الحلقة الأولى.
في ديوانها البكر “في الشارع المقابل لجرحنا القديم” الصادر في المغرب عن الراصد للنشر، مطبعة سليكي أخوين، في طبعته الأولى سنة 2023، تقدم الشاعرة “تورية لغريب” قصائد مكثفة، كل كلمة في مكانها المناسب في غير ما حشو أو إطالة.
اعتمدت الشاعر قصيدة النثر كلون كتابي لتصريف رؤيتها الفنية والقضوية في نصوص قصيرة معتمدة على التكثيف، وحتى النصوص الطويلة، وهي قليلة جدا، جاءت على شكل شذرات، إذ اعتمدت على مقاطع تفصل بينها بالأعداد، مرة، وبالفراغ مرات عدة.
نجدنا في هذا الديوان أمام ذات أنثوية تخاطبنا بقدرٍ واضح من الإحساس، حتى في نصوصها الشذرية؛ فصمتها الباذخ قد جاء معتمدا بلاغة التكثيف والإيجاز، وحين وجدت روحها قد امتلات بمرارة الواقع انسابت حروفها فياضة في غير إسهاب غير عابئة في بوحها من المخاطر المحدقة ك: أن تمطر باللعنات، وأن تجد نفسها محاصرة بنظرات الشك والريبة. 1
هذا الديوان يعلن عن ميلاد شاعرة مهمومة بالشعر كجنس تعبيري خالد، وبمنشغلة بهموم الإنسان الكادح بخاصة والإنسان في مطلقه بعامة. لذا، نجد أنه مكتنز فنا وجمالا وتنوع تيمات.
التشكيل الكاليغرافي للنصوص:
أن شكل القصائد يعبر عن رغبة الشاعرة في مخاطبة عين القراء، فالنصوص تصل إلى المتلقي عبر وسيط العين أولا، حيث نلمس من خلال هذا الاختيار صراعا قويا بين البياض كلغة صمت والسواد كلغة كلام؛ كلام يبتغي أخذ حصة من البياض ليعبر عن نفسه، وهو مدرك أن البياض المحيط به يهدد حضوره، بل قد يخنقه لأنه يحيط بالكلام من جميع الجهات. ونلاحظ أن إصرار الذات على ترك بصمة حضورها من خلال الكلام هو نوع من مقاومة الفناء، وقد جاءت النصوص مختلفة الحضور في تعبيرها عن ذاتها؛ إذ تأتي بأشكال مختلفة، مرة نحيفة لدرجة تكون فيها هشة سهلة الكسر، كما في نص "حكايتي مع الليل" و"زوابع العناد والغياب"، ومرة مكتنزة على مستوى الكلامات والأسطر كتعبير عن المقاومة والقدرة على صد الموت كما في نص "طقس شعري"، وكأن الشعر في نظر الشاعرة كفيل بمقاومة الانمحاء بتأكيد حضور الذات، ومرة تعتمد النحافة والاكتناز بحسب الدفقة الشعورية للتعبير عن الكر والفر في صراعها ضد بسطة الصمت وهيمنته، إنها تعبر عن نوع من التحدي الراغب في التعبير عن حضور الذات الشاعرة في الحياة.
اللافت للانتباه هو أن النصوص الطويلة انطلقت كتابيا من أقصى اليمين، في حين جاءت النصوص الشذرية في الوسط معتمدة على أشكل بصرية مختلفة، فقد أتت بطريقة تتابع الأسطر بشكل منسجم، وأتت بطريقة منحرفة الأسطر حيث الثاني يكاد يبتدئ حيث انتهى الأول، وكذلك الشأن بالنسبة للسطر الثالث، وكأنها أسطر متزحلقة تبغي كسر جمود الصفحة بانسيابية كلماتها التي تريد ملأها. ووضع هذه الشذرات في وسط الصفحة ما هو إلا تعبير عن أنها في القلب من العمل، وأنها تشكل نبض القصائد كلها مادامت تحمل حكما بشكل مكثف ودقيق، من مثل قولها:
أنا ابنة الضوء
وهذا الأفول
لا يناسبني.
فقد جمعت بين ضدين للخروج بنتيجة الرفض للأفول، وانتصارا للضوء. ولعل في تكسير بناء الشذرة التي جاءت أسطرها متزحلقة، ما هو إلا تأكيد عبر الشكل على هذا الرفض.
ويقودنا هذا القول إلى ملاحظة ذات ارتباط بالعناية التشكيلية في قلب بياض الصمت، ويتعلق الأمر بتفكيك الكلمات إن أفقيا وإن عموديا، ويأتي هذا التفكيك، غالبا، في نهاية القصائد، كإشارة إلى تشظي الذات أو الموضوع المرغوب فيه.
من ذلك تكرار تفكيك فعل "استيقظ" مرتين، وبشكل عمودي، مما يعني أن الفعل المحلوم به يظل مؤجلا إلى حين، وأن تحققه مرتهن بتوفر شروطه.
وقد يأتي تفكيك الكلمات أفقيا في آخر النص كما في قصيدة "رقصة الحصاد"، حيث تم تفكيك كلمتين، وهما: للحقل وللرقص، والملاحظ أنهما تشتركان في الميزان الصرفي ذاته. وقد يكون مأتى ذلك للتعبير عن الفرح المرتبط بالخصب.
**
في ديوانها البكر “في الشارع المقابل لجرحنا القديم” الصادر في المغرب عن الراصد للنشر، مطبعة سليكي أخوين، في طبعته الأولى سنة 2023، تقدم الشاعرة “تورية لغريب” قصائد مكثفة، كل كلمة في مكانها المناسب في غير ما حشو أو إطالة.
اعتمدت الشاعر قصيدة النثر كلون كتابي لتصريف رؤيتها الفنية والقضوية في نصوص قصيرة معتمدة على التكثيف، وحتى النصوص الطويلة، وهي قليلة جدا، جاءت على شكل شذرات، إذ اعتمدت على مقاطع تفصل بينها بالأعداد، مرة، وبالفراغ مرات عدة.
نجدنا في هذا الديوان أمام ذات أنثوية تخاطبنا بقدرٍ واضح من الإحساس، حتى في نصوصها الشذرية؛ فصمتها الباذخ قد جاء معتمدا بلاغة التكثيف والإيجاز، وحين وجدت روحها قد امتلات بمرارة الواقع انسابت حروفها فياضة في غير إسهاب غير عابئة في بوحها من المخاطر المحدقة ك: أن تمطر باللعنات، وأن تجد نفسها محاصرة بنظرات الشك والريبة. 1
هذا الديوان يعلن عن ميلاد شاعرة مهمومة بالشعر كجنس تعبيري خالد، وبمنشغلة بهموم الإنسان الكادح بخاصة والإنسان في مطلقه بعامة. لذا، نجد أنه مكتنز فنا وجمالا وتنوع تيمات.
التشكيل الكاليغرافي للنصوص:
أن شكل القصائد يعبر عن رغبة الشاعرة في مخاطبة عين القراء، فالنصوص تصل إلى المتلقي عبر وسيط العين أولا، حيث نلمس من خلال هذا الاختيار صراعا قويا بين البياض كلغة صمت والسواد كلغة كلام؛ كلام يبتغي أخذ حصة من البياض ليعبر عن نفسه، وهو مدرك أن البياض المحيط به يهدد حضوره، بل قد يخنقه لأنه يحيط بالكلام من جميع الجهات. ونلاحظ أن إصرار الذات على ترك بصمة حضورها من خلال الكلام هو نوع من مقاومة الفناء، وقد جاءت النصوص مختلفة الحضور في تعبيرها عن ذاتها؛ إذ تأتي بأشكال مختلفة، مرة نحيفة لدرجة تكون فيها هشة سهلة الكسر، كما في نص "حكايتي مع الليل" و"زوابع العناد والغياب"، ومرة مكتنزة على مستوى الكلامات والأسطر كتعبير عن المقاومة والقدرة على صد الموت كما في نص "طقس شعري"، وكأن الشعر في نظر الشاعرة كفيل بمقاومة الانمحاء بتأكيد حضور الذات، ومرة تعتمد النحافة والاكتناز بحسب الدفقة الشعورية للتعبير عن الكر والفر في صراعها ضد بسطة الصمت وهيمنته، إنها تعبر عن نوع من التحدي الراغب في التعبير عن حضور الذات الشاعرة في الحياة.
اللافت للانتباه هو أن النصوص الطويلة انطلقت كتابيا من أقصى اليمين، في حين جاءت النصوص الشذرية في الوسط معتمدة على أشكل بصرية مختلفة، فقد أتت بطريقة تتابع الأسطر بشكل منسجم، وأتت بطريقة منحرفة الأسطر حيث الثاني يكاد يبتدئ حيث انتهى الأول، وكذلك الشأن بالنسبة للسطر الثالث، وكأنها أسطر متزحلقة تبغي كسر جمود الصفحة بانسيابية كلماتها التي تريد ملأها. ووضع هذه الشذرات في وسط الصفحة ما هو إلا تعبير عن أنها في القلب من العمل، وأنها تشكل نبض القصائد كلها مادامت تحمل حكما بشكل مكثف ودقيق، من مثل قولها:
أنا ابنة الضوء
وهذا الأفول
لا يناسبني.
فقد جمعت بين ضدين للخروج بنتيجة الرفض للأفول، وانتصارا للضوء. ولعل في تكسير بناء الشذرة التي جاءت أسطرها متزحلقة، ما هو إلا تأكيد عبر الشكل على هذا الرفض.
ويقودنا هذا القول إلى ملاحظة ذات ارتباط بالعناية التشكيلية في قلب بياض الصمت، ويتعلق الأمر بتفكيك الكلمات إن أفقيا وإن عموديا، ويأتي هذا التفكيك، غالبا، في نهاية القصائد، كإشارة إلى تشظي الذات أو الموضوع المرغوب فيه.
من ذلك تكرار تفكيك فعل "استيقظ" مرتين، وبشكل عمودي، مما يعني أن الفعل المحلوم به يظل مؤجلا إلى حين، وأن تحققه مرتهن بتوفر شروطه.
وقد يأتي تفكيك الكلمات أفقيا في آخر النص كما في قصيدة "رقصة الحصاد"، حيث تم تفكيك كلمتين، وهما: للحقل وللرقص، والملاحظ أنهما تشتركان في الميزان الصرفي ذاته. وقد يكون مأتى ذلك للتعبير عن الفرح المرتبط بالخصب.
**