقارب التركي الخليجي، وانتهت بالمصالحة التركية السعودية، وكذلك اتفاق الرئيس التركي ونظيره المصري في محادثة هاتفية، عقب فوز الأول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2023، على رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين.

ثم استمرَّ قطار التطبيع سائرًا ليصل إلى إيران بعد "إسرائيل" وتركيا، فبدأ بعودة السفيرَين الإماراتي والكويتي إلى طهران، عقب قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2016، وبعد تبادل للتصريحات بين وزير الخارجية السعودي ونظيره الإماراتي، وفي خطوه متقدمه على طريق التطبيع أعلن عن الاتفاق السعودي الإيراني يوم الجمعة 10 مارس/ آذار الماضي، في بيان ثلاثي ضمَّ السعودية وإيران بالرعاية الصينية .

ووفق مضمون البيان ، شهدت العاصمة الصينية بكين خلال الفترة من 6 إلى 10 مارس/ آذار محادثات مكثّفة بين وفدَي البلدَين برئاسة كل من وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني في السعودية مساعد بن محمد العيبان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني، وجرى خلالها الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتَيهما ومثلياتهما خلال شهرَين بحد˜ أقصى.

ووفق تسلسل عمليات التطبيع وصولا لصفر مشاكل كان إعلان جامعة الدول العربية في 7 مايو/ أيار الماضي عن قرارها الرسمي بعودة سوريا لشغل مقعدها واستعادة عضويتها فى كافة اجتماعات المجلس، واستئناف مشاركة الوفود السورية فى جميع اجتماعات اللجان والمنظمات والأجهزة التابعة للجامعة وتوجت بمشاركة الرئيس السوري بشار الاسد القمة العربيه في جده .

وفق التحليلات ورأي المحللين أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هو بمثابة إعادة تشكيل للشرق الأوسط وإشارة إلى "نظام جديد" يتشكّل بالشرق الأوسط، ونقطة تحول في التطبيع الإقليمي مع دمشق ، وفقًا لستيفن هايدمان في تحليل نشره معهد بروكنجز، فإن " عودة سوريا للجامعة العربية جاءت تتويجًا لحملة استمرت سنوات من قبل قادة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والأردن، لإعادة التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد."

ومن ثم يمكن النظر إلى عودة دمشق للجامعة العربية باعتباره جزءًا من عملية بناء ترتيبات أمنية إقليمية جديدة، تمثّل إطارًا لإدارة النزاعات في المنطقة، ويصفها هايدمان بأنها "ربما تكون أهم تحول في الديناميكيات الإقليمية منذ الغزو الأمريكي للعراق".

ويشير هايدمان كذلك إلى أن عودة النظام السوري للجامعة العربية، إلى جانب خطوات أخرى، من شأنها أن تضيّق الانقسامات الإقليمية بين إيران والسعودية، وبين قطر ونظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وبين تركيا ومصر."

" ويرى هايدمان أن التطبيع مع النظام السوري يعدّ خطوة إضافية نحو وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية، ومنها الصراع اليمني، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمن في البلاد. "

إعادة ترتيب المنطقة وفق مفهوم الشرق الأوسط الجديد تصطدم بعقبات نتيجة تضارب المصالح والتناقضات بين دول المنطقة وهي كفيلة بإفشال تلك الجهود الخليجية وإعادة الصراعات إلى الوجهة مرة أخرى ويمكن تلخيصها :-

أولًا: عملية التطبيع الواسعة وشملت كافة القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة (تركيا - إيران - "إسرائيل")، ودون الأخذ بمعادلة الصراع الاساسيه ومحاولة تجاوزها " القضية الفلسطينية من دون إيجاد تسويات نهائية أو حلول جادّة لهذه المشاكل.

فالتطبيع مع الكيان الصهيوني جاء على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته ، وعلى حساب أمنه وحريته واستقلاله، وعلى حساب القدس ومقدساته ، إذ لم تسعَ الدول الخليجية والعربية المطبّعة مع "إسرائيل" لوضع أي حلول للقضية الفلسطينية، بل تجاوزتها أو بمعنى آخر تجاهلتها واعترفت لـ"إسرائيل" -ضمنيًّا- بحقها المطلق في أن تفعل بالفلسطينيين ما تشاء دون أي موقف عربي حقيقي، ومن ثم تحولت بذلك القضية الفلسطينية من قضية عربيه إلى مشكلة فلسطينية إسرائيلية لا دخل للعالم العربي بها.

ثانيًا: لم تتضمن عملية التطبيع مع إيران القضايا الرئيسية وهي مصدر الخلافات ، فلم تتناول عملية التطبيع النفوذ الإيراني الممتد والمتواصل في 4 دول عربية، هي اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولم تتطرق للدور الإيراني في المنطقة وفي الصراعات المشتعلة في الإقليم منذ عقود ، والمفارقة التي يجب التوقف عندها أن الدول الخليجية العربية اتجهت للتطبيع مع إيران و"إسرائيل" في الوقت ذاته، متجاهلة ما بينهما من صراع وخلافات وتناقض في المصالح ، وموقف إسرائيل من إيران مع التهديد الإسرائيلي لإيران بضرب منشاتها النووية وهو ما يضع الجميع أمام التداعيات والمخاطر في حال أقدمت إسرائيل على توجيه ضربه عسكريه لمنشات إيران النووية

ثالثًا: لم تحمل عودة سوريا للعالم العربي عبر بوابة جامعة الدول العربية، أي خطوات عملية تقود لتسوية الأزمة السورية ولا عن خطة لإعادة أعمار سوريه وكل ما تضمنته البيانات وقف المخدرات المتسربة عبر الحدود السورية والمطالبة بضبط الحدود

عودة دمشق إلى الحضن العربي لم يغير من الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ إن هناك أطرافًا أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سوريا دعمًا للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، والتي بدأت بدورها مباحثات مع سوريا حول استئناف العلاقات بين النظامَين.

هذا كله فضلًا عن أزمة السوريين أنفسهم، المشتّتين واللاجئين في دول متفرقة حول العالم، وعودتهم إلى سوريا، محل مساومات ومقايضات سياسيه .

والسؤال هل تنجح السعودية والإمارات في مسعاهم لتحقيق نظام اقليمي جديد ، يحمل في طياته إطارًا جديدًا لتسوية الخلافات والأزمات الإقليمية المشتعلة منذ سنوات طويلة.

وليس أدل من ذلك على اختلاف مواقف الدول العربية حول الصراع الذي اشتعل في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وما ظهر عقبه مباشرة من انقسام بين الدول العربية في موقفها من الصراع.

فالإمارات وحليفها في ليبيا، خليفة حفتر، يؤيدان قوات الدعم السريع، وتدعم مصر الجيش السوداني النظامي، بينما حاولت السعودية لعب دور الوسيط بالتعاون مع الولايات المتحدة، غير أنها وساطة لم تؤدِّ إلى شيء حتى الآن، في ظل انقسام الموقف العربي والإقليمي من الصراع. وما يمكن قوله أن تضارب المصالح والتناقضات التي تعصف بدول المنطقة في ظل تجاهل كلي للقضية الفلسطينية من شأنه أن يطيح بكل الاتفاقات وعمليات التطبيع وكل المؤشرات تدلل وتنبئ بفشلها وانهيارها أمام أي أزمة تمثل اختبارًا حقيقيًّا وجادًّا لها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى