تحارب المرأة في وطننا العربي من أجل الحصول على نصف قطرة من حقوقها. تشعل في روحها ثورة من أجل ذاتها، ومن أجل تحقيق كيانها، ورغبة في تمكين نفسها داخل مجتمعها، ومن أجل تحقيق كيان مستقل لها. لا تترك عجلات اليأس تدوسها، مهما تعثّرت في طريقها، لتنطلق نحو الحياة، كي تعيش. لا يهمها ظلام العقول التي تحاول إخمادها وتحطيمها وتقييدها. يهمها أن تكون جميلة وحلوة فحسب. ليس من أجل أحد غير نفسها. حلوة بالقدر الذي جعلهم في بلادنا العربية يطلقون اسمها على أطباق الحلويات لأن المرأة حلوة، وما فيها كله يمثل كتلة من الجمال الخاص.
قد لا تدخل أحد البيوت العربية إلا وتجد طبق الحلوى في استقبالك. يتربع على عرش المجلس، ويتزعم الحكايات والأحاديث كلها. وإذا حللت ضيفاً عند أحدهم فإنك ستجد، من دون سابق إنذار، طبقاً من الحلوى في انتظارك. يقدمه لك المضيف بابتسامة صافية. لكن هل سألت نفسك من قبل لماذا تُطلَق على بعض الحلويات العربية أسماء نسائية مثل "أصابع زينب"، و"أم علي"، و"عزيزة"، و"بسيمة"؟
"أصابع زينب" و"رموش الست"
روايات عديدة، تنبع كلها من ثقافة الأساطير، ترتبط بحلوى "أصابع زينب"، التي يسمونها في مصر، موطنها الأصلي، "صوابع زينب". القصة الأولى تبدأ من منطقة السيدة زينب؛ الأخت الكبرى للإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب، زوج فاطمة ابنة النبي محمد عليه السلام. أثناء زيارتها مصر، قُدمت لها هذه الحلوى كنوع من حسن الاستقبال. ومنذ ذلك اليوم عُرفت "أصابع زينب" بهذا الاسم. بينما يقول النصف الآخر من هذه القصة، أنها بعد موت أخيها، أمسكت بجثمانه، ما دفع الأمويين إلى فصل أصابعها عن يديها، ليأخذوا جثمانه. وبعد بتر أصابعها، صُنعت هذه الحلوى لها خصيصاً، وسميت باسمها. ولعل هذه القصة لا ترتقي إلى منطق الحقيقة، لأن الإمام الحسين قُتل في العراق، ودفن هناك، وكانت معه في معركة كربلاء، ولا يوجد أي دليل تاريخي أو أثري يؤكد على وجود قبرها، أو قبر أخيها في مصر. هناك أضرحة فحسب. فهي أُخذت أسيرة من الكوفة إلى الشام، مع رأس أخيها، وليس مع جثمانه. ثم إن المسافة بين مصر والعراق في ذلك الوقت كانت تستغرق ثلاثة أشهر. فلو أنها كانت في مصر فعلاً، فهل من المعقول أن يرسلوا إليها جثمانه، أو ينتظروا ذهابها ثلاثة أشهر، من دون دفنه لكي تلقي عليه نظرة الوداع؟
أما قصة "أصابع زينب" الثانية، فأُخذت من معركة عين جالوت، التي دارت بين المسلمين والمغول، وانتصر فيها الظاهر بيبرس. وعقب عودته من المعركة، استقبله المصريون في احتفال مهيب، وقدموا له بعض الحلوى. فلفت انتباهه طعم واحدة من الحلويات وشكلها، ولما سأل الطاهي عن صانعها، شعر هذا بالارتباك والخوف فقال له: "إنها أصابع زينب". فطلب بيبرس رؤية الطاهية زينب التي أعدت هذه الحلوى، فأُعجب بها، وتزوجها بعد ذلك. لكن يُطرح السؤال: كيف لقائد مثل بيبرس، الذي قتل قطز بسبب تنمره، وعنصريته، ووصمه بالعار لأنه مملوك، وليس مصري الدم، أن يتزوج خادمة من القصر؟ كما أنه لا معلومات تؤكد صدق هذه القصة.
القصة الأولى تبدأ من منطقة السيدة زينب؛ الأخت الكبرى للإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب، زوج فاطمة ابنة النبي محمد عليه السلام. أثناء زيارتها مصر، قُدمت لها هذه الحلوى كنوع من حسن الاستقبال
أما القصة الثالثة، وهي الأقرب إلى الصدق، فتقول إن شاباً أحب فتاة كانت مغرمة بطهي الحلويات، لكن أسرته ترددت في قبول زواجه منها، فابتكرت حلوى، وقدمتها لهم كنوع من الود من أجل الموافقة. وأُعجبت الأسرة بهذه الحلوى، وأطلقت عليها اسم "أصابع زينب"، ثم انتشرت في مصر بعد ذلك.
ثمة حلويات أخرى أُخذت أسماؤها من جسد المرأة، مثل حلوى "رموش الست"، التي تمثل واحدة من أبرز الحلويات الشامية التي هبطت إلى مصر من العراق. واستطاع المصريون التفنن في أشكال تقديمها، واستحداثها من خلال إضافات جديدة إليها. ظهرت هذه الحلوى في طرابلس، وتحديداً في عهد الحاكم بربر آغا، الذي عُرف عنه حبه للحلويات والعزائم. وخلال مناسبة أقامها، قُدمت حلوى على شكل رموش، فاقترح أحد ضيوفه تسميتها بـ"رموش الست".
"أم علي" أول حلوى توزع في التاريخ بعد جريمة قتل
تُعد حلوى "أم علي"، الحلوى الأكثر انتشاراً في مصر، وفي الكثير من البلاد العربية. لم تنتشر حولها الأساطير مثل "أصابع زينب"، بل ذُكرت قصة واحدة حول نشأتها التي تعود إلى زوجة عز الدين أيبك، وكانت كنيتها "أم علي". صنعت هذه الحلوى بعد أن ثأرت لنفسها من فعلة زوجها بقتل شجرة الدر.
كان طلاق عز الدين أيبك، لزوجته وأم ابنه، أحد الأسباب التي أشعلت في روحها نيران اللوعة والحقد. إذ كان يطمح إلى التربع على عرش الحكم المملوكي، فأحدث زواجه من شجرة الدر نقلة نوعية في تاريخه، وأصبح السلطان الأول للمماليك بانتهاء حكم الأيوبيين. ولما تزعم السلطة، وألغى دور شجرة الدر، كادت له، وأقسمت أن تتخلص منه، وأمرت بقتله. وصل الخبر إلى زوجته السابقة أم علي، وما كان منها إلا أن تنتقم منها بسبب زواجها من عز الدين أيبك، وقتلها له، ما دفع الخادمات إلى أن يضربنها بواسطة "القباقيب" حتى ماتت. وبعد موتها اعتلى ابنها العرش، وسرعان ما أُعلنت الأفراح، وصنعت بنفسها الحلوى، ووزعتها على الناس، فأطلقوا عليها اسم حلوى "أم علي".
"كول فول وصلي عالرسول"... ما سرّ تلك العلاقة المقدَّسة بين العرب والفول؟
ذاع انتشار حلوى أم علي في الكثير من البلاد التي كانت تحت الحكم المملوكي، ومنها مصر، والسودان، والمغرب، والعراق. وإن كان اسمها قد تغير مع مرور الزمان من مكان إلى آخر، فإن الاسم الأصلي لها هو أم علي، وهي منتشرة في مصر بشكل كبير، وتحتل مكانة هامة في المطاعم والمقاهي، وتوزع في الولائم والعزائم.
لم ترق لي هذه القصة التي شعرت فيها بالخيبات، وأولها لمناسبة تقديم الحلوى، التي توزع احتفاءً بقتل امرأة أخرى لم تقترف ذنباً في هذه الحياة إلا أنها وافقت على الزواج من رجل أقنعها بالارتباط به من أجل تقلد المناصب. ولم ترتكب أي جريمة بقبول الزواج منه، بحسب ما يشرّع الدين الذي تعتنقه. ومثلها مثل كثيرات يقبلن الزواج برجل متزوج، بموجب النصوص الدينية. وإن كنت لا أقبل بتعدد الزوجات، فلا أقبل أن تُقتل امرأة اختارت أن تكون زوجة ثانية. فهذه حياتها، ولها مطلق الحرية في ما تريد أن تختار.
"عزيزة" سر غرام السيد مصطفى في بورسعيد
بعد "أصابع زينب" و"أم علي"، يأتي دور عزيزة. الموطن الأصلي لنشأة هذه الحلوى هو مصر، وتحديداً بورسعيد. بدأ انتشارها في نهاية أربعينيات القرن الماضي على يد مواطن مصري يدعى السيد مصطفى، الذي استخدم اللبن والنشا والسكر في ابتكار حلوى جديدة. لم يضع لها اسماً، حتى تزوج من حبيبته عزيزة. ومنذ تلك اللحظة أُلصق اسم زوجته بالحلوى التي شاركته في صنعها. أخذت "عزيزة" تنتشر في بورسعيد، حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر، ما دفعه إلى ترك مدينته كما فعل الكثيرون. أخذت حلوى عزيزة تنتقل معه من مدينة إلى أخرى بين المحافظات المصرية. وتحظى برواج كبير بين المصريين في القاهرة، ودمياط، وبورسعيد.
إن كانت البلدان العربية جميعها تعترف بقيمة المرأة، وتربطها بالجمال أو الحلاوة، فلماذا إذاً تقيّدها، وتعتقل حريتها، وتأكل حقوقها؟
"بسيمة" صاحبة الوجه المبتسم
يأتي دور بسيمة، تلك المرأة التي اشتهرت بحبها للحلويات، وبابتسامتها، وعُرفت بين الناس بصاحبة الوجه المبتسم. وفي إحدى المناسبات الخاصة بها، صنعت حلوى من الدقيق والسمن، وأضافت إليهما جوز الهند، ثم قامت بتوزيعها على الناس كما اعتادت أن تفعل. ولما أعجبهم ما صنعته، أطلقوا اسم بسيمة على الحلوى تقديراً لها. وهي تنتشر في الكثير من البلاد العربية.
غزل البنات
على الرغم من أن حلوى "غزل البنات" إيطالية الأصل، إلا أنها انتشرت في البلاد العربية بشكل كبير. ويعود سر تسميتها بهذا الاسم إلى أحد العمال داخل أحد مصانع صناعة الحلويات الإيطالية، وتحديداً عام 1400. إذ وضع العامل كمية من السكر في قالب معدني، وتركها على نار هادئة. وأثناء عمله، لاحظ العديد من الخيوط الهشة تخرج من القالب. ولما حاول تجميع هذه الخيوط أسرعت الفتيات لمساعدته. بعد أن قامت الفتيات بغزل الخيوط، ذهب إلى السوق وباعها. وبيعت في البداية باسم "غزل الجنية"، ثم بعد ذلك عُرفت بالحلوى القطنية، وانتهى الأمر إلى تسميتها بـ"غزل البنات".
وفي حين أن مجتمعاتنا العربية قد أطلقت الأسماء النسائية على الحلويات، فإنها أيضاً صنّفت ووضعت تقييماً لأخلاق النساء باستخدام الحلوى. فخرج كلام كثير يشبّه الفتاة غير المحجبة بالحلوى المكشوفة التي تتراكم حولها الحشرات الطائرة والزاحفة، على حد تعبيرهم، فيما أن المرأة المحجبة تشبه الحلوى المغلّفة، التي لا تقترب منها الحشرات. ربما لم ينتبهوا إلى أنهم وصفوا من يعتدي على المرأة المتحررة بأنه حشرة، وأنه لا يمكن للمرأة العاقلة، متحررة الفكر، أن تلتفت إلى حشرة.
لم يقف إطلاق الأسماء النسائية على الحلويات عند هذا الحد، بل إن بعض الحلويات حملت أسماؤها صفة التأنيث، كالبسبوسة، والكنافة، والهريسة، والسمسمية، والحمصية، والفولية، وغيرها. وإن كانت البلدان العربية جميعها تعترف بقيمة المرأة، وتربطها بالجمال أو الحلاوة، فلماذا إذاً تقيّدها، وتعتقل حريتها، وتأكل حقوقها؟ أو عساها تفعل هذا لأنها تشيّء المرأة، وترى فيها غرضاً، أو قطعة حلوى.
قد لا تدخل أحد البيوت العربية إلا وتجد طبق الحلوى في استقبالك. يتربع على عرش المجلس، ويتزعم الحكايات والأحاديث كلها. وإذا حللت ضيفاً عند أحدهم فإنك ستجد، من دون سابق إنذار، طبقاً من الحلوى في انتظارك. يقدمه لك المضيف بابتسامة صافية. لكن هل سألت نفسك من قبل لماذا تُطلَق على بعض الحلويات العربية أسماء نسائية مثل "أصابع زينب"، و"أم علي"، و"عزيزة"، و"بسيمة"؟
"أصابع زينب" و"رموش الست"
روايات عديدة، تنبع كلها من ثقافة الأساطير، ترتبط بحلوى "أصابع زينب"، التي يسمونها في مصر، موطنها الأصلي، "صوابع زينب". القصة الأولى تبدأ من منطقة السيدة زينب؛ الأخت الكبرى للإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب، زوج فاطمة ابنة النبي محمد عليه السلام. أثناء زيارتها مصر، قُدمت لها هذه الحلوى كنوع من حسن الاستقبال. ومنذ ذلك اليوم عُرفت "أصابع زينب" بهذا الاسم. بينما يقول النصف الآخر من هذه القصة، أنها بعد موت أخيها، أمسكت بجثمانه، ما دفع الأمويين إلى فصل أصابعها عن يديها، ليأخذوا جثمانه. وبعد بتر أصابعها، صُنعت هذه الحلوى لها خصيصاً، وسميت باسمها. ولعل هذه القصة لا ترتقي إلى منطق الحقيقة، لأن الإمام الحسين قُتل في العراق، ودفن هناك، وكانت معه في معركة كربلاء، ولا يوجد أي دليل تاريخي أو أثري يؤكد على وجود قبرها، أو قبر أخيها في مصر. هناك أضرحة فحسب. فهي أُخذت أسيرة من الكوفة إلى الشام، مع رأس أخيها، وليس مع جثمانه. ثم إن المسافة بين مصر والعراق في ذلك الوقت كانت تستغرق ثلاثة أشهر. فلو أنها كانت في مصر فعلاً، فهل من المعقول أن يرسلوا إليها جثمانه، أو ينتظروا ذهابها ثلاثة أشهر، من دون دفنه لكي تلقي عليه نظرة الوداع؟
أما قصة "أصابع زينب" الثانية، فأُخذت من معركة عين جالوت، التي دارت بين المسلمين والمغول، وانتصر فيها الظاهر بيبرس. وعقب عودته من المعركة، استقبله المصريون في احتفال مهيب، وقدموا له بعض الحلوى. فلفت انتباهه طعم واحدة من الحلويات وشكلها، ولما سأل الطاهي عن صانعها، شعر هذا بالارتباك والخوف فقال له: "إنها أصابع زينب". فطلب بيبرس رؤية الطاهية زينب التي أعدت هذه الحلوى، فأُعجب بها، وتزوجها بعد ذلك. لكن يُطرح السؤال: كيف لقائد مثل بيبرس، الذي قتل قطز بسبب تنمره، وعنصريته، ووصمه بالعار لأنه مملوك، وليس مصري الدم، أن يتزوج خادمة من القصر؟ كما أنه لا معلومات تؤكد صدق هذه القصة.
القصة الأولى تبدأ من منطقة السيدة زينب؛ الأخت الكبرى للإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب، زوج فاطمة ابنة النبي محمد عليه السلام. أثناء زيارتها مصر، قُدمت لها هذه الحلوى كنوع من حسن الاستقبال
أما القصة الثالثة، وهي الأقرب إلى الصدق، فتقول إن شاباً أحب فتاة كانت مغرمة بطهي الحلويات، لكن أسرته ترددت في قبول زواجه منها، فابتكرت حلوى، وقدمتها لهم كنوع من الود من أجل الموافقة. وأُعجبت الأسرة بهذه الحلوى، وأطلقت عليها اسم "أصابع زينب"، ثم انتشرت في مصر بعد ذلك.
ثمة حلويات أخرى أُخذت أسماؤها من جسد المرأة، مثل حلوى "رموش الست"، التي تمثل واحدة من أبرز الحلويات الشامية التي هبطت إلى مصر من العراق. واستطاع المصريون التفنن في أشكال تقديمها، واستحداثها من خلال إضافات جديدة إليها. ظهرت هذه الحلوى في طرابلس، وتحديداً في عهد الحاكم بربر آغا، الذي عُرف عنه حبه للحلويات والعزائم. وخلال مناسبة أقامها، قُدمت حلوى على شكل رموش، فاقترح أحد ضيوفه تسميتها بـ"رموش الست".
"أم علي" أول حلوى توزع في التاريخ بعد جريمة قتل
تُعد حلوى "أم علي"، الحلوى الأكثر انتشاراً في مصر، وفي الكثير من البلاد العربية. لم تنتشر حولها الأساطير مثل "أصابع زينب"، بل ذُكرت قصة واحدة حول نشأتها التي تعود إلى زوجة عز الدين أيبك، وكانت كنيتها "أم علي". صنعت هذه الحلوى بعد أن ثأرت لنفسها من فعلة زوجها بقتل شجرة الدر.
كان طلاق عز الدين أيبك، لزوجته وأم ابنه، أحد الأسباب التي أشعلت في روحها نيران اللوعة والحقد. إذ كان يطمح إلى التربع على عرش الحكم المملوكي، فأحدث زواجه من شجرة الدر نقلة نوعية في تاريخه، وأصبح السلطان الأول للمماليك بانتهاء حكم الأيوبيين. ولما تزعم السلطة، وألغى دور شجرة الدر، كادت له، وأقسمت أن تتخلص منه، وأمرت بقتله. وصل الخبر إلى زوجته السابقة أم علي، وما كان منها إلا أن تنتقم منها بسبب زواجها من عز الدين أيبك، وقتلها له، ما دفع الخادمات إلى أن يضربنها بواسطة "القباقيب" حتى ماتت. وبعد موتها اعتلى ابنها العرش، وسرعان ما أُعلنت الأفراح، وصنعت بنفسها الحلوى، ووزعتها على الناس، فأطلقوا عليها اسم حلوى "أم علي".
"كول فول وصلي عالرسول"... ما سرّ تلك العلاقة المقدَّسة بين العرب والفول؟
ذاع انتشار حلوى أم علي في الكثير من البلاد التي كانت تحت الحكم المملوكي، ومنها مصر، والسودان، والمغرب، والعراق. وإن كان اسمها قد تغير مع مرور الزمان من مكان إلى آخر، فإن الاسم الأصلي لها هو أم علي، وهي منتشرة في مصر بشكل كبير، وتحتل مكانة هامة في المطاعم والمقاهي، وتوزع في الولائم والعزائم.
لم ترق لي هذه القصة التي شعرت فيها بالخيبات، وأولها لمناسبة تقديم الحلوى، التي توزع احتفاءً بقتل امرأة أخرى لم تقترف ذنباً في هذه الحياة إلا أنها وافقت على الزواج من رجل أقنعها بالارتباط به من أجل تقلد المناصب. ولم ترتكب أي جريمة بقبول الزواج منه، بحسب ما يشرّع الدين الذي تعتنقه. ومثلها مثل كثيرات يقبلن الزواج برجل متزوج، بموجب النصوص الدينية. وإن كنت لا أقبل بتعدد الزوجات، فلا أقبل أن تُقتل امرأة اختارت أن تكون زوجة ثانية. فهذه حياتها، ولها مطلق الحرية في ما تريد أن تختار.
"عزيزة" سر غرام السيد مصطفى في بورسعيد
بعد "أصابع زينب" و"أم علي"، يأتي دور عزيزة. الموطن الأصلي لنشأة هذه الحلوى هو مصر، وتحديداً بورسعيد. بدأ انتشارها في نهاية أربعينيات القرن الماضي على يد مواطن مصري يدعى السيد مصطفى، الذي استخدم اللبن والنشا والسكر في ابتكار حلوى جديدة. لم يضع لها اسماً، حتى تزوج من حبيبته عزيزة. ومنذ تلك اللحظة أُلصق اسم زوجته بالحلوى التي شاركته في صنعها. أخذت "عزيزة" تنتشر في بورسعيد، حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر، ما دفعه إلى ترك مدينته كما فعل الكثيرون. أخذت حلوى عزيزة تنتقل معه من مدينة إلى أخرى بين المحافظات المصرية. وتحظى برواج كبير بين المصريين في القاهرة، ودمياط، وبورسعيد.
إن كانت البلدان العربية جميعها تعترف بقيمة المرأة، وتربطها بالجمال أو الحلاوة، فلماذا إذاً تقيّدها، وتعتقل حريتها، وتأكل حقوقها؟
"بسيمة" صاحبة الوجه المبتسم
يأتي دور بسيمة، تلك المرأة التي اشتهرت بحبها للحلويات، وبابتسامتها، وعُرفت بين الناس بصاحبة الوجه المبتسم. وفي إحدى المناسبات الخاصة بها، صنعت حلوى من الدقيق والسمن، وأضافت إليهما جوز الهند، ثم قامت بتوزيعها على الناس كما اعتادت أن تفعل. ولما أعجبهم ما صنعته، أطلقوا اسم بسيمة على الحلوى تقديراً لها. وهي تنتشر في الكثير من البلاد العربية.
غزل البنات
على الرغم من أن حلوى "غزل البنات" إيطالية الأصل، إلا أنها انتشرت في البلاد العربية بشكل كبير. ويعود سر تسميتها بهذا الاسم إلى أحد العمال داخل أحد مصانع صناعة الحلويات الإيطالية، وتحديداً عام 1400. إذ وضع العامل كمية من السكر في قالب معدني، وتركها على نار هادئة. وأثناء عمله، لاحظ العديد من الخيوط الهشة تخرج من القالب. ولما حاول تجميع هذه الخيوط أسرعت الفتيات لمساعدته. بعد أن قامت الفتيات بغزل الخيوط، ذهب إلى السوق وباعها. وبيعت في البداية باسم "غزل الجنية"، ثم بعد ذلك عُرفت بالحلوى القطنية، وانتهى الأمر إلى تسميتها بـ"غزل البنات".
وفي حين أن مجتمعاتنا العربية قد أطلقت الأسماء النسائية على الحلويات، فإنها أيضاً صنّفت ووضعت تقييماً لأخلاق النساء باستخدام الحلوى. فخرج كلام كثير يشبّه الفتاة غير المحجبة بالحلوى المكشوفة التي تتراكم حولها الحشرات الطائرة والزاحفة، على حد تعبيرهم، فيما أن المرأة المحجبة تشبه الحلوى المغلّفة، التي لا تقترب منها الحشرات. ربما لم ينتبهوا إلى أنهم وصفوا من يعتدي على المرأة المتحررة بأنه حشرة، وأنه لا يمكن للمرأة العاقلة، متحررة الفكر، أن تلتفت إلى حشرة.
لم يقف إطلاق الأسماء النسائية على الحلويات عند هذا الحد، بل إن بعض الحلويات حملت أسماؤها صفة التأنيث، كالبسبوسة، والكنافة، والهريسة، والسمسمية، والحمصية، والفولية، وغيرها. وإن كانت البلدان العربية جميعها تعترف بقيمة المرأة، وتربطها بالجمال أو الحلاوة، فلماذا إذاً تقيّدها، وتعتقل حريتها، وتأكل حقوقها؟ أو عساها تفعل هذا لأنها تشيّء المرأة، وترى فيها غرضاً، أو قطعة حلوى.