أ. د. عادل الأسطة - الفلسطينيون مثل بقية الشعوب، و"كل شعب له سعيده" وله أبطاله

لم تعد الذاكرة تسعف أحياناً. في حزيران هذا ٢٠٢٣ دخلت في عامي السبعين ويبدو أنني صرت أنسى.
مؤخراً أعدت قراءة قصة قصيرة من الأدب الألماني اليساري الثوري المقاوم للنازية عنوانها «المأوى Das Obdach « وقد ضمتها مجموعة قصصية عنوانها «المخربون: Die Saboteure» وهي للكاتبة الألمانية التي عاشت في ألمانيا الشرقية «آنا زيغرز» (Anna Seghers)، وقد نقل المجموعة إلى العربية الدكتور السوري أستاذ الأدب المقارن عبده عبود. صدرت المجموعة بالعربية عن دار الفارابي في العام ١٩٨١.
لم ألتقِ بالدكتور عبده ولكننا صرنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي صديقين، فهو يشرف على صفحات عديدة منها صفحة خاصة بالأدب المقارن التي أتابع من خلالها بعض ما ينشر تحت باب الأدب المقارن والأدب الألماني والعربي، وأخذنا أحياناً نتحاور ونبدي رأينا في موضوعات أدبية.
في ١٥/ ٨ /٢٠١٦ ذكرت (زيغرز) ومجموعتها «المخربون» حين كتبت عن مقال كتبه القاص زياد خداش يبدي رأيه فيما أكتبه من نقد «الجمال متجاهلاً» يشير فيه إلى أنني لا ألتفت إلى النواحي الجمالية، وناولت المجموعة لزياد حين زارني في البيت بصحبة يسار دحبور ومهيب البرغوثي، فرفض أن يأخذها ليقرأها، إذ لا تروق له هذه الكتابات القصصية الأيديولوجية.
إنه ليس من جيل كتاب الستينيات والسبعينيات والثمانينيات الذين تربوا على أدب الواقعية الاشتراكية.
وفي ١٣/ ٣/ ٢٠٢٣ نشرت فقرة تحت عنوان «الأدب السياسي» أتيت فيها على مجموعة «المخربون» فأوضح لي الدكتور عبده أن عنوانها بالألمانية هو «قوة الضعفاء: Die Kraft der Schwachen» «أما المخربون فهو عنوان إحدى قصص تلك المجموعة، وقد لجأت دار الفارابي اللبنانية إلى إجراء ذلك التغيير التعسفي دون استشارتي. لم أزل أعتقد أن «قوة الضعفاء» هو العنوان الأجمل. تحياتي».
وليست هذه أول مرة أتحاور فيها حول المجموعة مع الدكتور، فمرة ذكرت اسمها دون أن أكتب اسم مترجمها، ولما قرأ ما كتبت سألني:
- هل تذكر من ترجمها؟
ولحسن الحظ أنني أحتفظ بنسختي منذ اشتريتها في العام الذي صدرت فيه، فصورت الغلاف وأرسلته إليه.
في تلك الأعوام - أي يوم اشتريت المجموعة - كنت أتردد على رابطة الكتاب الأردنيين، وإن لم تخني الذاكرة فقد عرفت عن المجموعة أولاً من القاص يوسف ضمرة الذي أبدى في قصصها إعجابه غير المحدود، وقد تكون تركت أثراً كبيراً في قصصه التي كتبها في حينه، فقصصه الأخيرة التي قرأت قسماً منها وأنا أتواصل معه على صفحات الفيس بوك اختلفت اختلافاً كلياً أسلوباً وحجماً وابتعاداً عن السرد الواقعي الذي بدا في قصص «المخربون».
من القصص التي قرأتها وأعدت قراءتها قصة «المأوى»، وقد عدت مؤخراً إليها لكي أقرأها من جديد ثالثة ورابعة فقد ذكرتني بها روايتا كميل أبو حنيش «الجهة السابعة» ٢٠٢١ و «تعويذة الجليلة» ٢٠٢٣ بخاصة حين أبرز نماذج نسوية فلسطينية تفاوتت مواقفها من مقاومة الاحتلال بين الإيجاب والسلب، كما في الأولى، حيث هناك نماذج تحمي المطاردين وأخرى تخشى على مصالحها وبيتها فترفض إيواءهم، وكما في الثانية أيضاً حيث الجليلة تحمي المقاومين وتعطيهم ذهبها لكي يشتروا السلاح، وإن اقتضت الضرورة تخفيه إن اقتحم المحتلون بيتها.
في قصة «المأوى» نقرأ عن ألماني قاوم النازية يوم صعودها ثم اختفى في باريس، وعندما احتلها النازيون ألقوا القبض عليه وساقوه إلى ألمانيا لتنفيذ حكم الإعدام فيه، ولما كان ابنه ابن الثانية عشرة معه، وكانت أمه توفيت، فقد قرر النازيون إرساله إلى أقاربه هناك ليرعوه، أو إلى وضعه في منزل رعاية الأحداث، وكان الطفل مثل والديه يكره النازيين ويكره أيضاً أقاربه، فقرر عدم العودة حتى لو انتحر.
حين سمعت امرأة فرنسية متزوجة ولها أطفال بقصة الطفل قررت إيواءه، على الرغم من معارضة زوجها بسبب الخوف الشديد، ولكن المرأة تلجأ إلى الحيلة فتخدع زوجها وتحضر الطفل بحجة أنه ابن ابنة عمها التي تريد السفر لرعاية أبيها فتطلب منها أن ترعى لها ابنها.
الزوج الذي كان يشارك في مظاهرات العمال يكون متقلب المزاج ويقف مع الحيط الواقف، ونجده أحياناً يمدح الألمان والنظام لديهم، ولكنه عندما يلحظ تصرفاتهم التي تزداد قساوة يوماً فيوماً وتنعمهم بالثروة والمال والطعام ويقارن هذا بواقع الفرنسيين تحت الاحتلال يتغير كلياً بحيث يخاطب زوجته مبدياً أسفه لعدم إيوائه الطفل الألماني:
«على ابنة عمك أن تتدبر أمر ولدها بنفسها. هذا لا يعنيني أبداً، أما ابن هذا الألماني فأنا مستعد لتقبله» وهنا أدارت الزوجة له ظهرها قائلة:
«لقد قمت باستقباله».
لكم مرة كرر إميل حبيبي مقولة إننا مثل بقية الشعوب و»كل شعب له سعيده».
التشيك لهم «شفيك» والإسبان لهم «دون كيشوت» وكل شعب أيضاً له أبطاله، أما أبناء العمومة فيصرون على أنهم شعب الله المختار.


عادل الأسطة
2023-06-25

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى